الأحد، 27 مارس 2011

الواحد من رهائننا بألف منهم

عاطف الأطرش
الحبيب الأمين
محمد سحيم
إدريس المسماري










بقلم : زياد العيساوي
منذ أنْ اشتعلت ثورة 17 فبراير، لمسنا سعي "القذافي" المحموم وحرصه على اعتقال المدنيين في كل مدينة، دخلت إليها كتائبه، ولو لبضعة ساعات، بعدما تـُقهقِرت منها، أمام تصدِّي قِوى الثوّار الضّاربة لها، وبعد أنْ أخرست الطائرات الفرنسية (رافال) فوهات دباباته، وأعمت أنابيب راجماته عنّا، تُرى هل سيأتي يومٌ، يجد فيه الدكتور "علي فهمي خشيم" اشتقاقاً لاسم هذه الطائرة، يكون ذا مدلولٍ وأصلٍ عربيٍّ، غير (رأفة الله)؟ وهي لعمري كذلك، فلولا رأفة الله بنا، لدكَّت مدينتنا، وسويّت مبانيها بالأرض، بعد غزوة بنغازي، التي أعدّ لها "معمر" كثيراً، وحشّد لها كل ما في مكنته، من أسلحة وشراذم، جمّعها من كل حدبٍ وصوبٍ وسوق لنخاسة المرتزقة، غير أنّ الله تعالى، لم يكتب لكتائبه، دخولها، فتحطمت قواته على أسوارها وأشجارها الغربية، بتوفيق من المنّان، وهِمّة أبطالها الميَامين الشجعان.

سعي "القذافي" لاختطاف الرهائن، يذكّرني بأسلوب نظام (الملالي) في "إيران" إبان الحرب الأهلية اللبنانية، حينما اختطف مجموعة من الرهائن الغربيين، وعلى رأسهم الأمريكان، لإجبار حكومة (ريغان) على الجلوس على طاولة المفاوضات، والضغط عليها من موقع القوة وليّ الذراع، كي تمتنع عن القيام بأيِّ عمل عسكري، وهذا ما كانت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) وقتئذٍ، تلوح به، فلقاء أرواح هؤلاء الرهائن، أراد (الخوميني) قائد ما يُسمى بالثورة الإسلامية- وهي في لـُبِّها (صفـّيونية)- أنْ يدفع بالحكومة الأمريكية، وهي صاغرة، لأجل أنْ تنازلَ عن عدة أمور، منها فكّ الارتباط بينها وبين نظام الرئيس العراقي "صدام حسين"- أثناء الحرب العراقية الإيرانية- الذي كانت تُقدِّم له، دعما لوجستياً وعوناً عسكرياً، جعل الجيش العراقي، يحرز عدة انتصارات على الأرض، في الأيام الأخيرة لتلك الحرب؛ غير أنّ "القذافي" لم يقـُم بأسر أيِّ مواطن غربي ولا أمريكي، وبمجرد أنْ يختفي أحد الصحفيين الأمريكيين، وتطالبه حكومته بالإفراج عنه، يقوم بذلك من دون قيد ولا شرط، لخشيته من الردّ الحاسم والفوري، الذي سيتعرّض له وقواته من الإدارة الأمريكية، بل ركّز على خطف المدنيين من كل مدينة، لسبب وحيد، وهو إدراكه للهزيمة التي سيتعرض لها، ولعلمه بأنه، لن ينجح أبداً في إخماد لهيب الثورة، التي أسقطت من سلطته المدن الليبية كافة، ولم يتبقَ له منها سوى معسكر (باب العزيزية) الذي تفوق مساحته البالغة 6 كيلو مترات مربعة، مساحة إمارة (مونتي كارلو) التي تبلغ مساحتها 3 كيلو مترات مربعة، ليدير من قيادته، كأمير حرب ومجرم مطلوب للعدالة، حربه على الشعب الليبي، أو ليتحول باب العزيزية إلى باب الحارة، غير أنّ العقيد "القذافي" لم يكُن في مثل أخلاق (العكيد أبو شهاب) بل هو أشبه ما يكون بشخصية (العكيد أبو النار) في الجزء الأول والثاني من ذلك المسلسل الرمضاني المعروف، أي قبل استقامته في الجزء الأخير، ولا أظنّ بأنّ "القذافي" سيستقيم، لأنه منذ البداية، قام باختطاف عدة شخصيات معروفة كالكاتب "إدريس المسماري" والشاعر "الحبيب الأمين" والكاتب "محمد سحيم" والصحفي الهُمام "عاطف الأطرش" الذي تمّ اختطافه يوم الجمعة 18/2/2011 في غفلة منا، بينما كان بصحبتي وأخيه "وديع" لدى قيامه بتغطية الاعتصام أمام محكمة شمال بنغازي، وتم تغييب أربعتهم قسرياً، ولا يعرف عن مصيرهم شيء إلى ساعة كتابتي لهذه المقالة، لذا ولعلمي بما يُخطط له "القذافي" من إجراءات استباقية، وبوضعه للاحتمالات مجتمعه، وعن مراحل قمعه لهذه الثورة، تيقنت بأن الهزيمة هي نصيبه من هذه الثورة، وما خطفه لهذه الأسماء، إلا دليل على تدبيره لمفاوضات طويلة يريد من خلالها، استعمال هذه الورقة، التي سيطلب مقابلها، تنازل الشعب الليبي عن كل ما اقترفه من جرائم- كتابياً- وانتفاء ملاحقته قانونياً، فهو من طلّاب الدنيا وأخلاقه ليست أخلاق الفارس والمناضل كما يدّعي.
عليه، فإنّ كتابنا الأربعة وغيرهم ممن لا أعرف، لأغلى لدينا من رأس "القذافي" وأعوانه، فاحرصوا على سلامتهم، لتقرّ بهم أعين أمهاتهم وآباؤهم وإخوانهم وأبناؤهم.



السبت، 26 مارس 2011

أنا عبد مأمور


بقلم : زياد العيساوي

في البُلدان الديموقراطية، يُشكَّل جهازاً خاصاً لحماية الحُكّام الشرعيين لشعوبهم، وفق نظام التعدُّدية وصناديق الاقتراع بالانتخابات الدورية، حسب كل بلاد، ويتألف هذا الجهاز من عددٍ محدود من الأفراد، قد لا يتجاوز العشرات، لكنه قادر على توفير الحماية له، من كل خطر أو اعتداء- طالما أنّ الحاكم، لا يتجاوز التشريعات المعمول بها- ويبقى هذا الجهاز قائماً بذاته، حتى بعد انتهاء مدة ولاية الحاكم، ليعمل من جديد على حماية من يليه، ويتولى شؤون البلاد من بعده، ويُعامل الفرد في هذا الجهاز الوقائي، بقدر ما يُعامل به، أيَّ موظفٍ آخرٍ في دوائر الدولة والوزارات الأخرى، من حيث الزيادات السنوية، وقانون التأمين والتقاعد والضمان الصّحّي إلى ما إليها من قوانين وتشريعات نافذة، فتصبح ميزانية هذا الجهاز المستقطعة من حجم الموازنة المالية لخزينة الدولة، معروفة ومُقدَّرة سلفاً، ولا مكنة للعبث ولا التلاعب بها، تحت أيِّ مُسمى ومُخوَّلٍ وغطاءٍ.

أما في المنظومات الاستبدادية الحاكمة، تذهب مقدرات الشعوب على شؤون الحاكم الأمنية، حيث تُسخّر الجموع، التي قد تعادل ما نسبته 50% من معدل السُّكان أو ما يربو على ذلك، لحمايته، مما يسهم في إنهاك ميزانية الدولة، نظراً للمرتبات والمكافآت والنثريات والجوائز الكبرى والصغرى، التي تذهب سُدى إلى زبانيته المجرمة، كلما أبدوا ولاءهم للحاكم، وكلما أمعنوا في قمع الشعوب، ويحدث ذلك، في غياب الشفافية والمحاسبة، وغياب سيادة القانون، وجهل من يعمل ضمن رجال هذه العصابات ولصوص الثروة، ولعلّ في منظومة "القذافي" الخربة، أفضل نموذج ومثال لا يُحتذيان، لكنْ يُضرب بهما المثل الصريح، لتوضيح هذه الخصوصية، التي تعرف بها هذه الأنظمة، التي تقع على شاكلتها.

المنظومة الأمنية القذافية
لقد حاول "القذافي" مؤخراً، تحويل القوى العاملة- بعد أن قلّص الموظفين من أعمالهم ووظائفهم- إلى فروع الأجهزة الأمنية، لإذلالهم وليكونوا حُماته وتحت إمرته، رغماً عن أنوفهم، ليزيد- من ثم- من شدة قبضته الأمنية على البلاد، وهذه كانت أخر أعماله الأمنية، التي اتخذت مظاهرة عدّة، ابتدأها منذ تسلقه ووصوله إلى سُدة الحكم في "ليبيا"، مُسخراً رجل الأمن إلى كائن يسجن ويُعذّب ويقمع، ويعدم بالشنق والرمي بالرصاص، بمجرد تلقيه اتصالاً هاتفياً، ومن دون أمر مكتوب، لعلم آمره، بأنه سيُساءل ذات ساعة، إذا ما وصلت ورقته إلى جهات التحقيق، أو إذا صارت مخطوطة فاضحة، ومستنداً ودليلاً على تورطه في أية جريمة، بعد سقوط نظامه، وتبدُّل الوضع، من نظام إجرامي إلى نظام سيادة القانون، وهذا ما رأينا وسمعنا "القذافي" نفسه، يقوم به، قبل عدوانه على مدينة "الزاوية" وتهديده أيضاً لمدينة "بنغازي" التي أراد بها شراً، لكنّ الله تعالى، جعل كيده في نحره، حينما بعث كلمة (تلفزيونية)، عبر هاتفه، ذي الذبذبات الإجرامية- محاولاً تغيير نبرته النشاز- كشفرة لأمرٍ منه لقواته، كي تزحف على المدينتين، وتُعمل فيهما القتل والسفك، حيث حرص على ألا يُظهـِر سحنته القبيحة على الشاشة، كي لا تكون ممتسكاً قانونياً عليه، بعد كلمته المشؤومة والمشهورة (زنقة زنقة) حينما فضح نفسه بنفسه، أمام مبصر ومسمع العالم بأسره، وهو يهدد ويتوعد الشعب الليبي في كل مدينة وقرية بأبشع الاقتراف، مما ألّب عليه كل الدُّنيا، وجعلها تحتشد في صفّ الليبيين؛ وحينما يُلامُ ويُحاسب من يمتثل لمثل هذه الأوامر، على أفعاله المشينة، لا يُبرِّر ما اقترفه من جرائم، إلا باختبائه تحت غطاء القول المكشوف: "أنا عبدٌ مأمور".
من أُكتُتِب في كتائب "القذافي" الأمنية، المُدجَّجة بترسانة عسكرية ضخمة، برغبة منه، طمعاً في معاش يتقاضاه، تحت ضغط الحاجة، ونتيجةً للفاقة والبطالة والعوز، التي مرّ بها شباب "ليبيا" كان عليه قبل أنْ يُقدِّم على ذلك، أنْ يتريّث طويلاً، ولا ينصاع تحت وطأة ما ذكرت، إلى الانضمام إلى هذه الأجهزة المشبوهة، التي رأينا شرَّها- من قتلٍ وسحقٍ وصنوف الإجرام جميعاً- بعدما اندلعت ثورة 17 فبراير المنصورة بحول الله، فقد تنوعت أجهزة الحماية لدى هذا المخلوق (العجائبي)، وتعدّدت مُسمياتها، من الحرس الثوري إلى الحرس الجماهيري- اللذين أظنُّ بأنه قد قام بحلهما في مرحلة سابقة، بعد أنْ تورطا كثيراً في عمليات إجرامية كبيرة، وقام بتصفية من أداروهما، تفادياً لأية محاسبة، قد يتعرّض لها، لأنه في الأول والأخير، الأمر الوحيد، والمسؤول الأول عن كل ما اقترفوه، متبعاً بتصرفه هذا، سياسة حرق المراحل وتغيير الوجوه- مروراً باللجان الثيرانية- اللي لا جت لا فوق ولا لوطا- ووصولاً إلى جهاز الأمن الداخلي، الذي يماثله في "مصر" جهاز أمن (الغولة)،وغيرها الكثير، وكلها كانت تهدف إلى غاية واحدة من تكوينها، وهي إبقاء "القذافي" في السلطة، ولو أدّى هذا، إلى تدمير البلاد، وإفناء الشعب الليبي من على وجه البسيطة، لا لتمكينه من ممارسة سلطته الشعبية، كما كان منصوصاً عليه، فيما كُتـِب عن دور ومهام اللجان الثورية، فبحسب ما قال ونظّر "القذافي": "هي لا تسعى إلى الوصول إلى السلطة، بل تمكين الشعب من ممارستها" ورأينا ولمسنا عكس كل ما هذى به، إذ تبيّن لنا أنها حزبٌ استبدادي، تحت تسمية أخرى، إذ أنّ لهذا التنظيم جناحاً سياسياً- يقوده المُحاضرون في المعسكرات العقائدية- وآخر عسكرياً، كما في أي نظام سياسي فاشل، يحكم بالحزب الواحد، الخاضع لحكم الفرد، لتسلب هذه اللجان الثورية، السلاح والثروة والسلطة، تحت عين إشراف الحاكم، بدلاً مما يُثار عن دورها النظريّ.

لقد انساق بعض الآباء، إلى تجنيد أبنائه في هذه الكتائب، بدلاً من (الكتاتيب) القرآنية، حيث علمت من مصدر موثوق، يعمل في سريّة طبية بمدينة "بنغازي" بأنّ كتيبة ما يُسمى "خميس" فتحت باب التسجيل منذ فترة ليست ببعيدة، فأتى أحد الآباء، تحت وطأة الفاقة، بولديه، اللذين لم تبلغ أعمارهما العشرين سنة، طمعاً فيما سيتقاضانه من مال حرام، لكأنه لا يعلم بحقيقة هذه الكتيبة وشقيقاتها، ولا بالدور الذي سيناط بولديه، حال قبولهما ضمن أفرادها، وهذا يأتي على العكس تماماً، من الدافع الذي دفع الليبيين إلى حرب (تشاد) الواحد تلو الآخر، لمدة عشرة سنوات متصلات، في حرب استنزافية وعدوانية بامتياز، فـُرضت على الشعبين، مع غياب الوعي والتثقيف، وكان الشعب التشادي في موقع المدافع عن بلاده، أما الجنود الليبيون، فقد سيقوا إلى هناك مُرغمين، ومقيدي القلوب قبل الأرجل، وأغلبهم أُختطِف من عمله ومدرسته، وبلا إرادته، كنت آنذاك غرّاً، لكني لو كنت في محل من سيق إلى حتفه هناك، لفضلت أنْ أُعدم في بيتي على أنْ أطيع أمر "القذافي" فالنتيجة، لو أطعت من يستخفنا، إما قاتل أو مقتول، والاثنان سيساءلان أمام الله، لأنهما معتديان.

لم يكُن في عُرف الليبيين، ولا في ثقافتهم الشعبية الأصيلة، ولا في أسس تربية النشء الدينية والاجتماعية لديهم، هذه الثقافة الجاهلية المُستجلَبة من جُزر الشيطان، فالعبودية لا تكون إلا للخالق، والخالق لا يُجوِّز هذه الفواحش والموبقات كلياً، بل يُحرمها بالمُطلق، وخصوصاً قتل النفس، لأنها لا تأتي إلا بدافع تزيين الشيطان لبني آدم، فيخال من يقول: "أنا عبدٌ مأمور" بأنّ الشيطان مُنجيه من عذاب جهنم، بهذا العذر بعد الغدر بالناس، لأنه في الحقيقة وبحكم التجربة (عبدٌ مأجور) ذلك أنّ تربيته بالأساس، تحتم عليه أنْ يفضّل الموت بمسدسات آمريه ومرؤوسيه، ليكتب عند الله شهيداً، بدلاً من يطيعهم ويشهر السلاح في وجوه أخوته، بل يقتلهم فيؤثم، وهذا ما أقدم عليه شهداء (الفرجان) وأفراد كتيبة (الفضيل) الذين فضلوا، أنْ يُحرقوا على أنْ يطيعوا هؤلاء المجرمين، نسأل الله أنْ يتقبلهم من شهدائنا الأبرار.




الخميس، 24 مارس 2011

المسيرة المليونية .. ما أشبه الليلة بالبارحة

يقوم الإعلام التابع والخاضع، لِسلطة ما تبقى من نظام أمير الحرب "معمر القذافي" بعد فقدانه لشرعيته، بالتعبئة والشحن، لإخراج إخواننا في المنطقة الغربية، في مسيرة مليونية صوب الشرق، كما يزعم، تحت شعار (كلنا إخوة) ولأداء صلاة الغائب على أرواح من أُستشهدوا في هذه الثورة، بنيران كتائبه الخاصة- والمُتخصِّصة في قمع الليبيين على حدِّ سواء- ولتقريب وجهات النظر والسمع، وما تبقى من الحواس الخمس، بيننا نحن الإخوة، كما يدّعي، بعد أنْ استنجد "معمر" بالقبائل هناك، لإيجاد مخرجٍ له من هذه الجرائم، التي اقترفها عن قصد، ولست أعي ما نوع هذا المخرج لهذه الأزمة، الذي يرومه، فهل لأجل بقائه في السلطة أم لتنحيه عنها؟ لأنّ مسألة بقائه في السلطة، باتت مرفوضة، جُملةً وتفصيلاً.. شرقاً وغرباً.. نساء ورجالاً.. شيباً وشباباً.. وأما عن تنحيه، فله أنْ يرحل، من دون أنْ يستأذننا، إذا استطاع إلى ذلك سبيلاً، ووجد له منفذاً، ومن دون حتى أنْ يرجع إلى رأينا.. (مربووووحة).
إنّ بانطلاء هذه الحيلة، التي يريد "القذافي"، حياكة نسيجها على الشعب الليبي، والتي تكمن في محاولاته الدؤوبة، منذ تسلقه سُدة الحكم في ليبيا، في زرع بذور الفـُرقة بين مشرق البلاد ومغربها، والإيحاء بأنّ أصل الأزمة الراهنة في "ليبيا"، يعود لخلافٍ، وصل إلى حدّ الصراع، بل الاقتتال بين أفراد الشعب الواحد، المنضوي تحت لواء المظلة الاجتماعية (منظومة القبائل) الموجودة في هاتين الناحيتين، إنما هي مكيدة ومصيدة دنيئة، أبتغى من خلفها، تشييء وتمييع القضية، التي يعاني منها شعبنا، والمُتمثلة في نظامه القمعي، وتواجده على هرم السلطة، كما (أبو الهول) المثقوبة عينه، لذا الشعب ثار، ليثأر من استبداده، وليتخلص من دسائسه الخسيسة، فهذا لعمري، هو جوهر القضية.
لن يرعوي "معمر" عن فعل كل ما يبقيه في السلطة، فمخياله رحب بالشرِّ، ومليء بالتحايل والمؤامرات واقتناص طيبة هذا الشعب، الذي قد يُصدّق ما يروُج له إعلامه الرخيص، فيظهر عن طيب خاطر في هذه المسيرة، التي أشكّ في التئامها، وقبل ذلك، في حُسن نية من يدعو إليها، وهنا أودُّ أنْ أوجّه كلمتي إلى المُغفلين والسُّذج، الذين قد تنطلي عليهم هذه الحيلة، التي دبرها الشيطان بليل (باب العزيزية) ولا عزة إلا لله، بأنْ أقول: "إنّ ما بيننا وبينكم، أكبر ممّا يحاول أنْ يصغّره هذا المعتوه، فحاذروا خبث ومكر هذا الشخص، الذي يريد أنْ يشعلها حرباً شعواء بيننا، لن تلتئم جراحها مدى الدهر، ألزموا دياركم، فنحن وأنتم إخوة.. والنية وااااااصلة".
فالأجدر بهؤلاء القادمين، أنْ يذهبوا إلى أخوتهم في "الزنتان" و"مصراتة" و"الزاوية" لكسر الحصار المضروب عليهم، بالدعم والمساعدات الإنسانية، قبل أنْ يُفكِّروا مجرد التفكير، في ركوب هذه المسيرة، التي تأتي بطلب من رأس النظام، ولتكُن مسيرتهم حيث وجّهتهم، من تلقاء ذواتهم، لا بأمرٍ من أحد، سوى ما تمليه عليهم ضمائرهم، وما تحتمه وشائج وعُرى الأخوّة بينهم.
ولا يفوتنا التذكير بأنّ "القذافي" قد قام في سبعينيات القرن المنصرم، بحشدكم والشعب الليبي بأسره، في مرحلة مناداته بالوحدة العربية، باعتباره الأمين عليها، بعد تلك الوصية، أو الترِكة، التي سلمها وتركها له "عبد الناصر" ليرث ويستعبد شعبنا والشعب المصري، والعربي كذلك، في مسيرة مليونية من "رأس جدير" غرباً، وحتى "مساعد" شرقاً، في محاولة منه لإرغام الرئيس المصري الراحل "أنور السادات" على قبول وحدته، التي جاءت على نحو غزو مدني منظم، غير أنكم جميعاً، قد اصطدمتم بمدرعات الأخير، لكون نية "القذافي" لم تكُن خالصة لوجه الله، وإنما هي حسابات شخصية، أراد من خلالها التعريض بـ"السادات" وتأليب الناصريين عليه في "مصر"، ووأد المشروع العربي من أساسه- الغريب بعد فشل تلكم المحاولات العربية الوحدوية، الفاشلة من الأصل، أننا لم نسمع من يقول: "الفكرة كانت صحيحة والأسلوب خاطئاً"- ما يعني، أنّ هذا العربيد، أراد منذ البداية، القضاء على المدّ القومي، بعد أكثر من محاولة وحدوية، حوت أسباب انهيارها، فما أشبه مسيرتكم القديمة، بالتي قد تتحرك الآن من عندكم، وما أشبه الليلة بالبارحة.
ها هو بعد تلك (التهبيعة) يرسل أبناءكم إلينا، وفي أيديهم (الكلاشنكوف) وعلى متن آلياته العسكرية، من دبابات وراجمات للصواريخ- أرض/أرض- (جاراد) لا تبقي ولا تذر من أخضر ولا يابس على وجه الأرض، بعد أنْ زجّجتم بهم في كتائب أبنائه، لقاء حفنة من الدراهم المعدودة، ها هو من جديد، يعيد فعلته الأولى، بمحاولته تسييركم إلينا في حملة، تبدو في ظاهرها مدنية، وفي باطنها، (زحفاً عسكرياً*) من نوع آخر، قد يُصيب "ليبيا" بشلل وكساح، إنْ أطعتموه، فنداؤه إليكم، يطابق إلى حدٍّ بعيدٍ، نداءه إلى اللاجئين الفلسطينيين، بعد أنْ فشل الأخيرون، في العودة إلى بلادهم بقوة السلاح، وقتما طلب "القذافي" إليهم، أنْ يتوجهوا إلى ديارهم في "فلسطين" وهم ممسكون بأغصان الزيتون، أي مثلما ما يطلب إليكم الآن.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*): ليست من عندياتي ولا تخميناتي، لكنها من التقاطاتي، حينما استمعت إلى المتحدث باسم الخارجية التابعة للقذافي، يتحدث إلى أحد أطقم الصُّحف العالمية المُفرَج عنها، بينما كان يستعد للعودة إلى بلادها، وهو يحثُّه على البقاء، ليغطي زحفاً جديداً للجيش ناحية الشرق.





























نصيحتي للثوّار : لا تتجاوزوا رأس لانوف

نصيحتي للثوّار : لا تتجاوزوا رأس لانوف



بقلم : زياد العيساوي
أما وقد دُحِر "القذافي" من بنغازي، من جرّاء الغارات الجوية المُكثـّفة للطائرات الحربية الفرنسية في جنوب غرب المدينة، على طلائع كتائبه الخاصة، التي كبّدتنا خسائر عامة، بتكبّدها هزيمة نكراء، وأصبحت آلياته أثراً بعد عين، فكفانا الله جرمه- قبل طائرات الفرنجة، فهم ولا ريب من جنوده تعالى، وقد سلّطهم على هذا الباغي الطاغية- وحفظ المدينة وحماها، مما أراد لها هذا المُدمّر، الذي أدخل البلاد في هذه الأزمة المتعدِّدة النتائج، من تعطّيل لأمور الناس، والتسبب بحماقاته السياسية والعسكرية، في إلحاق الضرر بالبُنى التحتية والفوقية، وتعريض المُغرَّر بهم من قواته إلى التهلكة، فأفقد البلاد ترسانة حربية ضخمة، من أموال الشعب، كان الأولى به، توجيهها إلى أعداء البلاد، لا لسفك دماء أبنائها، أو صرفها على مشاريع التنمية، بدلاً من إيثار نفسها بها، علينا.
أما وقد حدث ذلك، على قوافل الثوّار الأشاوس، الذين سطروا بدمائهم وأرواحهم ملاحم الإباء، أن يكتفوا في مسيرهم جهة الغرب، باسترجاع المنشآت النفطية، حتى تقوم المدن المحرّرة شرقاً، باستجماع قواها وبناء قدراتها الدفاعية والتنموية، وهذا لا يعني بحالٍ من الأحوال، استئثارنا بهذه المرافق الحيوية من دون الليبيين ككل، وإنما حرمان الطاغية منها حال استيلائه عليها، فو الله لو تمّ له ذلك، لن يدخل مدخولها إلى جيب أي ليبي في الجهة الغربية، سوى بطانته الفاسدة، ولن يوجّه قوتها الناعمة، إلا لترميم منظومته المتهالكة، بشراء ذمم الدول الكبرى، وما دعوته إلى سفراء دول روسيا والصين والهند وألمانيا والبرازيل- التي امتنعت عن التصويت بخصوص قرار مجلس الأمن رقم 1973- بمجرد استرجاعه لمدينتي "البريقة" و"رأس لانوف"- بعد أنْ ألحقت قواته إفساداً صارخاً بمصافيهما النفطية- إلا برهان على ذلك، وقد سبق أنْ رأينا "القذافي" منذ عام أو أكثر بقليل، بعد أنْ نشب حريقٌ صغيرٌ في إحدى حقول النفط، وهو يشرف بنفسه على أعمال إطفاء النار هناك، لكونه يعلم، بأنه لا يعني للغرب سوى حارس على هذه المادة الأولية، وبذلك يحاول أنْ يثبت له، بأنه أكفأ من يكون على هذه المهمة.



نجاحات وتعثرات الثورة

حينما شاهدت أبناء مدينة "الزنتان" و"الزاوية" و"مصراتة"، يقتلون بدماء باردة، والبعض من المدن الأخرى، لا ينتفضّ لها ولا يُحرِّك ساكناً، أو على الأقل، يعلن عن حياديته، وعلى الأكثر، يكتفي بتأييده للثورة، من دون المشاركة وعدم الدعم لها، بدعوى أنّ كتائب "القذافي" تطبق عليه حصاراً شديداً، مثلما هي الحال بالنسبة للمدن المنتفضة، التي كسرت حاجز الرعب، الذي استمرأ "القذافي" تشييده وتشديده على الشعب الليبي بصفة عامة، كم تمنيت على سكان هذه المدن الثلاث، أنْ يقعدوا في ديارهم مثل القاعدين الآخرين، ذلك أنّ الثورة ليست فرض كفاية، بل هي فرض عين، فإنْ لم تجتمع المدن والقرى كلها على رأي واحد، فما معنى الثورة؟.



إنّ نظام كهذا، عُرف ببطشه، ليس من السهولة النيل منه، إلا باتحاد الإرادة والإدارة لدى الليبيين ككل، لئلا يستفرد ببعضهم، حال تقاعُس البعض الثاني، فتجربة الانتفاضة على حكم "القذافي" على نحو فردي، هي بلا شك، تجربة قديمة، وقد حاولت فئات منهم على مراحل، القيام بها، في شكل انقلابات عسكرية أو عمليات بطولية فردية، حاول بعض المخلصين الأحرار من خلالها، أنْ يقدموا أرواحهم قرابين وفداءً لـ"ليبيا"، إلا أنّ الله تعالى، لم يقـُل: لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغير (بعضهم) ما بنفسه.. لكنه قال في كتابه العزيز: "لا يُغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم".. صدق الله العظيم.. ففي الآية دعوة جماعية إلى رصّ الصفوف وتوحيد الكلمة، لأجل أيِّ تغيير، وقد أردنا التغيير، وحُدُُِّد يوم 17 فبراير من هذه السنة لأجله، وكموعدٍ ليتنادى الليبيون مجتمعين من أنحاء البلاد كلها، في انتفاضة سلمية عارمة من أجل الكرامة والحرية وتحطيم القيد، مع أنّ "القذافي" بقمعه، هو من عسكر هذه الثورة، وجعل الثوار يتسلحون لأجل ألا تؤد ثورتهم.



لقد كان من شأن خروج الليبيين في ربوع بلادنا الحبيبة، ذكوراً وإناثاً، في اليوم المتفق عليه، أنْ يسقط من يحكمهم في ظرف ثلاثة أيام، وهذا ما حصل في المنطقة الشرقية، التي هبّت على بكرة أبيها، منذ أول يوم، فتحرّرت وصحت من كابوس عمره أربعون سنة في أربعة أيام، ولم ينضم في الضفة الغربية من بلادنا، إلا الثلاث المدن المذكورة، وهذا لا ينفي ممانعة الأخريات لنظام "القذافي" لكن انتفاضتها سُرعان ما خمدت، نتيجة ً لقمع "القذافي" لها، وكما ذكرت، فمسألة القمع، أصاب قرحها الجميع، غير أنّ هناك، من أصرّ على أنْ تسير الثورة حتى نهايتها، ولا نهاية للثورة غير النجاح، ولقد كان على المُستكينين أنْ يعودوا ليثوروا، خصوصاً بعدما أُصيب رأس النظام بربكة شديدة، إثر تلاحق الانشقاقات في سفاراته ومبعوثيه وموفديه إلى الخارج، وزيادة توابع (تسونامي) التشققات التي زلزلت بنيته، وسيطرته على مجريات الأمور في الداخل ، حتى أنه لم يفـُق منها تدريجياً، إلا في الأسبوع الثاني من تفجُّر ضياء فجر الثورة.

لا محاصة (مُحاصصة) في النفط بين أبناء الشعب الليبي الواحد، ولا نرضى بأنْ يُحرم أحدنا منه، غير أننا يجب أنْ نكون شركاء في الثروة والثورة، وهذا ما ينبغي على الثوار، مُستعجلي النصر، أنْ يعوه تمام الوعي، فلا يلعبوا دور المُضحين من أجل الآخرين، طالما أنهم ليسوا بعاجزين، فدعوا أخوانكم هناك، هم من يرسمون نهاية حكم الطاغية، بعدما بدأتموها ولونتموها بأول قطرة من دمائكم وأرواح رفاقكم، فالاكتفاء بتوقفكم عند "رأس لانوف"، سيُسّهم في تآكل آخر ركائز منظومة "معمر" بعزله وحصاره، طالما أنّ لديهم الرجال- واكتفوا بدعمهم لوجستياً وبالأسلحة وقبل ذلك بالدعاء- إني أخشى عليكم مما قد ينتظركم هناك، لاسيما أنه، يقوم بفتنة منظمة، يوحي من خلالها لإخوانكم المرهونين عنده، بأنكم غازين لهم، هذا ما استطعت استنباطه من خلال قنواته المرئية الفاسدة والفاسقة، التي يظهر فيها مُقدّم جديد يرتدي الزي الوطني، يذكرنا بمُقدِّم البرنامج الرمضاني (قال صاحب العقل)، غير أنه (قال صاحب الهبل) لِما يقوم به من أعمال مشبوهة، تصنّف في قائمة الدسائس، وتهدف إلى الوقيعة بين أبناء ليبيا، من خلال ما ينشره من أضاليل؛ أنا نصحتكم، وكنت أريد نصحكم بذلك، في كرتكم الأولى، التي وصلت فيها إلى مشارف مدينة "سرت"، وها قد تجدّدت الفرصة، وأنتم وما ترون.

الأربعاء، 16 مارس 2011

القذافي ظاهرة صوتية



لمقدرته الفذّة على التحكم في طبقتي الصوت المستعارتين (الجواب والقرار) والتلاعُب بهما،  كان للقذافي أسلوبه الخاص في خطابه الهادئ والناري، إذ لا يمكن أن يكون لإنسان مرونة صوتية، على النحو الذي تظهر به طبقاته، ففي ذروة حماسته أثناء خطاباته- الثمانينية المُتعلقة بالمسألة الفلسطينية والقومية العربية، وكذلك التسعينية، إبان تطوافه بالمدن الليبية، ليظهر للعالم مؤازرة الشعب الليبي له، أيام الحصار الذي تلى إدانته بتفجير الطائرة الأمريكية (بان أم) فوق مقاطعة (لوكربي)- التي كان يحشد لها- بالإكراه- مئات الآلاف من الشعب الليبي من الموظفين والعاملين والعسكر والطلبة والتلاميذ، بنقلهم بحافلات المؤسسات التابعة له إلى  الساحات العامة، كان يرفع من صوته ويصبُّ جام غضبه، بالسُّباب وتلفيق التهم إلى زملائه في نادي الدكتاتورية من العرب، حتى يصل إلى طبقة الزعيق، فيتشنج ويحتدَّ، وسرعان ما يتحوّل إلى صوت (ولية جالطة) ما يجعله يتناول كأس الماء، ليزيل اليبس الذي يتعلق بحنجرته، وفي خطاباته التي تبثُّ في مجالسه الحاكمة، من مثل مؤتمر الشعب العام، التي عادة تأتي إثر صياغة القرارات من قِبل المؤتمرين من الشعب، أو هم المُتآمرين عليه، وعلى قراراته، ليتدخل فيها بطريقته المعهودة من خلال شرعيته الثورية، ليتحوّل إلى ثورٍ هائجٍ، يثيره اللون الأخضر، كلما رأى خرقته الخضراء مُعلَّقة قـُبالته، فيضرب بها صفحاً وصفعاً، إلى درجة أنه يُعطـّـل أبسط وأهم قرار، تكرّر في مسودة هذا المؤتمر العام- و(الغام) على متطلبات الناس، طيلة 34 سنة من حكمه، وينصُّ هذا القرار على: "صرف المرتبات في حينها" التي تتبعها عبارة المُعطى لهم الكلمة في المؤتمرات الشعبية "ونا هضا قراري"، وهو أمرٌ مفروغٌ منه، وحقٌّ طبيعيٌّ، من الواجب واليسر  تطبيقه خارج دائرة هذه اللعبة الوسخة.  

عموماً، كان إذ ذاك، وفي هذه المجالس، يتحدث إلى الناس، بطبقة (القرار) بصوتٍ وصيتٍ سيئ، في هذه المجالس ودوائره المغلقة، محاولاً أن يزأر به، ليتأسد ويستأسد على كل صوت آخر، وليوهم السامعين، بفحولته وصولته وجبروته، بغلظة الصوت النابعة من قسوة قلبه- ولا يسمح بمقاطعته إلا للهتاف له بـ"علّم يا قائد علمنا.. بيش انحقق مستقبلنا"- مركّزاً بذلك على مسألة مهمة، واظب عليها طيلة سني حكمه، وهي التخويف وإلقاء الرعب في قلوب الناس، وخاصة المرجفين منهم، ولو بطبقات صوته.
وناهيك عن كل ذلك، فهاتان الطبقتان اللتان لا يمكن أن تجتمعا في رقبة إنسان واحد، كما يعرف خبراء ومهندسو الصوت، تحرفان القرآن، ولا يمكن أن تصدرا إلا على لسان من مسّه شيطان رجيم.

الاثنين، 14 مارس 2011

كان سيقتلنا بلا ثورة




على اسمك شعرٌ يكتبُ الشُّعراء .. ويلبسُ وجهُ الضُّوءِ مُنهمِرا

يا ليبيا قدرٌ كان الطُّغاة هنا .. لكنّ منك رجالاً غيّروا القدرَ

"منصورالرحباني-لبنان "

قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يعيش في جماعاتٍ قليلة ومُتفرقة،على رقعة جغرافية كبيرة، ويعزلُ بين مشرقِه ومغربه، فاصلٌ طبيعيٌّ، يتمثـّـل في صحراء شاسعة، فيستفرد به هذا المُستبدّ، ويحكَمه بسياسة الفـُرقة والنار والحديد والكلاشنكوف، وهو الأعزل والمُسالِم قبل كل شيءٍ.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يُقحَم خيرة شبابه، في أتون حروب استنزاف لقدراته البشرية والمالية مع دول الجوار، وتـُدقُّ الأسافين بينه، وبين أشقائه وأصدقائه، كما حدث في "مصر" و"تونس" و"أوغندا" و"تشاد" التي لم يجد لها أي جندي ليبي، سيق إلى حتفه هناك، أيَّ مُبرِّر مُقنِع، فصار الليبيون يُخمّنون بدواعي تلك الحرب، وراح قسمٌ منهم، يُفسّر بأنّ للـ"القذافي" مطامع توسعية ليقيم إمبراطوريته الكبرى، وهناك قسمٌ آخرٌ، ظنّ بأنه يريد الاستيلاء على بحيرة "تشاد"، ووجد في ذلك، عملاً وطنياً، وهو بكل توكيد، عملٌ إجرامي وعدواني بامتياز، إذ لا حقّ له فيه ولا لليبيين كشعب أيضاً، في حين، أنّ "القذافي" استشعر خطراً ماحقاً يحدّق به، يكمنُ في العلاقات الطيبة بين الشعب الواحد في البلدين، على الأصُّعدة كافة، وبالقاعدة الشعبية الأمامية الواسعة، التي تحظى بها الحركة السنوسية في هذا البلد، ومعرفته بأنّ ثمة مناصرين كثيرين لها، حيث إنّ شيخ الشهداء "عمر المختار" والكثير من المجاهدين، قد شاركوا في ملحمة الجهاد مع أخوتهم التشاديين هناك، ضدّ المستعمر الفرنسي، وللدور الذي قامت به الحركة السنوسية في نشر الإسلام في هذه المنطقة، لذلك أراد هذا المجرم القضاء على أحد حصون ومعاقل الحركة السنوسية، درأً لأي خطر قد يُقوّض منظومته المُتخلخِّلة، فأعلنها حرباً هوجاء على هذا البلد، استمرت إلى أكثر من عقد من الزمن.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يُهانَ بالقمع والدجل والظلم والاستخفاف والغشّ، من منظومة شعاراتية زائفة وزائلة، جعلت من العمل، محض شعارات على جدران المدارس، واللافتات في الميادين العامة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ ينطبق عليه، ظلامٌ لا نهار له، امتدّ سواده إلى ما ينوف عن أربعين سنة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تـُختطـَف أحلامه وطموحاته وحريته ومصيره وماضيه وحاضره ومستقبله، بقسوة زعيم عصابة، لا قلب بين حناياه.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تـُنهَب أمواله وأماله ومقدراته وأرضه وسماؤه وبحره، ولا ينعم بشيءٍ منها.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يعيشَ في مسرحية من ثلاثة فصول- سياسية واقتصادية واجتماعية- وهو يرنو إلى الفصل الربيعي المورق الأخضر (الحرية) خارج الكتاب الأخضر، بعد جدبٍ، تجاوزت مدته، المئة وستين فصلاً، في أربعين سنة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يقفَ في طوابير الجوع والمرض والاستكانة والعنوسة والتخلُّف والحزن والاصطبار والاصطفاف والتكدُّس والاحتقار، والانتظار- بعد ذلك- أمام قطار الموت أو قطار الفوت، الذي لا ينتظر الخانعين.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تتغير ديموغرافيته وطبيعته وتركيبته وبنيته (الاجتماعية والتحتية والفوقية) وتتجمّد حساباته (العقلية والمصرفية).. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يُستبعدَ ويُستعبَد، وتُعبَّد بمقتدراته المالية وقدراته البشرية، طرق مستقبل الشعوب الأخرى، من دون حتى أنْ يُذكرَ ولا يُشكرَ، ويُنسَب ذلك إلى من يطحنه.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تُسخّر بلاده، أرضاً وجواً وبحراً، لأجل مشروع واحد، مشروع العمر للـ"القذافي" وهو بقاؤه في السلطة، فهذا هو الإنجاز الوحيد، الذي اشتغل عليه هو بنفسه، طيلة العقود الأربعة الماضية، وجنّد كل شيء في بلادنا له.. قدرُ الشّعب الليبي، أن تـُصادرَ حقوقه في ثرواته، ويُشترى بها السلاح، لإسكاته وإسكانه في علب الصفيح.. قدرُ الشعب الليبي، أنْ يُستخفّ بعيد استقلاله، ويُمسحَ هلاله ونجمته وألوانه الثلاثة، وتُستبدلَ براية لا رمزية لها، ونشيده بكلماتٍ، لم تـُكتَب وتُعد وتـُلحَن له، بل أُستورِدت في قوالب جاهزة ومُجمَّدة، من برّادٍ لمثيلٍ له في اللصوصية العالمية، والإقصاء للآخرين.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تهمش هويته وتهتزّ شخصيته، من خِلال حرب نفسانية، روّجت لها ماكينة إعلام موّجه، لا تـُعبّر عن تطلعاته وتوجهاته الحقيقة.. قدرُ الشعب الليبي، أنْ يُغيَّبَ عن حاضر الحضارة، ويعاني من قصور وظيفي وهيكلي وثقافي، وأنْ تـُمارسَ عليه سياسات (البروباقندا) الفارغة: "الشعب الليبي مش طيّب.. ويستاهل ما ايجيه" هذا الإعلام الخسيس، الذي أفقده الثقة بنفسه لفترة، وحاول أنْ يفتّ في عضد عزائمه، ويجلده بسياط الذات الشيطانية، ليحبطه ويشعره بأنّ لحظة خلاصه بعيدة وغير آتية، ويدنسَه بخطيئة وذنب لم يقترفهما، فتُسيّد عليه هذه الطُّغمة، بطعمة فاسدة ورائحة نتنة، تحت شعار: "مثلما تكونون يُولَّى عليكم".. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يظلَّ حبيس زنزانة إعلام حديدية، تتكلم بلغة القائد والصقر الأوحد، في دلالة سافرة، على استخفاف رأس النظام، برجال البلد وأبطالها، فلا يسمع أناته وآهاته التوّاقة إلى التقدُّم والعدل والحرية.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تـُرتهَن بلاده، وتُختَزل في شخص ذلك السارق لطموحاته، فلا يُذكر له، حتى اسم علم واحد، في أيِّ مجال من مجالات الحياة، ويحتكر "هشّاش الذُّباب" ألقاب المُعلم والمُهندِس والمُفكِّر والطبيب والمُغني والموسيقي والشاعر والراقص الأول.. قدرُ هذا الشعب، أنْ يُجاهد طُغيان الطليان الفاشست، ويثبت لشعوب العالم، بأنّ الشّعب الليبي، أبيٌّ وعصيٌّ على المستعمرين، فينتصر لله "إنْ تنصروا الله ينصركم" فينصره الله، ويمدُّه ويكرمه بالخيرات (النفط والغاز) والأرض الطيبة المعطاءة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ ينتصرَ للقضية العربية الرئيسية، ولإخوانه في "فلسطين"، ضد شذّاذ الأفاق الصهاينة، بعد عدوانهم في عام 1967 ميلادية، على العرب مجتمعين، ليطردَ من على أرضه، من لا عهد لهم، عاملاً بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، مع هؤلاء القوم، خائني المواثيق (اليهود) في المدينة المنورة.. قدرُ الشّعب الليبي بعد ذلك، أنْ يُزرعَ بين أبنائه، ويُسلّط عليه، من يسومه العذاب، بدافع الغلّ والكراهية والانتقام، من لم يتوانَ البتّة، عن فعل أبشع الجرائم بحقّه.. قدرُ الشّعب الليبي، بعد أنْ اندلعت ثورة شبابه المباركة، أنْ يخرج عليهم في أول تهديد (خطاب) وخطبٍ جللٍ، يجرحهم بقوله: "من أنتم حتى تتمردوا عليّ؟.. فأنا من جعل أباءكم رجالاً".



هذا قدره، وليس صحيحاً، بأنّ لا مفرٍّ من القدر، فالمفرُّ بمقدوره، إذا اتحدت جموعه وتوحدت كلمته، لأنْ يستجيب له القدر ويذعن، بالثورة والكفاح المُسلَّح، والإيمان بالله وقضيته العادلة، فالله ليس بظلام للعبيد "وما ربُّك بظلامٍ للعبيد" حتى يحكمهم الظالمون، خفافيش معسكر السابع من أبريل، التي التصقت بجدرانه طويلاً، حتى زحفت في ليلة 1/9/1969 وامتصّت دمائنا وأموالنا، وأزهقت أحلامنا في مهدها، سنين عدداً.

لا ندم على الثورة

كل دم أريق منا، أغلى لدينا من براميل النفط، الذي فضّله "القذافي" علينا، طيلة فترة حكمه، كل لحظة رعب عاشها أطفالنا وشيوخنا، تشعرنا بالقلق عليهم، كل دينار خسرناه من جملة ما خسرنا، هو رخيص في سبيل الخلاص.

ربما ما كنا نظنُّ؛ بأنّ ثورتنا ضد هذا الزنديق، ستنحو هذا المسلك، وتذهب بهذه التضحيات والخسائر كلها، لكنّ ممانعتنا للـ"قذافي" قبل أنْ تكون لإصلاح أحوالنا المعيشية، هي ممانعة للظلم والاستبداد والاستكبار والفساد.

بعد سقوط نظام الرئيس التونسي "زين العابـ(ر)ين بن علي" الذي مثّل سقوطه، سقوط أعتى دكتاتور عربي- كما كتب الدكتور "أحمد إبراهيم الفقيه"، في مقالة له على أحد مواقع (الإنترنيت)، ولست معه في ذلك- خرج علينا "القذافي" مساءً، إحساساً منه، بأنه ليس خارج دائرة الشُّبهات، ببذلته السوداء كما (دراكولا)، يرغد ويزبد، مُكشِّراً عن أنيابه، ومُهدداً الليبيين الأماجد، من مغبّة خروجهم عليه، وكان يبدو على ملامحه الأرق والإرهاق والخوف، حتى أنه لم يقدر على فتح عينيه جيداً، فألقى الرعب في قلوب البعض، ومع أني كنت مُدرِكاً جيداً، لجدّية وصحّة تنفيذه لوعيده لنا، إلا أنني تمنيت على الشعب الليبي، أنْ يثور عليه ليلتها، لأنّه لم يُرغّب أحداً منا بأي وعدٍ بالإصلاح، ولأنه أظّّهر للجميع، أنّ العقدَ الذي يربطنا ويحكمنا به، هو عقدٌ غير شرعي، عقدٌ مُسطَّر بالعُقدِ والحقدِ منه علينا، ليس إلا، تمنيت ذلك، لأنّ تحليلي لشخصيته وتفهُمها، أكد ليّ بأنّ ليس لدى الشعب الليبي من خيار وما يخسر- حال توحش هذا المخلوق المسخ، والعجيب الأطوار، إذا استمر تحت نيره- إلا قبول تحديه له، في ذلك الخطاب المشؤوم عليه، فمن طبيعة الليبي، إذا ما تحداه أحد المنحرفين (الصيّاع)- الذين هم أشرف من هذا الجبان- في إحدى النواصي (الشوكات) بسياق: "انكنك راجل؟.. اطلعلي" بأنْ يقبل تحديه ولا يجبن أمامه، وإن كان مُسالماً بطبعه، لا ينزلق إلى افتعال المشكلات، وهكذا كان أسلوب (الكائد) مع الليبيين في ذلك المساء، لذا وجبت الثورة.

ألم يكن بإمكان هذا الكائن البشع، والمُشبَع بالحسد والحقد، أنْ يُصلِح من لهجة خطابه، التي ما فتئ يعيدها على هذا الشعب، حتى من دون أنْ يقرَّ بأخطائه السابقة؟ حتى بعدما فشلت نظريته، التي هي مجرد آراء وأضغاث يقظة، لم ترقَ إلى عتبة المُسلَّمات، كي تـغدو نظرية بالأساس- أقصد فشلها على الواقع وبحكم التجربة، فهي فاشلة من الأصل، ولا يمكن إثباتها في مختبر المجتمعات الإنسانية عملياً؛ أصرّ بعد ذلك، على انتفاء عدوله عن خطئه، بل صار يُدجّل لتكبره علينا، بتبرير على ألسنة زُمرته المُزمِّرة له، حتى وقت هزائمه: "الفكرة صحيحة، لكن التطبيق خاطئ" وإزاء هذا، أليس هو من أوجد آلية التطبيق والتحقُّق بنفسه، وهي مؤامرة المؤتمرات واللجان الخشبية؟ فإذا لاقى الشعب الليبي هذه المعاناة في ظلّ المستبد الأوحد "معمر القذافي" الذي عاش فترة شبابه في عهد مجتمع مدني ونظام وطني، وفي ظلّ دولة القانون بمؤسساتها المُتعدِّدة والمُنفصِلة، فما بالكم إذاً، إذا تسلّط علينا أحد أبنائه، المُتربين في خيمة الجور والاستبداد؟ كنا بلا ريبٍ، سنعيش في ظلهم بلا شمس، ولا ربيع بلا شمس، و لرأينا في عهده أضعاف ما حلّ بنا في عهد أبيه،من صنوف المذّلة والهوان، ولمتنا فقراً وحسرةً وهواناً.



















السبت، 12 مارس 2011

كابوس ليلة 15 فبراير 2011

صحوت يوم الثلاثاء، الموافق لعنوانه، مُنقبـِض القلب، ومُتقطِّع الأنفاس، أبحث عن جرعات الهواء، كعطشان يهيم بالصحراء، يتسرّب موضع بركة السراب من تحت قدميه، كلما وصل إليه، والعرق يتفصّد من جبيني بكميات كبيرة، لكأنني كنت أهرول في (ماراثون) حول محيط الكرة الأرضية، في جوِّ قائظ، لا غـُمامة واحدة في سمائه، أستظلُّ تحت غطائها.. يا الله ما الذي رأيته في الحلم؟ بصقت على يساري ثلاث مرات- حاشا لكم- مُردِّداً بلسان مُتصلِّب: “يا ساتر استر.. الله يلعن الشيطان” بعدد حبّات مطر الغيمة، التي لم تنقشع من أمام غبش ناظري، تعوذت من الشيطان، لأني رأيته في حلمي، ولم أستطع أنْ أبوح بسرّ حلمي لأيٍّ كان، فمثل هذا الحلم، لا تروى أحداثه وأحاديثه لأحد من الناس، إلى انقضائه وزواله، هكذا علّمني أبيّ، ونِئتُ بحِمل الحلم، كحِمل (حَمل) العربية سِفاحاً، وهي في مضارب أهلها.. فيا للعار ويا للهول ويا للمصيبة، ويا له من كابوس.
بقيت في البيت يوم ذاك، لم ينقضِ اليوم، حتى ثبت الحلم وتحقـّق، بعد أنْ وصلتني أنباء عن خروج واعتصام أهالي ضحايا (قهرة بوسليم) التي لم يسلم من شرها أحدٌ في بلادنا- بوسقيم- واحتجاز أحد النشطاء منهم.. تفاقم الموقف وتأزم بشكلٍ مُتسارع، عشية أو قبل يومين من موعد يوم الغضب في بنغازي وليبيا ككل، المُقرر له أنْ يكون يوم الخميس 17/2/2011 ميلادياً.
صباح يوم الأربعاء 16/2/2011 خرجت إلى وسط المدينة، لألحظ هدوءً نسبياً وحذراً، يُخيّم بظلاله على شوارعها، مشوباً بشيءٍ من الاحتقان والتّرقب، وكان هذا المرأى غير غريب، في دولة ترزح تحت حكم نظام مستبد وغبي، لم يفلح حتى في حلِّ قضية جنائية كهذه، وأضاع على نفسه، فرصة حلحلتها بطريقة ودّية، كانت ستجنّب البلاد هذه الثورة الشعبية العارمة، نتيجة استفزاز واحتقار رأس هذا النظام لشعبه، طيلة مدة حكمه الأهوج، فهو في غبائه حيال هذه القضية، كغباء “صدّام حسين” الذي لم يفلح في ردّ التهمة المنسوبة إلى بلاده، بخصوص امتلاكها لأسلحة الدمار الشامل، حيث إنه غشّ وغلّوش على العالم وعلى شعبه، بل حاول أنْ يوهم البعض، بأنه يحوز بالفعل مثل هذه الأسلحة، في حين، أنه لو لم يتصرف بغباء وعنتريات، مع فرق التفتيش، طيلة أثني عشرة عاماً، لما أعطى الأمريكان ذريعة لافتراس بلاده.
صبيحة يوم الخميس 17/2/2011 أي يوم الوعد المُرتـَقب، عدتُ الكرّة، والكُرة إلى مرماها الأول، ذاهباً إلى وسط المدينة، لأجد أمام المبنى (المُتقنّفِد)- المثابة الـ(ماما)- أناساً كأنهم خارجون من فم عفريت، ابتلعهم لفترة طويلة وأسكنهم في أحشائه، أو هي مفرخة للشياطين و(الأبالسة)، يعتمرون القبعات الصفراء- كعلامة سرّ بينهم تـُميّزهم- التي عادة ما يستعملها العمّال الكوريون، فظنّنتهم شغـّيلة في إحدى الشركات الأجنبية، غير أنهم كانوا يمتشقون الهـِراوات، ويصيحون بنفس مُتقطـِّع: (الفاضح وحدوية.. الفاضح ضد الرجعية.. الفاضح في كل مكان.. الفاضح هو العنوان) كانوا يردّدونها بتائِها لا ضادهِا، ويُضادُّها من الجهة الأخرى، بعض الفتـّية القادمين تواً من الشارع المقابل لها، والمُتفرع من شارع “جمال عبد الناصر*”- ياريت اتغيرو اسم هالشارع بعد نجاح الثورة- وهم يهتفون بلازمة الثورات العربية الحديثة: “الشعب يريد إسقاط النظام”- أي إقعاد العقيد، المُعقد والمُتعقد منا- فيردُّ شغيلة المثابة: دوم “مؤمَّر**”-علينا طبعاً- هو القايد.. من غيره خرّاف وزايد.. وكانوا بذلك، يستفزون هؤلاء الشباب بالقمع الفكري والعملي، وهذه سابقة غريبة في منظومات القمع، إذ جرت العادة أنْ يقوم بصدّ مثل هذه التظاهرات السلمية قوات الشرطة والأمن، في حال اعتداء المتظاهرين على المنشآت العامة، في محاولة من أجهزة المخابرات التابعة لأجهزة “القذافي” القمعية والمُتعدّدة، للإيحاء بأنّ لديه مناصرين في البلاد، وأن الاشتباك الدائر بين الفرقتين، هو اشتباكٌ مُسموحٌ به، ضمن إطار اللعبة الديموقراطية، التي لا اتحاد فرعي لها في ليبيا ينظمها، كما الألعاب الباقية.
نعم، فقد كان في تواجد هؤلاء (الثيرانيين) في الظرفين الزماني والمكاني المُحدَّدين، خطأ فادحٌ وغير مدروس، خصوصاً أنهم قاموا قبل ذلك بيومين بنصب الخيم في ساحة (الكيش)، ليقيموا فيها (فلكلورهم) الثوري، بالهتاف لـ “قائدهم” إلى حتفهم، ولم يمنعهم ويتصدَّ لهم أحدٌ، وقد لاحظت أنّ ثمة بينهم، من يسبُّ النسوة في الشرفات بأقذع الشتائم، بمجرد أنْ يحاولنّ بأصواتهنّ، ردّعهم وردّ الخطر، عن أبنائهنّ المُتظاهِرين، ولعلّنا في استماعنا إليهنّ، في المشهد الذي تعرضه القنوات الإخبارية، وهنّ يصحنّ في وجوه هؤلاء، فيما يعرف في بنغازي بـ(شوارع الكبدة) وفعلاً (كانن اكبودهن دم عليهم): "يبو يحرقونا .. يا حقراء .. يا كلاب يا كلاب" تذكيراً لمقطع من فيلم عمر المختار، حين اقتحام الطليان لقريته، والنساء يصرخنّ: "خطونا.. ايش تبو منا؟.. خطونااااا".
احتدم الموقف بين الفريقين، غير أنّ الطرف الموالي لـ “القذافي” كان بينه من يطلق الأعيرة النارية في الهواء وعلى الناس، على نحو عشوائي، وحاول باستماتة الذود عن هذه المثابة، التي تمثّل له رمزية مهمة، فكلما اقترب منها شباب الثورة، زادوا من كثافة النيران، تركت الساحة وعدت إدراجي، وأنا على يقين بالنصر واحتشاد أعداد كبيرة من الثّوار في اليوم الموالي له (الجمعة) لأرى الشارع ذاته وقد تحرّر من شراذم أصحاب الخوذ الصفراء، التي بقيّ جُزءٌ كبير منها ملقياً على الرصيف، بعدما تم سحب رؤوس معتمريها كما بدا ليّ، إلى معقلهم ومعتقلهم الأخير في “طرابلس” وبعد أنْ رأوا قـُنفذ مثابتهم، وقد انكفأت دبابيس ظهره، وهي مثل تنور، وقوده نسخ ورقع كتابهم الأخطر.

أعمال شيطانية:

إنّ ما قامت به كتائب “القذافي” الأمنية من جرائم في مدة ثلاثة أسابيع، فاقت حتى ما قام به حزب الكتائب في “لبنان” إبان الحرب الأهلية في ثمانينيات القرن المُنفرِط، المُمتدة لأكثر من خمسة عشر عاماً، فقد أوغلت في دمائنا، وتعدّدت جرائم هذا النظام وتنوعت، من كذبٍ وتلفيقٍ وقتلٍ ونبشٍ للقبور واختطافِ الجرحى، ومحاولةِ بثّ الفرقة بين أفراد الشعب الواحد في “ليبيا” بالفتن والدسائس، وانتهاك الحُرمات، ولم يكفِه، أنه لم يبنِ مسجداً واحداً في بلادنا، بل دكّ المساجد على رؤوس عامريها وأعمدتها من المصلين والمعتكفين بها، ولا ننسى إشاعته للأخبار المُغرِضة بين الناس على شاشات قنوات هذا النظام البائسة، باستحضار عدة شخصيات خانت الوطن والعباد، وعلى رأسها “يوسف اشكارة” الذي كلما انشقّ أحد المسؤولين- الذين فاقوا من سُباتهم، بعدما شخصت أمامهم حقيقة “القذافي”- والمخلصين من التكنوقراط، الذين إنْ عملوا في منظومته، فلأجل نهضة بلادهم، أتى بـ(اشكارته) المليئة بالقذورات والسُّباب، التي لا تصدر إلا عن شخص باع ضميره واسمه وفعله للشيطان، فشيطن الجميع، وفلم يسلم من لسانه السليط، حتى علماء الدين، الذين نـُكنُّ لهم أسمى آيات الاحترام والإجلال، ولست أعي من يكون هذا الكيس الدُّهني، حتى يطعن في كلِّ شخص، قال كلمة حقٍّ في وجه سلطان جائر، وما زلت أنتظر منه ما سوف يقوله في حقّ (ماردونا) إنْ طلب من “القذافي” التنحي، ولو تستغربوا إن حدث ذلك، أنْ يقول عنه: “تي من هو ماردونا؟.. عقاب واحد مدمن وصايع.. راهوعندي له تسجيل فيديو في مباراته مع بريطانيا في مونديال 1986 انتم مش شايفينها.. دار فيها GOOL بيده.. واللهي وراس القايد.. ما هي امخطمة عليه الكورة بكل.. ولعلمكم راهو استلم من الساعدي- ولد الأخ القائد- مبلغ وقدره.. بيش ايعلمه تسديد الركلات الحرة.. وما نفعش فيه القدر هالخاين.. وما وجعتني إلا التفتوفة اللي خذاها بلا فايدة.. يا طول ما جرّب الساعدي ايشوط الكورة بره خط الـ 16.. زي ما علمه هالأرجنتيني النصراني.. وفي كل مرة.. ايشيّر فيها في قلب السماء.. لين كره الكورة وبطّلها.. وخش على جو السينمات.. من تحت راس هالماردونا.. وربي ايوفقه في هوليوووود.. امغير انكان شاورني الساعدي بس.. راني ما نصحتش بيه.. ودلـّيته على زيكو البرازيلي الأشقر.. مش هضا اللي رايح كيف البتـّية***".
إنّ هذه التصرفات كلها لا تصدر إلا عن نظام عنجهي ومُتسلِط وعاهر، يبيح لنفسه ما يحرمه على غيره، وهي لمن من رجس الشيطان.

حلمك يا شيخ علاّم:

بعد صعود بنغازي وتحسُّن أخبارها، بزوال أحبارها من تلاميذ التلموذ، وتآكل وسقوط عِظام النظام، التي نخرها سوس الفساد، وبعد كل ما شاهده الوطن إثر هذه الثورة المباركة، من وحشية وهمجية “القذافي” صار من المُتاح والمُباح أن أخبركم بكابوس تلك الليلة:
(رأيت في الحلم، عدة نساء شقراوات وعاريات، يتحلقنّ في حالة رقص، حول “القذافي” الذي بمجرد أن تقابلت عينايّ بعينيه، أدار ليّ ظهره، وهو بينهنّ، ليكشفَ ليّ عن شعره الطويل، الذي يصل إلى حدّ خصره، الغريب أنه كان يرتدي زي امرأة، بلون يميل إلى الزرقة القريبة من السواد، والأغرب هو أنّ شعره بان ليّ مُتفحِماً ومُتحجـِراً، أفقت من دهشتي لا من حلمي، وأنا أتساءل: من تكون هؤلاء العاريات؟ ولماذا يدير ليّ ظهره؟ ليجيبني هتافٌ: “إنهنّ روسيات الجنسية، وهو الشيطان” نهضت على تلك الحالة، باصقاً على الشيطان ثلاثاً، يوم الثلاثاء صباحاً).
ـــــــــ
(*): يكفي أنه من سلّط “القذافي” علينا وعلى العرب أجمعين، بعد تلك الوصية القومية: “أترككم وأنا أقول …. إلخ”.. فكيف لزعيم كعبد الناصر، أدّعى تبنيه للمشروع القومي وحرصه عليه، أنْ يضع طوق هذه الأمانة الغالية في عنق شاب صغير، بعد سنة واحدة من توليه الحكم، ولم يُكشف عن نيته بعد؟، فيا لها من فوضى ومراهقة سياسية، رهنتنا لهذا الطاغية، ليخوّن بموجبها، كلَّ من كانت له رؤيا غير رؤيته المُشمَّسة بنظارة التعالي، حتى انطبق عليه المثل الشعبي القائل: “وكـّلناه قطع عايلتنا”.
(**): هكذا نطق اسمه، بعض المرتزقة الأفارقة.
(***): لم آتِ بشيءٍ من عندي، فهو بهذه الكيفية، يوزع السُّباب ويكيل الشتائم، وأكثر ما يركّز على الجانب المالي

الأربعاء، 9 مارس 2011

نداء عاجل إلى المجلس الوطني الانتقالي


نداء عاجل إلى المجلس الوطني الانتقالي

انجوه ببدنه .. ليموت بحسرته

بقلم : زياد العيساوي

صرح "القذافي" في اجتماعه بشباب (الزنتان)- غير المنتمين إلى هذه القبيلة الشريفة، والذين أشكّ بأنه قام بتجميع بعض من زبانيته، وقام بتقديمهم على أساس أنهم من هذه القبيلة- بأنّ بتقويض منظومته الفاسدة، سيكون هناك خطرٌ، يتهدد منطقة حوض البحر المتوسط و(إسرائيل) بالتحديد، وفي هذا التصريح، برهان على أنه شارف على الاندحار والانتحار السياسي، ولقد ترك هذه الورقة كآخر سلاح يلقي به في حلبة الصراع السياسي الداخلي والخارجي، بعد أنْ خسر معركته الدعائية في الداخل، بالسيطرة على شوارع المدن، واستمالة قلوب الناس، فليس من المعقول أنْ يرمي حاكم، أدّعى كثيراً محاربته للكيان الصهيوني، وطالب في مناسبة المولد النبوي الشريف الأخيرة، ببدء الثورة العربية والإسلامية على (إسرائيل) لصرف نظر الشعوب العربية على الثورة عليه، ومن هو مثله، فـ "القذافي" بتصريحه هذا أعلن عن نفسه، وعن شرعيته المفقودة.

كنت أقول لكلِّ من هو حولي دوماً، إن في إطالة بقاء حكم هذا المجرم على سوئه، نصرٌ للشعب الليبي بكل تأكيد، لحكمة من الله تعالى، فابشروا بنصر الله المرتقب، فها نحن رأينا بأمهات وأباء أعيننا، وعلى أرض الواقع، كيف كان مكر الله مع هذا التافه، فلو قيّض لأي شخصٍ في بلادنا- ولو إحدى عجائز الفندق البلدي- المال والسلطة والزمن، كما قيّض له، لاستطاع أن يحوّل "ليبيا" إلى جنة من جنان الله على الأرض في زمن قياسي، غير أنّ "القذافي" الذي لطالما تغنى بإنجازاته ومشاريعه العربية والأممية وبكتابه الأصفر الأجدب- بصوت محمد حسن- جعله الله عبرة لكل من يعتبر، فها هو بكل ما ملك ويملك من مال وسلاح ووقت، قد حوّل مقولته الخالدة في حطب النار(السلطة والثروة والسلاح بيد الشعب) إلى (السلطة والثروة والسلاح ضد الشعب وبيد معمر) وهذا ما نرصده له، في هذه المجالات الحيوية والسيادية:

زراعياً: جعل أرضنا المعطاءة جرداء يغزوها التصحر من كل حدب وجدب.

صناعياً: فشلت مشاريعه الصناعية جميعها، وتحولت قلاعه الشامخة كما كان يدّعي إلى أوكار فساد، وقام زبانيته بحرقها جميعاً.

تعليمياً: حسبي أن أقول: لم يستطع طيلة أربعين سنة، أن يجعلنا نفتخر بعالم ليبي واحد، وإن كان من نخبة ليبية معروفة، فهي درست وأقامت بالخارج، وليس من فضل له عليها.

صحياً: يكفي أن نقول: إنه جعل مستوصفاته ومستشفياته بلا أطباء، بل جعل الليبيين، حتى من الميسرين، ينفقون مدخراتهم التي يفترض بهم صرفها على السياحة بالخارج، تذهب إلى العلاج في الدول المجاورة، ففي الفترة الأخيرة والحال كذلك، تم رفع الدعم على الصحة بشكل غير علني، ولكنه ملموس.

عسكرياً: نبدأ بهتاف من كانوا يركضون وراءه: "فلسطين اتعود يا قائد .. بعابر لحدود يا قائد".

صحونا بعد هذه الثورة المباركة على حقيقة، أنْ لا جيشاً لدينا في بلادنا، ولعلّ في تصريحه الأخير، انتفاء عداوته لإسرائيل.

رياضياً: لم يحقق الليبيون في عهده الأسود أيَّ نصر رياضي، فحتى بطولة كأس أفريقيا 1982 ميلادية، التي استضافتها جماهيريته في بنغازي وطرابلس، ذهبت للمنتخب الغاني، ولا أخفي عنكم، أنني كلما فقد منتخبنا أو أحد أنديتنا المعروفة- بما فيها فريق النصر الذي أشجعه- نتيجة أي مباراة مع فريق أجنبي، أنني كنت أفرح وتمتلكني الشماتة ليس في لاعبينا، بل في "القذافي" لتكون كل هزيمة رياضية في ميزان فشله أمام الشعب الليبي.

فنياً: لكوني معنياً أكثر بالجانب الغنائي، لم أتأسف يوماً على فشل الأغنية الليبية على المستوى العربي في حقبته الأربعينية، وكنت سعيداً بأنّ من تولّى راية هذا الفشل بالإشراف على الأغنية المحلية في هذه الفترة، هم زمرة من أزلامه الهمج ومنهم "عبد الله منصور" و"الكيلاني" ولم يكُن تأخر مستوى الأغنية الليبية على يد أحد فنانينا المعروفين، الذين تم إقصاؤهم، ليخلو المجال لهذين الاثنين و"محمد حسن".

إعلامياً: نُـعت "القذافي" في وسائل الإعلام العربي والعالمي، بلفظة التصقت كثيراً باسمه وهي (الزعيم) وكان هو ومن لفّ لفّه، يفتخر بهذا الوصف، لأنه لغبائه لا يدري بأنه مسبّة ونقيصة له، لكون هذا اللفظ لا يلتحم ولا يكون إلا مضافاً لمضاف إليه معروف، وهو (العصابة) ليصبح اسمه الحقيقي (زعيم عصابة) ليبيا، ليظهر في شكل الزعيم الأزرق، تلكم الشخصية المعروفة في سلسلة (سندباد) الكرتونية، خصوصاً حينما يرتدي هذا الزعيم المزعوم، عباءته السوداء في لقاءاته مع خفافيش عصاباته العالمية.

بذا وأكثر من ذلك، فضح الله تعالى هذا الدجال أمام شعبه والعالم بأسره، حتى حينما يثور عليه الليبيون، يكونون دعاة حقٍّ، وحتى لا يندم أحدٌ منهم، فلو قامت هذه الثورة الحالية في وقت سابق، ومُتقدِّم بعد اعتلاء "القذافي" للسلطة لربما ندم البعض منا، لأنّ هناك كثيرين، كانوا يرونه في صورة القائد الأممي والثائر المخلص للشعب العربي ككل من براثن الصهيونية والإمبريالية، ولكنْ بعد أن ثبت زيف إدّعائه وكذبه وفشله المقصود أصلاً في بعض مجالات الدولة، والتي ذكرت منها الشيء اليسير، حُقت عليه الثورة، وصارت فرض عين على كل ليبي أصيل.

لأنّ علاقة الليبيين بالقذافي، مرت بثلاث فترات، هي كالآتي: عقد الثمانينيات والسبعينيات، والسنة الأخيرة من الستينيات: كان الشعب الليبي مخدوعاً فيه،عقد التسعينيات والعقد الأول من الألفية: كان الشعب الليبي مقموع منه.

سأل والدي ذات سنة من عقد السبعينيات، الحاج "إبراهيم التريّة" رحمهما الله: "ايش رايك في القذافي؟" فأجابه: "اجعنه ما هو احمارك" أي "لا تتمناه حتى حماراً لتمتطيه" وفي وقت لاحق سأله: "زعمك هو يهودي واللا إيطالي" فأجابه الحاج "إبراهيم": "ما اتـّعبش روحك يا اخلوفة.. الله أعلم.. المهم أنه قليل أصل".

...

نداء إلى المجلس الوطني الانتقالي

إذا ما صحّت الأخبار المتواترة والمتناقلة عن وكالات الأنباء العالمية، بشأن محاولة بومنيار أو بو 130 مليار القذافي، التحاور معكم، نيابة ًعن الشعب الليبي، وبالأصالة عن أنفسكم، أحثكم على التفاوض معه شريطة تنحيه عن السلطة، وانتفاء ممارسته لأي عمل سياسي أو دعائي في الخارج، وكفّه لزمرته من بعده عن القيام بأي أعمال إجرامية بحق شعبنا الطيّب، فالإصرار على الانتقام منه ثأراً لأرواح شهدائنا الأبطال هو مطلب جماهيري وشعبي أكيد، لكن صوناً لأرواح شبابنا العزّل في المدن الليبية المضطربة، أناشدكم بأن تفرجوا له فتحة الخروج ليهرب كجرذ، فقضية محاكمته والقصاص منه هي ما يستحقّ بكل توكيد، غير أننا ولو مكننا الله منه، وأقمنا عليه حدّ القتل، فإنه سيموت مرة واحدة، في حين أن شهداء الانتفاضة وما قبلها، هم بمئات الآلاف، فدعوه ينجو ببدنه ليموت بحسرته، حينما يرانا من الخارج، كيف ندير عجلة التنمية والتطوير، وكيف نقيم نظاماً وطنياً مستقلاً، وإن رفض الحوار، فإننا غير مأسوفين على دماء أبنائنا، الذين عقدوا العزم على أن يرووا البلاد بدمائهم ليطهروها من عار عمره 42 سنة- 42 رقم حذاء وليس عمر نظام- تمثّل في رضانا مرغمين، بأن يتزعمنا رئيس هذه العصابة المجرمة، فدعوهم ينتقموا إذا من جالب هذا العار.







الاثنين، 7 مارس 2011

من أنتم؟

الثورة مفهوم جماعي لا فئوي، فمنذ أنْ عرفت أناملي أهمية القلم، ودوره في الكتابة والتنوير، كنت على يقين تام، بأنّ لا خلاص للشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الليبي الحرّ من نظام (فوضى) القذافي، إلا بالعمل الشعبي الثوري، وما من سبيل آخر غيره للانعتاق والتحرّر، وكم توقعت وتمنيت أنْ تكون بداية شرارة الثورات في العالم العربي في "ليبيا" لا "تونس" لكن لا بأس - (اللي غلبه خوه ما ذل) - لأنّ الشعب الليبي، كان المؤهل أولاً، للمبادرة بهذا الحل الوحيد، ذلك أنّ مثل هذا النظام القمعي، الذي لا مثيل له أصلاً، تسلّط على الليبيين، بطريقة استبدادية ووحشية، لدرجة أنها كانت تدفع في اتجاه التصادم معه في كل مرة، لكنْ التركيبة الأخلاقية والنفسانية المسالمة لليبيين ، هي من أطالت في عمر بقائه، وهي من كانت على الدَّوام، تفرُّ من هذه المواجهة معه، صوناً للأرواح، وأملاً من الله تعالى، في أن يهتدي ويعود هذا المجنون من غيّه إلى رشده.

فقد كانت كل دقيقة تمرّ من أعمارنا - ببقاء هذا المجرم - تضيع هباءً وبخسارة كبيرة، على الوطن والشعب، ولم أراهن يوماً على العمل الفئوي أو النخبوي، بقدر ما راهنت على قدرة الشعب، وعلى الدافع الذاتي المُحرِّك لجموعه، خصوصاً أننا جميعاً عانينا منه بالقدر ذاته، فهذا النظام الذي دجّل علينا بشعار (العدل والمساواة) لم يساوِ بيننا إلا في عناوين الفقر والتخلف والجهل والقمع والإذلال.

كانت "ليبيا" تضيع منا، شيئاً فشيئاً، لدرجة أنَّ أمنها القومي- المنوط بابن القذافي "المعتصم بأبيه والشيطان"- أضحى في خطر داهم، فقد فقنا بعد هذه الثورة المجيدة على حقيقة صادمة، وهي أنّ لا جيشاً لدينا، بإمكانه أنْ يصون البلاد والعباد من مطامع أي أجنبي، هذا ناهيك عن تبذير ثروات البلاد على مشاريع "القذافي" الفاشلة، الذي أخذ أشكال عدة، من طبعه للكتاب "الأخطر" على الشعوب قاطبة، بلغات العالم جميعها، الحيّة والميتة كذلك، وصرف أموال الشعب على توهماته السياسية، وإدعائه بأنه إمام المسلمين في المعمورة، وهو الذي لم يبنِ في بلاده مسجداً واحداً طيلة سني حكمه، بل اعتبر عملاً كهذا، عملاً أهلياً، لا يُصرف عليه من خزينة الدولة، في حين، كنا نراه يشيّد المساجد في بعض الدول الأفريقية، لذر الرماد في العيون، ولأنه وجد في قيامه بهذا الشيء، نوعاً من أوجه صرف وإخراج أموال الليبيين إلى الخارج، من دون وجه حقّ، بُغية حرمانهم منها في المقام الأول.

الشعب هو المُنظـِّر الوحيد للثورة، لقد لقنت ثورة 17 فبراير 2011 ميلادية "القذافي" درساً في الثورة، وهو الذي كتب في كتابه "الأصفر" أنّ "لا ثوري خارج اللجان الثورية" هذه الثورة، دحضت وأثبتت بالبرهان القاطع- أنّ ما كان يدّعيه نظام فوضى 1969 ميلادية، بأنه هو من حكّ صواني شرارة الثورة، لكون الثورة في عرفها، لا تقوم إلا على الباطل، في حين أنه جاء على عمران نظام وطني مستقل، كان يشقُّ طريقه، بمعاوله لترسيخ مفاهيم الحرية والديموقراطية والعدالة في المجتمع السياسي الليبي، ليقيم على عمرانه انقاض انقلابه الخرب، الذي رزح تحته الشعب العربي الليبي المسلم لحقبة كاملة من سني أجياله.

لم يسجل تاريخ الإنسانية والثورات، حتى على هوامش صفحاته الحمراء المُبتلة بدماء وتضحيات الشعوب، أنْ تبدأ وتنتهي ثورة ما في يوم واحد، إلا ما كان يروّج له "القذافي" حيث إنه حاول أنْ يُلبس حركته الانقلابية رداء الثورة، في الوقت الذي أخبرنا فيه التاريخ، بفيزيائية الثورات، فهي تبدأ من المناطق المنسيّة والمظلومة، حتى تصل إلى مركز السلطة، وحتى تصل، تكون مثل كرة الثلج التي تتدحرج، وكلما مرت يكبر حجمها وقت التصاق شرائح الشعب بها، وهذا ما تسير عليه كُرة ثورة 17 فبراير المباركة في زحفها المُقدّس باتجاه "طرابلس" حتى يستقر بها المقام هناك وتذوب مياهها لترتوي بها أرضنا وحلوقنا العطشى للحرية، يبدو ليّ أنّ هذا المخلوق الغريب، الذي لطالما وضع خريطة ليبيا وراءه، وأمسك بعصاه ليشرح لنا عن مراحل مشاريعه، أنه لم ينظر- قبل أنْ ينظـّر علينا- إلى الخارطة الليبية جيداً، فشكل الخريطة يُظهر للمشاهد أن بها حيوداً ناحية الغرب، فلو ركّزنا على ساحل المنظقة الشرقية، سنرى كأنه عنقاً تطيل النظر ناحية الغرب، وتشرأب أعناق الساحل الليبي ككل إلى تلك الوجهة، هذا جغرافياً، أما فيزيائياً، فإن كرة الثورة ستصل بكل توكيد إلى هناك، لأنها بدأت في المنطقة الشرقية، وهي الأعلى على الساحل الليبي، لتصل إلى النقاط الأخفض، التي تمثل قاع هذا الشريط الساحلي، مثل "راس لانوف" و"بن جوّاد" وتتعثـّر حركتها قليلاً، وهذا ما تترجمه لنا مجريات المعارك الجارية فيهما الآن، لكنها ستحتاج إلى دفعة بركلات الثوار، حتى تصل إلى "سرت" ثم تمضي طبيعياً إلى مرمى الهدف "طرابلس" بدافع انطلاقتها الأولى.

وهنا أحب أنْ أشدَّ على أيدي الثوار والمرابطين في الخط الأمامي، الذي ينتقل وينزاح يوماً بعد يوم صوب الغرب، بأنْ يسرعوا من وقع زلزلة خطاهم، وألا يعطوا فرصة للطاغية ليلتقط أنفاسه، لأنّ بإطالة عمر الصراع، قد نتفاجأ بقرار دولي، ينصّ على تقسيم البلاد، ليبقى الشطر الغربي تحت سيطرة "القذافي" وهو الذي لا يستحق حتى حكم فناء حديقة فيها، فـ "القذافي" في سبيل أن يظلَّ في السلطة، سوف لن يتورع عن دفع مئات المليارات من الدولارات من مال الشعب الليبي لزعماء عصابات العالم، فكل ما دفعه من تعويضات في السابق عن حادثة (لوكربي) وبقية أعماله الإجرامية، صار نسياً منسياً، وكأنه لم يدفع شيئاً، بل صار مُطالباً بدفع ما هو أكثر بذلك بكثير، هذا في حال تواطؤ الدول الكبرى معه.

في الفترة الأخيرة، ظنّ البعض من المثقفين بأنّ الكتابة المناضلة التي تواجه صلف هذا المجرم، سيكون لها شأن في دحره وتنحيه عن الحكم، كما حدث ويحدث مع حكام كثر في أماكن أخرى في العالم، ولم ينتبه هذا البعض إلى أنّ "القذافي" ليس حاكماً مثل أي حاكم ثانٍ، وأنه جعل المجتمع الليبي يبدو كحالة شاذة وخاصة عن بقية المجتمعات في العالم، فهو بتصوري أعتى وأغبى دكتاتور، أوصل البلاد إلى وضع بائس، بقصد وعن عمد، وليس بسبب سوء الإدارة، التي كان بالمتاح تقويمها، بعيداً عن تدخلاته.

كنت سأسامحه، لو أني اقتنعت بأنّ هذه الحالة المزرية، التي وصلت إليها البلاد، كان مُسبّبها هو حسن النية وانتفاء الخبرة، لكونه أسّس لنظام سياسي جديد غير معروف دولياً، لكني سوف لن أسامحه- وأخالكم معي- لكوني تيقنت من فترة بأنه ما استحدث هذه الفوضى البنيوية، إلا بنيّة التخريب وتدمير مقومات الشعب الليبي.

الكاتب المُصلِح هو من يقوم برسم التصورات البناءة ووضع يده على مكامن الخلل في المجتمع السياسي والإنساني بعامة، لتأتي فيما بعد الجهات المعنية والمسؤولة لتتدارك الأخطاء، أي أنْ يُعامَل معاملة الإنسان المخلص لوطنه، لكن في عهد "القذافي" كان يتم تخوين المثقف وتجريمه، وما الذي كان بمكنة المثقف أن يعلنه للشعب الليبي حول حقيقة وإجرام هذا الحاكم غير ما عرفه بنفسه، من خلال معاملة هذا المجرم له، فقد تبيّنت في الفترة الأخيرة حقيقته وخيانته لهذا الوطن لكل راءٍ، فالإصلاح الفردي كان بمقدور "القذافي" السيطرة عليه، لكنه لم يكُن بوسعه السيطرة على الإصلاح المنطلق من القاعدة الشعبية المجتمعية، وهذا ما يفسّر قيامه قبيل اندلاع ثورة 17 فبراير بمحاولة استعمال سلاح التخويف والترهيب، اللذين درج عليهما طوال فترة حكمه، بيد أنه قام بتعبئة زمرته ولجانه (الثيرانية) التي صارت تطوف بأرجاء المدينة وتهتف باسمه، محاولاً بذلك ثني الشعب في مدينة "بنغازي" عن الخروج عليه، لأنه كان يعي حقيقة تهلهل نظامه، الذي سوف لن يصمد طويلاً في مواجهة طلب الإصلاح الجماعي، الذي سرعان ما اتخذ شكل الثورة الشعبية، ومن ثم حرب التحرير، لأنّ الإصلاح في المقام الأول، هو مسؤولية كل مواطن ومواطنة.

لقد طُلِب مني ذات يوم، أن أتجند في صفوف الكتابة المُتخندِقة ضد الفساد، في إحدى الصحف الليبية، وكنت قد رفضت ذلك، لقناعتي بأنّ هناك، في المسافة الفاصلة بين كلمتي الإصلاح والفساد، يكمن قرار بيد "القذافي" باستطاعته أنْ يأمر به، لكنه لم يفعل ذلك، والحمد لله، أنه لم يكتب له أنْ يكون من المُصلحين، ولأني كنت لا أريد أن أسهم في تعطيل ثورة الشعب، التي كنت أعلم بأنَّ بتمنعه وتعنته سوف تندلع، وسيكون بها صلاح حال الليبيين، فإطلاعي بمهمة الكاتب في وضع كهذا، من شأنه أن يضفي على منظومة القذافي المنهارة صفة الديموقراطية ليتزيّ بها أمام المجتمع الدولي من دون طائل على الواقع، فآثرت الانسحاب وألا أقف بين الشعب وبينه.

لمدة أربعين عاماً- أي ما يساوي بالتقريب 15 ألف يوماً- بعد (انكلاب) 1969 ميلادية و"القذافي" ينظـّر على الشعب الليبي بمفهوم الثورة، فعلّمه هذا الشعب الثورة عملياً ما تعنيه الثورة في أربعة أيام فقط في بنغازي، وما يزال يلقنه دروساً في الجهة الغربية من ليبيا، وللهول الذي أصابه، نعت الليبيين بالنعت الذي وصفهم به (جرسياني) بعد مئة عام من احتلالهم لليبيا: (الجرذان) بعد أن فعل بهم ما ارتكبه الطليان في سني حكمه من تجويع وشنق وإبادة، هذا الحاكم الفاشي والفاشل.

فهل عرفت (من نحن) رداً على سؤالِك (من أنتم؟).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خدمة الإنترنت كانت وما تزال، محظورة عليّ من يوم 6/2/2011 فشكراً لـ"محمد معمر القذافي" القائد العام المزعوم لثورة الاتصالات والمعلومات في ليبيا.