المشاركات

عرض المشاركات من 2025

زهرة النرد

رأيت ذات مرةٍ، أربعة فتية في ريعان الشباب يحملقون إلى أعلى نحو شيءٍ معين، ثُم يتهافتون إليه راكضين، أي، حيثُ المكان الذي سقط فيه على الأرض، ثم يلتفون من حوله، الغريب في الأمر، أنهم كانوا يذكرون أرقاماً عشوائيةً قبل أن يسقط ذلك الشيء، وبعد ذلك، كان كل واحد منهم يندبُ حظه ويقول: "يا لحظي السيئ". شدّني هذا الأمر الغريب وأثار فضولي وجعلني أدنو منهم شيئاً فشيئاً من باب إرضاء الفضول، وعندما اقتربت منهم، ألفيتهم يعدون العُدة لتكرار التجربة، وكانت في راحة يد أحدهم، قطعةٌ صغيرة جداً مصنوعة من مادة اللدائن لها ستة أوجه، وفي كل وجه منها عددٌ من النقاط تبدأ من الرقم واحد حتى الرقم ستة، أي أنَّ عدد هذه النقاط كان بعدد الأوجه، ولعلَّ القارئ قد عرف ماهية هذه القطعة التي أقرب ما تكون في شكلها الهندسي إلى المكعب، وهوَّ شكلٌ فراغي ذو ثلاثة أبعاد- طول وعرض وارتفاع- وتُعرَف هذه القطعة بزهرة النرد، على أية حال، قام من كان يحمل تلك القطعة في راحة يده بإطلاقها إلى أعلى، وأخذ كلٌ منهم يذكر الرقم الذي أختاره كتعويذةٍ لجلب الحظ الجيد أو شيءٍ من هذا القبيل، وبعد بُرهة سقطت سقوطاً حراً على الأرض، ثُم ار...

قراءة العيون

قراءة العيون بقلم: زياد العيساوي بنغازي: 2005.4.20 ...... ثمة صفحات، غير تلُكم الصفحات، الموجودة في أُمهات الكتب والمجلدات، لم تُرقم بأرقام، ولم تُلملم بدواوين، لكن في معانيها الكثير من المضامين، ليست من نظم كاتب واحد، بل اشترك في كتابتها كُلُّ كاتبٍ مخضرم وآخر واعد، نُسِجت بأوضح الخطوط، ببلاغة الأمل والقنوط، خُطت بقلم الفرح، وبلغة الألم والجرح، نظمها شاعرٌ بشاعرية ومعاناة، ومتهكمٌ ساخرٌ من سُخرية الحياة، عددها بعدد سني أعمارنا، ومدادها انعكاس ما يدور في أفكارنا، كانعكاس الوجوه في المرآة. إنّ في عيون كل إمرئٍ صفحات مسجلة، تتناثر حروفها، وتتبعثر قطوفها، في سجلٍ حافلٍ بالذكريات، ليست كغيرها من تلك الحروف المنقوشة على رمال شاطئ البحر بأصابع العشاق، والتي تُمحا بفعل تلاطم الأمواج، ثُم لا تلبث أن تختفي، وتذهب أدراج الرياح، حين حدوث الفراق، أو كتلكم الحروف المحفورة على الأحجار الصَّماء، التي أكل عليها الدهر وشرب، وأصبحت بقايا كلمات على جُدران زمن مدينة قد أصبحت أطلالاً، بفعـل مُضي السنين، وتقادم الزمن، اجتهد الكثيرون لفكّ طلاسمها من دون جدوى، وباءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع، هي صفحات كُتِبت...

متى يكون القاص أديباً؟ وهل في القصة أدب؟

في واقع الحال، إنّ هذين السؤالين، ما هما في الأصل إلا سؤال واحد مُركَّب، وقد وردا وتمظهرا في السياق المُعنوَّن به مقالتي هذه، لغاية واحدة، فمتىٰ تمّت الأجابة عن أحدهما بالسلب أو الإيجاب، تحققت الإجابة عن الآخر طوعاً وبالمثل. ماذا لو أننا جعلنا رمية البداية تكون من السؤال الثاني؟ لنرى كيف ستتحقق هذه المعادلة. في أحيان كثيرة، قد يوسم القاص لدى التعريف به بأنه أديب، وفي أحايين أخرىٰ، قد تسبق الصفة الموصوف كما في اللغة الإنجليزية، وعلى غير العادة، فيقولون لك: هذا الأديب القاص (فلان).. فهل هو بحقِّ على هذا الوصف، أم أنه محض وصف متداول عند التعريف بأي قاص؟ أسأل هذا السؤال، لكوني لا أظنّ مجرد الظنّ، بأنّ قيل ليّ يوماً: إنّ هذا الأديب الشاعر (س) أو على الأقل، إنّ هذا الكاتب الأديب (ص) حين التعريف بهما.  إننا إذا بحثنا عن لفظ (أديب) نحوياً سنجده صيغة مبالغة على وزن (فعيل) على غرار (كريم) والأخير من أسماء الله الحسنى لسعة كرمه سبحانه وتعالى، وثمة اشتقاق لغوي لأي فعل يسبق صيغة المبالغة، فهذه الأخيرة، أجدها تُشتَق من الفاعل قبل الفعل نفسه، لأنّ أي فعيل قبل أن يكون كذلك، هو فاعل تمرَّس  عل...

شؤون كتابية

(1) الكتابة عن الكتابة بمسقط هندسي (أمامي) وبنظرة من عينيك إلي أيما نصٍّ أدبي، ستجد أنّ الكتابة كلمات تجري فوق السطور، ولم تكُن البتَّة تحتها، هذا ما أدركه تمام الإدراك، و لكنْ منَّا منْ يُطالع النصوص، ثم يضع (خطوطاً) تحت الكلمات، مُشكِّلاً لنفسه بعد ذلك من هذه الخطوط (سطوراً وهمَّية) تشغل حيزاً من الخواء الذي هو أصلاً موجود بين السطور الأصلية للنصِّ المكتوب، ليكتب عليها فيما بعد، عن موضوع النصِّ الذي قرأه، لأنه وكما يدَّعي قارئ حاذق، وليس كمثله قارئ، لكونه يعرف جيداً كيف يُطالع ما بين السطور، حتى ليجعل فرائسك ترتعد، إثر استماعك إلى عبارته هذه التي لا تخلو من حدس (بوليسي) فتتصور بأنّ ثمة من يكتب بالحبر السّري، ثم يأتي من بعده، من هو على شاكلة الأول بعدسة مجهرية، لينقب ويكتشف بها بواطن النصوص، وما إدعاؤه الذي صاغه في الحقيقة إلا مسوّغ منه، كي يجد لذاته موطأ قلم، وليقحم أنفه في الصُّحف والمجلات، والثانية هي من تُشكّل الأغلبية في نشر مثل هذه الكتابات التي يُسميها بنفسه (قراءات) ولا يجرؤ أبداً على أن يُسميها (نقديات) فهو أعرفُ بقدراته من الآخرين، الأمر الذي يحدُّ من بروز أسماء جديدة لديها ...

صعب جداً

من الصعوبةِ بِمكان، أن نجدَ من نستشيره، و الأصعب من ذلك، أن نجدَ من هو كفؤاً لذلك، و الأكثر صعوبة من هذا وذاك، إيجاد شخص يكترث لأمرنا، ويأخذُ بأيدينا إلى ما نصبو إليه من نجاحٍ ورُقي، أي بمعنى، أنَّ هذهِ الصِعاب مُشتملةً، تكمنُ في عدمِ وجودِ شخصٍ تتوافر فيه تلك الصفات مجتمعة، ما يجعل من كل أمر نَُزمع الإقدام عليه، يبدو لنا وكَأنه صعبٌ جداً. تصعب علينا أحياناً في خضم هذه الحياة و مفارقاتها بعضُ الأمور، ربما لقِلة خبرتنا بها، فلا نجد بُداً من استشارة من هُم من حولنا، مِمَّن دخلوا مُعترك هذه الحياة قبلنا، ليسدوا لنا النصيحة والرأي السديد من واقع خبرتهم بهذه الحياة. لكنْ حينما نطلب من أحد المبدعين، في أيِّ مجالٍ من مجالات الإبداع شيئاً من ذلك، نجده يبخل علينا ولو بالنزرِ اليسير مِمَّا اكتسبه من خبرةٍ، ما ينعكس علينا بشيءٍ من الإحباط وخيبة الأمل والندم الشديد، لكوننا في يومٍ ما، قد تصورنا بأنه سيكون عوناً لنا في سعينا وراء النجاح، ونحن نخطو خُطانا الأولى نحوه، وليت الأمر يتوقف عند ذلك فحسب، بل نجده أحياناً يضع العوائق أمام سعينا، كأنْ يُشكك في مواهبنا أو يضع العثرات أمام خطانا الحثيثة، بأن ي...

أفعل التفضيل

قد يأتيك أحدهم، ويُدّخلك في مماحكات أنت في غنى عنها، عندما يطلب إليك أنْ تُفاضل بين أمرين لا ثالث لهما، وأن تنحاز إلى أحدهما، فلا يُعطيك الحقَّ في أن تلتزم جانب الحياد، ما معناه بلغة الألوان، أن تختار بين اللون الأبيض أو الأسود، فإن أعلمته بأنّ هذين الأمرين على حد سواء من وجهة نظرك، اتهمك بأنك تخلط بين اللونين، عندما تقف في المنطقة الوسطى بينهما، لكأنه يُخيّرك بين الجنة والنار، فليس ثمة منطقة وسطى بينهما، يحدث هذا عندما يُوجّه أحدهم إليك سؤالاً تجد في سياقه لفظ (أفعل التفضيل) وأفعل التفضيل هو كل اسم مشتق من الفعل الماضي الثلاثي، يأتي على وزن (أفعل) مثل (أحسن) و(أفضل) و( أكثر) و(أجمل) وما إلى ذلك من أسماء مشتقه تأتي على هذا الوزن، فمثلاً قد يسألك أحدهم: من تحب أكثر، هل أخوك (س) أم أخوك (ص)؟.. فتجيبه مُبديَاً استغرابك: بأنهما يحوزان على القدر نفسه من المحبة، لكنه يسألك مجدداً ومبدياً إلحاحه: أرجوك قلُ ليّ، من تحب أكثر؟.. ولو أعدت إجابتك الأولى، فسوف يحاول أن يُظهر تفهمه لإجابتك، ثم لا يلبث أنْ يسوق لك سؤالاً آخراً باستحدام لفظٍ ثانٍ لأفعل التفضيل، حينما يسألك وقد نفد صبره: استحلفك بال...

شبه المنحرف

جرىٰ الدأبُ، حينما نجد شيئين مرتبطين ببعضهما بعضاً، أن نقول: "هما وجهان لعملة واحدة" ككناية بلاغية عن مدى ارتباطهما، وكدلالة على صعوبة التفريق بينهما من ناحية أهميتهما في أي أمر يتعلق بهما، فلا يُذكَر أحدهما من دون الآخر، ولايمكننا أن نتجاهل أحدهما، لأن كُلّاً منهما يُكمّل الأخر.  لكن الحال تختلف، فيما لو كان ثمة أمر يعتمد على أربعة أشياء، ترتبط فيما بينها برباط عضوي لا فِصام له، أي مُحكَم البُنيان، فما عسانا أن نقول لتبيين ووصف العلاقة التي تجمعهم في شكل عبارة بلاغية، فيها إشارة إلى عدم إمكانـية استقلال أحدها عن الآخر؟ فهل سنعيد تلك العبارة بتركيب مختلف، لنقول: "إنها أربعة أوجه لعملة واحدة؟ " قطعاً لن تُلاقِي هذه العبارة استحسان أحد من القُرَّاء، لأنه وببساطة من المعروف لدى الجميع، أنّ لكل عملة وجهين وكفى، وعدد ما لدينا من عناصر هو أربعة، لذا اسمحوا لنا في مقدمة هذا المقال، أن نقوم بشيءٍ من هندسة الكلمات، لأننا وجدنا في علم الهندسة ضالتنا لهذا المُراد ولكي نقول: "إنها أربعة أضلاع لمربع واحد" لأنه وكما تعلمون، بأنّ للمربع أربعة أضلاع متساوية في الطول، يقوم...

المعادلات الصعبة

نعلم جميعاً بأنهَّ لإثباتِ صحةِ أيَّة معادلةٍ رياضيةٍ، يجبُ أنْْ يتساوىٰ فيها الطرفان، أي أن يتّزنَ الطرفان الموجودان على ميّمنةِ وميّسرةِ علامةِ التساوي، وغالباً ما يشتمل أحدهما على عدة مجاهيلِ، أما الآخر، فيكون في شكل رقم ثابت ومعلوم لدينا، ولحلِّ هذه المعادلة علينا أنْ نُجريَّ عمليات حسابيةٍ على الطرف الذي توجد فيه تلك المجاهيل، جمعاً وطرحاً، ضرباً وتقسيماً، تربيعاً وتكعيباً، حتى نجعله يتبلور فيُختَزل إلى أنْ يُختصَر في شكل رقمٍ يكون مساوياً للرقم الثابت الموجود على الطرفِ الآخر لعلامة التساوي، فتصحُّ بذلك المعادلة، ولعلَّ الأخوة المهتمين بعلم الرياضيات قد أدركوا ما قصدناه من هذه المقدمة، لكنّ هناك معادلة صعبة أعيت وأجهدت الكثير من المجتهدين لإثبات صحتها، الطرف الثابت فيها ناتجٌ عن عِدة اشتراطات تتفرع من بعضها بعضاً، لتكوَّن في مُجملها المجاهيل المتمثلة في الطرف الآخر. تمرُّ على معابر مسامعنا في هذه الحياة اشتراطاتٌ كثيرةٌ في شكلِ جُملٍ شرطية، من النوع الذي يقترن فيه جواب الشرط بحرف (الفاء) مع اختلاف نوع هذا الجواب، فأطواراً يكون جُملاً فعلية مختلفة الأساليب، وفي أطوار أُخرى، يكون ج...

نتائج حرب غزة

(مظاهر الفرح) إنّ احتفال الفلسطينيين في قطاع غزة بوقف إطلاق النار، لا تفسير له بتصوري، سوى أنهم قد تأذوا من هذه الحرب، وما يؤكد هذه الفرضية- ولا ازعم بالحقيقة- هو أن هذا الاحتفال لم يسرِ على اليهود. (ارتداد عكسي النتائج) بظني، لم يستفِد الشعب الفلسطيني من عملية طوفان الأقصى في شيء، بل كانت الاستفادة لصالح الشعبين في سوريا ولبنان ومن دون حُسبان، فمن تداعيات هذه الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، هو سقوط النظام المستبد في دمشق، وفقدان حزب الله في لبنان لقوته، واضمحلال النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذه الاستفادة ستعم من ثم على الشرق الأوسط بأسره. وهي نتائج عظيمة، لم يكُ في الوسع تحقيقها ولا حتى تخيلها قبل ذلك. وقد تكون المصلحة الفلسطينية الوحيدة المترتبة على هذه الحرب للجانب المضاد لحركة حماس ومن لفّ لفّها، إذ أن هذه الحرب قد أضعفت- ولا شك- الحركة عسكرياً وسياسياً، وربما حتى اجتماعياً. (أسباب الحرب) لهذه الحرب أسباب مُعلنة، وأخرى يُبرَّرها مؤيدو حركة حماس. فور انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتور من العام المنفرط، أعلنت حركة حماس جهاراً نهاراً، بأنها اضطرت إلى القيام بهذه العمل...

النقطة الحرجة

في علم التفاضُل، وهوَّ أحد أقسام علم الرياضيات، ثمة بابٌ يُعنى بالمنحنيات، حيثُ يقسّمها المختصون وذوو الشأن بهذا المجال العلمي إلى نوعين، هما المُنحنىٰ المُقعَر إلى أعلىٰ والمُنحنىٰ المقعر إلى أسفل، والأول منهما، هو كل مُنحنىٰ يكون فيه اتجاه الحركة إلى أعلىٰ، أي بشكلٍ تصاعدي، ثم فجأةً يصبح اتجاه الحركة إلى أسفل، ويحدث هذا الانقلاب المُفاجئ في شكل الحركة، بعد الوصول إلى قمة هذا المُنحنىٰ، أي عند أعلىٰ نقطة فيه، وتُعرَف بالنقطة الحرِجة، التي يختلف موقعها في المُنحنىٰ الثاني عن الأول من حيث تواجدها، فهي توجد في الدرك الأسفل له، وتمثّل أسفل نقطة فيه، ويتغير أيضاً عندها اتجاه الحركة من كونه تنازلياً إلى تصاعدي، على أية حال، فما يهمنا في هذا الشأن، هو التنويه إلى النقطة الحرِجة، وما تعنيه. وعلى خلفية ما ورد في المقدمة، نودُّ معرفة النقاط الحرجة لمعانٍ كثيرة، سنأتي على ذكرها في خاتمة هذا المقال، وذلك بعد قراءة القول المأثور: "إذا زاد الشـيء عن حـدِّه، انقلب إلى ضدّه".. لاحظ كلمة (حـدِّه) و(ضدٍّه)  اللتين جاءتا في سياق هذا القول، فالمعنى الذي نستشفه منه: أنّ لكل أمر حداً أو درجةً معي...

حكــايـة الإنـســــان

لكلِّ بدايةٍ نهاية، تفصل بينهما حكاية، تُروى بألف رواية، نجدها في صفحات الكتب، تحتمل الصدق والكذب، الإيجاز والتفصيل، الأخذ والعطاء بالتأويل. فمثلاً، بداية الكلمة هي حرف ونهايتها هي حرف آخر وما بينهما معناها، وبداية الجمل الاسمية هي المبتدأ ونهايتها الخبر، أما الجمل الفعلية، فتبدأ بالفعل وتنتهي بالفاعل، وإلا سوف تكون جمل غير مفيدة ولا معاني لها، والخلق كانت بدايته كلمة (كُن) وهي جملة فعلية أسلوبها أمر، لأنها ابتدأت بفعل أمر وهوَّ (كُن) وانتهت بالفاعل وهوَّ ضمير مستتر تقديره (أنت)، وما بين البداية والنهاية هنا هي حياة الدنيا، كانت هذه الأمثلة للبدايات والنهايات لحكايات أردناها مقدمة لمقالنا هذا. إلا أنّ هُناك حكاية تختلف كل الاختلاف عمَّا سبقتها من حكايات، وهيَّ حكاية الإنسان، فحكايته تبدأ بميلاده وتنتهي بوفاته، والفاصل بينهما حكاية عمره، ونهاية الإنسان (المنية) هي البداية الحقيقية لحكاية أُخرى، أو بمعنى آخر، هي بداية الفصل الثاني والأخير من حكايته، لأنّ الإنسان يولد من العدم بقدرة الله تعالى وينتهي به المقام إلى اللحد، أي إلى حالة العدم ثانية، ثُم يُبعَث مجدداً، فيكون مبعثه بدايةً لحكاي...

رحلة الكلمات على خطّ الأعداد

ما هما الرقمان اللذان إنْ قُمت بجمعهما، فسوف تتحصل على الرقم ستة كناتج لهذه العملية؟.. عزيزي القارئ، خذ هذا السؤال، وقُم بطرحه على أربعة أشخاص ممن يحيطون بك، وبعد ذلك، انظر إلى ما سوف يجيبونك به عنه، ستجدهم وفي طرفة عين، يأتونك بأربع إجابات متباينات تساوي في مجملها عدد هؤلاء الأشخاص، وعلى الرغم من كونها مختلفات، إلا أنها صحيحات، حينما يذكرون لك هذه الإجابات: (0+6)، (1+5)، (2+4)، (3+3).. ثم اسألهم: هل من مزيد؟.. ستراهم يهزون رؤوسهم سلباً، قُم بعد ذلك بتغيير العملية الحسابية من كونها جمعاً إلى طرح، وبادر شخصاً آخراً بهذا السؤال: ما هما الرقمان اللذان إنْ طرحت أصغرهما من الأكبر، فسوف ينتج لديك الرقم ستة باقياً؟.. ستجده وفي لمح البصر، يكيل إليك سيلاً جارفاً من الإجابات التي تفوق الحصر، ما من شأنه أنْ يرغمك على الاكتفاء ببعض منها وعن رضا، ومن بين هذه الإجابات التي سترد على لسـانه ومـن ثم إلى مسامـعك: (7–1)، (8–2)، (9–3)، (10–4)، (11-5)..إلخ. ماذا بعد؟.. دع الخمسة وشأنهم، وابقَ معي لشأن آخر، فلعلك لاحظت معي، إنَّ الإجابات الناتجة عن العملية الثانية (الطرح) أكثر بكثير منها التي نتجت عن العملي...

الكتابة بالأرقام والحروف

             (1) بالحروف فقط تُدوَّن أسماؤنا، وبها بعد الأرقام تُكتب المبالغ المالية في الصكوك المصرفية، وبالأرقام من دون الحروف تُحسب سنو أعمارنا، وبهما معاً تُثبت النظريات في العلوم التطبيقية، فكما يُقال: (الحروف لغة الآداب، والأرقام لغة العلوم ).                (2) (ب) حرفٌ أبجدي يظلُّ على حاله جامداً بلا معنى ولا مدلول، ما لم يرتبط به آخر ويكونان معاً كلمة، وفي حالته هذه (المنفردة) نستعمله فقط كرمزٍٍ عند تقسيم البنود أو المحاور المُرقمَة في الكتب إلى أجزاء وتفرعات في أشراط الموضوعات (علاماتها) أي أنَّه يسدُّ مسدَّ الرقم في هذه المهمة وينوب منابه، لكنك إذا كتبت حرفين جنباً إلى جنب، قد تتولد لديك كلمة في أوقات وربما لا تصل إلى شيء مما يُذكر في أوقات أخرى، أي بحسب جهة إسناد الحرف الثاني إلى الأول، تبسيطاً لهذه المسألة، أضف حرف (الحاء) مثلاً إلى ميمنة الحرف الأول ستحصل على كلمة (حُبّ) أما إذا كانت جهة الإضافة هي اليسار، فسوف تكون الكلمة الناتجة لديك هي (بح) وهي كلمة ليس لها أصلٌ في معاجم اللغة العربية الفصحى،...

الوجه الآخر للإنسان

الوجه الآخر للقمر لا نراه، فصورته تبدو لنا واضحة وثابتة، حتى حين اكتمال استدارته في نصف الشهر القمري، فهو يقبع هنالك، خلف الوجه المنظور منه، ومرجعية ذلك عائدة إلى أنَّ زمن دوران القمر حول نفسه مساوٍ لزمن دورانه حول الأرض، التي نحيا عليها ونقف على سطحها بزاوية النظر إليه، فهذا هو التفسير لهذا المانع من حيثُ الناحية العلمية. أما الشمس، فتبدو لنا غير واضحة المعالم، فما هي إلا نجمٌ يتوهج إشعاعاً، بالكاد نستطيع النظر إليه بالعين المجردة فقط لثوانٍ معدودة، بفعل التفاعلات والانشطارات النووية التي تحدث في جوفها، فالنظر إليها يُبهر الأبصار ويُصيبها بشيءٍ من الغشاوة، بل أن مؤداه إلى العمى (عافاكم الله) إن أطلنا النظر إليها، لاسيما في ساعات الذروة، ومع ذلك لا يستطيع أحد منا أن ينكر ما للشمس من أهمية في رؤية الأشياء التي تُحيط بنا، فهي لا تتيح لنا فرصة النظر إليها، بقدر ما تساعدنا على رؤية الأشياء التي تبدو من حولنا، ومن بينها وجه الإنسان. فالإنسان ليس له إلا وجهٌ واحدٌ مرئي وواضحُ الملامح، ويمكننا النظر إليه ورؤيته من جميع زوايا الرؤية ومن جوانبه كافةً، وعن كثب، فكل جوانبه تبدو لنا ظاهرة للعيان ...

ما سرّ غلاء الذهب؟

هل لكونه برّاقاً، ويأخذُ بالأنظار و يأسر الألباب؟ أوَليس النحاس هو الآخر يلمع، والألومنيوم لا يصدأ كذلك؟ فما سرُّ غلاء الذهب؟ هل لأنَّ هاتين الخاصيتين تجتمعان فيه معاً؟ ولكنْ إذا ما سبكنا النحاس بالألومنيوم، ألنْ تنتج لدينا سبيكةٌ هي من صنعنا وتتوافر فيها كلتا الخاصيتين؟ فما سرُّ غلاء الذهب؟ ولِمَ يُقدمه البعضُ منّا ويدفعه قُرباناً، لينالَ به رضا الزوجة؟ بل لماذا نطلبه مهراً لبناتنا؟ ثم ألسنا نعلم بأنه مُحرَمٌ على الرجال، ويقتصر التزين به على النساء وكفى، إذاً ما سرُّ غلاء الذهب؟ أفلا يوافقني الجميع، إنْ قلت: (إننا نستعمل غيره من المعادن بشكلٍ أكثر، وعلى نطاقٍ أوسع في صناعاتنا؟).. فهل هو أقوى من الحديد مثلاً، أم أنَّ الألومنيوم أثقل وزناً منه؟ أم ماذا يا ترى؟ حقاً أريدُ أنْ اعرف، ما سرُّ غلاء الذهب؟ ولماذا لا يُصنَّع إلا في صورة قلائد وحُلي؟ إذا ما عرفنا إنه يُصنّف في قائمة الفلزات، وهي المعادن التي يحوي الغلاف الخارجي لذراتها عددَ أربعة إلكترونات أو يزيد، والتي من خواصها الطبيعية، توصيلها الجيد للحرارة والتيار الكهربائي، فما سرُّ غلاء الذهب؟ إنْ كان شأنه في ذلك شأن النحاس والألومنيوم،...