الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

الكتاب الإلكتروني الثاني للكاتب زياد العيساوي

الكتاب الإلكتروني الثاني للكاتب زياد العيساوي بعنوان (من بدائع الغناء العربي وروائع الغناء الليبي) مقدمة الكتاب: (يمزج الكاتب بين الأدب والموسيقا والغناء في مقالاته بهذا الكتاب، كما يحاول أن يقارب ويربط بين روائع الأغنية الليبية وبدائع الأغنية العربية، وهو في هذا المزج يعتمد على مزاجيته وذائقته الفنية وفيض الجمال الذي اكتسبه ليسبر أغوار تطور الغناء في موطنه الذي وجده ماثلا في تقفي خطوات الرواد والمحدثين الأوائل، مثل فريد الأطرش وفيروز ووديع الصافي ومحمد عبد الوهاب وغيرهم الكثيرون ممن لا تتسع لذكرهم صفحات كتابه هذا). لشراء الكتاب ادخل على هذا الرابط: https://www.morebooks.de/store/gb/book/من-بدائع-الغناء-العربي-وروائع-الغناء-الليبي/isbn/978-620-2-34530-9

الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

الهتش

فرش أسنانه بفرشاة وصابون سوسي ثم طبق فكَّه العلوي على السفلي ونظر إلى المرأة.. رأى النصاعة تنتقل من مقدمة أسنانه حتى نابه الأيمن الذي يلمع كنجم في سماء الصحراء الكبرى.. خلّل أصابعه في مقدمة شعره فأرجعه إلى الخلف ثم أسدله على جبينه الذي لم تعد فيه مساحة خالية من الندبات وبلّل سبابته بلعابه ومرّره على حاجبيه ثم رفع سرواله إلى حد السّرة وأحكم خناق الحزام ومضى إلى الشارع.. لم يك يدور في بال مرزوق شيء سوى أن يجد احميده ابن الجيران في ناصية الشارع ليصعد خلفه على مقعد الدراجة فيجوبان أحياء بنغازي وقد وجده في انتظاره قاعداً على كرسيها (السيلة) وقدمه تلامس الأرض والأخرى على (البيدالي).. انطلقا بسرعة بطيئة بسبب البنية التحتية السيئة في شوارع حيهما الغارقة بالماء الآسن حتى دلفا إلى الشارع العام قام احميدة بتعديل المرآتين الجانبيتين وأطلق رنيناً من جرس الدراجة وزاد من سرعتها ومرزوق منتشياً بالريح التي تغازل شعره وقميصه المفتوح الأزرار قد صار مثل (برشوت) منتفخ من الهواء في ذيل طائرة حريية هبطت لتوها على متن حاملة الطائرات (جورج واشنطن) وسماعات الهتفون في أذنيه كقطعتي قطن طويل التيلة وهو يستمع باستمتاع إلى مجرودة شعبية.. أراد احميدة أن يتوقف عند الكوشة ليشتري رغيفي خبز له ولمرزوق التحق بذيل الطابور كما هو النظام المتبع، لكن مرزوق لم يطق الانتظار ونزل إلى بداية الطابور قافزاً أمام طفل صغير يحمل بيده كيساً هو عبارة عن وجه وسادة مزركش.. وبمجرد أن تقدمه مرزوق صرخ الطفل لتنتصب أمامه أخته أوريدة قناطش القادمة من طابور الإناث فقد دخلت هي وأخوها للطابورين لأن الفرن لا يبيع أكثر من عشرة أرغفة للفرد الواحد وهما ينتسبان إلى أسرة عدد أفرادها كبير.. كان الجميع يعلمون بهذا الخرق الذي أحدثته أوريدة وشقيقها لكن لا أحد يستطيع أن يحتج ويهمس بهذا السّر إلى صاحب الفرن.. يُعرَف عن أوريدة شراستها وعدوانيتها وتشبثها بحقها كما أن لها روحاً عدوانية لا تهدأ كإعصار جارف، كما يُعرَف عنها لعبها مع الذكور الكرة، الوابيس، وتيليبرة، طقه واركب عسكري، صياد السمك، وهي ممّن إذا خسرت في أية لعبة من هذه، تقيم الدنيا ولا تقعدها.. لم تستطع اوريدة هضم تصرف مرزوق مع أخيها وسرعان ما وقفت إزاءه بظفيرتيها المعقوصتين اللتين يظهر في نهايتهما شيء من الاصفرار على شعرها نتيجة للتقصف الذي يغزو أطرافه، وبينما كان مرزوق متفرساً في وجه اوريدة باستغراب عجّلته بلكمة على وجهه وبمجرد أن سقط أرضاً تشبثت بشعره وغرست أضافرها في رقبته وبدأت تعضها كلبؤة مرضعة وجائعة.. في البداية حاول مرزوق التسامي بألا يمد يده على فتاة على الرغم من الإحرج الذي وضع فيه، إذ كيف سيقدر على محو هذا العار حينما يُقال إنّ فتاة صرعت مرزوق.. قلقد تربى على قاعدة (أن الرجل لا يضرب امرأة) وبينما هو بتصارع مع مبادئة التربوية وهمسات اللحظة أحس بأن أنيابها قد أخذت تلامس شحمة أذنه فقام بكلتا يديه بليّ رقبتها كأسد مفترس وغرس أنيابه فيها كمنجلين صدئين.. تدخل المصطفون في طابور الرجال لفكّ هذا الشجار الذي دام طويلاً نتيجةً لإصرار اوريدة على تلقين مرزوق درساً في عدم الاعتداء على حقّ غيره، فوجد احميدة الفرصة مواتية ليكون في أول الطابور ولينال الرغيفين. وبينما كان مرزوق غائباً عن البيت وفي نزهته مع احميده في ذلك اليوم، جاء والد اوريدة يشتكيه إلى والده الحاج معتوق، وقد عُرِف عن أبيه بأنه رجل طيب ودائم الاصطفاف إلى جانب الحق ولو على نفسه وأهله، وتوصل مع والد اوريدة إلى اتفاق عام حضره الجيران وشهدوا عليه جميعاً هذا سياقه (لو صارت في قرجوطة اوريدة حاجة يتزوجها مرزوق) مع امتعاض أم مرزوق على الاتفاق لكنها سلمت أمرها لله، بعدما صرحت للمجتمعات (امغير بوها عارفها مكلوبة وشينة وح تقعد في رقبته يبي يلصقها لولدنا). كبرت اوريدة وصارت شابة مليحة وأخذ شباب المنطقة يخطبون ودَّها في سرية تامة لأنهم يعلمون بأنها ستكون لمرزوق الذي صار مدمناً على الكحول، لكنها تعلقت بابن عمها رجب القادم من غرب البلاد وتزوجت به بمباركة من والدها الذي أقام عرساً استمر لأسبوع كامل.. غير أن المفاجأة حدثت لما قام رجب برميها عند باب بيت أهلها غداة ليلة الزفاف لما وجد عقد (اسنون) مرزوق مرسوماً في عنقها ثم ذهب لينتقم من مرزوق الذي بمجرد أن شاهد رجب قادماً نحوه، فغر فمه وقال له: أنا هتش مش اسنوني.. مش شوري.

السبت، 7 أكتوبر 2017

الصنبور

سئمت دورانه في اتجاه عقارب الساعة، وخشيت من ضياع ثوانٍ من القلق أدخرها لغير هذه الأزمة.. نزعت الخرطوم ابتر من حلقته، كما ستنزع الخرطوم من حكم البشير عما قريب، فكرت في أن أضع إصبعي في حلقة مجراه اخيرة، لأتحسس برودة وبللاً يؤذنان بمجيء الماء، دنوت البصمة إلى عينيّ حتى لامست مني الرمش، فوجدتها قد تخضبت بحناء الصدأ.
أجريت شرخاً قصيراً في فوهته، وأحكمت ربط الخرطوم كما يحكم البشير الخرطوم منذ ربع قرن تيس شارد في أم درمان.
انبطحت كمن يجري تمريناً سويدياً، وأخذت في سحب الهواء من عنق الخرطوم السفلي بقوة الرئتين، وقد أخذ شدقي يتكور محدثاً طقطقة في طبلة أذني نتيجةً لضغط الهواء في عنقي الآخذ في التيبس إلى نحو اليسار.. عدّلت من هيأتي إلى الجهة الثانية، أخضوضر عرقٌ بشدقي ايمن، لم أفكر في كرَّة ثالثة، فلست أملك إلا شدقين لم أتنطع بهما في يوم.. شعرت بأن أصابع يديّ وأمشاط قدميّ ما عادت قادرة على حملي ولا تحملي وقد تنكسر في أية لحظة.
ووقتما هممت بالنهوض ونفض ما علق بأسمالي من ذرات لأشياء كثيرة كانت ملتصقة بارض (رمل، كسر خبز، نمل يدب، وريقات أشجار مصفرة، روث عصافير ودجاج)، لمحت بعد ذلك بقعة بللٍ في حجم نملة تقبع فوقها بردة صدِئة تتعامدان مع الصنبور، فكانت الفرحة، حككتها بين إصبعين لتتصير إلى مسحوق مثل الطين تماماً.

الجمعة، 6 أكتوبر 2017

كتاب إلكنروني (آصالة الأغنية الليبية بين الشكل والمضمون)

صدور كتاب إلكتروني للكاتب زياد العيساوي بعنوان (آصالة الأغنية الليبية بين الشكل والمضمون)
تقول مقدمة الكتاب :
لم يسعَ مُؤلف هذا الكتاب إلى التوثيق للأغنية الليبية، بقدر ما حاول تسليط الضوء على نقاط مهمة في تاريخها، فمنطلقه يعتمد على الذائقة الفنية خاصته التي بنى على ما تنكه به من فيض الجمال رأيه الفني وتصوره للنهج الذي كان على رواد الأغنية في بلاده السير عليه، حيث يعرض في كتابه هذا لمجموعة من الأصوات التي أدت- صوتاً ولحناً وكلمة- الغناء الليبي بأسلوب الغناء العربي المتقن والصحيح والصحي، وواكبت الطفرة الغنائية التي بدت مع استهلالة القرن العشرين في الشام ومصر وأقطار أخرى. عند قراءتك لهذه المقالات التي بين دفتي هذا الكتاب، ستخلص إلى حقيقة واحدة قد حاول المؤلف الوقوف مراراً عندها وتوكيدها تكراراً، وهي تصحيح مسار العمل الفني الغنائي في موطنه وتهذيبه.
2https://www.morebooks.de/store/gb/book/آصالة-الأغنية-الليبية-بين-الشكل-والمضمون/isbn/978-3-330-96549

الثلاثاء، 19 سبتمبر 2017

ضياق علم


فتحت الحزام بمقدار عين واحدة، كنت قد ثقبتها فيه برأس شوكة الطعام (الفرقيتة).. في الشوكة أربعة أسنان متقاربة، جئت عند المتواجدة في الطرف، وأبعدتها بإنحناءة بإصبعي، ثم وضعتها على اللهب، حتى احمرت، وبرأسها المتوهج حفرت الحزام البني الذي زاد من الضيق على خصري، أخذ الطرف الخارجي له يتدلى فقد قصر عن حلقة البنطال الشبيهة بعروة الكأس، فكرت في أن أخلع هذه العروة من مكانها الأصلي وأدنوها بإتجاه زر البنطال المعدني غير أن في الأمر مشقة بالغة، عند ذاك قدحت في خاطري فكرة، تمثلت في أن أضع هذا الطرف في عمق الجيب لأتخلص منه.

القلق الخوف الارتياب الحزن وأشياء أخرى، يتسع لها ضيق العلم على الرغم من ضيقه.
مازلت أشعر بضيق في خاطري حتى بعدما فتحت ربطة العنق وأزحت الجوارب، من أين يأتيني هذا الشعور بالكدر يا ترى؟.

من القلب واللا العين اصل الغية؟ لا فهذا ليس سؤالي.
ضيقة العلم في القلب أم في العقل؟ بل هذا هو سؤالي.

القلب جد صغير والعقل أكثر اتساعا من كل شيء، العقل به قسمان، قسم منهما يحسب ويفكر ويصل إلى نتائج رقمية ومنطقية، وفي خلفه يوجد جزء شاسع يتخيل ويبحر في أعماق التصور، الجزء الأخير يبدو لي بأنه هو السبب، فعن نفسي أقول إن هذا القسم الحاسب قد عطلته منذ تركت دراستي ولست استعمله في مجال عملي، أقول ذلك لغيري الذي يشتق الكلمات وجذورها ويتخيل بأنه هو السبب، لكونه هو المختص بالعلم ومن ثم بضيقه.

لكن لماذا لا يتسع علمي، لست أعلم إن كان على هذا العقل حزام أو يلفه أي شريط، سوى شريط الماضي، اخشى إذا فتحت حلقة واحدة منه أن يرتخي فيسقط مخي.
ما لي وكل هذا العناء، أن يضيق علمي خير عندي من أن يسقط مخي، الفكرة في حد ذاتها مرعبة جدا، لذا أفضل أن أعيد ثقب الشريط بالشوكة وليضيق علمي إلى النهاية، وإلا بانت سؤته.

الخميس، 14 سبتمبر 2017

كلينكس


حذائي الأسود تعفّر بالتراب الأبيض، وأفل بريق لمعته، لم أجد منديلاً في محل قريب، دخلت إلى مقهى صادفني، طلبت إلى النادل طرف (كلير) ناولني إياه بدينار من غير منديل، كنت ابتغيه من وراء دخولي، لأن الكيس نفد من محتواه بحسب قوله، ولم يجد فيه ورقة واحدة.
صرت بحاجة إلى قطعتي منديل، فقد تلطخ أنفي بالشيكولاتة و(شنابي) بكريم الكلير، فكرت في أن أمسحهما بطرف كم كنزة القطن التي أستر بها صدري، غير أني تذكرت صديقي بوعجيلة وهو يفعل هذه الحركة المقزّزة، صرفت هذا الخاطر وجلست في مكاني، وضعت رجلاً على أخرى، وكم كان المنظر سيئاً، وأنا أمعن النظر إلى حذائي، الحاجة وليدة الاختراع وكم كنت في مسيسها إلى منديل، ضمّمت يديّ على ركبتي، وجعلت شيئاً فشيئاً أدنو بوجهي من الحذاء، فكرت في أن أمسح أنفي و(شنابي) في عنق الحذاء وأتخلص من هذه اللطخة باللقطة هاته.
لا علي،ّ فلست أكترث بأحد في أيِّ تصرف أقدم عليه في حياتي ولا أقيم لغيري وزنا،ً مادمت مقتنعاً بما أفعل، فكل أفعالي مدروسة وتخضع لمراجعة ذاتية، لكن تلاقي الأنف بالقدم أكثر استحالة من تصادم متوازيين.
أين ذهبت المناديل؟
قطعة الكلينكس كفضائح ويكليكس، على جنبات الطريق، ثمة مناديل ملوثة كثيرة ملقاة وقد ذهبت نعومتها، منها ما مسح الأنف أو الجبين أو العيون أو أصباغ الماكياج بعد انتهاء لزومه، وبها أيضا بقع من دم لايزال لزجاً وكراته الحمراء تنطّ، مثل نطّ أصحابها المحتفلين باليوم العالمي للأرض يوم أمس، لا شك في أن قطع المناديل كانت البارحة كثيرة تحتهم وأحذيتهم نظيفة وبرّاقة، غير أنها مُبتلة بعرق ندهة الجبين من خزيٍ قد أحدثوه.
هذا العرق الفاسد والمتفصد من جبين كل واحد وواحدة منهم، كان كفيلاً بمسح حذائي، ولم أجد قليل حرج عندما تخلل طرف لساني الشنابات. وتركت أرنبة أنفي وقد قست عليها لطخة الشيكولاتة كشامة أو حسنة أو سيئة لمن يراها وفعلة بوعجيلة تصارعني.

الثلاثاء، 11 يوليو 2017

أعين وأنوف


لا أتذكر وجود باب بمصرعين أسودين من حديد، لا يشف من وراءهما ضوء ولا صورة ولا حتى خيال، بمحاذاة قاعدته مصطبة من عتبة واحدة إسمنتية متعرجة تضغطه ستة طوابق إلى أسفل، في الجهة المماثلة من المبنى يبدو مدخل آخر للخروج الطارئ عند ذروة الازدحام به باب حديدي أسود أيضا، جعلت له سطيحة تحمل خمسة أعمدة بينها مسافة تسمح بالكاد لمرور اليد إلى الداخل، تشخص عدة مقاعد خشبية من لوح فاخر غرست في مساندها وإلى أعلى علامة من وراء قطعة بلاستيك شفافة مكتوب بداخلها (milano) على مساند هذه المقاعد لطالما ارتخت الأجساد ومدت الأقدام على حواشيها في استهتار وعنجهية، لا تنتهي إلا عند تسلل المشرف (صاروخ) القابض على مصباح يدوي (بيلة) يبهر الأبصار في عتمة المشاهدة والمتعة.
في وسط الواجهة ثمة باب أتذكره بعرض أربعة أمتار مثبت على سكة ينزاح مصراعاه إلى اليمين واليسار محدثا فارقا في المنتصف، يلج من خلاله القادمين، في لحظة الدخول، يقابلك باب خشبي بمقابض ذهبية يجلس أمامه عامل إلى جانبه صندوق خشبي يرمي في عمقه قصاصات التذاكر، وعلى يمين المدخل ثمة يافطة كهربائية تلصق عليها الأفيشات للأفلام التي ستعرض بعد إسبوعين، وإلى الشمال ثمة سلم ينقلك إلى الشرفة مدفون تحت هذا السلم ذي الجوانب الخشبية والعتبات الحجرية كشك صغير، يبيع صاحبه الكاكاوية المالحة الجالبة للعطش من أول حبة تقرمشها وكراميلي وبسكويت الشمعدان من إنتاج مصنع كانون بالرويسات ومستكة نعناع يابسة يجلبها المهربون من تركيا لتباع بربع معمر آنذاك.
تجد نفسك تمر في أرجاء ردهة الاستقبال لبرهة من الزمن، لتأخذ فكرة عن الفيلم الذي سيعرض في الفترة القادمة، بعد أسبوع وفي الغد وبعد شهر، تسجل المواعيد في ذاكرتك إن كانت نشطة وشابة، وبعد ذلك تتقدم ناحية شباك التذاكر لتشتري تذكرة دخول إذا لاقى ملصق الفيلم المعروض اليوم استحسانك، عندما يقتحم وجهك الصالة المنحدرة يتسلل إلى أنفك عبق الخشب الإيطالي المعتق في المقاعد الوثيرة المرقمة من جوانبها كقواطع (أ ب ت ث ه) وفي أعلى كل كرسي تجد رقما مكتوبا بالأسود ومحاطا بهالة من ذهب اللون، تأخذ الصالة في الانحدار والضيق شيئا فشيئا حتى تتصير نهايتها في عرض الشاشة الماكثة وراء ستارة من قماش بني سميك.
عند جلوسك تضع إصبعيك في أذنيك حذر سماع أغنية (خطاوينا في درب المجد/محمد حسن) لأنك كنت قد تركتها وراءك في الإفطار الصباحي بالمدرسة وبتلفاز ومذياع البيت وفي فترة الاستراحة ما بين شوطي مباراة النجمة ضد التعاون في مسابقة الدرجة الثانية المدارة قبل أن تشرب شاي الظهيرة في ملعب 28 مارس، وبمجرد أن تنطفئ الأنوار تطلق العنان لهما وتستمخ بالموسيقا الصاخبة والتصويرية للأفلام القادمة (البروفا)،
في لحظات الظلام وسماع جهاز التشغيل وقد سرت فيه الكهرباء تشعر بأنك مثل من يجلس في طائرة ينصت إلى أزيز محركاتها ويستعد لرحلة بزمن الفيلم.
لهذه المقاعد المرمية والمقلوبة الآن ويعلوها الغبار وينسج العنكبوت على أقدامها الحديدية الصدئة الشباك، حكايات طويلة وسحيقة وذكريات جميلة، فقد كان كل واحد منا يختار لنفسه مقعدا منها ولا يطيب له المقام والمتعة إذا وجد غيره جالسا في محله، كنا نخدش ألواحها وأسفنجها بأنصال مفاتيحنا كاتبين عليها حروفنا وأسماءنا، هي اليوم لا قيمة لها وما مكوثها إلى اليوم في هذا المكب إلا لتكاسل من كلف برميها، وإلا صار مطعما آخرا بفعل معتد.

دور العرض مثلها مثل المطاعم تقدم خدمات للزبون، فذاك الباب الأسود الذي لم أتذكره صار مدخلا لمطعم حميد الذي انتقل من وسط البلاد بسبب الحرب ليجدد نشاطه وحرفته بسينما الهلال في البركة، فجعل من اليافطة الخارجية للعرض القادم المتعامل معها بالأعين نافذة نافثة لأطعمته يتعامل معها بالأنوف.