شبه المنحرف

جرىٰ الدأبُ، حينما نجد شيئين مرتبطين ببعضهما بعضاً، أن نقول: "هما وجهان لعملة واحدة" ككناية بلاغية عن مدى ارتباطهما، وكدلالة على صعوبة التفريق بينهما من ناحية أهميتهما في أي أمر يتعلق بهما، فلا يُذكَر أحدهما من دون الآخر، ولايمكننا أن نتجاهل أحدهما، لأن كُلّاً منهما يُكمّل الأخر. 

لكن الحال تختلف، فيما لو كان ثمة أمر يعتمد على أربعة أشياء، ترتبط فيما بينها برباط عضوي لا فِصام له، أي مُحكَم البُنيان، فما عسانا أن نقول لتبيين ووصف العلاقة التي تجمعهم في شكل عبارة بلاغية، فيها إشارة إلى عدم إمكانـية استقلال أحدها عن الآخر؟ فهل سنعيد تلك العبارة بتركيب مختلف، لنقول: "إنها أربعة أوجه لعملة واحدة؟ " قطعاً لن تُلاقِي هذه العبارة استحسان أحد من القُرَّاء، لأنه وببساطة من المعروف لدى الجميع، أنّ لكل عملة وجهين وكفى، وعدد ما لدينا من عناصر هو أربعة، لذا اسمحوا لنا في مقدمة هذا المقال، أن نقوم بشيءٍ من هندسة الكلمات، لأننا وجدنا في علم الهندسة ضالتنا لهذا المُراد ولكي نقول: "إنها أربعة أضلاع لمربع واحد" لأنه وكما تعلمون، بأنّ للمربع أربعة أضلاع متساوية في الطول، يقوم عليها هذا الشكل الهندسي المنتظم. 

ولتلافي الإبهام الذي قد يطرأ على هذا الطرح، نأتي الآن لتبسيط الفهم، وليست ثمة وسيلة للإيضاح أفضل من إعطاء الأمثلة، وكمثال لكل عنصرين يكونان وجهين لعملة واحدة، نضرب مثلاً بالأسرة والمدرسة، كعنصرين هامين في تربية الطفل، فهما في هذا الشأن على حدٍّ سواء، لذا نقول عنهما: "إنهما وجهان لعملة واحدة " وبعد هذا المثال، نأتي الآن لنتناول مثالاً آخراً نوضح به اعتماد أي أمر على أربعة عناصر لا يمكن الفصل بينها، وليكُن هذا الأمر متعلقاً بإعداد الإنسان النموذجي، فمن بين هذه العناصر الأربعة المتعلقة بهذا الأمر، هما الأسرة والمدرسة إلا أنّ هذين العنصرين لن تكتمل بهما هذه المهمة بمعزلٍ عن عنصرين آخرين، هما المجتمع والأخلاق، فهل سنقول على أربعتها: "أنها وجهان لعملة واحدة؟"، بكل توكيد، هذا لا يجوز، فمؤدىٰ هذه العبارة، أن ثمة عنصرين منهم فقط يؤديان هذه المهمة، ما معناه إننا نكون قد تجاهلنا العنصرين الآخرين من حيث أهميتهما، ولكي لا نقع في هذا الخطأ، علينا أن نؤكد أهمية الأربعة، لذلك ولأجل هذا الزعم ما علينا إلا أن نقـول: "هي أربعة أضلاع لمربع واحد"، بذا نكون قد بينا أهمية كل منها على وجه الضبط، ليحاول كل منا الآن رسم هذه المظلة الاجتماعية في مخيلته، في شكل مربع بأضلاعه الأربعة، بحيث يمثّل كل ضلع، أحد هذه العناصر الأربعة، وبحيث يعني التساوي في طول الأضلاع، التساوي في أهميتها، لخلق الإنسان النموذجي، مع الأخذ بعين الاعتبار، إنه في حال أهملنا أهمية أحدها، يعني ذلك بأننا قد انقصنا ضلعاً من ذلك المربع الماثل في مخيلة كل منا، ما يُسفر عنه، تحوّل المربع إلى مربع ناقص ضلع، وفي حال أولينا أحدها أهمية على حساب الثلاثة الأضلع الأخرى، فهذا مؤداه، أن هذا الضلع سيطول، فيطـرأ علـى هذا الشكل الهندسي المنتظم بعض التغيير، ويتحوّل إلى شكل هندسـي آخـر غير منتظم، هـو ( شبه المنحرف) ، لذا لا يستغرب أحدنا كنتاج لهذه الحالة، أن يتحوّل ذلك الإنسان إلى شخص منحرف وبذا يكون مقالنا، قد تكامل واكتمل.

بقلم: زياد العيساوي

بنغازي: 1999.9.28

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعادلات الصعبة

نصيحتي للثوّار : لا تتجاوزوا رأس لانوف

جاء ليزرعها فدحرته وحلفاءه