المقالة كأداة للتنوير والمقاومة الثقافية: قراءة نقدية في كتاب الكتابة بالأرقام والحروف لزياد العيساوي
المقالة كأداة للتنوير والمقاومة الثقافية: قراءة نقدية في كتاب الكتابة بالأرقام والحروف لزياد العيساوي
المقدمة
تُعَدُّ المقالة الأدبية أحد الأجناس الأكثر قدرة على التفاعل مع الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي، نظرًا لما تمتاز به من مرونة في الطرح، وسرعة في التلقي، وقدرة على الجمع بين العمق الفكري والأسلوب الأدبي. ورغم ذلك، شهد المشهد الثقافي العربي في العقود الأخيرة تراجعًا في حضور المقالة، لصالح أجناس أخرى كالقصيدة والرواية، وهو ما انعكس في الجوائز والفعاليات الأدبية، بل وحتى في التصورات النقدية السائدة حول الإبداع.
في هذا السياق، يأتي كتاب "الكتابة بالأرقام والحروف" لزياد العيساوي كمحاولة واعية لإعادة الاعتبار للمقالة، ليس فقط بوصفها جنسًا أدبيًا، بل كأداة للتنوير والمقاومة الثقافية. فالكاتب يوظف نصوصه لمواجهة الرداءة الثقافية، ومقاومة الانبهار غير النقدي بالغرب، ونقد الظواهر الاجتماعية والفنية، مع الحفاظ على لغة رصينة تتسم بالسخرية اللاذعة والحضور الحواري.
تسعى هذه الدراسة إلى تحليل البنية والأسلوب والمحاور الفكرية في هذا العمل، للكشف عن آليات العيساوي في توظيف المقالة كأداة تنويرية، ووضع نصوصه ضمن سياق تقاليد المقالة العربية.
الفصل الأول: الإطار النظري والمنهجي
1. المقالة الأدبية
المقالة هي نص نثري قصير نسبيًا، يعبر فيه الكاتب عن فكرة أو موقف أو تجربة، بأسلوب يجمع بين الإقناع والمتعة. تاريخيًا، ارتبطت المقالة العربية بالكتابة الإصلاحية، كما في أعمال رفاعة الطهطاوي وعبد الرحمن الكواكبي، ثم تطورت إلى أشكال أكثر ذاتية وجمالية مع العقاد وطه حسين.
2. التنوير والتزوير
- التنوير: في السياق الثقافي العربي، هو تعزيز الوعي النقدي لدى القارئ، وربطه بقضاياه الأساسية.
- التزوير: تحويل الكتابة إلى أداة تلهي القارئ عن قضاياه، أو تزييف الوعي عبر السطحية والتكرار.
3. المنهج
اعتمدت الدراسة على:
- التحليل النصي البلاغي لفحص الأسلوب والصور.
- تحليل الخطاب للكشف عن المواقف الفكرية.
- المقارنة مع تقاليد المقالة العربية.
الفصل الثاني: البنية الأسلوبية
1. اللغة
- فصيحة، ذات جمل طويلة، تمزج بين السرد والتحليل.
- تميل إلى الترصيع بالصور البلاغية والتشبيهات الممتدة.
2. الأدوات البلاغية
- التشبيه الكوني: ربط وجهي الإنسان بوجهي القمر (الوجه الآخر للإنسان).
- التشبيه الرياضي: معادلات الجمع والطرح كمجاز للعلاقة بين العنوان والمضمون (شؤون صحفية).
- الاستعارة الفنية: الأغنية كقضية اجتماعية (شؤون فنية).
3. الإيقاع
- تكرار للتوكيد.
- استخدام الأسئلة الخطابية.
- مزج بين الجد والسخرية.
الفصل الثالث: المحاور الفكرية
أ. الدفاع عن المقالة
في شؤون كتابية يرفض العيساوي تهميش المقالة، ويعتبرها فعلًا إبداعيًا أصيلًا قادرًا على التأثير أكثر من الأجناس الأخرى.
ب. نقد الرداءة الثقافية
يهاجم "القراءات النقدية" التي تكرر نصوص الآخرين، ويشبهها بالمطربين المقلدين، مؤكدًا أن الإبداع هو الخلق لا الاستنساخ.
ج. التنوير مقابل التزوير
يرى أن بعض الكتاب يلهون القارئ بالسفاسف، ويغيبون قضاياه الأساسية، محذرًا من انحراف الكتابة عن دورها الإصلاحي.
د. النقد الفني كجزء من النقد الاجتماعي
في تحليله لأغنية صباح فخري في برنامج عن الزواج، يكشف عن سوء التوظيف الفني وضعف المعالجة الإعلامية.
هـ. مقاومة الانهزامية أمام الغرب
في المنهزمون ثقافيًا ينتقد المثقفين العرب المنبهرين بالثقافة الغربية، ويدعو للثقة بالإرث العربي.
الفصل الرابع: البنية الجدلية
- الحوارية: يخاطب القارئ مباشرة، يطرح أسئلة ويجيب عليها.
- القياس: من الفلك، الموسيقى، الرياضيات.
- المفارقة الساخرة: عرض الظواهر بجدية ثم تقويضها بالنقد اللاذع.
- التكرار: أداة تأكيد وإقناع.
الفصل الخامس: موقع النصوص في سياق المقالة العربية
- صلة واضحة بالمقالة الإصلاحية الكلاسيكية، لكن مع تحديث في الموضوعات والأدوات.
- انفتاح على النقد الفني والإعلامي، وإدخال عناصر تحليل الأغنية والفن ضمن المقالة الأدبية.
- الجمع بين المحلي (بنغازي، الواقع الليبي) والعربي (قضايا الهوية والانتماء).
الخاتمة
النتائج:
- يعيد زياد العيساوي الاعتبار للمقالة كجنس أدبي قادر على التنوير والمقاومة الثقافية.
- يجمع بين النقد الفني والاجتماعي والسياسي في خطاب متماسك.
- أسلوبه يمزج بين الفصاحة الكلاسيكية والحس الساخر المعاصر.
التوصيات:
- دمج المقالة مجددًا في الفضاء الأدبي العربي.
- تشجيع الدراسات النقدية التي تربط الأدب بسياقه الاجتماعي والسياسي.
- الاستفادة من منهج العيساوي في مقاربة القضايا الثقافية.
تعليقات
إرسال تعليق