بحث أكاديمي: اليومي والهامشي في نصوص زياد العيساوي: قراءة نقدية ساخرة

المقدمة

يشكّل الأدب الليبي المعاصر مساحةً غنية لتجارب نصية تتراوح بين السرد الواقعي، والكتابة الساخرة، والتأمل الفلسفي في تفاصيل الحياة اليومية. وفي هذا السياق، يبرز الكاتب زياد العيساوي كواحد من الأصوات التي اعتمدت على التفاصيل الهامشية والبسيطة (كالأكياس البلاستيكية، السوائل، الساحات العامة) من أجل صياغة خطاب أدبي-ساخر يعكس تحولات المجتمع الليبي خلال العقود الأخيرة.


إن نصوص العيساوي ليست مجرّد مقطوعات نثرية عابرة، بل هي نصوص تنفتح على أسئلة عميقة: كيف يتحول اليومي إلى مادة للكتابة؟ كيف يمكن للسخرية أن تصبح أداة للنقد الاجتماعي والسياسي؟ وما الذي يعنيه أن تتحول الشكارة أو الكوب المائي أو الميدان إلى رموز تكشف عن البنية الثقافية والاقتصادية والسياسية لمرحلة بأكملها؟


إشكالية البحث:

كيف يوظف زياد العيساوي اليومي والهامشي في نصوصه ليؤسس خطابًا ساخرًا ناقدًا للواقع الليبي؟


النصوص محل الدراسة:


1. شكاير: الأكياس البلاستيكية كرمز استهلاكي واجتماعي وسياسي.



2. سوائل بنغازية: السوائل كاستعارة للهشاشة المجتمعية والوجودية.



3. ميدان البركة: الميدان الشعبي بوصفه ذاكرة جماعية ومسرحًا للمفارقات.




محاور البحث:


البعد الموضوعي: اليومي والهامشي في النصوص.


البعد الأسلوبي: السخرية واللغة الهجينة.


البعد الرمزي: تحويل التفاصيل الصغيرة إلى رموز كبرى.




---


الفصل الأول: اليومي والهامشي في مشروع زياد العيساوي


1. اليومي كمادة سردية


من أبرز ملامح تجربة العيساوي الأدبية اعتماده على اليومي باعتباره مادة سردية أصيلة. التفاصيل البسيطة، مثل "الشكارة"، أو كوب الماء، أو الميدان العام، تتحول إلى نافذة واسعة على البنية الاجتماعية والسياسية.


2. الهامشي كجوهر


يُعنى العيساوي بالهامشي والمنسي:


شكاير: كيس بلاستيكي يكشف الاقتصاد والسياسة.


سوائل بنغازية: السوائل اليومية تعكس هشاشة المجتمع.


ميدان البركة: ساحة شعبيّة تعكس التحولات الاجتماعية.



الهامشي ليس اختياراً جمالياً فحسب، بل موقف نقدي يكشف ما يخفيه الخطاب الرسمي.


3. علاقة اليومي بالذاكرة الشعبية


اليومي مرتبط بالذاكرة الشعبية، فهو يعيد القارئ إلى زمن محدد في التجربة الليبية، فيصبح النص أرشيفًا غير رسمي لحياة الليبيين اليومية.


4. من اليومي إلى الكوني


على الرغم من المحلية، فإن النصوص تمتلك قدرة على تجاوزها نحو أفق كوني، حيث يتحول اليومي والهامشي إلى جسر بين المحلي والكوني.



---


الفصل الثاني: النقد الساخر عبر الرموز


تمهيد


السخرية عند العيساوي ليست مجرد أداة فنية، بل موقف نقدي ووجودي، من خلاله يواجه عبث الواقع وتناقضاته.


أ) الشكارة: الاستهلاك والفضيحة والتستر


رمز استهلاكي: بيعها في زمن الاشتراكية مقابل مجانية في الانفتاح.


أداة للفضيحة والتستر: الأبيض للخبز، الأسود للحاجيات الخاصة.


سخرية اجتماعية-سياسية: المال يُحمل في أكياس قمامة سوداء، والشكارة تصبح سبّة في الجيش.



ب) السوائل: الهشاشة والقلق الوجودي


تعدد السوائل (دم، دمع، عرق، بنزين، ماء) يعكس هشاشة المجتمع.


الهشاشة والسيولة: السوائل تفلت كما الواقع الليبي المتغير.


بعد وجودي: الإنسان وسط تدفق هذه السوائل، مما يخلق سخرية متقاطعة مع القلق.



ج) الميدان: الذاكرة الجماعية والمفارقة


الميدان كأرشيف اجتماعي: يجمع الناس ويعكس تحولات المدينة.


السخرية من الواقع الحاضر: تحسن مزعوم مقابل مفارقة "دفء رباني".


النوستالجيا الساخرة: الماضي يُستعاد بطريقة ناقدة للمفارقات الحاضرة.




---


الفصل الثالث: الأسلوب واللغة


تمهيد


أسلوب العيساوي ولغته يمثلان إطارًا بلاغيًا متكاملاً يجمع بين السخرية، اللغة الهجينة، والبنية المفتوحة.


1. السخرية: موقف نقدي ووجودي


تكشف عبثية الواقع الاجتماعي والسياسي، وتحفّز القارئ على التأمل في تفاصيل الحياة اليومية.



2. اللغة الهجينة: الفصحى والدارجة


تحقق المصداقية والمرونة التعبيرية.


تبرز الطابع المحلي والذاكرة الشعبية.



3. البنية السردية المفتوحة


تبدأ النصوص من تفاصيل صغيرة وتتسع إلى محيط اجتماعي وسياسي أكبر، مما يسمح بتعدد مستويات القراءة.



4. النوستالجيا والسخرية


الجمع بين النوستالجيا والسخرية يربط الماضي بالحاضر، ويخلق مفارقة نقدية ممتعة.




---


الخاتمة


التفاصيل اليومية والهامشية عند العيساوي تتحول إلى رموز نقدية تعكس الواقع الليبي.


السخرية أداة نقدية ووجودية.


اللغة الهجينة والبنية المفتوحة تسمح بمرونة تأويلية متعددة المستويات.


نصوص العيساوي تمثل أرشيفًا أدبياً للحياة اليومية، وتكشف مفارقات المجتمع بين الماضي والحاضر.




---


المراجع


1. العيساوي، زياد. شكاير. بنغازي: منشورات شخصية، 2025.



2. العيساوي، زياد. سوائل بنغازية. بنغازي: منشورات شخصية، 2010.



3. العيساوي، زياد. ميدان البركة. بنغازي: مدونة شخصية، 2015.



4. أبو العطا، سامي. النقد الأدبي والسخرية في الأدب العربي الحديث. القاهرة: دار الفكر العربي، 2018.



5. حسنين، ليلى. الأدب الشعبي والذاكرة المحلية في ليبيا. طرابلس: دار الثقافة الليبية، 2016.



6. صادق، يوسف. أدب التفاصيل: من اليومي إلى الكوني. بيروت: المركز العربي للأبحاث، 2019.







تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اخريستو

من بنغازي إلى طرابلس

فريد الأطرش : في ذكرى رحيله ماذا بوسعنا أن نغني ؟