الأربعاء، 10 مارس 2010

لا تراهنوا على الفارسين التركي و الإيراني

لعلمهما بأنّ العرب في شوق ٍ دائم ٍ و مستمر ٍ ، لذلك الفارس الهُمام ، الذي يمتطي صهوة جوادٍ لا كبوة له _ بعكس القول المأثور :" لكلِّ جواد ٍ كبوةٌ " _ لينتشلهم من كبوتهم ، التي طالت ؛ ها هما الفارسان ، الإيراني ( نجّاد ) و التركي ( أردوغان ) يمتطي كل منهما الصهوة التي ارتأها الأسرع وصولاً به إلى شِغاف قلوب العرب ، و لعلمهما أيضاً بشيءٍ من شيّم و قيّم ذلك الفارس المنتظر _ الذي تراه كل صبيّة فلسطينية و عربية في منامها بأسماله البيضاء و بملامح الرجولة التي ترتسم على محياه ، و تنضح من أفعاله الكريمة ، من خلال ما وصل إليهما من كتب الأدب العربي ، الذي انتشر في ( فارس و بيزنطة ) بعد الفتح الإسلامي _ ذرف مرشد الأول ، آية الله العظمى ( علي خامنئي ) دموعه ، حتى ابتلت لحيته البيضاء ، كما رأيناه على شاشات القنوات الفضائية ، حزناً فيما يبدو على الضحايا من فلسطيني القطاع المنكوب ، و هو القاصر و العاجز عن فعل شيءٍ ذي بال ، و على بال تلك المراهقة الفلسطينية من خصال ذلك الفارس المـُبتغى ، غير دموع الحنان و الرأفة ، التي قد تجود بها أية امرأة رؤوم و رؤوف عليها ؛ لقد امتطى الفارس الفارسي الصفوي _ و لست أقول الشيعي ، لأنّ المذهب الشيعي هو بالأساس منتج عربي و لا أصل و لا صلة له بالفرس ، و لو أردنا أن ننسبه إليهم ، فعلينا على الأقل ، أنْ ننعته بالمنحرف و الضال _ ظهر القضية الفلسطينية بالخطب العصماء و الجوفاء الملهبة لحماس العرب و إثارتهم ، لأنه مُدرك لطبيعة اليعربي و ولعه بأسلوب الخطابة ، و غاية ما هناك ، من خلال الدعاية و التسويق للتشيع الذي يعصف بالمنطقة العربية الآن ، بعد سقوط العراق ، الذي كان حائط َ صدٍّ ، ضد المشروع الصفوي العرقي من خلال الإدعاء برمزية المقاومة ، لا برفع لواء العامل المذهبي ، الذي يؤمن ساسة ( إيران ) بحتمية فشله ، كما يؤمنون به عقائدياً ، فكيف نفسر ، أو بالأحرى ، كيف يفسر لنا مرشد الثورة الإسلامية في ( إيران ) ممانعته لعملية التطوع للجهاد بـ ( فلسطين ) و خاصة في ( غزّة ) التي دعت إليها بعض الجهات هناك ؟ .
فعلى العرب ألا يراهنوا على الفارس الفارسي ، الذي لم نرَ له أية صولة في ميدان القتال الدائر الآن في قطاع ( غزّة ) بل رأيناه يجول في ساحة الاقتتال الطائفي بالعراق _ بعد أنْ ساعد في احتلال ( أمريكا ) لدولتين إسلاميتين ( أفغانستان و العراق ) و كلتاهما تحدُّ بالجمهورية الإيرانية _ و المزايدة على العرب فقط ، فلا قام بمناصرة حركة ( حماس ) التي يدّعي بدعمها _ و هي ذات المنشأ العربي في الداخل الفلسطيني من دون أن يكون لـ ( إيران ) أيُّ دور فاعل يُذكرُ في تكوينها _ بالسلاح و لا بالأفراد ، و لا شارك هذا الفارس الآتي من هذه البلاد المعزولة دولياً ، على الأقل ، حتى في محاولة الوصول إلى حلٍّ سلمي ، قد يساعد في تخفيف حجم المعاناة و المأساة ، و وقف نزيف الدم الفلسطيني ، بإنهاء هذه الحرب الدائرة و غير المتكافئة ، إنْ كان يملك شيئاً من الحنان الذي انهمر من مُقلتي مرشد ثورتها ، في صورة دموع ٍ سخيَّةٍ .
أما الفارس التركي ( أردوغان ) لا أراه في صورة الفارس الذي يراهن عليه بعض العرب ، و لا في حجم الخطب الرنانة التي يصرح بها بين الحين و الآخر ، لأنه لا يملك من أمره شيئاً ، لكون بلاده تحالف الصهاينة ، الذين يستعدونها على العرب ، و لعلّ استهداف ( سوريا و العراق ) من خلال الحدِّ من جريان مياه نهري ( دجلة و الفرات ) لدليل ساطع و كاف ٍ على مدى استظهار ( إسرائيل ) بـ ( تركيا ) على العرب ، فأنّى لهذا الرجل المُقيَّد بهذه العلاقة غير الشرعية مع عدوة العرب و المسلمين ، أنْ يكون حازماً مع الصهاينة ، و قد أُقحـِمت بلاده في اتفاقيات كثيرة معها ، و خصوصاً في المجال العسكري ، الذي وصل إلى درجة عقد التحالفات و إقامة المناوارات العسكرية بين الجانبين في شتـّى مجالات و أنواع السلاح ، البري و البحري و الجوي و البرمائي و المجوقل ، فتارة تقام هذه المناورات العسكرية في تركيا ، و تارةً أخرى ، على القواعد الإسرائيلية ، مع علم الأتراك شعباً و قيادةً ، بأنّ هذه القواعد تنهض على الأراضي العربية المحتلة ، بما فيها مدينة ( القدس ) الشريف ، التي أربأ برئيس وزراء لحكومة إسلامية الهوى _ لدولة يشكل فيها الإسلام الدين و المعتقد الأول و الطاغي ، لما يناهز التسعين بالمئة من تعداد سكانها _ أنْ يقبل بهذه المناوارات ، و يُقبِّل عليها ، مع كيان يغتصب مدينة ، يُفترض بأنْ تعد لديه قدس الأقداس ، كما عند أي مسلم بسيط ، و يجب ألا ننسَ أنّ هذا الفارس ، يجيء من بلاد ترتبط ارتباطاً عضوياً بعلاقة تحالف مع دول حلف ( التانو ) بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية _ التي تناصب العرب و المسلمين العداء من خلال حتى دعمها لإسرائيل ، التي يدّعي (أردوغان ) بتهديدها _ و التي ضربت العراق في حرب الخليج الثانية بالمنقبلات الاستراتيجية ، انطلاقاً من قاعدتها المتقدمة ( انجرليك ) الرابضة و الرابخة على الأرض التركية ، لقد صار التوجه الإسلامي في تركيا شيئاً من إرث الماضي البغيض ، في نظر معظم طليعة الساسة الأتراك ، خصوصاً بعد انتهاج البلاد لمنهج العلمانية في السياستين الداخلية و الخارجية ، الذي اختطه لهم ( مصطفى كمال أتاتورك ) باني تركيا الحديثة كما يلقبه البعض .
و لنا في سطوع نجم رئيس وزراء تركيا الأسبق ( نجم الدين أربكان ) زعيم حزب ( الرفاة الإسلامي ) المُنحَل ، مثالاً ، لتخلي الأتراك على النهج الإسلامي و تبرئهم منه ، فلما نادى هذا الزعيم المقال و المطاح به ، بأنْ تتجه بلاده كخيار ٍ استراتيجيّ نحو جمهوريات أسيا الوسطى المسلمة و المستقلة ، التي كانت تسبح في فلك الاتحاد السوفياتي ، كفضاء طبيعي و حضن جغرافي لها ، و للوشائج العرقية و الأواصر الاجتماعية ، التي تجمعها بهذه الجمهوريات ، المتمتعة باحتياطي كبير من النفط و الغاز ، ذلك بعد أنْ قنط من سياسة التسويف و المماطلة من جانب الاتحاد الأوربي ، التي لم تتقدم باتجاه ضم بلاده إلى مجموعته ، فواق ناقة ، فثارت ثائرة المؤسسة العسكرية عليه ، و أسقطته من الحكم و حلـّت بعد ذلك حزبه ، ذا التوجه الإسلامي ، مثلما ثار بعض الأصوات السياسية في ( تركيا ) اليوم على تصريحات ( رجب طيب أردوغان ) النارية _ و هو ينتقد ( إسرائيل ) الظالمة ، و يذكـّرها بأنه حفيد سلاطين الإمبراطورية العثمانية الإسلامية _ معتبراً إياها ، بأنها لا تصب في الصالح التركي و ستعثـّر مسيرة التقدم نحو الغرب و العلمانية ، التي دأبت القيادات التركية المتعاقبة نحوها ، منذ فترات مديدات ، للحدِّ الذي جعلها تقترب من ( إسرائيل ) و تعترف بوجودها و شرعية احتلالها للقدس العربية ، على حساب علاقاتها مع الدول العربية ، و على الرغم من سمو مكانة هذه المدينة عند المسلمين ، فـ ( تركيا ) بإقامتها لهذه العلاقات السياسية و الاقتصادية و العسكرية مع الكيان الصهيوني ، إلى حد التحالف ، لا تتباين كثيراً مع النظام المصري في هذا الشأن ، بتصوري ، فهي و أياه في خندق واحد ، خندق الاعتراف بهذه الدويلة المسخ ، بل و تزيد على هذا النظام العربي ، إثماً ، لكونه على الرغم من اعترافه بـ ( إسرائيل ) بعد أكثر من حرب شنها ضدها و هـُزم فيها ، لم يقـم حتى الآن ، أية مناورة عسكرية ، من شأنها أنْ تهدّد أمن العرب .
الحاصل أيها القارئ ، أنّ كلا الفارسين الإيراني و نظيره التركي ، قد امتطى صهوة القضية الفلسطينية ، كي يصل إلى مرام ٍ ، الله أعلم بها ، من خلال المهماز الذي أحب أنْ يكون ممثلاً في تصريحاته الفضفاضة ، التي كان منها ، أنْ أدعى الرئيس الإيراني ( أحمدي نجاد ) في فترة سابقة ، بأنه سيحرق ( إسرائيل ) في حين أن القضية الفلسطينية لم ترتو ِ بدم أيِّ فارسي ، بل أنّ العرب ، هم من رووها بدمائهم الطاهرة ، منذ عام 1948 و حتى يومنا هذا ، و ما يشهده قطاع ( غزّة ) في هذه الأيام ، من عدوان ، طال الزرع و الحرث ، خير مؤكد على كلامنا ، حيث إنّ الدماء التي تنزف على أرضه ، هي الدماء العربية الزكية ، لا الفارسية و لا التركية .
أقول لمن يريد أنْ يمتطي صهوة القضية الفلسطينية : " إنّ القضية الفلسطينية كما فرس جموح غير مروضة ، لا يستطيع أن يصعدها إلا فارس سايس ، و سياسي محنك ، مخلص لهذه القضية و لأمته و لدينه ، لا يدعي كما أدّعى الفارس التركي ، و لا يخدع و لا يخون مثل الفارس الآخر ، و لا يتاجر بها كما تاجر الكثيرون ، هو فارس نبيل ، يحمل خصال القادة الأمجاد ، الذين يتنادون لصرخة أخواتهم الماجدات ، و لنجدة إخوتهم في العروبة و الإسلام ، لا يقول أكثر ممّا يفعل ، يقاوم و لا يساوم عليها ، فلا يشارك في العدوان على العرب و المسلمين ، أما ما عداه ، فسوف يُسقط من على متن هذه القضية ، و لن تقوُم له قائمة أخرى " .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زيــاد الـعـيـسـاوي – ليبيا
2008
Ziad_z_73@yahoo.com

الثلاثاء، 9 مارس 2010

أول حوار مع الكاتب الليبي الشاب زياد العيساوي


أجرى الحوار : محمد الأصفر بنغازي : 2007 زياد العيساوي، من الأقلامِ الليبيةِ الجديدةِ، صاحبة الموهبة الحقيقية، و الذي سيكون له شأنٌ في مجال كتابة المقالة، فله أسلوبه الخاص به في تناول القضية و تقليبها و تحليلها و الوصول بها إلى نتيجة منطقية، بل إنه كثير جداً ما يُشرِّكُ القارئ في طرح القضية، من دون أنْ يوجه إليه الخطابَ بشكلٍ مُباشِرٍ.. فهو كاتب من طينة خصبة تحيلنا بتلقائية إلى كتابات الأديب الصادق النيهوم والأديب يوسف القويري وغيرهما من أصحاب الأقلام الممتلكة أدواتها كاملة لغة وأفكارا وثقافة وإخلاصا للهم الإبداعي. زياد العيساوي عاشق لهواية البريد، حيث إنه تربطه علاقات كثيرة بأصدقاء كثيرين من أنحاء الوطن العربي كافة، لم يلتقِ بهم مباشرة، لكنه التقى بهم عبر الكلمات المكتوبة، فربما أستطيع القول بأن التواصل البريدي مع الآخر، قد ساهم أيما مساهمةٍ، في ارتفاع مستوى مقالاته، و إكسابها الطابع التحاوري و التحليلي ؛ احتفت بموهبة " زياد العيساوي " عديد الصُّحف و المجلات، فنشرت له أعماله، منها الصحيفة السباقة في تشجيع المواهب وتقديمهم للقراء وهي أول صحيفة نشرت للمبدع زياد( أخبار بنغازي ) و ( الجماهيرية ) و ( الشمس ) و مجلتا ( العربي الكويتي ) و ( المجال البيضاوية ) وأخيرا صحيفة أويا.. و كذلك وافق مجلس الثقافة العام من خلال لجنته الفنية، على طباعة مخطوطه الأول، الأمر نفسه، الذي قامت به أمانة الثقافة الليبية مع مخطوطه الثاني، و مع انخراطه في عالم النشر الإلكتروني، احتفت به العديد من المواقع الإلكترونية، و يأتي على رأسها موقع ( ميدل إيست أونلاين ) الشهير، بنشر الكثير من أعماله في صدر الصفحة الرئيسية، و كانت جريدة العرب العالمية، قد استقبلت نتاجه الأدبي الغزير بارتياح، و نشرت كتاباته على صفحاتها، بعد أنْ صنَّفها مُحرِّرها الخبير تحت بنود : المقالة و القصة و الرؤية و الأمثال و الموسيقى، و كذلك الجماليات. زياد العيساوي، كاتبٌ غزيرُ الإنتاج، يكتبُ مقالاتِه، متناولاً فيها الكثير من الجوانب المُهِمة، فثقافته العالية، مكَّنته من الكتابة في الأدبِ و الفنِّ و الاجتماعيات، و كذلك في الدين و السياسة و غيرها.. في هذا الحوار نحبُّ أن نُسلط الأضواء الكاشفة على تجربته الإبداعية الجديرة بالاهتمام و المتابعة والتشجيع، من خلال هذه الأسئلة الموالية سنرى شيئا من إبداع زياد العيساوي . 1- ماذا يعني لك الظرف و طابع البريد و القلم ؟. - بادئ ذي بدء، وقبل أنْ أشرعَ في الإجابة عن سؤالك الأول، اسمح ليّ، أنْ أشكرك على هذه الاستضافة و النبذة الجميلة التي قدمتني بها إلى السَّادة القراء و المتصفحين لهذه الصحيفة الغراء، أما بعد، فدعني أُجيبُك عن سؤالك، فقد سألتني سيادتك عن الظرف و طابع البريد و القلم ؛ فالظرفُ يعني ليّ صدفةً بمجرد أنْ نفضها، نجد في داخلها جواهر و لألئ الكلام المُرسَل إلينا من أمكنةٍ بعيدةٍ، في رسالةٍ موجودٌ على متنها رسول صداقة قديم اسمه ( طابع البريد ) الذي ما هو إلا ضريبة رمزية ندفعها عن طيب خاطر، و نلصقها على ذلك المظروف، لتسافرَ بكلماتِنا إلى أقاصي الدنيا، حاملةً على وريقاتها الداخلية، أنبل و أصدق و أروع المعاني، التي خطَّها اليراع، لتصل إلى الذين نحبهم، فالثلاثة جسور تواصل بيننا و بين البعيدين.. ( هكذا ).. فطابع البريد هو سندبادي المفضل وبساط ريحي المريح. 2 - لمن تكتب، لك أم للآخر ؟ و كيف ذلك ؟ و ماذا تعني الكتابة لديك ؟. - أنا لا أكتب لنفسي، بل أكتب بنفسي للآخر، أي بمعنى، أنني أكتب عمَّا يُعبّر عن رؤيتي في شتى القضايا الحياتية، و لا أُقلد سواي، و هذا ما يجعل الكتابة تعني ليّ الشيء المُهم في حياتي، فهي الوسيلة التي أُترجم بها ما يجول في معتقداتي من أفكار، لكوني لست ممن يحبذون الكلام كثيراً، و كل ما أودُّ قوله، أُحيله إلى حروفٍ ناطقةٍ، تنطق بما يعتريني، فالكتابة تعنيني عن الكلام، و لأنَّ الكلام يستلزم السمع، وقد لا يكون هناك من يرغب في الاستماع إليك في حينه، مهما كانت أسبابه، ألجأُ إلى الكتابة، التي لا تستلزم أكثر من القراءة، التي نلجأُ إليها متى أحبّبنا ذلك، فحتى النص القرآني الكريم، لم يحفظه الله تعالى إلا مكتوباً، مع قدرته على أنْ يحفظَه بأية وسيلة أُخرى، و في الأثرِ الكريم، قولٌ يقول بما معناه : " من أراد أنْ يرى الله، فعليه أنْ ينظرَ إلى آياته، و من شاء الاستماع إليه، فله أنْ يتلو آياته " ؛ فالكتابة هي خير حافظ لكلامنا، و هي الوسيلة التي ندعو بها إلى الإصلاح، سواء أكان هذا الإصلاح اجتماعياً أو أدبياً أو في أيِّ جانبٍ آخرٍ، يتعلق بهذه الحياة التي نحياها. 3 - لو خُيَّرت بين القراءة و الكتابة، فماذا ستختار ؟ و لماذا ؟. - قطعاَ سأختار إحداهما حال غياب الأخرى، و الغياب الذي أعنيه ها هنا، هو أنه قد لا تكون لديّ الرغبة في الكتابة أوقاتاً، فأجدني نهماً لقراءة كل ما يقع بين يدي من صُحفٍ و كُتبٍ، و في أوقاتٍ أخرى، أرى أنَّ ثمة العديد من الأفكار المُختلِطة تتقافزُ إلى ذهني و تنبتُ فيه، فأحاول آنذاك، أنْ أفرغَ من نسجها، لذا قد يمضي عليّ شهرٌ بأكمله، أراني فيه مُنصرِفاً عن القراءة ؛ و عموماً، فإنَّ الاثنتين أراهما صنوين لا يفترقان البتّة، لأنَّ القراءة هي المُغذية لقريحة الكاتب، و هي بالنسبة ليّ، لا تتعدى كونها كسباً للمفردات الجديدة، التي أضيفها إلى قاموسي اللغويّ، و القوالب النسجية، التي أُضيفُها إلى المخزون الخاص بيّ، و التي تنفعني في صياغة مقالاتي، و لست من النمط الذي يتأثر بأيِّ نصٍّ لغيره قط، فقراءتي ليست إلا من باب إرضاء الفضول، و مُتابعة و مواكبة كل ما يُنشر. 4 - رغم أنَّ نصَّك مستواه رفيع، إلا أنَّ بعض الصُّحف و المجلات، تنشر لك في صفحات القراء و المواهب، فكيف تفسر ذلك ؟ هل الأمر راجع إلى الشُّهرة ؟ أم أنَّ المحرِّر لا يقرأ النصّ ؟ و هل أنت مُستاءٌ من هذا الأمر، أم أنك غير مُستاءٍ منه ؟. - لا هذا و لا ذاك، فكُلُّ ما هنالك يا عزيزي، بحسب اعتقادي الذي أكاد أنْ أُجزمَ به، بعد أنْ أضحت لديّ خبرة و دراية بعض الشيء بأمور النشر و مقتضياته، أنَّ مثلَ هذه الصحف و المجلات بفعلها هذا، ترى أنها ستكون غير مُلزَمةٍ، و في حلٍّ من دفع أية مكافأةٍ نقديةٍ أو عينيةٍ، هكذا ببساطة، فهي بذلك، تكون قد أوصدت باب المطالبة في وجه أيِّ كاتبٍ مغمورٍ، ممّن يكتبون في صفحاتها، لو أراد أنْ يُطالبَ بحقوقه الأدبية، لكنَّ الغريب في الأمر حقاً، هو أنَّ العديدَ من القُرَّاء، أجدُهم يهتمون بمطالعة النصوص المنشورة على هامش هذه الصفحات المُهمَّشة، أكثر من اهتمامهم بما تنشره هذه المطبوعات على صدور صفحاتها الأساسية، و ذا يكفيني، أي بمعنى، أننا نعاني من سمسرةٍ فكريةٍ، قلّ نظيرها، أو دعني أصرح بصريح العبارة : إننا نعاني من استغلالٍ فكريٍّ بكل ما تعنيه هذه الكلمة المُرَّة، لأنَّ السمسرة في حقيقتها، هي أنْ تشتري الشيء بأبخس الأثمان، ثم بعد ذّلك تضع عليه هامشاً من الربح، قد يكون مُضاعِفاً لثمنه الأصلي، لكنَّ هذه المطبوعات، التي تأتي على شاكلة هذه الصُّحف و المجلات، لا تكلف نفسها دفع أيِّ مُقابِلٍ مالي لهؤلاء الكُتَّاب المغمورين، بل إنها ترى، أنَّ عليهم أنْ يُقبِّلوا أكُف أيديهم وجهاً و ظهراً نظير نشرها لموادهم، و النتيجة هي أنَّ من يقبضون قيمة الربح، هم الذين تنشر موادهم في الصَّفحات الرئيسة، مع أنه لا يكاد أنْ يوجد أحدٌ من القُرَّاء يلتفت إليها إطلاقاً، أ فلا تشاركني القول بأننا نشكو من مسألة الاستغلال الفكري للمواهب ؟.. فهذا ما يجعلني أستاء على غيري من الكُتَّاب، و ليس على نفسي، ربما تتساءل، كيف ذلك ؟ ذلك أنني منذ أنْ بدأت مسيرة الكتابة، تشكلت لدي قناعةٌ لم تتغير حتى الآن، بعد أنْ نظرت إلى العديد من الكُتاَّب، الذين سبقوني في هذا المضمار، و علمت كيف أنَّ الكتابة لم تعُد عليهم بأيِّ مكاسب ماديةٍ، لكنهم كسبوا محبة الناس و ثقتهم، فحسبهم و حسبي هذه المحبة، لذا تراني على الرغم من هذا الجفاء و الصدِّ، لم أفتقد حماس الكتابة، ربما أكون على النقيض من غيري من الأقلام الشَّابة التي بدأت معي، لكنها غابت بعد أنْ أحسَّت بأنها صارت أضحوكةً، نتيجة استغلال هذه المطبوعات لها، و بعد أنْ لم يأبه المهتمون بالشأن الثقافي بموهبتها. 5 - أنت تسكن منطقة ( البركة ) المعروفة ليبياً و تاريخياً، إلا أننا لا نجدها في كتاباتك، فما السبب يا ترى ؟ و بالمناسبة نلاحظ بأنك لا تحتفي بالمكان كثيراً في مقالاتك ِ. - كنت قد أخبرتك لدى إجابتي عن أحد أسئلتك الفائتة، بأنني أنتهج لنفسي مبدأ الموضوعية في الكتابة، و بأنني لست من المنتسبين إلى الكتابة الذاتية، التي تتَّطلب مثل هذا الأمر، الذي تتساءل عنه، و بأنّّ كُلَّ ما أطرحه، هو عبارة عن أفكارٍ، لا وشيجة لها من قريب و لا من بعيد بالمكان، و مع ذلك أودُّ أنْ أقول، بأن المنطقة التي شهدت مولدي و سكناي ( البركة ) هي منطقة معروفة بأناسها الطيبين و بأعلامها، الذين أثروا بلادنا ثقافياً و فنياً، منهم الفنان الراحل " شادي الجبل " و غيره من مشاهير، لا مندوحة من ذكرهم في هذه العُجالة، كما أنها معروفة لدى الكل بأحيائها الأصيلة و معالمها العتيقة و الحديثة، و بموقعها الذي يتخلَّل وسط مدينة ( بنغازي )، فهي ليست بمنطقة نائية أو منسيّة، كي تحتاج منَّا، أن نُظّهرًها إلى حيز الوجود.. ( هكذا أرى ). 6 - كثيرٌ من كُتَّاب المقالة في ليبيا متأثرون بالكاتب المبدع " الصادق النيهوم " حتى أنهم في بعض الفترات، أُطلِق عليهم لقب ( أطفال النيهوم ) لكني في مقالاتك لا أجد رائحة " النيهوم " فهل السبب يعود إلى أنك لم تقرأ للنيهوم، أم أنك قرأت له، و نجوت من سطوته ؟. - في حقيقة الأمر، أنني قد بدأت فعل الكتابة قبل أنْ أقرأ له، لكنني فيما بعد، وجدتُ أنه من الضرورة بمكان، أنْ أُطالع كتاباته و أطلع على تجربته، كي أكون على معرفة تامة بها، لذا استعرت كتبه من بعض الأصدقاء، ذلك أنَّ البعض من القُرَّاء، حينما أنشرُ مقالة و يقرؤها، يخبرني بأنَّ عنوان مقالتي هو ذاته للكاتب " الصادق النيهوم " و أنه قد قرأه له قبلاً، من دون أنْ أقصد ذلك، فمثلاً كنت قد نشرت ذات مرة مقالةً، كانت بعنوان ( كلمات متقاطعة ) و كما أعلمتك أنفاً، بأنَّ أحد القراء قد أخبرني بأنه قرأه له، و عندما رجعت إلى موضوعه، الذي يحمل العنوان عينه، وجدت أنَّ ثمة بوناً شاسعاً بين ما تناوله و بين ما كتبت في مقالتي المذكورة، على الرغم من تطابق العنوانين، من حيث التسمية، و هذا ما جعلني فيما بعد، أتريث كثيراً، قبل أنْ أهمَّ إلى طرح أية قضية، فيحدث في أوقات كثيرة، بعد أنْ أفرغَ من كتابة مقالة ما، و بينما هي ماثلةٌ للطباعة، أن أجدَ تسمية المقالة تداولها كاتب غيري، فأحاول ساعتئذٍ قصارى جُهدي، أن أُطرئ عليها شيئاً من التحوير، شريطة أنْ أجعلَ التغيير لا يذهب بمغزى المضمون، مع أنه في الغالب الأعم، لا يمس الطرح نفسه، كل ذلك كي لا يقال عنّي، أنني أقلد غيري، أو أنَّ نصوصي نسخٌ باهتةٌ عن نتاج سواي، إنْ أنا قصدت التقليد، أو تلخيص موضوعات الآخرين ؛ فالتشابه في عناوين النصوص، هو كالتشابه بين شخصين أحدهما له سميَّة الثاني، لكنهما يختلفان عن بعضهما بعضاً، شكلاً و مضموناً. 7 - أعرف بأنك تكتب الشعر أيضاً خاصة الغنائي، لكنك لا تنشره، فلماذا ؟. - بدايتي كانت تقليدية، كما هي بداية أغلب الكُتَّاب، أي بمعنى، أنها كانت بداية شعرية، لكني لم استمر في قرضه، لأني لم ألفِ في الشعر ضالتي، لكون ما أكتبه عبارة عن أفكار، تنأى عن الذاتية، التي هي سِمة أوليّة في كتابة هذا الجنس الأدبي ( الشعر ) فكُلُّ ما أتطرق إليه، يشتمل على نصيبٍ وافرٍ من الموضوعية، البعيدة كل البعد عن الشعر، و هي سِمة مُهِمة في كتابة المقالة، و مع ذلك، فأنا أؤمن بأنَّ أيَّ نصٍّ أدبيٍّ ناجحٍ، يجب أنْ يحتوي على الشَّاعرية، لذا أحاول على الدوام، أنْ أستثمرها و أوظفها في فنِّ كتابة المقالة. 8- أنت على علاقة جيدة بالفنانين الليبيين، خاصة الفنّان " أحمد فكرون " و الفنّان " إبراهيم أشرف " و غيرهما، فيا ليتك تحدثنا عن الفن الغنائي الليبي و العربي. - لقد تناولت هذين الشأنين غير المنفصلين عن بعضهما بعضاً في غير مقال، و أفردت لهما مساحة كبيرة من اهتمامي، فكنت و ما أزال أحاول أنْ أُبيّن، أننا إذا ما أردنا للأغنية الليبية أنْ تنهضَ و تتطورَ، فهذا سوف لن يتأتى لنا بإنشاء القنوات الفضائية فحسب، فلست أُراهن عليها، ما لم نقُم بإعادة النظر إلى أغنيتِنا المحلية، و تأهيلها كي تلحق بركب الأغنية المشرقية المعروفة في بلاد الشام و مصر، و ليس في هذا المنحى، إنْ أقدمنا عليه أيُّ انتقاصٍ للأغنية الليبية، ذلك أننا كليبيين جزءٌ لا يتجزأ من الخارطة العربية، و أنَّ ما يجعل كُلَّ أُغنيةٍ تمتازُ عن الأخرى، هو اللهجة المُغنى بها، لا المقامات الموسيقية العربية، فإذا كان اللحن الكلامي المُتعلِّق باللهجات، هو من مظاهر التفرقة، فإنَّ اللحن الموسيقي، هو من يوّحدُ الثقافة العربية، و هذا ما لا يريد الحرس الفني القديم لدينا، أنْ يستوعبه جيداً، لحرصه المُبالَغ فيه و غلوه، و لخوفه الذي لا داعٍ له، من أنْ تفقد الأغنية الليبية هويتها و خصوصيتها، وهذا لأمرٌ عجيبٌ، فكيف لهم أنْ يُطالبوا بالحفاظ على الهوية و الأصالة، و هم الذين يبتغون فصل أغنيتنا عن محيطها العربي ؛ فعلينا على أقل تقدير لتحقيق المصلحتين، أنْ نجعلَ الأغنية الليبية تسيرُ في الاتجاهين معاً.. و عن العلاقة التي تربطني بالفنانين " أحمد فكرون " الذي أراه امتداداً لجهابذة الغناء العربي الجميل، و مواطنه المُلّحِن " إبراهيم أشرف " الذي هو جهبذ من هؤلاء الجهابذة، فهي علاقة وطيدة، و تكتسب الطابع الإنساني قبل أي شيء آخر، عموماً إنني سعيد بصداقة فنانين كل منهما يمثل جيلاً بحاله، و يمتاز عن الآخر، لكن ما شدّني إليهما هو العمل الغنائي الجميل الذي يقدمه كلاهما. 9- لديك مشاركات كثيرة في البرامج الإذاعية، فأنت كما يبدو ليّ عاشقٌ و متابعٌ للمذياع، ما رأيك في البرامج المُذاعة ؟ و ماذا تقترح لتطويرها ؟. - لبرامج المسموعة رونقٌ خاصٌ، يجذبني إليها أكثر من برامج المرئية، و كما تعلم أنت و السَّادة القُرَّاء، بأنه ليس للصورة أيُّ دورٍ فيها، بل إنه معدوم، لهذا تجد أنَّ مُعِد أي برنامج مسموع، يركز بشكل كبير على فحوى النصّ، و يحاول دائماً، أنْ يُضفي عليه من لدنه، قدراً من الصور القلمية و الإيحاءات المرئية و الحوار الجّاد كذلك، على النقيض من مُعدّي البرامج المرئية، الذين يفترض بهم، أنْ يُعادلوا بين كمِّ الصور و النصِّ المقروء، إلا أنَّ الصورَ، قد تأتي في أغلب الأوقات على حساب المادة المكتوبة، و إذ ذاك تفقد المادة الإذاعية رصانتها، و لك أنْ تتحرَّى من هذا الأمر من خلال الأغنيات المُقدَّمة على مدار اليوم ( الفيديو كليب ) فلو قمت بطمسِ الصوت و إخفائه، و ركزت اهتمامك على الصورة فقط، فسوف لن تجد أي تناصٍ بين الصورة و كلمات الأغنية، لكنك إذا استمعت إلى الأغاني المُنسابة من جهاز المذياع في الصباح مثلاً، ستلفي ذاتك، أمام صور و لوحات شعرية كثيرة و بليغة التعبير، تصف لك الصباح بكل معالمه و أجوائه من خلال كلماتها المُتغنية بزقزقة العصافير و بزوغ الفجر، و هلُّم جرا.. أما بخصوص رأيي في برامج المسموعة، فأراها تمضي قدماً و تسير على ما يُرام، و كل ما أقترحه بهذا الصدد، أوجهه إلى قسم التنسيق بالإذاعة، بشأن ضرورة التنويع في أفكار البرامج، و ألا تكون متشابهة من حيث المادة المُقدَّمة، كي لا تستأسد الرتابة و الملل بالمستمع، خصوصاً في البرامج المباشرة، التي تتيح للهواة، و الذين في جعبتهم ما يقولون فرصة لإبراز مواهبهم المُتعدِّدة، كما لا يفوتني في هذا المقام، أنْ أنوَّه إلى أنَّ المتلقي، قد عرفني أولاً من خلال برامج المسموعة المُباشرة، وقتما كنت أُرسل بمشاركاتي إليها، و من حُسنِ طالعي في إحدى حلقات برنامج ( استراحة الجمعة ) أنَّ الأستاذ الدكتور " محمد أحمد وريث " كان يُشرف على فقرة نقدية تتخلّل فقراته المتنوعة، يوجه من خلالها بعض الملاحظات و النصائح للمشاركين بنصوصهم على اختلاف مشاربها، و كان قد نصحني بالولوج إلى عالم الصحافة و النشر، وهذا ما حصل، إذ أنني أرسلت بأول مقالة كتبتها إلى صحيفة ( أخبار بنغازي ) و نشرها المحرِّر في الملف الثقافي بها ؛ فلبرامج المسموعة المباشرة، فضلٌ كبير على عديد الأسماء المعروفة اليوم، و ليس على سبيل الحصر بل المثال، أذكر من بينها، الفنان الشاب " أيمن الأعتر ". 10 - المشهد الثقافي الليبي الآن، أنت على دراية به من قريب، و من خلال قراءتك لمعظم ما يُنشَر من كُتبٍ و مجلاتٍ، و كذلك من خلال متابعتك له اليومية على شبكة ( الإنترنيت ) فما رأيك في مستوى الكتابة الإبداعية الآن في ليبيا ؟ و هل لديك ملاحظات تعتقد بأنها ستفيد الكاتب و القارئ ؟ و ما الأسماء التي لفتت نظرك إليها، و طبعاً لا تذكر " محمد الأصفر " ؟. - لا بأس به، و ملاحظاتي التي أقدمها للكتَّاب، و أتمنى عليهم أنْ يتقبلوها مني بصدور رحبة، تتمثل في بضع نصائح أسديها إليهم، على أمل أنْ يأخذوها بعين الأهمية و الاعتبار، و هي أنْ يُراعوا الله في القارئ، بألا يشغلوه بقضايا قد لا تهمه، و ألا يستخفوا به، كما أنصحهم بألا يجعلوا نتاجهم، عبارةً عن خطابات مُوجَهة لأجلِ تحقيق منافعهم الشخصية، لأنَّ الكتابة ما كانت لتكون إلا لتنوير بصر القارئ و بصيرته، فليس كل من يُمارسُ الكتابة أديبٌ، لأنَّ الأدب المروم، هو الذي يؤدب المتلقي، أكرَّر و أشدَّد، على أنه ليس أيُّ كاتب أديباً، و إنْ وُصِف بذلك، ففاقدُ الأدبِ لا يُعطيه و لا يكتبُه، و ما يجعلني أُصرُّ على هذا القول، أنني قد اصطدمت بكثير من الكُتَّاب الذين ظننتهم أدباءً، لكني تفاجأت فيما بعد، بأنهم لا يقيمون لأبسط القيم الإنسانية وزناً و لا اعتباراً، حتى لدى تعاملهم مع زملائهم، فبالله عليك، كيف لكاتبٍ أنْ يوصف بالأديب، و هوّ الذي يخلف مواعيده و يحنث بوعوده، و لا يُعطي لكُلِّ ذي حقٍّ حقَّه، سواء أكان هذا الحقُّ مادياً أو معنوياً أو أدبياً ؟. أما عن الأسماء التي شدّتني من الوسط الثقافي الليبيّ، فهي كثيرة، و أنا مُمتنٌ لك جداً، لأنك باشتراطك قد أرحتني من مهمة ذكر الأسماء، لكوني لو أردت أنْ أذكر أسماءَ، فسوق يكون اسمُك من بينها، و هذا ما لا تريده أنت. 11 - لديك مخطوطان تحت الطبع، فهل لنا أنْ تحدثنا عنهما قليلاً، و عمَّا يحتويان من مواد. - نعم، بالنسبة للمخطوط الأول، فهو يحمل اسم ( الكتابة بالأرقام و الحروف ) و هو عنوان أحد المقالات التي بين ضلفتيه، و قد تمت الموافقة عليه من قِبل مجلس الثقافة العام – فرع بنغازي – و يحتوي على أكثر من خمسة و عشرين مقالاً ؛ أما الثاني، فقد قدّمته مؤخراً إلى أمانة الثقافة الليبية بمدينة طرابلس، و يحتوي هو الآخر على زُهاء الثلاثين مقالاً، و أقدَّم في كلا الكتابين لبعض المعالجات، التي تُعنى بالشأن الأدبي و الفنّي و الاجتماعي، و ما تجدر الإشارة إليه، هو أنني قد تباطأت كثيراً، في الإقدام على هذه الخطوة المُهِمة، لكوني كنت حريصاً جداً، على انتقاء النصوص التي تترك لدى المتلقي انطباعاً جيداً، مُراعياً في ذلك الموسوعة الثقافية و الذائقة الأدبية، التي قد تختلف من قارئ إلى آخر، و من المُتوقَع لهما أنْ يريا النور في الفترة القريبة القادمة. 12- من خلال قراءتي لمعظم مقالاتك، وجدت تركيزاً كبيراً منك على الطّفل و فنه و أدبه، و كما أعلم بأنَّ تخصّصك الدراسي الجامعي هو الهندسة، حدثنا عن الطفل في نصوصك الإبداعية، و حدثنا أيضاً عن علاقة الهندسة بالثقافة و الأدب ؟. - انطلاقاً من قناعتي الراسخة، بأننا إذا ما أردنا خلق المجتمع النموذجي الجديد، فإنه يتحتم علينا، أنْ نبدأ بتأهيل الإنسان القادر على التعايش ضمن هذا المجتمع بكل ضوابطه و روابطه، و هذا لن يتأتى إلا بالعودة إلى قاعدته الأولية، و هي النشء، الذي سيعوّل عليه في إقامة هذا المجتمع المُتحضِر، لذا كان اهتمامي بأدب الطفل مُلاحظاً في أغلب نصوصي، فقد حاولت أنْ أُلمَّ بهذا الأدب الرفيع من كل جوانبه، الاجتماعية و التربوية و الفنية كذلك، فلو أنك رجعت إلى مطالعة مقالاتي التي تُعنى بعالم الطفل، سوف لن تجد فكرة عرضت لها تشابه أية فكرة ثانية، فقد كنت في كُلِّ نصٍّ أفردُ مساحةً لموضوعٍ مهمٍ، يُتعلق بهذا الأدب القائم بذاته، منطلقاً فيه من قراءاتي الخاصة لسلوكيات الأطفال الغرائزية و بأدق تفاصيلها، و من ثم محاولاً أنْ أُقوّم و أصحّح من التصرفات المعوّجة التي قد ينتهجها المربون، لأجل التأديب و التهذيب من سلوكيات الطفل و خلقه.. أفدتني دراسة الهندسة بأمور عديدة، منها الانضباط و تحرّي الدِّقة و قياس الأمور بنتائجها، ففي فترة الدراسة، كان الأساتذة يرصدون لنا النتائج كاملةً، عندما تكون القيم التي نخلص إليها من حلول المسائل صحيحة، و إلا فسوف تكون العلامات مساوية للصفر تماماً، حتى لو كانت خطوات العمل صحيحة، و هذا ما ينحو بيّ إلى اعتماد هذه المسائل في فنِّ المقالة، فأنا أرى أنَّ النصَّ المكتوب، مثل مسألة حسابية أو معادلة رياضية، يجب أنْ نزِنَ طرفيها، فأتعامل مع المقالة على أساس أنها معادلة رياضية، تمثل خاتمتها النتيجة الرياضية التي يجب أنْ نفضي إليها، و ما يأتي في سياقها من مقدمة و مضمون، ما هو إلا معطيات أو حدود جبرية في الطرف المقابل، نصل بواسطة بلورتها بالجمع و الطرح و الضرب و القسمة إلى النتيجة، لذا يجب أنْ يكون السّرد مهما طالت أو قصرت سطوره، مساوياً تماماً لخاتمته، فتراني أحياناً من خلال مقالاتي، أضع الخاتمة في مستهل المقال، ثم أقوم بتحليل الأسباب التي أدّت إلى هذه النتيجة، شأني في ذلك، شأن من يُحلّل أيَّ عددٍ، بإيجاد عوامله الأولية ؛ و كم أتمنى أنْ أرى النصوص المقروءة جميعها، مُصاغة بهذه الكيفية، كي نقوم بتجريبها في شؤون الحياة، حتى نعرف الغث من السمين منها، فليست كل النصوص التي تنشر، تعود بالفائدة على المتلقي، و ليس أدلُ على ذلك، من أننا لو جئنا لنعتمدها في المناهج الدراسية، فسوف نجد كماً يسيراً منها، يصلح لهذه المَهمة ؛ على غرار ما يجري في الجانب العلمي، فكُلُّ منطوقٍ لأية نظرية مكتوبة يخضع للتجريب أولاً، فإنْ تطابقت النتائج المعملية المُتحصَل عليها أثناء التجربة، مع القيم النظرية الثابتة، تصح النظرية و من ثم فإنها تُعتمد، و إلا فسوف تعدُّ مجرد اجتهاد، و لكل مجتهدٍ نصيبٍ ؛ عموماً فإنَّ للقيم المطلقة و علم الرياضيات دخلٌ واضح بالنص الأدبي، أُصطلح على تسميته بعلم ( الفلسفة ). أكتب عندما تأتيني الهواية. 13- يقول الكاتب المكسيكي الكبير ( خوان رولفو ) : " أكتب عندما تأتيني الهواية، فإذا لم تأتِ لا أكتب ".. فما هو الفرق بين الهواية و الإلهام من وجهة نظرك ؟ و هل أنت مع الإلهام و لحظة الكتابة، أم أنك مع الجلوس للكتابة في أي وقت ؟. - قد أتفق معه في جانب ممَّا قال، و قد أختلف معه في جوانب أخرى، لأنَّ الفكر السائد، يقول بأنَّ الإلهام هو المُحرِّك الحقيقي، الذي يجعل الكاتب يعبّر عمَّا يختزن في أحاسيسه من مشاعر، و في هذا الرأي السائد نظرٌ، فالهواية قد تكون هي من يجعل الكاتب ينبش فيما يبطن من مشاعر، و قد تكون هذه المشاعر محض أفكار، لا يستطيع أنْ يصلَ إليها بفعل الإلهام المجرد و كفى، فمثلاً يحدث معي في أحايين كثيرة، أنْ أفتعل عمل الكتابة بنفسي، بأنْ أختلق موضوعاً مسكوتاً عنه، و ذلك بالبحث في الأماكن القصيّة و البكر من مساحة التفكير، و التي لم يطأها كاتبٌ قبلي، أو قد يكون العمل الكتابي بالنسبة ليّ مجرد خاطرة، أنا من يُكوّن عناصرها المحيطة بالموضوع الذي أودُّ طرحه، مُفرِداً لكل منها فقرة و وقفة للإلمام بجوانبه كافةً، لدرجة أنني أثناء الكتابة، أتصورُ بأنَّ ثمة سؤالاً يدور في خلد القارئ حين وصولي إلى فقرة ما من النص، لذا أحاول أنْ أطرحه بدلاً منه، و أجيبه عنه من دون أنْ يسألني إياه، كل ذلك، لأجل أنْ أُضفي على نصِّي شيئاً من المنطق، لكوني أرى، أنْ الإبداع الأدبي مكمنه هو الإقناع قبل كل شيء آخر ؛ فبهذا الأسلوب الذي أتّبعه في النسج و السّرد، ليس للإلهام دورٌ يُذكرُ فيه، بل إنَّ الهواية و الرغبة في إيجاد الجديد، هما اللاعبان الرئيسان في بداية الكتابة و نهايتها ؛ لكني سأختصر لك الأمر في الجملة الآتية : - " فأنا مع الإلهام مرات، و مع الهواية في مرات أكثر ".