الاثنين، 31 يناير 2011

إني آراها بيضاء

إنّي آراها بيضاء، نهاراً، وفي المساء، مُبرقـَعة بنجمة وهلال في سماء "مصر"، هو رآها سوداء، في حرب الخليج الثانية، إبان غزو العراق للكويت، فأناط بنفسه دور الناصح الأمين لـ "صدام حسين"، بعد أنْ ناشده باسم العروبة والإسلام الانسحاب منها، غير مُدرك بأننا كلنا، كنا على يقين تام بهزيمة "صدام حسين" وقتذاك، وحتى وقت قريب، كان إعلامه يروج ويتباهى بأنه حاكم عقلاني وحكيم وواقعي، ميّالٌ إلى الاعتدال.

لعبة ساعة:

تفاقم الأزمة في "مصر" في هذه الأيام، مرهونٌ بعامل الزمن، فإذا أصرّ الشعب المصري المُتحلق حول دبابات النظام الرابضة في ميدان التحرير، والمنتظرة الإشارة من القائد الأعلى للقوات المسلحة هناك ـ ما يزال "حسني" هو من يشغل هذا المنصب حتى الآن ـ للفتك بالشعب، لا أظنها ستتورع عن ذلك، إذا ما تحصّل على اللون الأخضر من الإدارة الأمريكية، التي نراها في هذه الأيام، تصدر بياناً تلو الآخر، وكأنّ "مصراً" هي الولاية الواحدة والخمسين، لاسيما أنها تساوي في مساحتها ولاية "تكساس" ـ مليون كيلومتر مربع ـ وتشابه خريطتها الجغرافية، خريطة هذه الولاية المشتراة من القيصر الروسي؛ الغريب في الأمر والعُمر، هو أننا لم نستمع إلى أي بيان صادر من الحكومة المصرية المؤقتة أو المنحلة أو التصريفية لمجارير الأزمة، تندّد فيه بالتدخل الأمريكي السافر والخاسر في الشؤون الداخلية المصرية؛ فإذا أصرّ الشعب المصري على موقفه المطالب بالتغيير، بعد أنْ كان حتى وقت قريب، قنوعاً ويطالب بسقف قصير من الإصلاحات، مهما بلغت التضحيات الجسام، فإنّ النظام المصري سيكره على التنحي، لا مراء في ذلك، أما إذا خارت قواه واستسلم لمؤامرات النظام ـ الذي غدا ينشر الفزع بين صفوفه ـ وعاد إلى البيوت، فلن يتغيّر شيءٌ، وهذا ما يراهن عليه النظام الميت سريرياً وكرسياً.

ضبط النفس:

ما فتئت الخارجية الأمريكية تعرب عن قلقها، وتدعو إلى "ضبط النفس" إزاء أي أزمة تندلع في العالم العربي، وكثيراً ما كانت تنصح الجانب الفلسطيني بهذه العبارة، التي لا معنى لها في القاموس الواقعي للأحداث، فهي في حقيقتها، تعني المطالبة بالمزيد من الخنوع، فحتى أثناء عدوان "إسرائيل" على "غزة" و"لبنان" كانت تطالب العرب بضبط النفس، مع أنّ العدوان واقع عليهم، فأي ضبط للنفس هذا، التي استمرأت توجيهه حتى في هذه الأيام بصدد الأزمة المصرية؟.

احتمالات مصرية:

هل سيتوقف الدور الأمريكي عند هذه السياسة المطالبة بضبط النفس، أم أنها ستقوم بفلتان النفس، لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بخصوص مصالحها المرتبطة بالنظام المصري المتعجرف والمتهالك؟ ـ إنّي آراها بيضاء ـ ولا أستبعد أنْ توعز الإدارة الأمريكية إلى "إسرائيل" باحتلال أراض مصرية، في هذا الوقت، على الرغم من المعاهدات التي بين الجانبين، فإسرائيل تدرك في واقع الأمر، إنّ اتفاقية "كامب ديفيد" صورية مع نظام مستبد، مع أنها قانونية ولبست رداءً دولياً، رغماً عن أنوف الشعب المصري، الذي صمت طويلاً ـ الصمت هنا، ليس الفعل المعاكس للكلام، ولكنْ التحرك ـ ذلك لإلهاء المصريين كشعب ـ فطبعا سيُعلم النظام بذلك قبل حدوثه، إنْ حدث ـ وبثّ البلبلة السياسية في "مصر" وفرض سياسة الأولويات على الشعب، فقبل التغيير يتوجب التحرير، ومن ثم العودة إلى المربع الأول، مربع ميدان التحرير، الذي ستتقلص أضلاعه، أو أنْ يكون أمراً واقعياً؛ لأي حكومة وطنية منتخبة مستقبلاً.

رفع سقف المطالبة:
المطالبة بالديموقراطية، هذا أمر بات الفروغ منه ـ والقفز على عتبته في سلم الحريات ـ واجبين، فعلى الشعب المصري بعد نيله للحرية والديموقراطية ـ أني أراها بيضاء ،ولست أرجم بالغيب ـ أنْ يلتفت إلى ما هو أهم وأبعد من ذلك، وهو تقوية شوكة بلاده، التي صارت مضحكة الدول، من عهد بعيد.

 

إذا كان الجيش المصري وطنياً، كما يأمل المصريين، فعليه أنْ يتوجه إلى حماية حدوده الشرقية، أي بقصد، إلى مربع التغيير في سيناء، بعد أنْ يترك المتجمهرين في ميدان التحرير، لا لأن يعلن الحرب على "إسرائيل" ويعطي الذريعة لها، كي تقوم بما أخشى منه، بل عليه، أن يقوم بتنمية هذا المربع "شبه جزيرة سناء" وتعميره، خصوصاً وأنه يساوي في مساحته ثلاثة أضعاف المساحة الجغرافية للكيان الإسرائيلي، وأنّ "مصر" تستهلك ثلثي حصتها من النيل فقط، وترمي بالثلث الآخر في مياه البحر المتوسط ؛ على هذا الجيش أنْ يمتشق الفؤوس، ويزرع هذه الصحراء القاحلة، بتحويل رافد من مجرى النهر إلى هناك، ليشكل هذا الفضاء صمام وحزام أمان في وجه التوغل والتغول الصهيوني إلى "القاهرة"، فإلامَ ستظلّ هذه الصحراء ملعباً وساحة تدريب لمرور الدروع الإسرائيلية، فعلى المتذرعين المنهزمين بقوة "إسرائيل والمتدرعين فوق وفي مدرعاتهم،  والمستعرضين بطائراتهم الحربية فوق سماء القاهرة ـ إني أراها بيضاء ـ لقمع الشعب، من الجيش المصري، في ميدان التحرير، أن يدركوا هذه الحقيقة، ويحققوا لشعبهم نصراً ميدانياً،  بعدما فشل هذا الجيش، في تحقيق انتصار واحد لبلاده وللعرب على الصهاينة، فحتى حرب أكتوبر 1973 ميلادياً، كان النصر فيها مجرد دعاية ساداتية سادية، لتلميع وتبريق هذا المنظومة الحاكمة، لتسود الشعب فيما بعد، تحت شعار زعيم الحرب والسلم، وعلى المعتصمين ألا يأمنوا شرّ هذه الدبابات المتخلخلة والمتخللة لحشودهم ، تـُرى لماذا لا يقوم المتجمهرين هناك بإنزالهم من دبابتهم من دون التعرض لهم؟.

حقيقة ما كان يروج له النظام في مصر:

ثمة من كان يدندن: "إن مصر دولة مؤسسات" ورأينا بأمهات وآباء أعيننا، إنها كانت مؤسسات تخضع للنظام الحاكم، فحتى جهاز الشرطة الذي يفترض به أنْ يسهر على راحة المواطنين، صار المُروع الأول لها، بعد أمر من النظام، ناهيك عن المؤسسات الأخرى التشريعية والتنفيذية ـ بما في ذلك المؤسسة العسكرية، التي لم تصطف بعد إلى طابور الشعب ـ وكل ذلك في غياب النظام الديموقراطي.

...

إني أراها بيضاء، لا كما رأيتها أنت في عام 1990 ميلادية، ولن تسمع بعد اليوم، تلك المقولة التي جعلها نخباويوك القمعيون، أبجدية في الدراما والمسرح المصريين: " أنا ما بحبش السياسة" فقد صار الكل يتابع ويحب السياسة.













الجرابيع تفترش الياسمين


بقلم الموهبة : نسمة الفرجاني

تونس الخضراء كساها بياض الياسمين.. تأبطه شعبها بيد، هاتفا باليد الأخرى بسقوط النظام.. فتسلق الياسمين الأسوار والحوائط والشرفات، فأكسب مسيرته الهاتفة منظرا حضاريا جميلا في ضوء النهار .......كلنا يعلم بأن الثابت الوحيد في هذا الكون هو التغيير، فمرحبا بتغيير يكسوه الياسمين رمزا للحب والوفاء، ففي الثقافة الفرنسية رمز الياسمين إلى الرباط المقدس بين الزوجين حاضرا بقوة في حفلات الأعراس، ويعتبر رمزا للتفاؤل بدوام الزواج ومباركته ...ومن شروط عقد الزواج القبول والإيجاب وهذا ما طالب به الشعب التونسي، وهو حقه في قبول حكومة جديدة، يتم اختيارها بحرية، اتخذ شعارها بياض الياسمين ..

 
هذه ثورة الياسمين في تونس، استثار عبيرها النفاذ ارض الكنانة، فانطلق الشعب المصري حاملا الياسمين بمباركة ( كاما ) آلهة الحب في الأساطير الهندية، فهذه الآلهة كانت توقع بضحاياها من خلال ضربهم بسهام ملفوفة بزهر الياسمين، فتوقعهم في شركها واحدا بعد الآخر ...حولت كاما ثورة الياسمين إلى شرك الياسمين ...فالياسمين يحسن المزاج ويساعد على الاسترخاء والهدوء، وهو نبته محبة للضوء والحرارة ... فأين شعب مصر من ذلك؟ ..لا يتأثر بعطر الياسمين إلا من يشمه لان الجميل يحب الجمال والياسمين اقترن ذكره بالسحر والجمال ...



فبمجرد أن قام الياسمين بتسلق الأسوار العالية (النظام الحاكم ) والحوائط والشرفات (أنصار النظام) اصدر اصواتا شعبية عالية آملة إكساب ارض الكنانة منظرا حضاريا جميلا ,ولكن للأسف فبجانب الأصوات الشعبية العالية، كانت هناك أصوات فردية منخفضة جدا، لم نسمعها، ولكن الجرابيع سمعتها، نعم تلك الحيوانات الليلية الصغيرة التي تتمتع بحاسة سمع حادة، وكما هو معروف، فهي تخرج ليلا وغذاؤها يتكون من جذور النباتات وبراعم النباتات الصغيرة والبذور والحبوب، ولا تشرب الماء حتى وان توفر لها ذلك ......وتحفر الجرابيع جحورها باتجاه انحداري ليصل إلى عمق يتراوح من متر إلى مترين، ويحفر حفراً جانبية تخرجه إلى السطح، وتساعده في الهروب من أعدائه، فإلى أين تريد الجرابيع الانحدار بالشعب المصري؟



ويتكون عش الجربوع من شعر الجمل وأغصان النباتات ...فها هي جرابيع مصر، تستعمل حاسة سمعها، لتخرج من جحورها وتقتات على براعم الياسمين وتفترش زهوره ..



فيا أبناء مصر، الياسمين يحب ضوء النهار ..اغرسوا أزهار الياسمين نهارا سينتشر عبيرها ويدوم، واتركوا الليل للجرابيع ليسهل اصطيادها ...لا تخلطوا الحابل بالنابل، فيُقتلع الياسمين بحجة اصطياد جربوع هارب ..استمروا في غرس الياسمين وانتظروا التغييرات المنشودة، فمحمود درويش في قصيدته (كاما سومطرا) يقول :

 بذوق الأمير الرفيع البديع انتظرها ..ولا تتعجل فان أقبلت في موعدها فانتظرها .. وان أقبلت قبل موعدها فانتظرها .



من اجل غد مشرق وآمن وناصع البياض كالياسمين، لا تعطوا فرصة للجرابيع بجعله احمرا بدمائكم ..فلا احد يدري لعل الانتظار أجمل من اللقاء، وبما أن الطريق إلى البيت في بعض الأحيان يكون أجمل من البيت .
جملوا انتظاركم بالانتظار، فان غداً لناظره قريب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الاحد الموافق : 30_1_2011









السبت، 29 يناير 2011

الثورة قائمة لعن الله من نوّمها

حينما تكون الثورة ضد الظلم، فهي تسير في طريق صحيحة، ومتى كانت الثورة الحقيقية، تتـّجه في غير هذا المسار غير الدوّار؟ بل في خط مستقيم أفقي، من نقطة الموات إلى الحراك، أو على نحو متجه عمودي، سهمه، يُرسم من الأسفل إلى الأعلى، لما تصعد وترتقي بمطامح الشعوب إلى أعلى، وتوفـّر على المجتمعات، عناء التضحيات الفئوية والنخبوية والمثقفة، التي جرّبت الشعوب العربية الاعتماد عليها طيلة ستين من سنين الحراك ـ أو قـُل هو الخوار السياسي العربي ـ من دون فائدة، لأنّ هذه الأساليب المناهضة للقمع والمُطالبة بتعدّد الحريات، لا تأتي بالنظم الديموقراطية، بل الأخيرة هي من تأتي بها، وترعاها وتوفر لها الفضاء الواسع لممارستها.

الثورة حقيقة، أدركتها الشعوب المسحولة تحت أحذية قامعيها، بعد فترة سُبات وجبن وتواكل طويلة، بعدما تأكدت من نجاعتها، واختصارها لوقت طويل في صراعها ضد أنظمة الفوضى السياسية، التي لم تألوا ديناً ولا ذمة في تعاملها مع شعوبها، إذ أنها لا تؤمن حتى بأسلوب الحوار مع الحركات الوطنية، ونجدها على الديمومة، تفرض أجندتها الحوارية بأسلوب "عنز ولو طارت" معتمدة في ذلك على ما حصّلته في فترة حكمها من أدوات استبداد، لدرجة تسليح ميلشيات الحزب الحاكم، كما رأينا في "مصر"ـ في ثورة شعبها الأخيرةـ رجالاً غلاظاً أشداء على مواطنيهم، رحماء مع من يـُفترض بهم أنْ يوجّهوا جبروتهم إليهم من الأعداء الحقيقيين، بل ذهب الأمر بهذه الأنظمة، إلى العبث حتى بنتائج الانتخابات المزيفة أصلاً، لتزيدها زيفاً وزوراً، فجعلت من كل من صوّت فيها ممّن يحقون لهم هذا الحق الوطني، مجرد شهود زور.

سؤالي للعاقلين، الذين ما فتئوا يحاولون وعلى الدوام، أنْ ينؤوا بمجتمعاتهم بعيداً، عن الوقوع في صدام الشعب مع أجهزة الحكم الفاسدة، خشية الانزلاق في مستنقع الفوضى وانعدام الأمن، من دون أنِْ أذكـّرهم بـتقنية جدلية معروفة، تكمن في طرح هذا السؤال التبكيتيّ: "وما الذي سيخسره الشعب، أكثر مما خسره من الأرواح والأموال في وجود وتسلط هذه الطغم الحاكمة بطعم الذل والإفساد؟" فبعيداً عن ذلك، أسأل بتعبير آخر، وهو الأهم: " كيف لشعوب أنْ تداهن أنظمة تسلطية، تستكثر عليها، حتى أنْ تختار من يمثلونها في مجالس الشعب والبرلمانات والشورى، ناهيك عن رؤوس الحكم، ولو أدّى الأمر بهذه الأنظمة إلى انتهاج الأساليب الوضيعة، من غش وتزوير وتشويه للفئات النخبوية، في الوقت الذي نجدها فيه، قد احتكرت حتى الفساد لنفسها، وصار رجالها رجال فساد؟".

والحال كذلك، لا سبيل أمام الشعوب العربية، وأية شعوب أخرى، تعاني مثلما تعانيه الأولى، ولا أعتقد أنّ ثمة أنظمة بعد، ما تزال تتسلط على شعوبها، كيفما يحدث في المنطقة العربية، فحتى الأفارقة قد تخلصوا من مستعبديهم من الغرب وأبناء جلدتهم، منذ فترة طويلة، مع أنها شعوب فقيرة، وليست على درجة عالية من التعليم، كما هي النعت في الدول العربية، التي كانت وما تزال تـُحسب على المجتمعات النامية، إلا أنها نتيجة الطغيان الذي عانت منه، بدأت حتى مؤشرات التنمية فيها، ترتد على أعقابها، فهل من الحكمة في شيء، أنْ تصبر وتصطبر الشعوب العربية جمعاء على أنظمتها إلى هذا الحدّ، الذي من شأنه أنْ يضيع مكتسباتها واستقلالاتها بالتفريط في ثوابتها، لأجل أن ْ تظل في سُدة الحكم وفي هرمها.

الثورة ليست فتنة، فالإسلام في حد ذاته، كان وما أنفك ثورة على الباطل، وما مشهد الرسول الأعظم عليه أشرف صلاة وتسليم، وهو يفتح مكة، ويفتتح نظامها السياسي والعقائدي الجديد، وهو يكسر الأصنام التي بداخلهاـ360 صنماً،التي هي بعدد أيام السنة عند العرب، وأكثر بكثير من أصنام وتماثيل اليوم ـ وهو يقول: "جاء الحق وزهق الباطل، إنّ الباطل كان زهوقاً" إلا قمة الثورة على الكفر وجهابذته، بعد أخذ وعطاء ومسايسة لرموز الكفر، علّهم ينتهون على ما هم فيه، وبعد مكابدة وتنازلات، كما رأى بعض الصحابة مع جلاوزة الكفر، حتى لا يتهمه أيٌّ منهم، بأنه اعتدى على قومه، وسرعان ما بات الكل يطالبه بالنيل من المشركين، الذين طغوا واستكبروا، وما عاد ينفع معهم إلا القتال، وقد كانت ثورة سلمية.

العبث المخشي منه، في حالة الفراغ السياسي، الذي يعقب عادة ـ أو كما هو متوقع ـ الإطاحة بهذه الأنظمة الوضعية والوضيعة، لا تتحمل تبعته إلا هي، لا الشعوب، لأنّ الأخيرة، قد حكـّمت ضمير الوطنية لديها، وكانت أشرف منها مع أنّ الأولى كانت وما تزال تدّعي الحفاظ على الهويةـ هنا لست بوارد توجيه الاتهام إلى الشعوب العربية، لأنها استكانت كثيراً، فالمهم أنها فاقت من التخدير الذي كانت عليه ـ وسمعت فتاوي شيوخها بتحريم شق عصا الطاعة، غير أنّ غباء الأنظمة العربية وصلفها، هما من أوجبا إعلان الثورة على ما تبقى من أصنام وأزلام ونصب حقيقة وتاريخية.

قال تعالى: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" .. صدق الله العظيم.

ولأنّ لكل مجتهد نصيباً، ففي هذه الآية ـ بحسب ما أحسب ـ تحريض وترخيص بالثورات على الظلم برموزه وأدواته، وسيحاسب الله كل من ألقى الرعب في قلوب الناس، لدى تخويفهم من باطشيهم الظالمين.
...
لدينا الآن نموذجان من الثورات العربية:

1ـ الثورة التونسية: وقد نجحت نجاحاً باهرا،ً فاق كل التوقعات والتقديرات، وفاجأ المراقبين بأنّ التضحيات كانت أبخص ما تكون في عددها على الرغم من الغلاء قيمتها، ولا أخشى عليها من أي طارئ.

2ـ الثورة المصرية: تأخرت كثيراً، وكان لي عتاب على الشعب المصري، الذي بسكوته على هذا النظام الكرتوني الفاسد، قد مكـّن من نشوء وقيام أنظمة أخرى في الدول العربية، هي نسخ طبق الأصل منه، إذ أنه برأيي ومنذ علوه هرم جيزة السلطة في "مصر"، قد دشّن للقمع وكبت الحريات الخاصة في الدول العربية بأجهزته القمعية وأدواته البطشية، وأسهم في رعاية الانقلابات، واستمراريتها في السلطة، حتى صار في كل قطر عربي "أبو الهول" الذي أذاق شعبه الهول والإجرام، وعلم هذا النظام المصري الأنظمة الأخرى، فنون الاستبداد والاستعلاء والتعذيب في السجون وأقبية المخابرات.

حيث لا يشفع لأي شعب، أنْ يتذرع: "إنّ ما يقوم به النظام لا يمثـّـل الشعب، وإنما نفسه" كما جرى أثناء شروعه في بناء الجدار الأرضي ضد المقاومين في غزة وتجويع أهلها، وقبل ذلك، في التوقيع على اتفاقية "كامب ديفيد" التي صار الشعب المصري ملزماً بها دولياً، حتى لو تمّ التغيير في "مصر" إذ أنه ورّث الشعب والبلاد حملاً ثقيلاً، سيعانيان منه لفترة طويلة، وأيضاً، بعد الأزمة التي أعقبت مباراة منتخبي "مصر" و"الجزائر"، فقد كان لزاماً على الشعب المصري، ألا يتحجّج بهذه العبارة المتخاذلة، وهو الذي فاق بعدده الثمانين مليون نسمة، وسبق وتقدّم العرب في النهضة، بل توجّب عليه أوقاتئذ، أنْ يقيم عليه الدوائر، ويمنعه من أنْ يعبث بأواصره الأخوية، ويضعه في مثل هذه المواقف، التي من شأنها، أنْ تؤلب عليه الشعوب العربية الأخرى، وتفقده احترامها له ولتاريخه، والحال نفسها، بالنسبة للجزائريين، فإلامَ تصمت الشعوب على أنظمتها الفوضوية، أ إلى هذا الحدّ؟.

الثورة المصرية أراها في خطر داهم يُحدّق بها، طالما سُلم الأمر إلى الجيش، المدرسة التي تخرّج فيها "حسني" وزمرته، وحكم البلاد بصفته بطل الحرب والسلم، خصوصاً وأنّ رئيس أركانه، كان في "واشنطن" حتى ساعات متأخرة، في جو يشي بصفقة سرية، سيرتب لها في المشهد السياسي المصري، يسلم من خلالها الرئيس "حسني" السلطة للجيش، وتضمن له الخروج سالماً غانماً من البلاد، فقد استغربت ترحيب الشعب المصري في ميدان التحرير بمدرعات الجيش، وهو يعلم بأنها ما نزلت إلى الشارع، إلا بأمر القائد الأعلى للجيش وللنظام "حسني" وآملُ أنْ تكون تقديرات هذا الشعب في محلها، وألا يُخيّب مسعاه ورجاءه، وألا يخذله هذا الجيش.
...
إنّ ما تشهد "مصر" في هذه الأيام من مظاهر ثورية على الحكم الفاسد هناك، إلا دليل على صحة هذا الحل الجذري مع هكذا أنظمة، التي ما تزال تتمترس وراء أكاذيبها ودجلها، حيث إنها على الرغم من انهيارها البنيوي والهيكلي، ما برحت تستند إلى الدستور الذي وضعته لتحكم به الشعب، من مثل أنّ "حسني" لا يزال الحاكم الشرعي لمصر، وتريد أن يفرض على الشعب المقاس الذي اختاره له، حتى في نهايته.
...
فبعد مراقبتي للوضع السياسي العربي الراهن منذ مدة طويلة، تيقنت بأنه ليست ثمة وسيلة للتغيير، إلا بالثورات السلمية غير الثورات الثيرانية، التي هي في حقيقتها إنقلابات، كانت ضد أنظمة شهدت الشعوب العربية أيامها، قدراً من الحريات، أو على الأقل ثورات تؤدي بها إلى كسر جدار وسقف الخوف لنيل المكتسبات على الأرض.

وهذه مقالة سابقة لي بعنوان "دور المثقف" بيّنت فيها أنّ التغيير سوف لن يكون على أيدي النخب، بل الشعوب عندما تنقضّ على مستبعديها ومستعبديها، ومن ثم يأتي دور النخب لإعادة تنظيم الشعوب من دون أن تقفز على طموحاتها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): المقالة على هذا الرابط:


 





















الجمعة، 21 يناير 2011

هلال ونجمة

علم المغرب
علم تونس


علم موريتانيا

علم الجزائر



"الضوءُ نجمة، والهلال إسلامٌ ونعمة"
"أنا" ..

هلال ونجمة، قطعاً، ليسا ببطلي لمسلسل تركي، وقصَّاً، لست بعان، ناديي "النجمة" و"الهلال" الليبيين ببنغازي، لكوني صرت غير معني بالرياضة كثيراً، ولأنني بالأساس "نصراوي" الهوى، غير أنّ حتى ناديي، الذي فتحت عينيّ من صغري بين جنباته، لقربه من بيتنا، ما عاد يهمني، حتى لو تحصّل على أفضل لقب، محلياً أو عربياً أو أفريقياً، بتّ أمضي بجوار مقر هذا النادي، ولا أنظر إليه حتى من باب الفضول، ولا من بابه الرئيسي إلى ملعبه ـ الذي التهمه مشروع المحال الفاشل ـ ولا إلى مبنى إدارته، الذي صار بائساً، وقد أُنزلت حتى الصور من جدرانه المُتشققة، لم يعُد مطعمه كما مضى، أيام كان يديره "الحاج سرور" هجرت الرياضة منذ أنْ نخرها سوس الفساد، وظلم الحكام لنادي "النصر" وأندية أخرى، ليتني ما عشقت ولا تتبعت أخبار وأحبار الكرة، ولا أسرفت وقتي في متابعتها.. ذات مرة مُرة، ذهبت إلى ملعب المدينة الرياضية، لمشاهدة لقاء حاسم بين فريقي "النصر" و"الاتحاد الطرابلسي" أيام عزّ اللاعب "فوزي ........" حيث سجّل في هذه المباراة هدفاً، لن تمحوه السنون من أنظار ذاكرتي أبداً، إثر ضربة زاوية "ركنية" نفذها اللاعب الوسيم "عز الدين بالقاسم" أو كما كان يتهكم ولا يُعلّق صاحب الصوت من وراء الشاشة: "اللاعب حامل غلالة رقم أربعة" ليصعد إليها حامل الغلالة رقم "10" كما الفهد الضاري، الذي أراد اصطياد طائر خفيف وسريع الحركة، سمع هسيس خطواته من وراء الأغصان، وعزم على أن يفرّ بريشه من مخالبه.. يا لروعة تلك القفزة، التي رأيته فيها، وأنا خلف المرمى الآخر، وهو يصعد ويخترق سلم الفضاء، بلياقة ورشاقة فائقة، جعلته يرتقي، إلى أنْ علا يدي حارس المرمى "سويدان"ـ هل لاسمه علاقة بالسويد؟ ـ القافز من نقطة وقوفه، بل ومن دون مبالغة، علا حتى العارضة، ليصطاد تلك الكرة الطائرة من بين قفازي هذا الحارس، ليودعها في الشباك، محرزاً بذلك هدفاً لا نظير له، تاركاً الهواء في قبضة "سويدان".. نعم نعم، تذكرت، فقد كانت المباراة، بتاريخ شهر 6 من عام 1984 ميلادياً.. بُعيد الهدف بقليل هتف الحضور في أزمة، بلازمة: "انهيها يا حكم.. الشوط الثاني تم" ثم وضعوا أصابعهم في الأفواه، حذر المفاجأة مُصفرين، إشعاراً للحكم بأنّ الوقت قد أزف، غير أنه، لم يأبه لهم، ولم يرفع الصافرة السافرة عن خسّته، والتي تتـّدلى على صدره، إلى فيه،إلى أنْ مضت الدقائق: 46 و47 و48 و49 و50 و51 و52 و53 و54 و55:20 من الشوط الثاني حسوماً، أي حتى استغرقت المباراة زمن 100:20 دقيقة، فأطلق الحكم صافرته الخرساء، لتنتهي المباراة بنتيجة 1 ـ 1 رغم كيد المُصفـّرين وصفير الصفريين، فكان حكماً عادلاً، لأنه جعل المبارة تنتهي بالتعادل، بإطالة وقتها وتمديده، حتى يحرز الاتحاديون هدف التخاذل، عن طريق اللاعب "العريفي".. عدنا إلى نادينا، وهناك وضعت أغلبية الجمهور اللوم على خط الدفاع، لأنه لم يستطع الإبقاء على النتيجة كما هي، بالتوبيخ ومحاولة البعض النيل من اللاعبين بضربهم ومعاقبتهم، وهم لا يدرون بأنّ اللاعبين لو كان لهم ما للجمل من جلد وقوة، فسوف لن يقووا على الاستمرار في اللعب لزمن كهذا.. كنت مضطراً لأنْ أوضّح لكم، سبب عزوفي عن الرياضية الجماهيرية في الجماهيرية، وهناك تجاوزات أخريات، ربما سنتطرق إليها ذات موضوعة أخرى، أسّهمت في جعلي، لا أنظر إلى مبنى النادي من الداخل حين مروري بحذوه، وأغلبها تحكيمية، أما الآن، فحتى لو صلح حالها، لن أتابعها، فليس لدي الوقت الكافي، للانشغال بتفاهات الكرة، فهناك ما يحيرني ويقضّ مضاجعي.

...

أبحث عن نقش، عن صورة، عن رسمة، فيها هلال ونجمة، أبحث عن نجمة، خلال هلال، عن هلال حنون، يلتف حول نجمة، يخشى عليها حتى من نسمة في الفضاء الجوي، أبحث عن نجمة وهلال، يشعراني بانتمائي إلى محيطي ومساحتي، طولاً وعرضاً، وبارتفاعي، الذي هو من سموهما ـ لأعرفَ بالإضافة إلى البعدين السابقين ـ حجمي ونجمي، أنا مغاربي، أتمذهب لـ "مالك" جدودي يرتدون الجرد والشنة، أمهاتنا يصنعنّ لنا الكسكسو، هنا وهناك أجد عوائلنا "الترهوني، العبيدي، العريبي، المزوغي، ..... آل نحن جميعاً" فلا بد ليّ من هلال، يحتضن ويتأبط نجمة، أنا ضالٌ، وسأهتدي بنجمتي القطبية، كما غنى "رابح درياسة" وهلالي الذي أضعته في صومي وعيدي، ما زلت أبحث عن هلالي ونجمتي، بين هذه النجوم والأهلة.

الثلاثاء، 18 يناير 2011

اعتذار من السادة القراء

تم حذف التعليقات السابقة من دون قصد ، لذا أرجو أن تتقبلوا اعتذاري وأسفي الشديدين.

الاثنين، 17 يناير 2011

شّعرة البوعزيزي

"دزتني معلمتي على راس بصل .. طاح مني انكسر
علقتني في الشجر.. والشجر عروف عروف
مدّي يدك يا عروس.. بين النحلة والدبوس*"

تعليق: لا المعلمة أرسلت، ولا رأس البصل انكسر.

الشعرة لا تنكسر، لكنها تـُقطع أو تـُقلع من بصلتها، الشعرة تطول وتستطيل، حتى تميل على أختٍ لها، الشعرتان تتلاحمان، فتولدان مع ثالثة "ضفيرة".. الضفيرة تتضافر مع أخرى، فتغزلان جديلة، تتسامى من المسامات "جدايل" كثيرة إلى الأسفل، ملتفـّة حول بعضها البعض، فتزداد لـُحمتها، تبرق لزمن بزيت الزيتون، الذي تشربه وتشّرأبه، يمرُّ عليها أربعون عاماً وينوف، فتبّيض، لكنّ ظلها يظلّ و"َأصلها ثابت وفرعها إلى الأرض" إذاً فللشعرة أصلان ولا فرع لها، للضفيرة أصول ولا فروع لها، وبالمثل للجدايل ما لهما، وما هو ليس لهما.. إذاً بعد إذاً، فللشعرة أصل هي فيه وأصلٌ تبحث عنه، تنجذب إليه من جذرها المثبتة فيه فوقاً، إلى أصل آخر تحتاً، هو ضالتها، فما ضرّ فعل الحلاق بشعورنا، فهي تسقط، فتصل إلى حيث بُغيتها.

الخواطر هي من تنكسر، فلا ينفع معها لا جبرٌ ولا هندسة ولا حساب مثلثات، ولا حتى "السحلب".. جبرُ الخواطر مسألةٌ صعبةٌ، وينوء حلّ ضفائرها وجداول جدايلها على المتجبرين يوم الامتحان العسير.

في تاريخنا وثقافتنا: الشعرة تقصم ظهر البعير، الشعرة شعرة "معاوية" الشعرة الحد الفاصل بين العقل والجنون، الشعرة يسهل إخراجها من العجين، الشُّعيرات الساقطة من رؤوسنا على كراسي الحلاقين، تكنس من على سطح الأرض، ولا مكنة لانتشالها إصبعياً واحدة بواحدة، الشعرة تعلق فينا، وتتعلق بنا حتى آخر لحظة ولفظة، الشعرة أخر ما يبيد من أجسادنا تحت التراب، الشعرة هي من كانت صمام آمان انفجار "البوعزيزي" الشعرة هي من بإذن الله من سوف تنجيه من عذاب قتل النفس، هل منكم من فكّر، بأنه ربما قد فقد عقله وجنّ جنونه لحظتئذ، فلن يلومه الله على ما فعل، وستكتب له عملية استشهادية من طراز مُبارك؟هذا والله أعلى وأعلم بشعرته وشعوره ومشاعرنا.
"عجبت ممن ينتحرون ـ وهم بكامل قواهم العقلية والجسمانية ـ تحت وفي سحيق بئر السلم في مكان آخر، كيف يعطون سند الذريعة لقامعيهم، لأنْ ينعتوهم بالمُدمنين؟".

"عُقد**"
وأنا طفلة..ٌ
كنتُ أستجدي خالقي
كي يساعدَني
علي فَكّ عُقدة ضفيرتي
ولم أكُن أعلم..ُ
أنِّي سأدخل عالماً ً
مليئاً..
بملايين العُقَد المضفورة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*: أهزوجة شعبية بنغازية، كنا نسمعها من البنات، اللواتي تربين من صغرهن على حقيقة أنّ أفضل ما لهن هو الزواج، حتى ابّيضت شعورهنّ وأسّودت مشاعرهنّ، وقد سمعتها مرة، من فتية في غيطة شعبية يبتغون من وراءها رفع وتيرة الإيقاع.

**: ومضة للشاعرة الليبية "سعاد يونس" للإطلاع على المزيد من نتاجها، هذا رابط مدونتها "الفريكة":
http://alfarekah.blogspot.com/
ــــــــــــــــــــــــــ