الأربعاء، 25 أكتوبر 2017

الهتش

فرش أسنانه بفرشاة وصابون سوسي ثم طبق فكَّه العلوي على السفلي ونظر إلى المرأة.. رأى النصاعة تنتقل من مقدمة أسنانه حتى نابه الأيمن الذي يلمع كنجم في سماء الصحراء الكبرى.. خلّل أصابعه في مقدمة شعره فأرجعه إلى الخلف ثم أسدله على جبينه الذي لم تعد فيه مساحة خالية من الندبات وبلّل سبابته بلعابه ومرّره على حاجبيه ثم رفع سرواله إلى حد السّرة وأحكم خناق الحزام ومضى إلى الشارع.. لم يك يدور في بال مرزوق شيء سوى أن يجد احميده ابن الجيران في ناصية الشارع ليصعد خلفه على مقعد الدراجة فيجوبان أحياء بنغازي وقد وجده في انتظاره قاعداً على كرسيها (السيلة) وقدمه تلامس الأرض والأخرى على (البيدالي).. انطلقا بسرعة بطيئة بسبب البنية التحتية السيئة في شوارع حيهما الغارقة بالماء الآسن حتى دلفا إلى الشارع العام قام احميدة بتعديل المرآتين الجانبيتين وأطلق رنيناً من جرس الدراجة وزاد من سرعتها ومرزوق منتشياً بالريح التي تغازل شعره وقميصه المفتوح الأزرار قد صار مثل (برشوت) منتفخ من الهواء في ذيل طائرة حريية هبطت لتوها على متن حاملة الطائرات (جورج واشنطن) وسماعات الهتفون في أذنيه كقطعتي قطن طويل التيلة وهو يستمع باستمتاع إلى مجرودة شعبية.. أراد احميدة أن يتوقف عند الكوشة ليشتري رغيفي خبز له ولمرزوق التحق بذيل الطابور كما هو النظام المتبع، لكن مرزوق لم يطق الانتظار ونزل إلى بداية الطابور قافزاً أمام طفل صغير يحمل بيده كيساً هو عبارة عن وجه وسادة مزركش.. وبمجرد أن تقدمه مرزوق صرخ الطفل لتنتصب أمامه أخته أوريدة قناطش القادمة من طابور الإناث فقد دخلت هي وأخوها للطابورين لأن الفرن لا يبيع أكثر من عشرة أرغفة للفرد الواحد وهما ينتسبان إلى أسرة عدد أفرادها كبير.. كان الجميع يعلمون بهذا الخرق الذي أحدثته أوريدة وشقيقها لكن لا أحد يستطيع أن يحتج ويهمس بهذا السّر إلى صاحب الفرن.. يُعرَف عن أوريدة شراستها وعدوانيتها وتشبثها بحقها كما أن لها روحاً عدوانية لا تهدأ كإعصار جارف، كما يُعرَف عنها لعبها مع الذكور الكرة، الوابيس، وتيليبرة، طقه واركب عسكري، صياد السمك، وهي ممّن إذا خسرت في أية لعبة من هذه، تقيم الدنيا ولا تقعدها.. لم تستطع اوريدة هضم تصرف مرزوق مع أخيها وسرعان ما وقفت إزاءه بظفيرتيها المعقوصتين اللتين يظهر في نهايتهما شيء من الاصفرار على شعرها نتيجة للتقصف الذي يغزو أطرافه، وبينما كان مرزوق متفرساً في وجه اوريدة باستغراب عجّلته بلكمة على وجهه وبمجرد أن سقط أرضاً تشبثت بشعره وغرست أضافرها في رقبته وبدأت تعضها كلبؤة مرضعة وجائعة.. في البداية حاول مرزوق التسامي بألا يمد يده على فتاة على الرغم من الإحرج الذي وضع فيه، إذ كيف سيقدر على محو هذا العار حينما يُقال إنّ فتاة صرعت مرزوق.. قلقد تربى على قاعدة (أن الرجل لا يضرب امرأة) وبينما هو بتصارع مع مبادئة التربوية وهمسات اللحظة أحس بأن أنيابها قد أخذت تلامس شحمة أذنه فقام بكلتا يديه بليّ رقبتها كأسد مفترس وغرس أنيابه فيها كمنجلين صدئين.. تدخل المصطفون في طابور الرجال لفكّ هذا الشجار الذي دام طويلاً نتيجةً لإصرار اوريدة على تلقين مرزوق درساً في عدم الاعتداء على حقّ غيره، فوجد احميدة الفرصة مواتية ليكون في أول الطابور ولينال الرغيفين. وبينما كان مرزوق غائباً عن البيت وفي نزهته مع احميده في ذلك اليوم، جاء والد اوريدة يشتكيه إلى والده الحاج معتوق، وقد عُرِف عن أبيه بأنه رجل طيب ودائم الاصطفاف إلى جانب الحق ولو على نفسه وأهله، وتوصل مع والد اوريدة إلى اتفاق عام حضره الجيران وشهدوا عليه جميعاً هذا سياقه (لو صارت في قرجوطة اوريدة حاجة يتزوجها مرزوق) مع امتعاض أم مرزوق على الاتفاق لكنها سلمت أمرها لله، بعدما صرحت للمجتمعات (امغير بوها عارفها مكلوبة وشينة وح تقعد في رقبته يبي يلصقها لولدنا). كبرت اوريدة وصارت شابة مليحة وأخذ شباب المنطقة يخطبون ودَّها في سرية تامة لأنهم يعلمون بأنها ستكون لمرزوق الذي صار مدمناً على الكحول، لكنها تعلقت بابن عمها رجب القادم من غرب البلاد وتزوجت به بمباركة من والدها الذي أقام عرساً استمر لأسبوع كامل.. غير أن المفاجأة حدثت لما قام رجب برميها عند باب بيت أهلها غداة ليلة الزفاف لما وجد عقد (اسنون) مرزوق مرسوماً في عنقها ثم ذهب لينتقم من مرزوق الذي بمجرد أن شاهد رجب قادماً نحوه، فغر فمه وقال له: أنا هتش مش اسنوني.. مش شوري.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية