المعادلات الصعبة

نعلم جميعاً بأنهَّ لإثباتِ صحةِ أيَّة معادلةٍ رياضيةٍ، يجبُ أنْْ يتساوىٰ فيها الطرفان، أي أن يتّزنَ الطرفان الموجودان على ميّمنةِ وميّسرةِ علامةِ التساوي، وغالباً ما يشتمل أحدهما على عدة مجاهيلِ، أما الآخر، فيكون في شكل رقم ثابت ومعلوم لدينا، ولحلِّ هذه المعادلة علينا أنْ نُجريَّ عمليات حسابيةٍ على الطرف الذي توجد فيه تلك المجاهيل، جمعاً وطرحاً، ضرباً وتقسيماً، تربيعاً وتكعيباً، حتى نجعله يتبلور فيُختَزل إلى أنْ يُختصَر في شكل رقمٍ يكون مساوياً للرقم الثابت الموجود على الطرفِ الآخر لعلامة التساوي، فتصحُّ بذلك المعادلة، ولعلَّ الأخوة المهتمين بعلم الرياضيات قد أدركوا ما قصدناه من هذه المقدمة، لكنّ هناك معادلة صعبة أعيت وأجهدت الكثير من المجتهدين لإثبات صحتها، الطرف الثابت فيها ناتجٌ عن عِدة اشتراطات تتفرع من بعضها بعضاً، لتكوَّن في مُجملها المجاهيل المتمثلة في الطرف الآخر.

تمرُّ على معابر مسامعنا في هذه الحياة اشتراطاتٌ كثيرةٌ في شكلِ جُملٍ شرطية، من النوع الذي يقترن فيه جواب الشرط بحرف (الفاء) مع اختلاف نوع هذا الجواب، فأطواراً يكون جُملاً فعلية مختلفة الأساليب، وفي أطوار أُخرى، يكون جُملاً أسمية، ولعلَّ الأخوة المهتمين بقواعد اللغة العربية قد أدركوا ما رميت إليه من طرحي هذا بخصوص هذه الجمل الشرطية، واختلاف أنواعها وتباين أساليبها، ولكي يعمُّ الفهم، سنضرب المثال المُبسط التالي: يُشترط للنجاح الاجتهاد، وذلك ما يتضح لنا في سياقِ جملةٍ شرطيةٍ تمرُّ على مسامعنا دائماً، وهي الجملة التالية: (إذا أردت النجاح فاجتهد).. أو أنْ تأتيَّ في هذغ السياق التالي: (إذا أردت النجاح فالاجتهاد سبيلك إليه)، ففي الأولى نجد أنَّ جوابَ الشرط جاء في شكل جُملة فعلية طلبية آمرة، أما في الثانية، فقد جاء في شكل جملة أسمية، وكلتاهما تحثنا على الاجتهاد لأدراك النجاح، ولكن هل يتوقف النجاح على الاجتهاد كما جاء في سياقي الجملتين الشرطيتين السابقتين فحسب؟ أم أنّ الاجتهاد هو أيضاً له اشتراطاتٌ أخرىٰ، كأنْ يكون أحدها، خلق الجو المناسب له، وبالمثل ألا يوجد لخلق هذا الجو المناسب اشتراطات أُخريات، منها على سبيل المثال توفير الإمكانيات له؟ (وهكذا دواليك) أي أنّ هذه الاشتراطات تتفرع من بعضها بعضاً، إلى أنْ تصبح في شكل متوالية هندسية، وهنا مكمن الصعوبة في حلِّ تلك المعادلة.

وللإيضاح، سنحاول معاً جعل المثال السابق في شكل معادلة رياضية طرفها الثابت هو كلمة (النجاح)، وعلى الجهة اليُسرىٰ لعلامة التساوي، وتلك المتولية التي هي جُملةٌ من الجُمل الشرطية على الجهة اليُمنىٰ لعلامة التساوي، ولنرىٰ معاًً، أين تكمن الصعوبة لحلِّها؟.

سنجدُ أنّ هُناك صعوبة في اتزان طرفيها حال إثباتنا لصحتها، ذلك أنّ طرفها الأيمن مكوَّن من عدة حدود لانهاية لها، وهي بالأساس اشتراطات وبلغة الرياضيات، هي مجاهيل لا يمكن لنا بأيّة حالٍ من الأحوال حصرها واختزالها في شكل حدٍّ واحد أو بالأحرىٰ اشتراط واحد، لأنها كُلٌّ لا يتجزأ، ولكلِّ منها متطلبات يجب توافرها لنزن بذلك طرفي المعادلة.

وهذا لا يعني إننا لا نفقه في قواعد الرياضيات شيئاً، ولكنْ من قواعد الرياضيات لحلِّ أيّة معادلة، أن يكون فيها مجهول واحد وليس عدة مجاهيل، أي أنْ يكون بعض هذه المجاهيل مُعطىً لنا من ضمن معطيات المعادلة.

ومختتماً لمقالنا هذا، ولقناعتنا التامة بثقافة الأخوة القراء، سنفسح المجال لهم، ليس لحلِّ تلك المعادلة التي أجهدت الكثيرين، بل ليقوموا بتكوين معادلات صعبة، وبالكيفية السابقة نفسها، بأن يضعوا الكلمات التي ستلي على الطرف الأيسر لعلامة التساوي، باعتبارها ثوابت ومعلومة لدينا، وفي كل مرة يجعلون اشتراطاتها على ميمنة علامة التساوي، والكلمات هي، السعادة الحرية، الحياة الكريمة، الديموقراطية، وهلم جرا. فكثيرةٌٌ هي، تلك المعادلات الصعبة، إذا ما أردنا تكوينها، لا حلِّها.

 بقلم: زياد العيساوي    بنغازي: 2005.2.27


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

نصيحتي للثوّار : لا تتجاوزوا رأس لانوف

جاء ليزرعها فدحرته وحلفاءه