من بنغازي إلى طرابلس رحلة في الذاكرة والسخرية والمكان في سرد زياد العيساوي
✳️ المقدمة:
تمثل سلسلة "من بنغازي إلى طرابلس" للكاتب الليبي زياد العيساوي (2005) نموذجًا سرديًا فريدًا يوثّق تجربة سفر عبر الصحراء الليبية، لتتحول الرحلة من مجرد انتقال مكاني إلى مغامرة وجودية تُستحضر فيها مفردات الهوية، الذاكرة، والتحولات الاجتماعية في ليبيا ما قبل الثورة. يعتمد الكاتب على السخرية كآلية تعرية للمسكوت عنه، ويرسم بلغة سردية رشيقة ملامح الإنسان الليبي المُنهك بالحواجز والانتظارات، والباحث عن وطن في تفاصيل يومية.
---
✳️ المنهج المتبع:
يعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي-الوصفي مع استحضار أدوات من الأنثروبولوجيا الثقافية ونقد المكان، وقراءة الموروث الشعبي ضمن نسيج السرد.
---
✳️ المباحث:
1️⃣ سردية الطريق: من الترحال إلى التحلّل
تتأسس الرحلة على بنية "الطريق" بما هو سرد موازٍ لانهيار البنى التحتية والاجتماعية.
تصوير المحطات: أجدابيا، سرت، تاورغاء، كأنه تفكيك للفضاء الوطني إلى فسيفساء متفرّقة، تربطها فقط الحافلة "الهاياس" وصوت الحاجة فاطمة.
2️⃣ شخصية "الحاجة فاطمة": تجسيد الأم-الوطن
تمثّل "الحاجة فاطمة" ذاكرة الأم الحامية، الشعبية، التي تُقاوم الخوف بزغاريدها ودعواتها.
تتكرر حضورًا صوتيًا يُضفي حسًّا ميثولوجيًا على الواقعة، ويوفر عزاءً سرديًا ضمن لحظات البؤس.
3️⃣ السخرية بوصفها موقفًا فلسفيًا
تُستخدم السخرية في السلسلة لفضح الأعطاب المؤسساتية: الطرق المتهالكة، الاستراحات القذرة، التفتيشات الأمنية العبثية.
حضور شخصيات كـ"السيدة رجعة" و"الطفل الطرابلسي" يُبرز التناقضات الطبقية والعقلية المناطقية، بأسلوب تهكمي لا يخلو من التعاطف.
4️⃣ المكان بوصفه ذاكرة مشروخة
كل محطة جغرافية تستدعي نقيضًا: أجدابيا (الماء القليل)، سرت (الضجر والخوف)، تاورغاء (النسيان).
المكان لا يُستعاد بوصفه مسافة فقط، بل بوصفه ذاكرة، وانتماءً هشًا، وكأن الوطن لا يُرى إلا من النوافذ الخلفية للسيارة.
5️⃣ ختام الرحلة: طرابلس كمقولة رمزية
الوصول إلى طرابلس لا يحمل خلاصًا، بل يحمل مرآة تُظهر تعب الطريق، وصدى الجسد المعلّق بين جهتين.
طرابلس لا تستقبلهم، بل تُلوّح من بعيد، كأنها "سراب المدينة" الذي يظل خارج المتناول، كالوطن المؤجل.
---
✳️ الخاتمة:
ينجح زياد العيساوي في هذه الرباعية السردية في تحويل رحلةٍ عادية بين مدينتين ليبيتين إلى ملحمة شعبية صغيرة، تحتشد فيها الذاكرة، والفكاهة، والأسى، واللغة العامية، والمفارقة كأدوات أدبية. هذه الرحلة تُظهر أن التنقّل في ليبيا ليس فقط جغرافيًا، بل وجوديًا وطبقيًا وثقافيًا.
---
✳️ المراجع:
1. زياد العيساوي، مدونة تفاعُل، سلسلة "من بنغازي إلى طرابلس"، 2010.
2. غاستون باشلار، "جماليات المكان"، ترجمة غالب هلسا.
3. ميخائيل باختين، "أشكال الزمان والمكان في الرواية".
4. عبد الله الغذامي، "النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية".
5. دراسات في السخرية العربية، مجلة فصول.
تعليقات
إرسال تعليق