الاثنين، 7 مارس 2011

من أنتم؟

الثورة مفهوم جماعي لا فئوي، فمنذ أنْ عرفت أناملي أهمية القلم، ودوره في الكتابة والتنوير، كنت على يقين تام، بأنّ لا خلاص للشعوب العربية، وعلى رأسها الشعب الليبي الحرّ من نظام (فوضى) القذافي، إلا بالعمل الشعبي الثوري، وما من سبيل آخر غيره للانعتاق والتحرّر، وكم توقعت وتمنيت أنْ تكون بداية شرارة الثورات في العالم العربي في "ليبيا" لا "تونس" لكن لا بأس - (اللي غلبه خوه ما ذل) - لأنّ الشعب الليبي، كان المؤهل أولاً، للمبادرة بهذا الحل الوحيد، ذلك أنّ مثل هذا النظام القمعي، الذي لا مثيل له أصلاً، تسلّط على الليبيين، بطريقة استبدادية ووحشية، لدرجة أنها كانت تدفع في اتجاه التصادم معه في كل مرة، لكنْ التركيبة الأخلاقية والنفسانية المسالمة لليبيين ، هي من أطالت في عمر بقائه، وهي من كانت على الدَّوام، تفرُّ من هذه المواجهة معه، صوناً للأرواح، وأملاً من الله تعالى، في أن يهتدي ويعود هذا المجنون من غيّه إلى رشده.

فقد كانت كل دقيقة تمرّ من أعمارنا - ببقاء هذا المجرم - تضيع هباءً وبخسارة كبيرة، على الوطن والشعب، ولم أراهن يوماً على العمل الفئوي أو النخبوي، بقدر ما راهنت على قدرة الشعب، وعلى الدافع الذاتي المُحرِّك لجموعه، خصوصاً أننا جميعاً عانينا منه بالقدر ذاته، فهذا النظام الذي دجّل علينا بشعار (العدل والمساواة) لم يساوِ بيننا إلا في عناوين الفقر والتخلف والجهل والقمع والإذلال.

كانت "ليبيا" تضيع منا، شيئاً فشيئاً، لدرجة أنَّ أمنها القومي- المنوط بابن القذافي "المعتصم بأبيه والشيطان"- أضحى في خطر داهم، فقد فقنا بعد هذه الثورة المجيدة على حقيقة صادمة، وهي أنّ لا جيشاً لدينا، بإمكانه أنْ يصون البلاد والعباد من مطامع أي أجنبي، هذا ناهيك عن تبذير ثروات البلاد على مشاريع "القذافي" الفاشلة، الذي أخذ أشكال عدة، من طبعه للكتاب "الأخطر" على الشعوب قاطبة، بلغات العالم جميعها، الحيّة والميتة كذلك، وصرف أموال الشعب على توهماته السياسية، وإدعائه بأنه إمام المسلمين في المعمورة، وهو الذي لم يبنِ في بلاده مسجداً واحداً طيلة سني حكمه، بل اعتبر عملاً كهذا، عملاً أهلياً، لا يُصرف عليه من خزينة الدولة، في حين، كنا نراه يشيّد المساجد في بعض الدول الأفريقية، لذر الرماد في العيون، ولأنه وجد في قيامه بهذا الشيء، نوعاً من أوجه صرف وإخراج أموال الليبيين إلى الخارج، من دون وجه حقّ، بُغية حرمانهم منها في المقام الأول.

الشعب هو المُنظـِّر الوحيد للثورة، لقد لقنت ثورة 17 فبراير 2011 ميلادية "القذافي" درساً في الثورة، وهو الذي كتب في كتابه "الأصفر" أنّ "لا ثوري خارج اللجان الثورية" هذه الثورة، دحضت وأثبتت بالبرهان القاطع- أنّ ما كان يدّعيه نظام فوضى 1969 ميلادية، بأنه هو من حكّ صواني شرارة الثورة، لكون الثورة في عرفها، لا تقوم إلا على الباطل، في حين أنه جاء على عمران نظام وطني مستقل، كان يشقُّ طريقه، بمعاوله لترسيخ مفاهيم الحرية والديموقراطية والعدالة في المجتمع السياسي الليبي، ليقيم على عمرانه انقاض انقلابه الخرب، الذي رزح تحته الشعب العربي الليبي المسلم لحقبة كاملة من سني أجياله.

لم يسجل تاريخ الإنسانية والثورات، حتى على هوامش صفحاته الحمراء المُبتلة بدماء وتضحيات الشعوب، أنْ تبدأ وتنتهي ثورة ما في يوم واحد، إلا ما كان يروّج له "القذافي" حيث إنه حاول أنْ يُلبس حركته الانقلابية رداء الثورة، في الوقت الذي أخبرنا فيه التاريخ، بفيزيائية الثورات، فهي تبدأ من المناطق المنسيّة والمظلومة، حتى تصل إلى مركز السلطة، وحتى تصل، تكون مثل كرة الثلج التي تتدحرج، وكلما مرت يكبر حجمها وقت التصاق شرائح الشعب بها، وهذا ما تسير عليه كُرة ثورة 17 فبراير المباركة في زحفها المُقدّس باتجاه "طرابلس" حتى يستقر بها المقام هناك وتذوب مياهها لترتوي بها أرضنا وحلوقنا العطشى للحرية، يبدو ليّ أنّ هذا المخلوق الغريب، الذي لطالما وضع خريطة ليبيا وراءه، وأمسك بعصاه ليشرح لنا عن مراحل مشاريعه، أنه لم ينظر- قبل أنْ ينظـّر علينا- إلى الخارطة الليبية جيداً، فشكل الخريطة يُظهر للمشاهد أن بها حيوداً ناحية الغرب، فلو ركّزنا على ساحل المنظقة الشرقية، سنرى كأنه عنقاً تطيل النظر ناحية الغرب، وتشرأب أعناق الساحل الليبي ككل إلى تلك الوجهة، هذا جغرافياً، أما فيزيائياً، فإن كرة الثورة ستصل بكل توكيد إلى هناك، لأنها بدأت في المنطقة الشرقية، وهي الأعلى على الساحل الليبي، لتصل إلى النقاط الأخفض، التي تمثل قاع هذا الشريط الساحلي، مثل "راس لانوف" و"بن جوّاد" وتتعثـّر حركتها قليلاً، وهذا ما تترجمه لنا مجريات المعارك الجارية فيهما الآن، لكنها ستحتاج إلى دفعة بركلات الثوار، حتى تصل إلى "سرت" ثم تمضي طبيعياً إلى مرمى الهدف "طرابلس" بدافع انطلاقتها الأولى.

وهنا أحب أنْ أشدَّ على أيدي الثوار والمرابطين في الخط الأمامي، الذي ينتقل وينزاح يوماً بعد يوم صوب الغرب، بأنْ يسرعوا من وقع زلزلة خطاهم، وألا يعطوا فرصة للطاغية ليلتقط أنفاسه، لأنّ بإطالة عمر الصراع، قد نتفاجأ بقرار دولي، ينصّ على تقسيم البلاد، ليبقى الشطر الغربي تحت سيطرة "القذافي" وهو الذي لا يستحق حتى حكم فناء حديقة فيها، فـ "القذافي" في سبيل أن يظلَّ في السلطة، سوف لن يتورع عن دفع مئات المليارات من الدولارات من مال الشعب الليبي لزعماء عصابات العالم، فكل ما دفعه من تعويضات في السابق عن حادثة (لوكربي) وبقية أعماله الإجرامية، صار نسياً منسياً، وكأنه لم يدفع شيئاً، بل صار مُطالباً بدفع ما هو أكثر بذلك بكثير، هذا في حال تواطؤ الدول الكبرى معه.

في الفترة الأخيرة، ظنّ البعض من المثقفين بأنّ الكتابة المناضلة التي تواجه صلف هذا المجرم، سيكون لها شأن في دحره وتنحيه عن الحكم، كما حدث ويحدث مع حكام كثر في أماكن أخرى في العالم، ولم ينتبه هذا البعض إلى أنّ "القذافي" ليس حاكماً مثل أي حاكم ثانٍ، وأنه جعل المجتمع الليبي يبدو كحالة شاذة وخاصة عن بقية المجتمعات في العالم، فهو بتصوري أعتى وأغبى دكتاتور، أوصل البلاد إلى وضع بائس، بقصد وعن عمد، وليس بسبب سوء الإدارة، التي كان بالمتاح تقويمها، بعيداً عن تدخلاته.

كنت سأسامحه، لو أني اقتنعت بأنّ هذه الحالة المزرية، التي وصلت إليها البلاد، كان مُسبّبها هو حسن النية وانتفاء الخبرة، لكونه أسّس لنظام سياسي جديد غير معروف دولياً، لكني سوف لن أسامحه- وأخالكم معي- لكوني تيقنت من فترة بأنه ما استحدث هذه الفوضى البنيوية، إلا بنيّة التخريب وتدمير مقومات الشعب الليبي.

الكاتب المُصلِح هو من يقوم برسم التصورات البناءة ووضع يده على مكامن الخلل في المجتمع السياسي والإنساني بعامة، لتأتي فيما بعد الجهات المعنية والمسؤولة لتتدارك الأخطاء، أي أنْ يُعامَل معاملة الإنسان المخلص لوطنه، لكن في عهد "القذافي" كان يتم تخوين المثقف وتجريمه، وما الذي كان بمكنة المثقف أن يعلنه للشعب الليبي حول حقيقة وإجرام هذا الحاكم غير ما عرفه بنفسه، من خلال معاملة هذا المجرم له، فقد تبيّنت في الفترة الأخيرة حقيقته وخيانته لهذا الوطن لكل راءٍ، فالإصلاح الفردي كان بمقدور "القذافي" السيطرة عليه، لكنه لم يكُن بوسعه السيطرة على الإصلاح المنطلق من القاعدة الشعبية المجتمعية، وهذا ما يفسّر قيامه قبيل اندلاع ثورة 17 فبراير بمحاولة استعمال سلاح التخويف والترهيب، اللذين درج عليهما طوال فترة حكمه، بيد أنه قام بتعبئة زمرته ولجانه (الثيرانية) التي صارت تطوف بأرجاء المدينة وتهتف باسمه، محاولاً بذلك ثني الشعب في مدينة "بنغازي" عن الخروج عليه، لأنه كان يعي حقيقة تهلهل نظامه، الذي سوف لن يصمد طويلاً في مواجهة طلب الإصلاح الجماعي، الذي سرعان ما اتخذ شكل الثورة الشعبية، ومن ثم حرب التحرير، لأنّ الإصلاح في المقام الأول، هو مسؤولية كل مواطن ومواطنة.

لقد طُلِب مني ذات يوم، أن أتجند في صفوف الكتابة المُتخندِقة ضد الفساد، في إحدى الصحف الليبية، وكنت قد رفضت ذلك، لقناعتي بأنّ هناك، في المسافة الفاصلة بين كلمتي الإصلاح والفساد، يكمن قرار بيد "القذافي" باستطاعته أنْ يأمر به، لكنه لم يفعل ذلك، والحمد لله، أنه لم يكتب له أنْ يكون من المُصلحين، ولأني كنت لا أريد أن أسهم في تعطيل ثورة الشعب، التي كنت أعلم بأنَّ بتمنعه وتعنته سوف تندلع، وسيكون بها صلاح حال الليبيين، فإطلاعي بمهمة الكاتب في وضع كهذا، من شأنه أن يضفي على منظومة القذافي المنهارة صفة الديموقراطية ليتزيّ بها أمام المجتمع الدولي من دون طائل على الواقع، فآثرت الانسحاب وألا أقف بين الشعب وبينه.

لمدة أربعين عاماً- أي ما يساوي بالتقريب 15 ألف يوماً- بعد (انكلاب) 1969 ميلادية و"القذافي" ينظـّر على الشعب الليبي بمفهوم الثورة، فعلّمه هذا الشعب الثورة عملياً ما تعنيه الثورة في أربعة أيام فقط في بنغازي، وما يزال يلقنه دروساً في الجهة الغربية من ليبيا، وللهول الذي أصابه، نعت الليبيين بالنعت الذي وصفهم به (جرسياني) بعد مئة عام من احتلالهم لليبيا: (الجرذان) بعد أن فعل بهم ما ارتكبه الطليان في سني حكمه من تجويع وشنق وإبادة، هذا الحاكم الفاشي والفاشل.

فهل عرفت (من نحن) رداً على سؤالِك (من أنتم؟).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

خدمة الإنترنت كانت وما تزال، محظورة عليّ من يوم 6/2/2011 فشكراً لـ"محمد معمر القذافي" القائد العام المزعوم لثورة الاتصالات والمعلومات في ليبيا.



1 تعليقات:

في 8 مارس 2011 في 12:02 ص , Anonymous غير معرف يقول...

ها قد تحقق الحلم/الرغبة.. نجمة و هلال.. و رايةحماهاو خبأها الليبيون في قلوبهم.. نسجتها الأمهات في الليالي الحالكات.. ترفرف على ربوع ليبيا.. و على مداخل السفارات..ترفعها سواعد لم تقبل الظلم و الضيم.. هنيئا لك..هنيئا لنا بثورتكم الزاحفة..دعاِؤناللشهداء بالرحمة.. و للمرضى بالمعافاة.. وللثورة بالنصر المظفر باذن الله.."كتب الله لأغلبن أنا ورسلي"

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية