القمار السياسي بين العبث والشيطنة في نص زياد العيساوي
المقدمة
يُقدّم نص "مقامرات" (زياد العيساوي) لوحة سردية-رمزية تُحوِّل السياسة إلى لعبة قمار تُدار في قبو مظلم، حيث تختلط رائحة الدخان والعرق والكحول برغبة السلطة والدم. عبر استعارة المكان المغلق والمصباح الأحمر والشيطان، يفضح النص طبيعة الحكم القائم على الفوضى، المؤامرات، والاغتيالات غير المدروسة.
1. فضاء النص: القبو السياسي
- الغرفة العالية المظلمة = رمز للعزلة عن الشعب والنور.
- المصباح الأحمر = إشارة إلى الدم، الخطر، الخطيئة.
- الدخان والروائح الكريهة = إفساد الجو العام، كما تفسد السياسة الملوثة الحياة الاجتماعية.
- المنضدة المتهالكة = بنية السلطة المهترئة التي لم تعد صالحة حتى للعب.
هذا التوصيف يضع القارئ مباشرة في قلب مسرح سياسي شيطاني.
2. القمار كاستعارة للسلطة
- السياسة تتحوّل إلى مقامرة: صراخ، أنخاب، رهانات.
- القرارات المصيرية (الحكم، الاغتيالات) تُتخذ بخفة وعبث، كما يتخذ المقامر قراراته العشوائية.
- السلطة لا تُبنى على رؤية أو شرعية، بل على نزوة، مقامرة، وحسابات فاسدة.
3. حضور الشيطان: المايسترو الساخر
- الشيطان لا يظهر كمدبر، بل كـ ساخر: يحجل على المنضدة، يركل الكؤوس، يلف عباءته.
- رسالته: حتى الجريمة والسياسة عند هؤلاء ليست "إبداعًا شيطانيًا" بل "عبثًا رديئًا".
- هنا يتحوّل الشيطان إلى مرآة تكشف تفاهة السياسيين: هم أقل حتى من أن يكونوا أدواته.
4. العبثية السياسية
- الجملة الختامية: "كل عمليات الاغتيال التي اقترفوها غير مدروسة ولا مضمونة النتائج" = خلاصة النص.
- تكثف رؤية عبثية للسياسة: ليست مشروعًا ولا ثورة ولا تخطيطًا، بل مقامرة خاسرة.
- تكشف أن الدماء المراقة لم تُبنِ دولة ولا نظامًا، بل مجرد صدف عمياء.
5. السياق الرمزي العربي/الليبي
- النص يُحاكي واقع السياسة في العالم العربي وليبيا تحديدًا: المؤامرات السرية، الاغتيالات، الصراعات على الحكم بعيدًا عن العلن.
- صورة "القبو" = الأنظمة المغلقة.
- صورة "المقامرة" = عشوائية القرارات المصيرية.
- صورة "الشيطان" = انكشاف اللعبة كعبث رخيص، لا حتى كخطة شريرة كبرى.
الخاتمة
يقدّم نص "مقامرات" نقدًا سياسيًا لاذعًا عبر استعارة جمالية تجمع بين العبثية والشيطنة. فالقمار ليس مجرد لعبة، بل صورة لبنية الحكم العربي الذي يُدار في غرف مغلقة برهانات غير مدروسة. النص يكشف أن الخطر ليس في "شرّ الشيطان"، بل في تفاهة اللاعبين الذين يقامرون بالدماء والمصائر دون أي مشروع.
تعليقات
إرسال تعليق