الطفولة كذاكرة ساخرة في نصوص زياد العيساوي: من الصف إلى الشارع إلى المدينة
المقدمة
يُعد الكاتب الليبي زياد العيساوي أحد الأصوات الأدبية المعاصرة التي ركّزت على الطفولة والذاكرة الشعبية، من خلال سرد واقعي نابض بالتفاصيل اليومية، ومشحون بالسخرية والنوستالجيا. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل النصوص الثلاثة: (نوستالجيا.. رابعة خامس)، الهتش، وبنغازي مدينة بلا مرجع، لتوضيح كيف تتحول الطفولة من مجرد زمن براءة إلى فضاء سردي متعدد الأبعاد يمزج بين اللعب، مواجهة السلطة، واستحضار الذاكرة الجماعية للمدينة والمجتمع.
فرضية الدراسة: الطفولة عند العيساوي ليست زمن براءة فحسب، بل مختبر خيالي-ساخر يُجسّد الصراع مع السلطة، ويمكّن الراوي من إعادة صياغة الذاكرة الشخصية والجماعية.
الفصل الأول: الطفولة والنوستالجيا
1.1 المدرسة كفضاء سردي
في نص (نوستالجيا.. رابعة خامس)، تتحول المدرسة إلى مسرح للطفولة والمغامرة الصغيرة. تفاصيل الحكاية اليومية مثل البرد، الرياح، دموع نادية، الشعر والممسكة الفراولية، تخلق عالماً يضم اللعب، الشقاوة، والخيال.
مثال من النص: "أخذت هيأة الديك، كان يدهشني هدؤها وطمأنينتها، سال لعابي لدفء السعرات الحرارية، فتخيلت الممسكة قطعة حلواء، استلّلت يديّ من جيبي نحوها..."
السلطة المدرسية ممثلة في الأستاذ "حسن" تظهر كقوة مراقبة حاضرة عبر البرطمة والعصا، لكنها تخضع لمفارقة كوميدية عندما يرتد القلم كسهم على جبهته، مؤكدًا نجاح الطفولة في مواجهة السلطة الصغيرة بالذكاء والمكر.
1.2 الشارع والحي الشعبي
في نص الهتش، تتوسع الطفولة خارج الصف لتشمل الشارع والأقران والفتيات. الصراع مع السلطة هنا لا يقتصر على المدرس بل يشمل الأسرة والعادات الاجتماعية. اللعب والمغامرة يتحولان إلى مواقف كوميدية-مأساوية تكشف الذكاء والمكر الطفولي.
1.3 المدينة كذاكرة جماعية
في بنغازي مدينة بلا مرجع، تترسخ الطفولة في أفق المدينة المتغيرة، حيث تتشابك الذكريات الفردية مع التحولات العمرانية والاجتماعية. الطفولة هنا ليست مجرد تجربة شخصية، بل وثيقة جماعية تعكس حياة المدينة بكل مفارقاتها.
الفصل الثاني: السخرية والتفاصيل اليومية
2.1 آليات السخرية
• تضخيم الأحداث الصغيرة (مثل الممسكة أو القلم) إلى ملحمة كوميدية داخل الصف.
• السخرية تكشف التناقض بين الطفولة والسلطة، وتخلق مساحة للتأمل الاجتماعي.
مثال: "سمعت الأستاذ صباح اليوم الثاني، يحدث أخي الأكبر: لو يقعد خوك ديك حلوى ما هو راد للفصل."
2.2 التفاصيل اليومية كوثائق ثقافية
• التفاصيل الحسية اليومية (الشعر، الممسكة، البرد، الصف، الطبشور) تعمل كـ وثائق شعبية تعكس واقع الحياة في بنغازي الثمانينيات.
• النصوص كلها تعيد بناء البيئة الشعبية، وتظهر كيف تُحفظ الذاكرة الاجتماعية عبر التفاصيل الصغرى المألوفة.
الفصل الثالث: الطفل مقابل السلطة
3.1 السلطة في المدرسة
• الأستاذ "حسن" يمثل السلطة الرسمية الصغيرة في الصف.
• الطفل يواجهها بالمكر، بالتحايل على قواعد الصف، أحيانًا بالمفارقة الكوميدية.
3.2 السلطة في الشارع والأسرة
• في الهتش وبنغازي مدينة بلا مرجع، السلطة أكبر وأكثر تعقيدًا: المجتمع، الأسرة، المدينة.
• الطفولة هنا تمثل مقاومة صامتة أو مبتكرة، عبر اللعب، السخرية، أو الملاحظة الدقيقة للبيئة المحيطة.
الفصل الرابع: الذاكرة الشعبية والطفولة
• الطفولة تمثل فضاء سرديًا لإعادة بناء الذاكرة: المدرسة، الشارع، والمدينة هي أطر زمنية ومكانية تكشف المجتمع.
• النصوص تجمّع بين الذات الفردية والذاكرة الجماعية، وتبرز الطفولة كمرآة للنقد الاجتماعي وللتفاعل مع البيئة.
الخاتمة
• الطفولة في نصوص زياد العيساوي فضاء متعدد الأبعاد: براءة ولعب، مواجهة للسلطة، ونقد اجتماعي من خلال التفاصيل اليومية.
• السخرية والتفاصيل اليومية تعمل كأدوات لإعادة بناء الذاكرة الشعبية.
• نصوص (نوستالجيا.. رابعة خامس)، الهتش، وبنغازي مدينة بلا مرجع تشكل مشروعًا سرديًا متكاملاً للطفولة البنغازية، يمزج بين الواقعية، الخيال، والسخرية، ويقدّم نموذجًا فريدًا للأدب الليبي الحديث.
تعليقات
إرسال تعليق