الخميس، 11 نوفمبر 2010

ما ليّ وما لبلادي؟

لنقارن أنفسنا بالتجارب العربية المحاذية لنا في الأقطار و الأمصار العربية الأخرى، و لتكـُن مصر مثالاً - لا يُحتذى به - مع إقراري الخطـّي لكم و للمفتتنين بها من الليبيين و الليبيات، بأنها قد حقــّقت قفزات نوعية و جبّارة في مضمار الكتابة، بعد مراكمة التجارب عبر سنين طِوال، ذلك أنّ الكتابة ، ليست كل شيءٍ، فهي ليست بغاية و إنما وسيلة، و إلا تحوّلنا إلى كتبة عموميين، نبيع الكلام المكتوب في قراطيس، كما أنها ليست الدواء، الذي يسحر أوجاعنا فيشفيها، مع اعترافي، بأنها تخفـّف عنا شيئاً قليلاً من حِدة الألم، خصوصاً عند تلك الشريحة، التي و هي تطالعها بعيونها، تتحنّط عندها لغة العقل و الضمير الإنساني، وتقرؤها بمراءٍ مُغمضَة، وتذر لعيون الرقيب الذاتي، السطور كلها، فتكتفي بالابتسام من أوجاعها، حينما ينغص عليها رقيبها الآلي، ليلتها المراهقة والمُرهـِقة، خوفاً ورعباً على نفسها، لأنها قد ارتكبت جرم المعرفة، ولا ينال الكاتب من خشيتها عليه، ولو النزر اليسير من رجفات أوصالها، التي تخشّنت بفعل القسوة، فلم تصل قريباً ولا حبيباً، واصطكاك ضروسها - ليس شعوراً بالبرد، فهي تنعم بحرارة لافحة، إذ أنها تقرؤها في السّرِّ، مُمارسة ًالعادة السّرية القرائية، في وضح الظلام، وتحت صوف اللحاف، حتى في فصل الصيف الحار والحارق - التي نخرها سوس الجبن (الخوف) وليس مشتقّ الحليب، الذي هي محرومة منه أصلاً.
لكن حال الاكتفاء بها، ستتصيّر إلى مخدر غير شافٍ، طالما أنّ مبعث السقم باقٍ في الجسد (عافاكم الشافي من كل وجع).
والوجع الذي نعانيه جميعاً، هو وجع الوطنية، الذي ما من إنسان سويّ، إلا ومسّه الضرّ منه، حتى وإنْ تغافل وكابر على وجعه، فإنْ لم يكـُن وجعاً مادياً (مباشراً) فهو معنوي (غير مباشر).
فحركة الكتابة وحِراكها هناك، فعلا فعلهما على أتم وجه بتصوري، وأدّيا ما عليهما، على نحو محسوس وملموس، على الرغم ممّا أصاب المثقفين من أوجاع لا حصر لها، كردّة فعل على وطنيتهم، ومع ذلك، ظلّ الداء مستشرياً، ولم يُجابه، ذلك لعدم وجود الحاضنة، التي تتبنى المثقفين، غير السجون والمعتقلات السياسية، مع أنّ بعض مطالبات هؤلاء المثقفين، كان عادياً وشرعياً ومشروعاً، ولا يتعدى مطالبتهم بالإصلاحات الاجتماعية والثقافية، فما دخل هذا بذاك، سلوا أهل مصر إنْ كنتم لا تعلمون.
أما في ليبيا الحبّ والطيبة، فقد تأخرت الكتابة المتعلقة بالشأن العام عندنا كثيراً، حيث كان على الأجيال السابقة من المثقفين، أنْ تقوم بواجبها الوطني، زمن وجوبها و تأثيرها، وأنْ تؤسّس لهذا اللون في الكتابة، القاعدة الصلبة، التي يقف على أعتابها المثقفون الوطنيون الواعون، حتى تصبح الكتابة الوطنية، ثقافة ًعامة، يعرف الكلُّ اشتراطاتها ودواعيها والغرض منها، وكيفية العمل بها.
أدّب - يؤدّب - تأديبا - فهو المؤدب - وصيغة المبالغة منه: أديب، على وزن (فعيل).
عجـِبتُ ألماً، بمن ينادي بالإصلاح السياسي، وهو لا يقيم وزناُ، ولا اهتماماُ بالإصلاح الأخلاقي والاجتماعي، إذ تراه، يترأس صحيفةً ما، وكأنه لا يعرف، أنّ أكل حقوق الكتّاب - ولست منهم - جريمة تـُقترف بحقّ الوطن، ولا تـُغتفر، فالكاتب الوطني، قد يغضّ الطرف عن الحقوق المادية في سبيل المصلحة العامة، وقد يتنازل- حتى عن أجمل ما خطّه في عمره في محبة الوطن وللوطن، إلا أنه لن يقبل البتـّة، بأنْ ينشر نتاجه في هكذا صحف يديرها مثل هؤلاء، ولا يقبل بأنْ تـُحاذي نصوصه، نصوص لصوص الكلمة (حاذي لغرف إلا المطابخ ايشوهن *).
وزادني العجب، فيمن يدّعي الأدب، وهو لا يعرف للأدب سبيلاً، هنا أستقطع لكم فصلاً قصيراً من رواية شرمولة - التي حان فصل أكلها في الصيف، وبزيت دوّار الشمس المُضِّر بالصحة، ومن ثم بالتعليم أيضاً، لتصبح شرمولة بائسة في أفواه البؤساء- للرائع 'محمد الأصفر' فقد كتب ما قصته: (أنه التقى بأحد الأدباء عند مدخل مؤسسة الصحافة، فصافحه وسأله: كيف حالك يا محمد؟ وكيف حال الأدب؟ فأجابه الأصفر في أجلى حالة بؤس أدبي 'أنا الآن في حالة قلة أدب، فأعطني ديناراً، واترك الأدب لأهله '.
لست هنا استعلائياً، ولا أمتهن التصفية الأدبية، بحدِّ سنّ القلم، حتى أُعرّض بذلك الأديب، فأغلبكم قد عرفه ربما، فمهما يكـُن من شيءٍ، فإنّ له قدره وقراءه ومحبيه، لكني سأركـّز على ختام قولة 'الأصفر': 'اترك الأدب لأهله'.. فمن هم أهله، أيها الأصفر؟.
لنخطو إلى الوراء قليلاً، ونقف عند الاشتقاق اللغوي الفائت، فالكتابة لا تعني الأدب المكتوب ولا المكتوم، وإنما هي في الأساس اللغوي، خلق سام ٍ، يتصف به الإنسان، قبل أنْ يكون كاتباً، فكيف لمن يدّعي الأدب، ويُنظـّر لنفسه بذلك بين الناس، أنْ يُمارس أول معصية عرفها البشر، وهي الحسد، حتى يتـفنـّن في لعبته، ويتقن التحاسد والغلّ على كاتب آخر، ربما يكون في مثل عمر أبنائه (لا أقصدني هنا)؟ خليقٌ به أنْ يتبنى موهبته، إذا كان وطنياً بحقّ، وغير إقصائي، فهذه الحالة الخاصة، تحدث عندنا فقط، في الوسط الأدبي والثقافي بشكل عام.
وإزاء هذه الحالة، وغيرها من حالات عجيبات، لا بدّ لنا نحن الكتّاب، من وقفة جادة، لأجل أنْ نكون مؤهلين لاعتلاء منصات الأدب- وكذلك بتأهيل العامة من جديد لمعرفة أخلاقيات دينهم- بأنْ نعيد تأهيل ذواتنا من جديد، خـُلقاً قبل أنْ نؤهلها ثقافياً، ونعيد ثقة القارئ بنا، فإنْ لم تفعلوا، وأظنكم ستفعلون، دعوني مثلكم، أهنأ ببؤس حياتي في الكتابة عن الأغاني ، و ما ليّ و ما لبلادي ؟ .
لا تؤاخذوني على كتابتي، فبين جوانحي، ينبض قلب الطفل- الذي في الصورة- وهو مُحبٌّ لكم، ويحبُّ أنْ يحيا في سعادة وراحة بال مثلكم، فما نالني من هذه الكتابية – بخصوص الشأن العام – سوى الكآبة الوطنية- وما تعليق القارئ 'أبي أوس' إلا دليل على ذلك، وهذا هو سياقه، بما اكتنفه من أخطاء مطبعية: (يازياد نشوف فيك وانت مروح عقاب الليل وانت كلك هموم ونقول ازعماء شنو كتب يعطيك الصحة اليوم سبحان الله يبان عليك مرة متفائل وشوية من الفرح ومرة تجرخيبات الامل غموما خليك دائما القلم والصوت الحر وان لك قراء لمقالاتك وربي يوفقك**)- التي لا دواء لها، إلا إذا التمستُ الإصلاح في كل ما نكتب عنه وعليه، فقد ولّى زمن الكلمة والقول، وحلّ زمن الهمّة والفعل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): مثل شعبي تقوله الأم لولدها، قبل وحين اختياره لشريكة حياته.
(**): التعليق موجود على هذا الرابط:
http://www.almanaralink.com/new/index.php?scid=4&nid=21503

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية