الخميس، 11 نوفمبر 2010

اخريستو

' اخريستو ' هو لقب لشاب من البركة ، اختاره له صديق إيراني ، أخواله ليبيون ، كان و ما يزال ، مفتتناً بشخصية هذا الشاب الأصيل ، و هو كما ' باسط ' اختار أنْ يحبس نفسه لعقد كامل من عمره ، و هو في أوج شبابه و عطائه ، لم يُحصّل هذا الشاب من العلم في المدارس ، إلا ما يجعله يقرأ ما هو مكتوب في أوراق الدولة الرسمية ، و بالذات ( فاتورة الكهرباء ) و التفريق بين حروف الأبجدية الإنجليزية ، و معرفة أنّ أول حرف من حروف اسمه الأصلي ، بتلك اللغة ، هو ( ( Sمجردة ، و ليس ( $ ) دولار ، غير أنه ، بعد عشر سنين ، خرج من غرفته ، و هو ينطق الإنجليزية ، بلسان فصيح ، فقد أمضى هذه السنين العِجاف ، في مشاهدة الأفلام الأجنبية ، و الاستماع إلى موسيقا الزنوج ( البلوز ) و فطاحلة الغناء الغربي ، أمثال : ( بونكفلويت و فرانك سيناترا و دايستريت و خوليو إيجليزياس و كاث استيفنس و كريس ذي بيرث و جورج مايكل ) و هلم جرا .. غير أنّك لا تسمعه و هو يلوك لسانه بهذه اللغة ، إلا في الضرورة القصوى - حينما يتحدث مع الأجانب فقط - ليس كما يفعل مثقفونا اليوم .. فصار مرجعاً لكل محبي هذا الغناء - حتى أنّ بعضهم يطلب إليه دائماً ، أنْ يزوره في البيت ، لقاء فنجان قهوة و صحن من الفستق و الألواز الأربعة ، التي تسند ظهره المقوّس ، ولكي يستفيد من خبرة ' اخريستو ' في هذا المجال الفني ، بُنصحه له ، بأسماء لامعة في عالم الغناء الغربي ، من إيطاليا حتى أمريكا غرباً ، مروراً بغناء الأسماك و الحيتان في قاع المحيط الأطلسي و مثلث ( برمودا ) - و منهلاً لهم بأشرطته ، التي تجاوز عددها الألف شريطٍ - التي لا تفارق جيب معطفه ، تحسُباً لأي طارئ ، فتراه دوماً ، جالساً في المقعد الأمامي في سيارة أي صديق له ، ليس للوجاهة ، لكنه يودّ أنْ يكون قريباً من مُسجَّل السيارة ، فيخرج ما يعنّ على باله من الأشرطة ، التي يودُّ أنْ يُمتع صديقه بها - فكل راتبه الهزيل ، سخّره لشراء هذه الأشرطة و التبغ فقط ، لأنه يعرف بأنّ هذا المرتب ، الذي يتقاضاه ، سوف لن يبني له مستقبلاً في القريب و لا البعيد - لذا فهو ينفقه في حاضره - فما هو إلا مصرف جيب ( بوكيت ) .. ثم أنه لا يستطيع أنْ يعمل عملاً آخراً في الفترة المسائية ، ليُحسّن به ظروف معيشته ، لأنه صُقيّع ( قصير القامة و نحيل القوام ) أي يعاني من ضعف في بنيته ، و بالكاد يستطيع ، أنْ يوفي بواجبات و التزامات وظيفته في مصنع الفرش الأرضي ، في حي ( الفويهات ) الذي أقفل أبوابه ، فصيّروه هو و بقية الشغّيلة - نتيجة ً لظروف غامضة و مشبوهة حدثت في هذا المصنع - إلى المركز الوطني ، الذي يسدّد مرتبات مثله ، بعد كل شهرين .
و من شدة ولعه و ولهه ، بهذا الضرب الفني ، أهدى ' اخريستو ' إلى مقهى ' باسط ' الأول ، أيام كان في حي الرويسات ، إذاعة فاخرة ، و بعض الإسطوانات المُسجَل عليه ، بدائع الغناء الغربي ، و في أول يوم لتشغيلها ، وضع إسطوانة للمطرب المشهور ( كريس ذي بيرث ) محاولاً أنْ يساعد صديقه ،على التغلب على جو القلق ، الذي يشعر به ، ثم أشعل لفافة ( مالبورو ) فاخرة أهداها إياها صديقه الإيرلندي ، و مدّ لـ ' باسط ' واحدة ، فردّ عليه بكوب ( كاباتشينو ) مجاني ، فهو يعتبر ' اخريستو ' من دراويش البركة أيضاً ، و أخذ الأخير ، يسترق النظر إليه ، ليرى هل أنه منسجم مع مختاراته ، فلم يؤخذ ' باسط ' بهذه الإسطوانة ، فقام و استبدلها بإسطوانة للمطرب ( ديمس روسس ) الذي تعاني بلاده في هذه الأيام ، من أزمة اقتصادية حادة ، لكنها لا تضاهي ، أزمتنا نحن القائمة ، فصاح ' باسط ' حينما استمع إلى أغنيته ( far away ) : ' الله الله .. المطرب هذا حشيشتي .. و ماعنديش امعاه روح .. من أيام كنت نمشي لمقهى الملتقى اللي كان في المدينة الرياضية في الثمانينيات ' .. ثم بدأت الدموع تترقرق من عينيه الشاحبتين :
- كنك يا ابسوطة ؟ .
- مش الفنان هضا يوناني ؟ .
- نعم .
- مش ابلاده مشهورة بزراعة الزيتون ؟ .
- نعم .
- و الله ذكرني بزيتون حي الزيتون و نادي الأهلي .
- تي خلاص موهو عطوكم أرض في قاريونس .. بيش تبنوا عليها ناديكم ؟
- أنا مش معترف بأهلي قاريونس .. و حتى إنكان نلقاهم يلعبوا قدام قهوتي هذي .. انحادفهم بالسنب .. راني زمان دسيت في الحوش حيط من بقايا مقبرة سي داوود .. و صوّان من اجبلة العيساوي .. و ما انحادفهم إلا بيه .
ثم علق ' باسط ' على هذا المطرب : ' هضا خير من الأول ' .. فرد عليه ' اخريستو ' : ' عندك حق يا ابسوطة .. أنا كرهت كريس ذي بيرث .. و طاح من عيني .. من يوم ما خلط ع الزلمية .. و قدّم دويتو مع المطربة .. هذي ايش اسمها ؟ .. تي هذي املقلقة لعيون * ' فدخل أحد الزبائن ، الذين يتبرم من رؤيتهم ' اخريستو ' قاطعاً لحظات انسجامهما ، و منادياً : ( يا باسط يا باسط .. جبتلك شريط لـ ' عيشة بنت ابشير ' ما صارش بكل ) .. حينذاك ، خرج ' اخريستو ' مسرعاً ، بعد أنْ ركل الإذاعة برجله اليسرى ( جطلاوي ) فارتطمت في قائم المقهى و تحطمت ، و هو يردّد : ' شد احويلك يا صاحبي .. الزغد زغد .. امغير زايد '.
و على ذكر هذا المصنع ، الذي لم نصنع المصنع المُصنِّع له في بلادنا ، استجلبت الشركة معه مهندساً إيرلندياً ، يُدعى ( مايك ) .. فأين مهندسونا ؟ - فرقتْ هندسة الزينين - الغريب في هذا الـ ( مايك ) أنه اختار ' اخريستو ً ' فقط صديقاً له ، من بين الشغيلة و الإداريين في هذا المصنع ، حتى صار يزوره في البيت ، و يطلب من زوجته المقيمة في العاصمة الإيرلندية ( دبلن ) أنْ ترسل إليه ، بعض الأشرطة الحديثة من هناك ، الذي لم يجده ' اخريستو ' في محل ' رجب فيديو ' .. كان هذا النصراني ، نديماً فنياً لـ ' اخريستو ' و غالباً ما كان يشاركه في وجبة الغداء في البيت ، و في شهر رمضان الكريم ، من أحد الأعوام ، تناولا معاً وجبة الإفطار ، فأحسّ ( مايك ) بطقوس غريبة في هذا الشهر ، لم يعهدها في زياراته قبلاً ، كتعدد الزوار إلى البيت من النساء و الرجال ، و تنوع المأكولات ، و قبل كل ذلك ، النفحة المباركة في هذا الشهر ، حتى أنّ ' اخريستو ' لم يُسمعُه أية أغنية قــُبيل الإفطار ، فاستفسر عمّا يحدث في هذه الأيام ، و مع أنّ ' اخريستو ً ' لم يكُن ملتزماً و لا يصلي أصلاً ، غير أنه ، أجابه بالإنجليزية ، المترجمة إلى عاميتنا : ' يا مايك نحنا في الشهر هضا .. انصيموا عن الأكل و الشرب .. و الصيام فرض على كل مسلم و مسلمة .. و ما نسمعوش في الأغاني امتاعكم و لا حتى امتاعنا ، و خاصة أغاني ' ادعيبس ' .. و راك امبدري فلـّمت .. لما ولعت سبسي قبل المغرب و مشيتها لك .. لكن رد بالك اتديرها بكره .. راعي شعورنا على الأقل يا مان ' .. هكذا بكل بساطة ، استطاع اخريستو ' أنْ يوضّح لصديقه ( مايك ) معنى هذا الشهر الكريم ، ثم تناولا معاً وجبة السحور ، المُشكـَلة مما تبقى من وجبة الإفطار : ( الشربة و البراك و البطاطا لمّبطنة و رز بالخلطة و السلاطات ) و بعض الحلواء الرمضانية ، من المخاريق و الزلابية و المحلبية .. أخبرني اخريستو بأنّ ( مايك ) كان يتلذّذ بـ ( البطاطا لمبطنة ).. و بعد ثلاثة أشهر من سفر هذا النصراني إلى بلاده ، أرسل رسالة إلى ' اخريستو ' يخبره فيها ، بأنه اعتنق الدين الإسلامي هو و زوجته ، و أنّ الفضل يعود إلى الله ، و من بعده إليه ، وإلى ( البتبتونة لمبتنة ) هكذا كان ينطقها ، و أرسل رفقة هذه الرسالة ، نسختين من المصحف الشريف ، واحدة باللغة الإنجليزية ، و الأخرى باللغة العربية ، مكتوبٌ عليهما ( مجمع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم ) .. فأرسل إليه ' اخريستو ' رسالة ، كتب فيها لزوجته ، طريقة عمل ( البطاطة لمبطنة ) و مقاديرها .
هكذا استطاع هذا الشاب ، أنْ يُحبّب الإسلام إلى قلب هذا الإيرلندي النصراني ، بالأسوة الحسنة ، و من دون أنْ يقف على منبر حديقة ( الهايد بارك ) في لندن ، التي غالباً ما يتخاطب فيها المتخاطبون و الدعاة - من دون جدوى - ممّن لم يتعلموا من حياتهم في ( بريطانيا ) الديموقراطية كيف يجب أنْ تكون ، و لا احترام رأي الآخر ، غير أنهم تعلموا منها فقط ، برودة الدم و لا المبالاة ، اللتين يُعرف بها الإنجليز ، فطوبى لـ ' اخريستو ' أنْ أهتدى قلبان إلى الإسلام ، على يديه .
***
و أخيراً أشرقت شمس هذا الصباح ، الذي طال انتظاري له في محطة القلق ، بعد ليلة طويلة ، لم يهنأ ليّ النوم فيها ، و بطبيعتي أصلاً ، أني لا أحبُّ السهر ، فحتى في أيام الدراسة ، كنت أخالف القول : ' من طلب العُلا سهر الليالي ' بل على العكس ، حتى في أيام الامتحانات ، يحدث ألا أكون مستعداً لدخول الفحص أحياناً ، و مع ذلك ، أترك مراجعة كتب و ملخصات المنهج ، بما فيها من قوانين و نظريات ، تستدعي التأكيد على تبياني لحفظها ، و ترسيخها في قواعد جمجمتي ، فأنام ، و أدع الأمر في مشيئة الله ، و أصحو ، و قد عادت المعلومات كلها إلى ذهني .. بقيت ليلتي متسمراً في فراشي ، و بين الحين و الآخر ، أنظر إلى السماء من نافذتي ، استشرافاً للصباح ، و بعد أنْ مللت من ذلك ، خرجت إلى حديقة المنزل ، و قمت بسقاية الأشجار و نباتات الزينة ، وسط مرح القطط الصغيرة ، التي تتقافز بين الأغصان ، و تـُلاحق خرطوم الماء ، كلما نقلته من جدول لآخر .. لكن الصباح لم يأتِ بعد ، فقمت لأعدّ فطور الأسرة ، براً بوالدتي ، التي لم تنجب بناتٍ ، و دوماً تنهرني : ( سيبتك اقرايتك يا هبل .. أصحابك كلهم .. حتى اللي كنت اتقري فيهم .. تخرجوا من الجامعة .. ياريتني جبتك ابنيّة .. راني لقيتها على حالي في كبرتي .. اسم الله عليّ ما عندها ابنية ) فأرد عليها في سرّي : ( صاح .. جماعتي تخرجوا من الجامعة .. و نا قريب انتخرج من عقلي .. باهي اللي ما جبتيني بنت .. راهي عنّست .. و راكي قاعدة توا اتعاني فيها ) .. و بعد أنْ تحايلت على قوانين الانتظار كلها ، بإشغال نفسي فيما ينفع و فيما يضر ، كان الصباح في أحلى حُلة ، لم أرغب في تناول فطوري في البيت ( كوب من الحليب و الشاي و كسرة خبز بائتة ) وارتأيت أنْ أذهب إلى مقهى ( سي داوود ) فقد أسلي نفسي هناك ، صُحبة ' باسط ' .. و حالما وصلت إلى الواجهة الجانبية للمقهى ، رأيته من خلف الزجاج ، جالساً وحيداً على كرسي صغير ، لا يتجاوز ارتفاعه (300 ) سنتيمتر فقط ، مرتدياً ( توتة ) سوداء و ( صباط أصبع ) و واضعاً مرفقيه على ركبتيه ، و قد غطـّى عينيه بكفـّيه ، و هذه الجلسة أعرفها جيداً ، فهي تدلُّ على ضجره .. نعم فاليوم مزاجه عكر و سيئ للغاية و ( غامة ) عليه بصفة عامة ، و لا رغبة له في الحديث ، و لا حتى في إجراء عملية التنفس ، فنهض بمجرد أنْ رآني ، و أعدّ ليّ ( كاباتشينو و بريوش بالعسل و الزبدة ) و مدّهما ليّ ، قائلاً : ' صحّة ' .. فردّدت عليه : ' و تعليم ' .. لم يبتسم و عاد إلى وضعه الأول .. الجميل في هذا الشاب ، أنه يعرف الواجب ، و يقوم به حتى في لحظات سأمه ، و بعد ذلك بقليل ، دخل أحد الرجال يرتدي البذلة الحكومية ( القنطشية ) و القبعة السوداء ، التي يظهر من تحتها ، خصلتان من الشعر المعسل و البني اللون ، فنهض ' باسط ' قائلاً له : ' جيت في وقتك .. و الله اليوم جوي قلق .. و خاطري نمشي نرقد لعند بعد بكره ' ثم أخذ مفاتيحه ، ليقفل المحل بنفسه ، من دون أنْ يطلب إليه ذلك ، فناداه :
- وسّع بالك يا شبّوب .
- مش جيتني من يومين .. و قلتلك المقهى مازال جديد .. و فاتحه من أسبوع بس .. و ما عنديش رخصة ؟ .
- باهي عطينا بطاقتك الشخصية .
- ايتهايالك .. وراس العزوز مانك شايفها .. انكنك تبي الشخصية .. اهي قاعدة قدامك .. واتشوف فيها .. شاب ليبي فقير و راقد ريح .. وكلا من البطاقة .. طلعتها و نا عمري 35 سنة .. و ياما صار عليها .. و انقولك حاجة .. و الله ماني عارف وين قاعدة .. أصلي ما نستعملش فيها .. أنا لا عندي حساب في المصرف .. و لا عندي ما اندير بيها .. لكنها اتذكر فيا بالحفلة السمحة .. اللي داروها ليا الجماعة لما طلعتها .. كانوا يحسابوني انحصل بيها عمل .. هابا ديما.
- باهي عطيني رقمها ؟
- واللهي ماني حافظه .
حينذاك تدخلت و طلبت من الرجل ، أنْ يمهله فرصة ، حتى يستخرج هذه الإجازة ( الرخصة ) طالما أنها تحت الإنجاز ، فلم يجد بأساً في كلامي ، و طلب مني أنْ أضمن له ذلك ، فأجبت طلبه .
دخل ' اخريستو ' متثاقل الخطى ، و معصماه في جيبيه ، و ألقى بجثته النحيلة على الكرسي ، و بدا في جيب قميصه شريط ( كاسيت ) خلف علبة التبغ ، و سُرعان ما قدّم إليه ' باسط ' مشروبه الساخن ، سألته :
- كيف حالك يا اخريستو ؟
- قلق .
- ما فيش حاجة جديدة ؟
- كساد .
فتذكرت على الفور ، كلمة قالها ليّ صديق عراقي من مدينة ( السماوة ) كان يعمل بمقهى في حي ( الكيش ) حينما أجبته ذات مساء ، بمثل هاتين الإجابتين ، اللتين ردّ بهما ' صالح ' عليّ ، فقد اكتشف بعد إقامته في ( بنغازي ) التي استمرت لعشرة سنين ، أنّ كلمتي السرّ عندنا نحن الليبيين ، هما : ( قلق ) و ( كساد ) و لن تحررانا مما نحن فيه .. و قد عاد هذا العراقي إلى بلاده عقب احتلال العراق مباشرةً ، و كانت لديه الفرصة ، لأنْ يسافر إلى ( السويد ) غير أنه فضّل العودة إلى بلاده تحت ظروف الاحتلال ، و الاقتتال الطائفي و التدخل الإيراني السافر ، بالتيشع الصفويّ ، على الذهاب إلى شمال أوربا ، و عندما نصحته بالسفر إلى أوربا ، أجابني بأنه هو أيضاً و أغلب العراقيين ، يشعرون بالشعور ذاته ، فقد أخبرني بأنّ مجيئه إلى ( ليبيا ) كان بعد عدة محطات استوقفته في ( سوريا ) و ( مصر ) و ( إيطاليا ) و ( النمسا ) و ( النرويج ) و ( الدنمارك ) و قد عمل في كل دولة منها ، و وفر مبلغاً مالياً طائلاً ، غير أنه لم يستطِع الشفاء من الرواسب و التراكمات النفسانية ، التي عاشها في بلاده ، إبان الحصار الذي فــُرض على العراق ، إثر معركة عاصفة الصحراء ( أم المعارك ) أو ( أم الهزائم ) .. و قد راهن أصدقاءه العراقيين ، الذين سبقوه بالسفر إلى ( السويد ) بأنّهم لن يستطيعوا الفكاك من القلق ، الذي يسكن في أحاسيسهم ، مهما تحسّنت ظروفهم الاجتماعية ، و قد بلغني أنه قد لقيّ حتفه في بلاده ، إثر تفجير في إحدى أسواق مدينته ، بعد وصوله بثلاثة أشهر فقط ، رحمه الله .
' باسط ' و ' اخريستو ' قد يختلفان على كل شيء ، إلا أمرين اثنين فقط ، يتفقان حولهما ، و هو أنّ أحسن لاعب في العالم هو ( ماردونا ) و أنّ أفضل منتخب هو ( الأرجنتين ) فحتى بعد أنْ خسر هذا المنتخب أمام المنتخب البرازيلي بنتيجة ( 4 - 1 ) وجدتهما ما يزالان متفقين على هذه القناعة و مُصريْن على أنّ منتخب الأرجنتين ، قد قدَّم أداءً أفضل في هذه المباراة ، و ستحسم النتيجة معهم في كأس العالم ( 2010 ) .
أطبق الصمت و الهدوء على جو المقهى ، فكلٌّ منهما ليست لديه الرغبة في الحديث ، و هذا ليس بالأمر الغريب عليهما ، فأحياناً يجلسان مع بعضهما لمدة ثلاث ساعات متواصلة ، من دون أنْ يهمس أحدهما بكلمة للآخر .. فأخذت أنظر إلى ' اخريستو ' و هو ينظر إلى ' باسط ' و ' الأخير ينظر إليّ ، صانعين معاً مثلث نظر ( S B Z ) مشتركاً و مفرغاً ، لربع ساعة متواصلة ، فاستأذنتهما :
- عندي مشوار لميدان الشجرة .
- ما زال بدري .. كنك ؟
- كساد .
- هدرز.
- واللهي قلق .
فتركتهما لصمتهما ، و لتنهيداتهما المكبوتة و لزفراتهما المكتومة :
باسط : أه يا بنغازي .
اخريستو : أه يا ( مايك ) يا صديقي و أخي في الإسلام ، لو تعرف كم أفتقدك .
أنا : أه يا اعويلة بلادي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة غير مهمة : لماذا لا يتم تبديل اسم الحرس البلدي ، بـ (حرس الشعبية) طالما أنّ مصطلح (البلدية) أُستبدِل بـ(الشعبية)؟.. الجواب لدى من؟.
(*): يقصد المغنية اللبنانية 'أليسا'.




0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية