السبت، 7 أكتوبر 2017

الصنبور

سئمت دورانه في اتجاه عقارب الساعة، وخشيت من ضياع ثوانٍ من القلق أدخرها لغير هذه الأزمة.. نزعت الخرطوم ابتر من حلقته، كما ستنزع الخرطوم من حكم البشير عما قريب، فكرت في أن أضع إصبعي في حلقة مجراه اخيرة، لأتحسس برودة وبللاً يؤذنان بمجيء الماء، دنوت البصمة إلى عينيّ حتى لامست مني الرمش، فوجدتها قد تخضبت بحناء الصدأ.
أجريت شرخاً قصيراً في فوهته، وأحكمت ربط الخرطوم كما يحكم البشير الخرطوم منذ ربع قرن تيس شارد في أم درمان.
انبطحت كمن يجري تمريناً سويدياً، وأخذت في سحب الهواء من عنق الخرطوم السفلي بقوة الرئتين، وقد أخذ شدقي يتكور محدثاً طقطقة في طبلة أذني نتيجةً لضغط الهواء في عنقي الآخذ في التيبس إلى نحو اليسار.. عدّلت من هيأتي إلى الجهة الثانية، أخضوضر عرقٌ بشدقي ايمن، لم أفكر في كرَّة ثالثة، فلست أملك إلا شدقين لم أتنطع بهما في يوم.. شعرت بأن أصابع يديّ وأمشاط قدميّ ما عادت قادرة على حملي ولا تحملي وقد تنكسر في أية لحظة.
ووقتما هممت بالنهوض ونفض ما علق بأسمالي من ذرات لأشياء كثيرة كانت ملتصقة بارض (رمل، كسر خبز، نمل يدب، وريقات أشجار مصفرة، روث عصافير ودجاج)، لمحت بعد ذلك بقعة بللٍ في حجم نملة تقبع فوقها بردة صدِئة تتعامدان مع الصنبور، فكانت الفرحة، حككتها بين إصبعين لتتصير إلى مسحوق مثل الطين تماماً.

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية