الخميس، 11 نوفمبر 2010

يا ليت عندي سُلطة


الساعة عندي الآن ، السابعة صباحاً ، بتوقيت الجماهيرية العظمى .. ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .. فتحت باب البيت لأخرج .. ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .. ما هذا ؟ من الذي اختبأ خلف السيارة ، التي قــُبالة البيت ؟ أني أرى ( اشنينة ) حمراء فقط ، أما الرأس و الجسد ، فلا يظهران ، تظاهرت بدخولي إلى البيت من جديد ، ثم رجعت بسرعة .. رأيتك يا خطير ، أوه يا للأسف ، هو الحاج " فرج " .. رمقني بخجل و بشعور بالخطيئة .. ( لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم ) .. ما هذا الصباح الغريب ؟ لكن ماذا دهاه ؟ نظرت إليه ، بعد أنْ أدار ليّ ، و لتلك اللحظة المخجلة ، ظهره المنحني ، من كثرة الركوع لأسياده ، و من كثرة الانحناء ، لالتقاط الخبز من على الأرصفة .. الرجل خاجلٌ من رؤيتي له ، و هو عائد إلى داره ، بـِغلته الصباحية من أكياس الخبز اليابس .

تذكرته في الثمانينيات ، حينما كان يحضر المؤتمرات الشعبية ، في جلسات انعقادها ، بسينما الهلال بالبركة .. في تلك الفترة ، لم يجد جيلنا سلوته ، إلا في مشاهدة الأفلام السينمائية ، في دور عرض :

- الهلال : التي تحوّلت إلى صالة أفراح للأفارقة .
- الزهراء : التي صارت وقفاً على فيلم ( بوذراع لا خدمة لا قدمة ) .
- الوحدة : المُزالة من الرويسات .
- النجمة : الخافتة .
- بنغازي : المحروقة إلى حدّ ( البشمطة ) .
- المجاهد ( المتقاعد ) .
- الفردوس : التي في حي المحيشي ، فيا لسخرية القدر ، أن يكون الفردوس ، في أسوأ حي في بنغازي ، من حيث البنية التحتية و الفوقية .
- هايتي : التي دكّ أركانها الزلزال .. بعيد عنا .
- النصر : التي يشترط " باسط " استبدال اسمها بسينما الأهلي .
- الحمراء : التي لاقت حظ أحسن من الأخؤيات ، حيث تصيرت إلى مسرح للطفل .

فكنا نتقاسم ، كأيِّ فريق عمل و تحرّي ، مَهمة معرفة ( الفيلم ) المعروض في كل واحدة منها ، ثم نتشاور فيما بيننا ، عند ناصية شركة المواشي و اللحوم ، المُنعشة الهواء ، بخصوص أيِّ دار عرض ، سنذهب إليها هذا المساء ، بمعيار الفيلم الأجمل و الأحدث .. في تلك الفترة ، كانت جلسات انعقاد المؤتمرات الشعبية الأساسية العادية ، تطول لمدة ثلاثة أشهر ، و قد تتجاوزها إلى أربعة شهور- حتى أنّ جاراً لنا ، قد توفاه الله ، في أول يوم ، من أيام انعقاد هذه المؤتمرات ، فضبطت أرملته عدتها ( ارباطها ) بنهايته انعقادها ، و زادت عليها ، عشرة أيام من عندها ، فصحّت عدتها - فيصيبنا الملل و الكلل ، و في أطوار أخرى ، نذهب في وقت متأخر ، بعد الساعة التاسعة مساءً ، إلى دار عرض الهلال ، التي كانت دارنا ، و بيتنا الذي نخفف به عن أنفسنا ، من هذين الشعورين الثقيلين ، فنجد أنّ العرض ( المؤتمرات ) ما يزال مستمراً ، حيث حُدِّد له في الأصل ، الفترة المسائية ، بين الساعة ( الرابعة و حتى التاسعة ) .. فنبقى متسمرين في الخارج أحياناً ، حتى الساعة الحادية عشر ، في وجود العاملين بهذه الدار ، لإقفالها بعد التأكد من سلامة أثاثها الإيطالي ، من التكسير ، نتيجة ً لحالة الضجيج و الحنق و الحُمق ، التي يكون عليها المؤتمرون على مصلحتنا ، كما يُزعم ، بزعم الكبد .. و فور انتهاء هذا الفيلم ( الجلسة ) نتسوّل و نتوسل إليهم - فبعضنا لا مال معه - أنْ يشغّلوا لنا الماكينة ، و لو لعرض واحد فقط ، و الحقيقة تقال ، بأنهم كانوا طيبين معنا ، فيوافقوا ، شريطة أنْ يتمّ إخفاض صوت الفيلم ، و ألا نُعلق على مجريات الفيلم بأصوات عالية - كالتي نقوم بها في الأيام العادية ، مثل تعليق : " اللي ايحب النبي ايصفق " فيصفق معنا ، حتى النصارى و الوثنيون و الصيغ و البوذيون الحاضرون - كي لا نزعج القانطين القاطنين فوق هذه الدار ، فنخرج بعد انتهاء العرض مسرورين ، لكننا لا نفتح دائرة الحوار ، و الملاحظات حول أحداث ( الفيلم ) كما في الأيام العاديات ، لأننا غالباً ما نكون ناعسين و جائعين ، و كل واحد منا يمشي وحيداً ، مشكلين معاً ، طابوراً لفلول جيش مهزوم ، لنجد في استقبالنا توبيخ آبائنا و أمهاتنا .. و وقتما نكون بالخارج ، كان البعض من المشرفين على تنظيم هذه المؤتمرات ، يدعونا إلى الدخول ، و حضور مجريات هذه الجلسات ، لنقرر السياسات الداخلية و الخارجية لبلادنا ، أو على الأقل ، لنتدرب على ذلك ، لنصبح رواداً لهذه المؤتمرات لاحقاً ، و لأننا كنا صغاراً ، نوافق و ندخل ، من باب الرغبة في إضاعة الوقت ، و إثارة المقالب هناك ، فنجد الحضور على الصفين الأولين ، من المقاعد التي يجلس إليها ، أعويلة العيساوي و اعويلة السبالة ، التي إنْ اخترق واحد ، من هنا إلى هناك ، فسوف يتخطى الخطوط الحمراء ، و تشتعل ساحة الدار بالمعارك ، التي تبدأ هناك ، و تنتهي خلف عمارة ( الصفطية ) و تستمر توابعها ، ذهاباً و أيابا - أياماً - بالشجار ، مقلدين في ذلك ، أسلوب ( بروسلي و رينقو و تشارلز برنسون و كلينت استود ) .

كان بائع الخبز ، الحاج " فرج " – بو اشنينة حمرة - من الدائمين على حضور هذه المؤتمرات ، و دائماً حريصاً جداً ، على أنْ يطغى الهدوء على جو الجلسات ، و عادة ما يقوم بنهرنا و توبيخنا ، إذا علت أصواتنا و قهقهاتنا : " اسكتوا يا فروخ يا فاشلين .. معش قلنا و لا سمعنا منكم حاجة " .. فنرد عليه : " اقطع قولك .. و ما أثقل دمك " .. و أكثر لقطة كنا نحرص على متابعتها ، هي لما يُعطى ( بو اشنينة حمرة ) الكلمة ، التي عادة ما ينهيها ، هو و من معه ، بعبارة : " و نا هضا قراري " .. ثانيتئذٍ ، لا نستطيع أنْ نتحكم في أنفسنا ، من فرط الضحك حتى الثمالة ، لا لشيء ، لكنْ لطريقته في نطقها ، و ثقته بنفسه و بها .. و في اليوم التالي ، نراه يمشي مزهواً بنفسه ، بعدما يعلمه أبناؤه ، بأنّ كلمته ، قد نـُقـِلت على الهواء مباشرة في إذاعتنا ، و أُعيدت في برنامج ( مع الجماهير ) في الحين ، الذي نختبئ فيه نحن ، تحت المقاعد ، كلما سلـّط المصوّر عين كاميرته علينا .

كان يجيد أبجديات و مصطلحات هذه المؤتمرات جيداً ، قولاً و فعلاً ، أذكر له موقفاً طريفاً ، لما نـُقِش بند ( علاوة السفر ) أنه طلب الكلمة ، و أشار إلى أمين المؤتمر ، برفع سبابة يده اليُسرى ، و وضع فوقها راحة اليمنى في شكل ( شمسية بحرية ) فعلقنا عليه ، من الخلف : " راك قاعد في السينما .. مش على شط الملاحة .. يا افرنج " و أخذ يقول : " نقطة نظام .. عندي تعقيب " فلم ندعه و شأنه : " تي أنتم ما عقبتولنا شي يا هووووو .. الليل قريب يكمل .. نبو انتفرجو ع الفيلم .. عطكم ما ايشيلكم و يشكعكم " .. عنقر ( بو اشنينة ) شنته على رأسه ، و قال و هوّ يدخّن ( سبسي ) أطلس : " يا جماعة نبي نحكيلكم موقف صار معايا في بودابست عاصمة رومانيا - يقصد المجر - فمرة ركبت في تاكسي أبيض و أسود .. كيف تاكسياتنا .. و أشار نحو قهوة البركة الأولى .. حيث محطة التاكسيات .. للتقريب و التشبيه " .. فصاح " جبريل " : " لنقنك كذاب يا افرنج .. أنا كنت فيها مع باتي .. تاكسياتهم صفر يا طجّاج " .. أمين المؤتمر : " اكمل يا بو اشنينة " .. فأردف : " سألني الشوفير .. أنت من وين يا احويج ؟ .. قلتله من ليبيا .. عارفين يا جماعة .. ايش قالي بعدها ؟ .. نحن : " شنو قالك يا افرنج ؟ " .. قالي الشوفير : " و الله فكرة المؤتمرات الشعبية .. اخسارة فيكم يا ليبيين يا همج " .. نحن : " هههههههههههه .. اللي ايحب النبي ما ايصفق " .. هو : " و الله يا جماعة تغصّورت .. و تمنيت الوطا انشقت و زمطتني .. و بعدين قررت بيني و بين نفسي .. معش انسافر بكل .. فعليه أنصحكم بالتخلي عن هذه العلاوة و عدم السفر خيرلكم " .. نحن الصغار : " كشفة كشفة .. لنقنك كذاب و زمزاك و خرياط .. يا افرنج : علاوة السفر هذي .. نحنا أصلاً ما نسافروش بيها .. لكن انمشوا بيها في أمورنا المعيشية .. و أولها جيب الخلوط و المصارين و اديار النوم من تركيا .. بيش خوتنا يزوجوا .. يلعن جد اشنينتك و خلاص " .

***

( يلعن جد كِدة و خلاص ) صوبتها نحوه ، قبل أنْ يتوارى عني ، و داويته منها بـ ( يا ليت عندي سُلطة .. راهو ما هضا حالك .. و ما خليتك اتلقط في الخبز اليابس من الكنايس .. يا بو نا هضا قراري ) .. ثم طوّحت هذه الصور - السينما و ما كان يجري فيها من مؤتمرات - من خيالي ، حتى أقدر على بدء مسيرتي اليومية ، من دون هتاف و لا حمل الرايات ، و لوحدي ، و ما أنْ داست رجلي الأرض ، و هي تعلن عن خطوتها الأولى في المشوار اليومي ، الذي يستنزف مني يومياً ، ثلاث ألاف خطوة من عمري ، حتى مرّ بجانبي " ناصر " ابن " بو اشنينة " الذي خاطبني من زجاج سيارته المفتوح حتى منتصفه ، ليخرج منه يده ، التي تعانق لفافة ( حشيش ) أصبعين منها : " انوصلك يا خويا ؟" .. " امنور يا ناصر .. نبي انكعب " .. ( شيّط عجل سيارته ) - هي طريقة يستعملها الشباب الطائش ، إعلاناً عن حنقهم و تمردهم - و هو هنا ، أراد أن يقول ليّ : " القدر يفجعك " .. لم أبال ِ بتصرفه الأرعن .. وصلت إلى مبنى شركة المواشي و اللحوم ، وقفت لبرهة هناك ، ثم استدرت يساراً ، كما جنرال في الجيش ، متجهاً شمالاً ، و مشيت تحت شجر ( النم ) الإيطالي - فتذكرت فعلة " ناصر" .. باهي يا سي النم و الله انوريك عليها - حتى تجاوزت الجسر المجاور لنادي النصر ، و مبنى ( السيلس ) الواقف كما سنبلة بيضاء جافة ، و من دون حبوب ، الذي هجره حتى الحمام البري ( النيسي ) الذي كان يتغذى على بقايا القمح و الشعير المتسرب من أبوابه العتيقة .. لا رغبة ليّ اليوم في انتهاج شارع " جمال عبد الناصر " و لا " حسنين هيكل " .. استدرت يساراً ، لأسير بمحاذاة حديقة ( 23 يوليو ) فالطريق مختصرة أكثر من هذه الجهة ، و أكثر استقامة ، من الاستدارة التي في الشارع الآخر ، لاسيما التي تبدأ من عند فندق تيبستي .. سرتُ تحت ( الجسر ) المقابل لمدخل المدينة الرياضية ، معى أنني ، لا أحب أنْ يعلوني شيئاً إلا سماء الله ، و قبل أنْ أنعطف يميناً ، لاح قـُبالتي ، المدخل الرئيسي لها ، الذي لا يطرقه أحد في هذه الأيام ، فتذكرت أيام حيويتها ، فهذا المنظر ، أخذت له صورة من ثلاثين سنة ، كانت أحلى بكثير ، فقد التقطتها خلايا مخي ، و احتفظت بأجمل لمحات منها ، مشهد الشباب المتدربين في كل الألعاب ، واحدٌ داخل و آخرٌ خارج ، ترى من يقود دراجته ، و من يحمل في يده المضرب ، و من يقوم بالإحماء ، فتمتلكك الحيرة ، و لا تعرف إلى أية ( صالة ) تذهب ، هل إلى صالة الجمباز ، أم إلى صالة حمل الأثقال و بناء الأجسام ، أم إلى أحواض السباحة ؟ .. جئت لأدخل إليها ، لأستذكر المواقف هناك ، وقفت أمام أحد أعمدة الإنارة غير الشاهقة ، غير أنّ ، الواحد منها ، يُعدُّ أعلى معلمٍ في بنغازي ، لقد صعدت يوماً واحداً منها ، باستعمال سلمه المعدني اللولبي ، حتى مال رأسي ، كل ذلك ، لاصطاد الحمام ( النيسي ) لأبيعه لجاري ، الذي يربي الطيور الحرّة ، و عند قمته ، رأيتني الأعلى و الأكبر ، فكل شيء بدا تحتي ( البشر و السيارت و الأشجار ) صغيراً جداً ، و لما شرعت أنادي الناس ، لم يسمعني أحد ، فعرفت أنّ صوتي لا يصلهم ، و غير مسموع ، و قلت : " سبحان العلي القدير " و حينذاك ، كرهت الصعود إلى المنصات الثقافية ، كلما تذكرت هذا الموقف ، لئلا لا ينصت إلى أحدٌ .. و صلت ملعب ( 28 مارس ) أخيراً ، من جهة ( تريبونة ) الشمس ، فوجدت خارج المدرجات ، ذكرى قديمة ليّ ، خطـّطتها بغصن كسرته بيدي ، من شجرة النم الفاشستية ، المقابلة لنادي النصر ، على ( عجنة إسمنت ) كانت ما تزال رطبة وقتها ، فوجدتها ، و أذكر أنها في يوم مباراة ( النصر - الأهل ) بتاريخ : 30 / 3 / 1983 ميلادياً ، تلك المباراة ، التي كانت تسير لمصلحة النصر ، بنتيجة ( 2 – 1 ) لولا قيام لاعب السبالة ، الجناح الأيسر يوم ذاك لفريق النصر" محمد لطيوش " بمسك الكرة بين يديه ، دونما أي مستوجب لذلك ، ما جعل اللاعب " علي القوبو " يصفعه على وجهه ، و يقول له : " سلم خيّي .. عدّي كمل اقرايتك خيرلك .. مالك و مال الكورة ؟ .. راهي مش شورك يا احميدة " و بعد تلك ( اللطشة ) التي ( تلطش ) بيها خد " لطيوش " أمام الجماهير في تلك المباراة ، و انتهائها لصالح الأهل ( 3 – 2 ) التي سجل هدفي النصر فيها " عمر القزيري " - قبل خيانته لناديه - و " فوزي العيساوي " و أهداف الأهل ، كل من " المرغني الشريف " هدفين ، و " ناصر الجهاني " ركلة الجزاء ، التي أهداها إليه " محمد لطيوش " .. عمل بنصيحة " القوبو " و ترك ساحات الملاعب ، ليكمل دراسته ، و ينشأ لنا هذه الموقع ، على الرغم من أنّ " فوزي العيساوي " قد أشاد به في الجولة الأولى لذلك الدوري ، حينما أحرز هدف الفوز على فريق " السويحلي " في مصراتة ، في المباراة ، التي انتهت بنتيجة ( 2 – 1 ) .
يا ليت عندي سُلطة .. راهو ماخليت كل مدعي يلعب .. و راني أعدت المدينة الرياضية إلى سابق عهدها .. لكن الله غالب .. يلعن جد كِدة و خلاص .

خرجت من خلف ملعب التنس ، و درت حول الملعب الجانبي ، و مرّرت ببيوت الشباب ، و تذكرت أيضاً ، الحفلات الغنائية ، التي كان يقيمها الشباب هناك ، و منهم الفنان " باسط الحاسي " و " حسين الملاح " و " عمرو المنفي " و شقيقه " هشام " و " الغدامسية " و " رؤوف بن دردف " و غيرهم ، و لم أطـَل بقائي عندها ، فقد كان المكان مرعباً ، و لا موسيقا و لا غناء فيه ، سوى صفير العواصف .. اتجهت بعدها ناحية الحديقة ، و عند منتصفها ، شاهدت سيارة " ناصر " هناك ، واقفة ، قلت في سري : " أهو حصلت يا شيّاط العجل " .. و لما اقتربت منه ، وجدت معه فتاة ، يتبادل هو و إياها ، أنخاب السقوط في الهاوية ، فتحت بابه عنوةً :

- انزل يا اذكير .
- خير إنشاء الله .
- ما هناك إلا الخير .. نبيك اشوية .. معليش يا ابلة يا هبلة .. ناخذ منك صاحبك اشوية .
- تي كنك يا راجل ؟ .. راني امبدري .. كنت نبي انوصلك بس .
- تمام .. يعني أنت متذكر .. ايش درت امبدري .. صح ؟ .
- و اللهي ما نقصد بيها حاجة .. بس أنت رقيتها ليا .
- أنا قايلك من قبل .. لما اتشوفني نمشي .. فوتني و ما اتدرسش عليا .. خصوصاً و نا طالع م الحوش .. لكن معليش .. لما تلقاني امروح .. مرات نركب معاك .. أصلي أنا ديما انروح متأخر .. و يمسكوا فيا .. رجّالة الشرطة الراجلة .. و لما ايفتشوا فيا .. ما يلقوا في جيبي إلا قلم رصاص .. و نلقى في العزوز مشغولة عليا .. قايلها لك و اللا لا .. من قبل ؟ .
- لنقنك قايلها ليا .. بس اللي خلاني اندرس عليك .. قصقصة مني .. نبي نعرفك وين تمشي بس .. انحس بيك داير جو سمح لروحك و بروحك .. مع أنك ما عندكش سيارة كيفي .
- أنا من النوعية .. اللي نمشي للبلاد .. نخبط في المينا .. و انرد بقوة دفع الريح البحري .. هكي بس .. قولي من البنت هذي ؟ .
- و اللهي هذي وحدة راقدة ريح .
- و شنو خلط راقدة الريح ع الورق ؟ .. صار هكي يا سي النم .. يللي ما عندك غيرة على بنات وطنك .. ما فكرتش اتكون بنت من ؟ .
- ايش دخلني بيها ؟ .
- يا تافه .. نحنا انعيشوا في مدينة اصغيرة .. صدقني .. شي يوم تتفاجأ .. أنك تعرف بوها أو خوها أو لد عمها او جارها .. كيف تتعدى على حرمة هل وطنك بس ؟ .. خطرها قلتلي راقدة ريح .. باهي طلع اللي في جيبك خيرلك .. و عدي عطيه لها .. دوبينهن هاينات عليك .. و تبي اتحطهن أصلاً في الحرام .. و ما اتديرش روحك راجل .. راهو انمعيل بيك قدامها .
- تي لنقنك حصلة .. عليك صبح ( ... ) اللي شفتك فيه .
- قولي مازال باتك ( بو اشنينة ) يحضر في المؤتمرات و يكذب ؟ .. و مازال عند كلمته اللي قالها مرة .. انه معش يبي ايسافر ؟
- و اللهي ما نندريش عليه .
- باهي سلملي على باتك يا ( اشنينة ) .

انتهى كل شيء ، أخذت البنت المبلغ مع نصيحة قاسية ، جعلتها تبكي و ( اتموت و تجّعون ) ثم راقبتها بعيني ، حتى عبرت طريق ( 23 يوليو ) و منه إلى شارع جمال عبد الناصر - ما قعدنا إلا في مصر - و هي تلتفت ، لكأنها تخافني أنْ أفضحها ، في حين أنني أستر عليها ، قائلاً : " يا ليت عندي سُلطة .. راك متزوجة راجل .. و مستورة عنده .. يلعن جد كِدة و خلاص " .. و عاد " اشنينة " من دون أنْ ( ايشيط العجل ) و عيناه ترمقاني من مرآة سيارته الفارهة بحقد ، فعكست عليها : " يا ليت عندي سُلطة .. راهو و الله دكـّيتك في دار خالتك .. تي لا .. بعدين تنحسب علينا راجل .. أصله الحبس ما ايخشوه إلا الرجّالة .. و أنت ما عمرك في يوم كنت راجل .. و باتك واحد كذاب .. يا ليت عندي سُلطة .. راني طبقت عليك حد الزنا للمتزوجين .. و على باتك .. حد الكذب و الخداع .. لكن .. يلعن جد كِدة و خلاص " .

بعيد ذلك ، وجدت طفلة صغيرة تشحذ ، كدت أنْ أعطيها ما عندي ، لكني خشيت أنْ يراني أحد ، و أنا أمدُّ لها طلبها ، فيظنّ بي سوءاً ، فنصحتها من دون قناعة : " عيب يا ماما البنت الكويسة ما تشحتش " .. و لأني خفت أنْ تتعلم هذا السلوك و يكبر معها ، فتبيع شرفها .. أحسّست بأني بخيل رغماً عن قلبي ، الذي اعتصر حناناً عليها ، فشيعتها : " يا ليت عندي سُلطة .. راني و اللهي .. اندزلك راتبك لعند حوشكم .. يلعن جد كِدة و مش خلاص .. يلعن جد كِدة وقبيلتها كلها معاها " .

لم أستطع أنْ أكمل مشواري ، و عدت جرياً إلى البيت - لكأنني ما زلت أرى صورة المدينة القديمة ( الرياضية ) و أتذكر فيها صورة العدّائين ، الذين كنت أراهم هناك ، و أقفز فوق مطبات الطريق ، و أنا أتذكر حركات المتمرنين في صالة الجمباز ، و أنا أقول : يا ليت عندي سُلطة .. بيش نقدر نحبس روحي في الحوش .. و معش نطلع بكل .. بيش ما انشوفش هالقهاير .. يلعن جد كرعيا و خلاص " .. عند البيت وجدت كسرتي خبز ، قد سقطتا من كيس ( بو اشنينة حمرة ) فادّخرتهما لنفسي في ( امعيرقة جدّي ) البيضاء .

1/7/2011

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية