صور من ذاكرة الطفولة
طريقة الفلاش باك هي طريقة متعارف عليها في الفن السابع، ويتّبعها المخرجون في إخراج أشرطة الخيالة، بعرض لقطات في شكل صور مرئية مُعلّقة في ذاكرة إحدى الشخصيات، التي يجسد دورها أحد الممثلين، لأحداث قد جرت معه في زمن الماضي. كلما أراد المخرج أن يضعنا كمشاهدين في قلب الحدث، يرجع بنا إلى تلك المرحلة العمرية المنفرطة من عمر الإنسان، لنعرف بذلك الأسباب والدوافع التي جعلته على ما هو عليه من سلوكيات نحن نستهجنها.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر، نجد من هذه الشخصيات: شخصية إنسان درج على سلوك سادي وعدواني تجاه الآخرين، وثانية لشخص مجنون، وشخصية ثالثة لمنحرف. وبما أن مدة الشريط لا تتعدى ساعتين في الغالب، يلجأ المخرج إلى طريقة الفلاش باك، فيختزل المراحل العمرية التي مر بها الإنسان إلى أن يرجع بنا إلى طفولته، ويقوم بعرض شريط الذكريات المختزنة في عقل كل منهم. فتأتي الصور تباعًا وبوتيرة متناهية السرعة، وفي شكل سردي، يسرد لنا ما تعرضت له كل شخصية عندما كانت طفلة، فنقرأ من هذه المشاهد ما قد حدث معهم أثناء صغرهم.
فنرى في تلك المشاهد المصورة أن الأول قد لاقى معاملة قاسية من أحد أفراد أسرته أو من المحيطين به، مثل رب العمل الذي كان يعمل لديه. أما الثاني فقد رأى بأم عينيه مشهدًا لحادثة ما أفقدته صوابه، والثالث كانت له حادثة بليغة الأثر جعله ينحرف بعد أن انتهج مسالك غير سوية، بسبب غياب الرقيب الذي يردعه ويوجهه إلى سواء السبيل.
بهذه الصور التي أعدّها المخرج مسبقًا، يُترجم لنا في لمح البصر بالإيحاء مرجعية الحدث، حينما يحسن اختيار أحد الأدوار التي يجسدها الممثل، المشابه لحدث ما حدث معه في صغره، فيستنهض قواه الذاكرية ويتذكره.
ما يجعل المخرج يعود بنا إلى مرحلة الطفولة ويُركز عليها، أن للطفل ذاكرة خصبة وواسعة لتخزين الأحداث والمشاهد. فالطفل يختزن كل ما قد رآه وسمعه إلى أن يتقدم به العمر بعد مرور جميع المراحل: الشباب، الكهولة، والشيخوخة. وهو يتذكر كل تفاصيل ذكريات الطفولة. فمن منا لا يتذكر أول يوم دخل فيه المدرسة؟ ومن ذا الذي لم تسعفه ذاكرته في ذكر أسماء زملائه القدماء؟ أول عقاب تعرض له من معلمه، وأول تقدير حصل عليه، إلى آخر هذه الأوائل المُعلقة في ذاكرة كل منا. لا نظن أن أحدًا قد نسي هذه الأمور قط.
إذاً، رؤية المخرجين كانت صادقة وفي محلها، عندما عادوا بنا إلى مرحلة الطفولة، لتعليل السبب وراء تطبع شخصيات الأبطال بسلوكيات سيئة أو جيدة أثناء طفولتهم.
بنغازي، 11 / 8 / 2005
تعليقات
إرسال تعليق