شكاير

بحسب ما يقول الخبراء البيئيون، فإن أعمارها أمدد من أعمارنا، إذ تعيش الشكارة لمئة عام، قبل أن تتلاشىٰ وتفنىٰ.


بيعت ذات حقبة سياسية بخصائص اقتصادية اشتراكية بسعرين، الكبيرة منها بمئة درهم (عشرة قروش) والصغيرة بخمسين درهم (خمسة قروش).. نعم، ففي زمن الجمعيات الاستهلاكية ومنشآت التسويق المحلي، كان لزاماً عليك أن تدفع ثمنها، حتى إذا استلمت حصتك من الملابس، تجد في فاتورتها ما يوحي لك بأن ثمنها محسوبٌ عليك شئت أم أبيت، كأن تكون قيمة ما رُمي إليك دينارين وخمسين درهماً، فتعرف أن هذه الدراهم المسجلة هي ثمن الشكارة الحقيرة، وحتى في المخابز في فترة الثمانينيات، كنا ملزمين على دفع ثمنها، أو أن يجعل الواحد منا قميصه مِغرافاً لأرغفة الخبز، نعم كنا مجبرين على دفع ثمن الشكارة للمخبز، على الرغم من أن استعمالها لا يتجاوز في الغالب مرة واحدة، وربما نصف مرة، إذ سُرعان ما تلتهمها حرارة الأرغفة في منتصف الطريق، وأنت عائد إلى بيتك، ما جعل الأمهات إزاء هذه الازمة، تُحيك أكياساً قُماشية، ومنهنّ من وظَّفت أوجه الوسائد لتحوّلها إلى أكياس، وقد جعلت لها عروتين على الرغم من وجود عبارة تصبح على خير المرقونة بالخياطة بسلك مخالف على ظاهرها ، لكنْ بعد افتتاح المصانع الخاصة بها بالقطاع الخاص، صارت مجانية، ولا يتحرج أحد ليطلب كيساً من أي محل، حتى من دون أن يلج إليه.

تتعدّد ألوانها، فالشفافة البيضاء لتكييس الخبز، لأنّ ليس في شرائه أي تبجُّح، أما الحاجيات الغالية الثمن والمُحرَّمة وذات الخصوصية، فتحشى وتحشر في ذات اللون الأسود.


نراها وهي تتطاير في السماء كمناطيد متى كانت الريح عالية، وحينما تهدأ الريح، تعلق بالأشجار والأسيجة الشائكة على أسوار السجون والمزارع.

ثمة أنواع منها فاخرة، كالتي في محال العطور والملابس والأجهزة الكهربائية والإلكترونية والصيدليات، فعادةً ما يُطبَع عليها اسم المحل صاحب البضاعة، نحتفظ بها في بيوتنا لنكيّس بها ثمائن الأشياء التي نود إهداءها مثلاً، وهذا النوع قلما تجده مرمياً على حواف الطرق أو مستعملاً لغرض جمع القمامة.

لكن الغريب في المشهد، هو حينما نجد عملاء المصارف يأتون بالأكياس السوداء المُعدَّة خصيصاً للقمامة، وقد ملؤوها أموالاً  طائلة ليودعوها في المصارف، لكن ما يُبدّد غرابة المشهد بتصوري، هو أنهم ما فعلوا ذلك إلا للتعمية على اللصوص بالطريق وتشتيت أبصارهم، وبذلك يكونون قد حققوا على الواقع مقولة أن المال هو وسخ الدنيا من دون أن يقصدوا. 


صار اسم الشكارة مسبّة في معسكرات الجيش في حقبة القذافي، لكل متدرب جديد غير منتظم، مثله مثل كلمة خرقة وكذلك (ازمال) التي حتى وقت قريب، كنت اظنُّها اختصاراً للأزمالتو (طلاء الأظفار).


الشكاير بشتىٰ ألوانها وأحجامها مجرد نفايات، غير أننا نستطيع التخلُّص منها في لحظة، حيث بإمكاننا الاستفادة من الأكياس المنتشرة في الشوارع، بأن نحشر فيها القاذورات والقمامة ، ونضعها في أول مكبّ، لتمسي وقوداً للنيران الميثانية.

22\8\2025

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اخريستو

من بنغازي إلى طرابلس

فريد الأطرش : في ذكرى رحيله ماذا بوسعنا أن نغني ؟