الخميس، 11 نوفمبر 2010

دستور الحمام يا أسيادنا

تربية الحمام، هواية مُـتعِبة ومُجلِبة للمشكلات، لكنها مُسلية ومُمتِعة، في آن واحد، وقد لاحظت جمالها، عند النظر إلى ناموس حياته ونظامه، والدستور الذي تبتني عليه، آلية نظامه المعيشي؛ فالحمام يبيض بيضتين فقط، وبعض الأزواج منه، يُسجّـل طفرة عند كثرة خصوبته، فيبيض ثلاثاً، لكن اثنتين منها هي التي تفقس- بعدما تستمر مدة حضانة الزوج أسبوعين كاملينً- ذلك لأنّ الثالثة، خالفت الدستور الطبيعي للنظام الحياتي، فلا يطالها الفقس، وتفسد في قشرتها، ولا يحزن عليها الزوج، بل يلقي بها خارج عشّه، في اليوم السادس عشر، وبذا، يُطبق قانون الحفاظ على النسل بنظام طبيعي، لا كما يفعل الصينيون.
فيا مجلس صياغة وصيانة الدستور الليبي، التائه والحائر في سنّ دستور لبلادنا، سأعدّد لكم بنود المسودة النهائية لدستور الحمام، بخطوطه العريضة لا الحمراء، منذ أنْ أنشأ الله هذا الطير وإلى يومنا هذا، وليكـُن لكم فيها عِبرة وخِبرة:
1 - في دستور الحمام، ينام الكل عند المغرب ويصحو عند الفجر.
2 - في دستور الحمام، تـُحرَّم العزوبية عند الذكور والإناث، لأكثر من أسبوع واحد.
3 - في دستور الحمام، الزوج لا ينظر إلى غير زوجه، ولا يبحث عن غيرها، حتى وإنْ كانت عاقراً، لا تبيض.
4 - في دستور الحمام، لا يعتدي ذكرٌعلى أنثى غيره.
5 - في دستور الحمام، لا تخون الأنثى زوجها، مهما كانت عيوبه.
6 - في دستور الحمام، لا يهمل الزوج فراخه.
7 - في دستور الحمام، تحضن أنثى زوج آخر، بيضتي أنثى ميتة.
8 - في دستور الحمام، يحتضن الذكر فراخ غيره، من الذكور، إذا غادر بيت مربيه، أو فصله الأخير عن زوجه وباعه.
9 - في دستور الحمام، الكل سواسية عند تناول الطعام، لأنّ الحمائم تعرف بأنها شريكة في مطعمها ومشربها ومسكنها الكبير، وبأنّ لا واحداً منها، له الفضل في وفرته، سوى المُربي، فترى القوي والضعيف يرضيان بقسمتهما، ويأكلان حصتهما من الحبوب بالتساوي، ومن دون عدّ، ولا حسد.
10 - في دستور الحمام، لا يعتدي القوي على الضعيف، إلا في حالة واحدة، هي عند قلة الطعام وندرته، كما يحدث وقتما تحلّ المجاعات بالبشر، إلا أنّ القوي لما يدخل إلى بيت الضعيف، في غياب الأخير وانشغاله، وبمجرد أنْ يراه يخرج مدحوراً من تلقاء نفسه، بعد أنْ يقاوم قليلاً، و حتى إذا انتصر، فإنه يهرب إلى بيته، أمام استبسال الضعيف صاحب الدار، لأنّ في دستور الحمام، لا يحقُّ لأحد، أنْ يعتدي على بيوت وحرمة غيره، ولا أحد يجبُن عند الدفاع عن حقوقه، بعكس البشر، الذين قد يجبنون، حتى عند المطالبة بها، من دون الدفاع عنها.
11 - في دستور الحمام، لا تقتل حمامة واحدة غيرها، ما دامت لا تظلمها، ولا تعتدي على حقوقها.
12 - في دستور الحمام، حقّ الحياة الكريمة، متاحٌ للحمائم جميعها.
13 - في دستور الحمام ، تنعم الحمامات بالحرية.
14 - في دستور الحمام، حق التعبير مكفولٌ للجميع، فتراه يطير مُعبِّراً عن فرحته ورضائه بمعيشته، ويهدل ويدجن بنفسه، حين حزنه على فراق زوجه أو موت فراخه.
15 - في دستور الحمام، لكلّ حمامة، بل لكل زوج بيته ومطعمه ومشربه.
16 - في دستور الحمام، حق المواطنة مسنوح للجميع، ويعيش في أمن وسلام وطمأنينة.
17 - في دستور الحمام، يسود السلام الحياة في (براكة) المُربي والأمل مستمر.
19 - في دستور الحمام، لا ظالم ولا مظلوم، طالما أنّ العدل هو السائد.
20 - في دستور الحمام، لا حاكم ولا محكوم، إلا حكم الله.
21 - في دستور الحمام، لا سيد ولا مسود، غير ناموس الطبيعة العادل.
22 - في دستور الحمام، كل شيء يمضي بسرعة بلا تسويف ولا تعطيل، ويحسب بالأسابيع، فمدة الحضانة أسبوع واحد، والعزوبية- نتيجة موت الزوج- لا تتعدى أسبوعاً واحداً، ومدة تربية الفراخ، لا تتجاوز شهراً واحداً، ولا تقبل الحمامة الواحدة، أنْ تهجر موطنيها الكبير ولا الصغير، المتمثلين في (البرّاكة والبونية) لأكثر من ثلاثة أيام، وإنْ بيعت، ولم تـُمنع بتقليم ريشها، فسوف تعود إلى وكرها، وإنْ (طالت المسافة*) في ثلاثة أيام، ما يعني أنها لا تهاجر ولا تغترب ولا تشترق، طالما أنّ الدستور، لم يُتجاوز عليه في موطنها الأصلي.
(صدر وأُفهـِم علناً منذ بدء الخليقة.. فلم يُتجاوز عليه، ولم يتعرض للصيانة بالجرح ولا بالتعديل)
سلوا المُربين والباعة في سوق الحمام القديم بالرويسات– ما عدا (اشنابو**) والوغد (دودة***) لتتأكدوا من ذلك، وسلوني أنا، فقد كنت مربياً في يوم ما لهذا الطائر، إلا أنني لم أبَع حمامة واحدة في حياتي، فكل حمامة، أتعلم منها ما لم يعلمه لنا أساتذة علم الاجتماع والاقتصاد والسياسة والمنظرون لها ، سلوني : هل هناك مظهرٌ للديمقراطية في دستور الحمام؟ لا.. لا يوجد ما سألتموني عنه، لكن هناك ما يغني الحمام و يغنينا عنها، إذا توافر العدل والسلم و الحياة الكريمة، التي يشعر بها هذا الطائر، ثم أنها أصلاً، تتمثل في الحرية التي ينعم بها في سماء الله.
ها ما رأيكم؟ دعونا نطير ونتنسم أنفاس الحرية- فقد مللنا السير على الأوهام- أو اعتبرونا حتى حمائم داجنة بلا أجنحة، وأعدوا لنا دستوراً كهذا الدستور الحمائمي، فيا ليتني حمامة برّية، تتغذى من حبوب مبنى السيلس، وتربض فوق أحد أعمدة إنارة المدينة الرياضية، قبل هدمها، نتيجة لعمليات الصيانة الأردوغانية.
3 / 6 / 2010
ـــــــــــ
( * ) : في صيف 1983 ميلادياً ، اضطررت مرة ، لأنْ أبيع حمامة ( شكولاطية ) اللون ، لشخص ما ، في حي القوارشة ، في صبيحة أحد الأيام ، و عندما رجعت إلى البيت ظهراً ، وجدتها في انتظاري ، فلم أرجعها له ، و أعطيته ما دفعه ليّ ، مضعفاً ثلاث مرات ، هي لم تعُد ، لأنني وضعت لها سكراً في ماء ، فلم يكُن قد بدأ الشروع في مشروع النهر الصناعي بعد ، فقد كانت تشرب من مائنا المالح من آبار بنينة ، لكن دستورالحمام ، هو من أرجعها .
(** ) : شخصية كانت معروفة بسوق الحمام القديم بالرويسات ، المقابل لدكاكين بيع الفحم ، عُرف بقسوته ، حيث كان يذبح الحمام - للزبائن من غير الليبيين ، الذين يتلذذون بأكلة الحمام المحشو بالأرز و الصنوبر و الحبهان و المستكة العربية - و يرمي به في برميل ( بتية ) لتنظيفه .
(*** ) : عرفته بهذه التسمية ، و لا أعرف الاسم الذي اختاره له والداه ، و ربما نُبِز بهذه التسمية ، لأنه كان متطفلاً و سادياً ، فقد عُهد عليه الاختباء بعيداً عن السوق خلف مستشفى المعوقين أو وراء ( كوشة الطرلي ) و القبض على مشتري الحمام من الزبائن الأطفال ، فينقض على الحمام و يقطع رأسه بيده ، علمت مؤخراً بأنّ سيارة دهسته و لقى مصرعه ، رحمه الله ، فتذكرت إحدى أمهات من سطا على حمائهم ، قد دعت عليه : و اللهي تو يعشم فيك الحمام .. يا ملعون جد بوك .. يا قليل الحياة ' .. بينما هو يبتسم ببلادة و بلاهة ، و الدم يتقاطر من يديه ، و الريش عالق بين أظافره الشيطانية الخشنة ، لأنه أكثر جرماً ممّا وصفته ، فقد كان عدواً للحياة .

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية