الاثنين، 14 مارس 2011

كان سيقتلنا بلا ثورة




على اسمك شعرٌ يكتبُ الشُّعراء .. ويلبسُ وجهُ الضُّوءِ مُنهمِرا

يا ليبيا قدرٌ كان الطُّغاة هنا .. لكنّ منك رجالاً غيّروا القدرَ

"منصورالرحباني-لبنان "

قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يعيش في جماعاتٍ قليلة ومُتفرقة،على رقعة جغرافية كبيرة، ويعزلُ بين مشرقِه ومغربه، فاصلٌ طبيعيٌّ، يتمثـّـل في صحراء شاسعة، فيستفرد به هذا المُستبدّ، ويحكَمه بسياسة الفـُرقة والنار والحديد والكلاشنكوف، وهو الأعزل والمُسالِم قبل كل شيءٍ.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يُقحَم خيرة شبابه، في أتون حروب استنزاف لقدراته البشرية والمالية مع دول الجوار، وتـُدقُّ الأسافين بينه، وبين أشقائه وأصدقائه، كما حدث في "مصر" و"تونس" و"أوغندا" و"تشاد" التي لم يجد لها أي جندي ليبي، سيق إلى حتفه هناك، أيَّ مُبرِّر مُقنِع، فصار الليبيون يُخمّنون بدواعي تلك الحرب، وراح قسمٌ منهم، يُفسّر بأنّ للـ"القذافي" مطامع توسعية ليقيم إمبراطوريته الكبرى، وهناك قسمٌ آخرٌ، ظنّ بأنه يريد الاستيلاء على بحيرة "تشاد"، ووجد في ذلك، عملاً وطنياً، وهو بكل توكيد، عملٌ إجرامي وعدواني بامتياز، إذ لا حقّ له فيه ولا لليبيين كشعب أيضاً، في حين، أنّ "القذافي" استشعر خطراً ماحقاً يحدّق به، يكمنُ في العلاقات الطيبة بين الشعب الواحد في البلدين، على الأصُّعدة كافة، وبالقاعدة الشعبية الأمامية الواسعة، التي تحظى بها الحركة السنوسية في هذا البلد، ومعرفته بأنّ ثمة مناصرين كثيرين لها، حيث إنّ شيخ الشهداء "عمر المختار" والكثير من المجاهدين، قد شاركوا في ملحمة الجهاد مع أخوتهم التشاديين هناك، ضدّ المستعمر الفرنسي، وللدور الذي قامت به الحركة السنوسية في نشر الإسلام في هذه المنطقة، لذلك أراد هذا المجرم القضاء على أحد حصون ومعاقل الحركة السنوسية، درأً لأي خطر قد يُقوّض منظومته المُتخلخِّلة، فأعلنها حرباً هوجاء على هذا البلد، استمرت إلى أكثر من عقد من الزمن.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يُهانَ بالقمع والدجل والظلم والاستخفاف والغشّ، من منظومة شعاراتية زائفة وزائلة، جعلت من العمل، محض شعارات على جدران المدارس، واللافتات في الميادين العامة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ ينطبق عليه، ظلامٌ لا نهار له، امتدّ سواده إلى ما ينوف عن أربعين سنة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تـُختطـَف أحلامه وطموحاته وحريته ومصيره وماضيه وحاضره ومستقبله، بقسوة زعيم عصابة، لا قلب بين حناياه.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تـُنهَب أمواله وأماله ومقدراته وأرضه وسماؤه وبحره، ولا ينعم بشيءٍ منها.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يعيشَ في مسرحية من ثلاثة فصول- سياسية واقتصادية واجتماعية- وهو يرنو إلى الفصل الربيعي المورق الأخضر (الحرية) خارج الكتاب الأخضر، بعد جدبٍ، تجاوزت مدته، المئة وستين فصلاً، في أربعين سنة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يقفَ في طوابير الجوع والمرض والاستكانة والعنوسة والتخلُّف والحزن والاصطبار والاصطفاف والتكدُّس والاحتقار، والانتظار- بعد ذلك- أمام قطار الموت أو قطار الفوت، الذي لا ينتظر الخانعين.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تتغير ديموغرافيته وطبيعته وتركيبته وبنيته (الاجتماعية والتحتية والفوقية) وتتجمّد حساباته (العقلية والمصرفية).. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يُستبعدَ ويُستعبَد، وتُعبَّد بمقتدراته المالية وقدراته البشرية، طرق مستقبل الشعوب الأخرى، من دون حتى أنْ يُذكرَ ولا يُشكرَ، ويُنسَب ذلك إلى من يطحنه.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تُسخّر بلاده، أرضاً وجواً وبحراً، لأجل مشروع واحد، مشروع العمر للـ"القذافي" وهو بقاؤه في السلطة، فهذا هو الإنجاز الوحيد، الذي اشتغل عليه هو بنفسه، طيلة العقود الأربعة الماضية، وجنّد كل شيء في بلادنا له.. قدرُ الشّعب الليبي، أن تـُصادرَ حقوقه في ثرواته، ويُشترى بها السلاح، لإسكاته وإسكانه في علب الصفيح.. قدرُ الشعب الليبي، أنْ يُستخفّ بعيد استقلاله، ويُمسحَ هلاله ونجمته وألوانه الثلاثة، وتُستبدلَ براية لا رمزية لها، ونشيده بكلماتٍ، لم تـُكتَب وتُعد وتـُلحَن له، بل أُستورِدت في قوالب جاهزة ومُجمَّدة، من برّادٍ لمثيلٍ له في اللصوصية العالمية، والإقصاء للآخرين.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تهمش هويته وتهتزّ شخصيته، من خِلال حرب نفسانية، روّجت لها ماكينة إعلام موّجه، لا تـُعبّر عن تطلعاته وتوجهاته الحقيقة.. قدرُ الشعب الليبي، أنْ يُغيَّبَ عن حاضر الحضارة، ويعاني من قصور وظيفي وهيكلي وثقافي، وأنْ تـُمارسَ عليه سياسات (البروباقندا) الفارغة: "الشعب الليبي مش طيّب.. ويستاهل ما ايجيه" هذا الإعلام الخسيس، الذي أفقده الثقة بنفسه لفترة، وحاول أنْ يفتّ في عضد عزائمه، ويجلده بسياط الذات الشيطانية، ليحبطه ويشعره بأنّ لحظة خلاصه بعيدة وغير آتية، ويدنسَه بخطيئة وذنب لم يقترفهما، فتُسيّد عليه هذه الطُّغمة، بطعمة فاسدة ورائحة نتنة، تحت شعار: "مثلما تكونون يُولَّى عليكم".. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ يظلَّ حبيس زنزانة إعلام حديدية، تتكلم بلغة القائد والصقر الأوحد، في دلالة سافرة، على استخفاف رأس النظام، برجال البلد وأبطالها، فلا يسمع أناته وآهاته التوّاقة إلى التقدُّم والعدل والحرية.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ تـُرتهَن بلاده، وتُختَزل في شخص ذلك السارق لطموحاته، فلا يُذكر له، حتى اسم علم واحد، في أيِّ مجال من مجالات الحياة، ويحتكر "هشّاش الذُّباب" ألقاب المُعلم والمُهندِس والمُفكِّر والطبيب والمُغني والموسيقي والشاعر والراقص الأول.. قدرُ هذا الشعب، أنْ يُجاهد طُغيان الطليان الفاشست، ويثبت لشعوب العالم، بأنّ الشّعب الليبي، أبيٌّ وعصيٌّ على المستعمرين، فينتصر لله "إنْ تنصروا الله ينصركم" فينصره الله، ويمدُّه ويكرمه بالخيرات (النفط والغاز) والأرض الطيبة المعطاءة.. قدرُ الشّعب الليبي، أنْ ينتصرَ للقضية العربية الرئيسية، ولإخوانه في "فلسطين"، ضد شذّاذ الأفاق الصهاينة، بعد عدوانهم في عام 1967 ميلادية، على العرب مجتمعين، ليطردَ من على أرضه، من لا عهد لهم، عاملاً بسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام، مع هؤلاء القوم، خائني المواثيق (اليهود) في المدينة المنورة.. قدرُ الشّعب الليبي بعد ذلك، أنْ يُزرعَ بين أبنائه، ويُسلّط عليه، من يسومه العذاب، بدافع الغلّ والكراهية والانتقام، من لم يتوانَ البتّة، عن فعل أبشع الجرائم بحقّه.. قدرُ الشّعب الليبي، بعد أنْ اندلعت ثورة شبابه المباركة، أنْ يخرج عليهم في أول تهديد (خطاب) وخطبٍ جللٍ، يجرحهم بقوله: "من أنتم حتى تتمردوا عليّ؟.. فأنا من جعل أباءكم رجالاً".



هذا قدره، وليس صحيحاً، بأنّ لا مفرٍّ من القدر، فالمفرُّ بمقدوره، إذا اتحدت جموعه وتوحدت كلمته، لأنْ يستجيب له القدر ويذعن، بالثورة والكفاح المُسلَّح، والإيمان بالله وقضيته العادلة، فالله ليس بظلام للعبيد "وما ربُّك بظلامٍ للعبيد" حتى يحكمهم الظالمون، خفافيش معسكر السابع من أبريل، التي التصقت بجدرانه طويلاً، حتى زحفت في ليلة 1/9/1969 وامتصّت دمائنا وأموالنا، وأزهقت أحلامنا في مهدها، سنين عدداً.

لا ندم على الثورة

كل دم أريق منا، أغلى لدينا من براميل النفط، الذي فضّله "القذافي" علينا، طيلة فترة حكمه، كل لحظة رعب عاشها أطفالنا وشيوخنا، تشعرنا بالقلق عليهم، كل دينار خسرناه من جملة ما خسرنا، هو رخيص في سبيل الخلاص.

ربما ما كنا نظنُّ؛ بأنّ ثورتنا ضد هذا الزنديق، ستنحو هذا المسلك، وتذهب بهذه التضحيات والخسائر كلها، لكنّ ممانعتنا للـ"قذافي" قبل أنْ تكون لإصلاح أحوالنا المعيشية، هي ممانعة للظلم والاستبداد والاستكبار والفساد.

بعد سقوط نظام الرئيس التونسي "زين العابـ(ر)ين بن علي" الذي مثّل سقوطه، سقوط أعتى دكتاتور عربي- كما كتب الدكتور "أحمد إبراهيم الفقيه"، في مقالة له على أحد مواقع (الإنترنيت)، ولست معه في ذلك- خرج علينا "القذافي" مساءً، إحساساً منه، بأنه ليس خارج دائرة الشُّبهات، ببذلته السوداء كما (دراكولا)، يرغد ويزبد، مُكشِّراً عن أنيابه، ومُهدداً الليبيين الأماجد، من مغبّة خروجهم عليه، وكان يبدو على ملامحه الأرق والإرهاق والخوف، حتى أنه لم يقدر على فتح عينيه جيداً، فألقى الرعب في قلوب البعض، ومع أني كنت مُدرِكاً جيداً، لجدّية وصحّة تنفيذه لوعيده لنا، إلا أنني تمنيت على الشعب الليبي، أنْ يثور عليه ليلتها، لأنّه لم يُرغّب أحداً منا بأي وعدٍ بالإصلاح، ولأنه أظّّهر للجميع، أنّ العقدَ الذي يربطنا ويحكمنا به، هو عقدٌ غير شرعي، عقدٌ مُسطَّر بالعُقدِ والحقدِ منه علينا، ليس إلا، تمنيت ذلك، لأنّ تحليلي لشخصيته وتفهُمها، أكد ليّ بأنّ ليس لدى الشعب الليبي من خيار وما يخسر- حال توحش هذا المخلوق المسخ، والعجيب الأطوار، إذا استمر تحت نيره- إلا قبول تحديه له، في ذلك الخطاب المشؤوم عليه، فمن طبيعة الليبي، إذا ما تحداه أحد المنحرفين (الصيّاع)- الذين هم أشرف من هذا الجبان- في إحدى النواصي (الشوكات) بسياق: "انكنك راجل؟.. اطلعلي" بأنْ يقبل تحديه ولا يجبن أمامه، وإن كان مُسالماً بطبعه، لا ينزلق إلى افتعال المشكلات، وهكذا كان أسلوب (الكائد) مع الليبيين في ذلك المساء، لذا وجبت الثورة.

ألم يكن بإمكان هذا الكائن البشع، والمُشبَع بالحسد والحقد، أنْ يُصلِح من لهجة خطابه، التي ما فتئ يعيدها على هذا الشعب، حتى من دون أنْ يقرَّ بأخطائه السابقة؟ حتى بعدما فشلت نظريته، التي هي مجرد آراء وأضغاث يقظة، لم ترقَ إلى عتبة المُسلَّمات، كي تـغدو نظرية بالأساس- أقصد فشلها على الواقع وبحكم التجربة، فهي فاشلة من الأصل، ولا يمكن إثباتها في مختبر المجتمعات الإنسانية عملياً؛ أصرّ بعد ذلك، على انتفاء عدوله عن خطئه، بل صار يُدجّل لتكبره علينا، بتبرير على ألسنة زُمرته المُزمِّرة له، حتى وقت هزائمه: "الفكرة صحيحة، لكن التطبيق خاطئ" وإزاء هذا، أليس هو من أوجد آلية التطبيق والتحقُّق بنفسه، وهي مؤامرة المؤتمرات واللجان الخشبية؟ فإذا لاقى الشعب الليبي هذه المعاناة في ظلّ المستبد الأوحد "معمر القذافي" الذي عاش فترة شبابه في عهد مجتمع مدني ونظام وطني، وفي ظلّ دولة القانون بمؤسساتها المُتعدِّدة والمُنفصِلة، فما بالكم إذاً، إذا تسلّط علينا أحد أبنائه، المُتربين في خيمة الجور والاستبداد؟ كنا بلا ريبٍ، سنعيش في ظلهم بلا شمس، ولا ربيع بلا شمس، و لرأينا في عهده أضعاف ما حلّ بنا في عهد أبيه،من صنوف المذّلة والهوان، ولمتنا فقراً وحسرةً وهواناً.



















1 تعليقات:

في 15 مارس 2011 في 5:24 ص , Anonymous غير معرف يقول...

اليكم ارسل هذه الكلمات صدفة ... بعد ان وجدت هذه المدونة صدفة ايضا اجد من يسمعني صدفة ايضا انا ليبي لا املك من ليبيا الا الاسم بينما هواجس الغربة تأكلني بالليل وانين الوحدة والالم يحاصرني بالنهار فلعلي وجدت المكان الذي افرغ فيه هذه الشحنات القاتلة .....نحن الليبيين يأخي مشتتين في اصقاع الارض مع ان ليبيا رقعة جغرافية ليست بالصغيرة ومع ذلك ضاقت ليبيا بأهلها وقذفتهم خارجا وباتوا تصوروا بلا مأوى ولاانيس ولا جليس واراهم يحملون نفس الهم والغم وكأنه وباء يخص فقط الليبيين دون سواهم

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية