الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

ضياق علم


فتحت الحزام بمقدار عين واحدة، كنت قد ثقبتها فيه برأس شوكة الطعام (الفرقيتة).. في الشوكة أربعة أسنان متقاربة، جئت عند المتواجدة في الطرف، وأبعدتها بإنحناءة بإصبعي، ثم وضعتها على اللهب، حتى احمرت، وبرأسها المتوهج حفرت الحزام البني الذي زاد من الضيق على خصري، أخذ الطرف الخارجي له يتدلى فقد قصر عن حلقة البنطال الشبيهة بعروة الكأس، فكرت في أن أخلع هذه العروة من مكانها الأصلي وأدنوها بإتجاه زر البنطال المعدني غير أن في الأمر مشقة بالغة، عند ذاك قدحت في خاطري فكرة، تمثلت في أن أضع هذا الطرف في عمق الجيب لأتخلص منه.

القلق الخوف الارتياب الحزن وأشياء أخرى، يتسع لها ضيق العلم على الرغم من ضيقه.
مازلت أشعر بضيق في خاطري حتى بعدما فتحت ربطة العنق وأزحت الجوارب، من أين يأتيني هذا الشعور بالكدر يا ترى؟.

من القلب واللا العين اصل الغية؟ لا فهذا ليس سؤالي.
ضيقة العلم في القلب أم في العقل؟ بل هذا هو سؤالي.

القلب جد صغير والعقل أكثر اتساعا من كل شيء، العقل به قسمان، قسم منهما يحسب ويفكر ويصل إلى نتائج رقمية ومنطقية، وفي خلفه يوجد جزء شاسع يتخيل ويبحر في أعماق التصور، الجزء الأخير يبدو لي بأنه هو السبب، فعن نفسي أقول إن هذا القسم الحاسب قد عطلته منذ تركت دراستي ولست استعمله في مجال عملي، أقول ذلك لغيري الذي يشتق الكلمات وجذورها ويتخيل بأنه هو السبب، لكونه هو المختص بالعلم ومن ثم بضيقه.

لكن لماذا لا يتسع علمي، لست أعلم إن كان على هذا العقل حزام أو يلفه أي شريط، سوى شريط الماضي، اخشى إذا فتحت حلقة واحدة منه أن يرتخي فيسقط مخي.
ما لي وكل هذا العناء، أن يضيق علمي خير عندي من أن يسقط مخي، الفكرة في حد ذاتها مرعبة جدا، لذا أفضل أن أعيد ثقب الشريط بالشوكة وليضيق علمي إلى النهاية، وإلا بانت سؤته.

الخميس، 14 سبتمبر 2017

كلينكس


حذائي الأسود تعفّر بالتراب الأبيض، وأفل بريق لمعته، لم أجد منديلاً في محل قريب، دخلت إلى مقهى صادفني، طلبت إلى النادل طرف (كلير) ناولني إياه بدينار من غير منديل، كنت ابتغيه من وراء دخولي، لأن الكيس نفد من محتواه بحسب قوله، ولم يجد فيه ورقة واحدة.
صرت بحاجة إلى قطعتي منديل، فقد تلطخ أنفي بالشيكولاتة و(شنابي) بكريم الكلير، فكرت في أن أمسحهما بطرف كم كنزة القطن التي أستر بها صدري، غير أني تذكرت صديقي بوعجيلة وهو يفعل هذه الحركة المقزّزة، صرفت هذا الخاطر وجلست في مكاني، وضعت رجلاً على أخرى، وكم كان المنظر سيئاً، وأنا أمعن النظر إلى حذائي، الحاجة وليدة الاختراع وكم كنت في مسيسها إلى منديل، ضمّمت يديّ على ركبتي، وجعلت شيئاً فشيئاً أدنو بوجهي من الحذاء، فكرت في أن أمسح أنفي و(شنابي) في عنق الحذاء وأتخلص من هذه اللطخة باللقطة هاته.
لا علي،ّ فلست أكترث بأحد في أيِّ تصرف أقدم عليه في حياتي ولا أقيم لغيري وزنا،ً مادمت مقتنعاً بما أفعل، فكل أفعالي مدروسة وتخضع لمراجعة ذاتية، لكن تلاقي الأنف بالقدم أكثر استحالة من تصادم متوازيين.
أين ذهبت المناديل؟
قطعة الكلينكس كفضائح ويكليكس، على جنبات الطريق، ثمة مناديل ملوثة كثيرة ملقاة وقد ذهبت نعومتها، منها ما مسح الأنف أو الجبين أو العيون أو أصباغ الماكياج بعد انتهاء لزومه، وبها أيضا بقع من دم لايزال لزجاً وكراته الحمراء تنطّ، مثل نطّ أصحابها المحتفلين باليوم العالمي للأرض يوم أمس، لا شك في أن قطع المناديل كانت البارحة كثيرة تحتهم وأحذيتهم نظيفة وبرّاقة، غير أنها مُبتلة بعرق ندهة الجبين من خزيٍ قد أحدثوه.
هذا العرق الفاسد والمتفصد من جبين كل واحد وواحدة منهم، كان كفيلاً بمسح حذائي، ولم أجد قليل حرج عندما تخلل طرف لساني الشنابات. وتركت أرنبة أنفي وقد قست عليها لطخة الشيكولاتة كشامة أو حسنة أو سيئة لمن يراها وفعلة بوعجيلة تصارعني.