القصة كأداة لهدم المركز: دراسة أكاديمية في المشروع السردي لزياد العيساوي


ملخص: تسعى هذه الدراسة إلى تحليل المشروع السردي للكاتب الليبي زياد العيساوي، انطلاقًا من فرضية أن القصة القصيرة في كتاباته ليست مجرد نوع أدبي، بل أداة لهدم المركزيات الثقافية والاجتماعية، وإعادة تشكيل الوعي من موقع الهامش. تعتمد الدراسة على منهج سوسيولوجي-جمالي-تفكيكي، يستند إلى تحليل البنية السردية واللغوية والرمزية، وإلى قراءة نقدية للمدينة، للذات الساردة، وللشخصيات المهمّشة.

مقدمة: ظهر أدب زياد العيساوي كصوت سردي مختلف في مشهد السرد الليبي المعاصر، حيث تمثل القصة عنده أداة لكشف هشاشة الواقع، وتعقيد الهوية، وتشظي المكان. لا يكتب عن المدينة من موقع المركز، بل من شوارعها الخلفية، من مقاعد المتفرجين، من ذاكرة مراهق متورّط في الحنين.

أولًا: المكان كبنية سردية وهوية مأزومة تمثل مدينة بنغازي المحور المكاني في معظم قصص العيساوي. لكنها لا تحضر كرمز مجيد أو جغرافيا محايدة، بل ككائن سردي متصدّع، يحاور ذاته، ويفضح هشاشته. في نصوص مثل "بنغازي مدينة بلا مرجع"، تُختزل المدينة إلى لا مرجع، لا أرشيف، لا سردية عليا. إن استدعاء الأحياء الشعبية، الأسواق، المدرجات، والمقاهي، يعكس كتابة من داخل المكان لا من خارجه.

ثانيًا: الذات الساردة بين الحنين والسخرية يتخذ الراوي موقعًا مترددًا بين الشهادة والتورط. لا يدّعي معرفة كلية، بل يكتب من موقع المأزق: ذاكرة شخصية مثقوبة، وهوية في طور التشكل، وزمن منقسم بين الماضي والمجهول. هذا التردد يُنتج سردًا ناقدًا للذات، يراوغ الحنين، ويستبطن السخرية كآلية تفكيك.

ثالثًا: السخرية والمفارقة كاستراتيجيات سردية السخرية في قصص العيساوي ليست للتسلية، بل للمساءلة. تتجلّى بوصفها موقفًا من العالم، ومن اللغة، ومن القيم الجاهزة. يسخر من البطولة، من السلطة، من الرجولة، من التحكيم الكروي، وحتى من الأدب نفسه. إنها مفارقة تسحب البساط من كل مركز.

رابعًا: الشخصيات الهامشية كبنية دلالية "أرزوقة"، "باسط"، "اطوالة"، و"مرزوق"، هم أبطال العيساوي، لا لأنهم عظماء، بل لأنهم معذّبون، مهمّشون، صامتون في الحياة وصاخبون في السرد. هم مرايا لهوية اجتماعية مأزومة، ولحياة تُروى من الشارع لا من صالات النخبة. لا يصنعون الحدث، بل الحدث يصنعهم، ومع ذلك يملكون قوة الشعر، والحيلة، والضحك.

خامسًا: النص الهجين وتعدّد الأجناس تميل نصوص العيساوي إلى تداخل الأنواع، حيث تذوب الحدود بين القصة القصيرة، المقالة، والمشهد التأملي. نصوص مثل "رحلة الكلمات على خط الأعداد" أو "هلال ونجمة" تتحول من وقائع سردية إلى خطابات تأملية في اللغة والزمن والفساد. هذا التهجين يمنح نصوصه طابعًا متمردًا على التصنيفات.

خاتمة: يمثل المشروع السردي لزياد العيساوي محاولة واعية لكتابة الواقع من موقع الهامش، عبر سخرية لاذعة، وشخصيات خاسرة، ومدينة تتآكل من الداخل. القصة عنده ليست بناءً سرديًا فقط، بل موقف وجودي، وخطاب مقاومة ضد السرديات المهيمنة. إنها كتابة لا تُنشد البطولة، بل تكشف هشاشة البطل.

مراجع مقترحة:

  • بارت، رولان: لذة النص.
  • سعيد، إدوارد: تمثيلات المثقف.
  • باختين، ميخائيل: الخطاب الروائي.
  • نصوص زياد العيساوي المنشورة في مدونة "تفاعُل".


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

من بنغازي إلى طرابلس

فريد الأطرش : في ذكرى رحيله ماذا بوسعنا أن نغني ؟

المعادلات الصعبة