ميدان الفضيل بو عمر

 وسط عدة مبانٍ مصرفية ينهضُ نُصب الشهيد الفضيل بوعمر على بسطة مُبلَطة متكسرة الحواشي لرداءة خام الرخام، تسيّجه بِضع شُجيرات.. يستأنس ويتمسح البعض بالجلوس في مساحة الظل الصغيرة التي يصنعها هذا النصب في النهار وتراه يتحرك بكرسيه مع دوران هذه البُقعة الظلالية حتى تتلاشى عند ساعات الذروة وفي أعلى هذا النصب يخفت مصباح مكسور منذ عهد القذافي.

أسمع حسيساً يفوح بلهجة من غرب البلاد لفتية يتنادون عند الساس-كما أسموه- ويتحدثون عن موعد لهم مع رئيس الحكومة المؤقتة عبد الله الثني، لأجل تجارة يصيبونها، شبابٌ آخرون من بنغازي يناقشون أخر مستجدات الوضع العسكري، وفي الأثناء تحلق طائرة حربية بعلوٍ منخفض وجهتها شمال المدينة، وما هي إلا لحظات حتى دوى انفجار هائل نجم عن صاروخ منطلق منها، فعَلا رُكامٌ أبيض غطى على زرقة السماء.

على بسطة النصب تنتشر فوضى- أكواب القهوة مناديل أطباق بلاستيكية- يتبرع في أخر النهار أحد سائقي الأجرة ممّن جعلوا لهم محطة هناك بلملمة هذه البعثرة، ممسكاً بمستند ورقي نسيّه المغادرون الذين لهم موعد مع الثني ممهورة بتوقيع رفيع المستوى.

ألصق الرجل المستند بين ثنايا الرخام لعلّ أصحابه يعودون إليه، وفي المساء استحال المصباح المكسور إلى ميكروفون خصوصاً وأن شكله مثل الميكروفانات التي كان يضعها نظام القذافي على أسقف سيارات اللاندروفر الخضراء التابعة لجهاز التعبئة الجماهيرية التي كانت تجوب الشوارع في القيلولة لتؤذن في الناس عن مواعيد انطلاق المؤتمرات الشعبية الأساسية والمَسيرات المُسيَّرات ضد الأنظمة العربية وسفاراتها وقنصلياتها.

ابتلع النصب المستند ومن قمته علا صوت غير مسموع: "حَافر حافِر الكتابة على الرخامة كاذب".

20\10\2017

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

اخريستو

من بنغازي إلى طرابلس

فريد الأطرش : في ذكرى رحيله ماذا بوسعنا أن نغني ؟