المشاركات

زهرة النرد

رأيت ذات مرةٍ، أربعة فتية في ريعان الشباب يحملقون إلى أعلى نحو شيءٍ معين، ثُم يتهافتون إليه راكضين، أي، حيثُ المكان الذي سقط فيه على الأرض، ثم يلتفون من حوله، الغريب في الأمر، أنهم كانوا يذكرون أرقاماً عشوائيةً قبل أن يسقط ذلك الشيء، وبعد ذلك، كان كل واحد منهم يندبُ حظه ويقول: "يا لحظي السيئ". شدّني هذا الأمر الغريب وأثار فضولي وجعلني أدنو منهم شيئاً فشيئاً من باب إرضاء الفضول، وعندما اقتربت منهم، ألفيتهم يعدون العُدة لتكرار التجربة، وكانت في راحة يد أحدهم، قطعةٌ صغيرة جداً مصنوعة من مادة اللدائن لها ستة أوجه، وفي كل وجه منها عددٌ من النقاط تبدأ من الرقم واحد حتى الرقم ستة، أي أنَّ عدد هذه النقاط كان بعدد الأوجه، ولعلَّ القارئ قد عرف ماهية هذه القطعة التي أقرب ما تكون في شكلها الهندسي إلى المكعب، وهوَّ شكلٌ فراغي ذو ثلاثة أبعاد- طول وعرض وارتفاع- وتُعرَف هذه القطعة بزهرة النرد، على أية حال، قام من كان يحمل تلك القطعة في راحة يده بإطلاقها إلى أعلى، وأخذ كلٌ منهم يذكر الرقم الذي أختاره كتعويذةٍ لجلب الحظ الجيد أو شيءٍ من هذا القبيل، وبعد بُرهة سقطت سقوطاً حراً على الأرض، ثُم ار...

قراءة العيون

قراءة العيون بقلم: زياد العيساوي بنغازي: 2005.4.20 ...... ثمة صفحات، غير تلُكم الصفحات، الموجودة في أُمهات الكتب والمجلدات، لم تُرقم بأرقام، ولم تُلملم بدواوين، لكن في معانيها الكثير من المضامين، ليست من نظم كاتب واحد، بل اشترك في كتابتها كُلُّ كاتبٍ مخضرم وآخر واعد، نُسِجت بأوضح الخطوط، ببلاغة الأمل والقنوط، خُطت بقلم الفرح، وبلغة الألم والجرح، نظمها شاعرٌ بشاعرية ومعاناة، ومتهكمٌ ساخرٌ من سُخرية الحياة، عددها بعدد سني أعمارنا، ومدادها انعكاس ما يدور في أفكارنا، كانعكاس الوجوه في المرآة. إنّ في عيون كل إمرئٍ صفحات مسجلة، تتناثر حروفها، وتتبعثر قطوفها، في سجلٍ حافلٍ بالذكريات، ليست كغيرها من تلك الحروف المنقوشة على رمال شاطئ البحر بأصابع العشاق، والتي تُمحا بفعل تلاطم الأمواج، ثُم لا تلبث أن تختفي، وتذهب أدراج الرياح، حين حدوث الفراق، أو كتلكم الحروف المحفورة على الأحجار الصَّماء، التي أكل عليها الدهر وشرب، وأصبحت بقايا كلمات على جُدران زمن مدينة قد أصبحت أطلالاً، بفعـل مُضي السنين، وتقادم الزمن، اجتهد الكثيرون لفكّ طلاسمها من دون جدوى، وباءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع، هي صفحات كُتِبت...

متى يكون القاص أديباً؟ وهل في القصة أدب؟

في واقع الحال، إنّ هذين السؤالين، ما هما في الأصل إلا سؤال واحد مُركَّب، وقد وردا وتمظهرا في السياق المُعنوَّن به مقالتي هذه، لغاية واحدة، فمتىٰ تمّت الأجابة عن أحدهما بالسلب أو الإيجاب، تحققت الإجابة عن الآخر طوعاً وبالمثل. ماذا لو أننا جعلنا رمية البداية تكون من السؤال الثاني؟ لنرى كيف ستتحقق هذه المعادلة. في أحيان كثيرة، قد يوسم القاص لدى التعريف به بأنه أديب، وفي أحايين أخرىٰ، قد تسبق الصفة الموصوف كما في اللغة الإنجليزية، وعلى غير العادة، فيقولون لك: هذا الأديب القاص (فلان).. فهل هو بحقِّ على هذا الوصف، أم أنه محض وصف متداول عند التعريف بأي قاص؟ أسأل هذا السؤال، لكوني لا أظنّ مجرد الظنّ، بأنّ قيل ليّ يوماً: إنّ هذا الأديب الشاعر (س) أو على الأقل، إنّ هذا الكاتب الأديب (ص) حين التعريف بهما.  إننا إذا بحثنا عن لفظ (أديب) نحوياً سنجده صيغة مبالغة على وزن (فعيل) على غرار (كريم) والأخير من أسماء الله الحسنى لسعة كرمه سبحانه وتعالى، وثمة اشتقاق لغوي لأي فعل يسبق صيغة المبالغة، فهذه الأخيرة، أجدها تُشتَق من الفاعل قبل الفعل نفسه، لأنّ أي فعيل قبل أن يكون كذلك، هو فاعل تمرَّس  عل...

شؤون كتابية

(1) الكتابة عن الكتابة بمسقط هندسي (أمامي) وبنظرة من عينيك إلي أيما نصٍّ أدبي، ستجد أنّ الكتابة كلمات تجري فوق السطور، ولم تكُن البتَّة تحتها، هذا ما أدركه تمام الإدراك، و لكنْ منَّا منْ يُطالع النصوص، ثم يضع (خطوطاً) تحت الكلمات، مُشكِّلاً لنفسه بعد ذلك من هذه الخطوط (سطوراً وهمَّية) تشغل حيزاً من الخواء الذي هو أصلاً موجود بين السطور الأصلية للنصِّ المكتوب، ليكتب عليها فيما بعد، عن موضوع النصِّ الذي قرأه، لأنه وكما يدَّعي قارئ حاذق، وليس كمثله قارئ، لكونه يعرف جيداً كيف يُطالع ما بين السطور، حتى ليجعل فرائسك ترتعد، إثر استماعك إلى عبارته هذه التي لا تخلو من حدس (بوليسي) فتتصور بأنّ ثمة من يكتب بالحبر السّري، ثم يأتي من بعده، من هو على شاكلة الأول بعدسة مجهرية، لينقب ويكتشف بها بواطن النصوص، وما إدعاؤه الذي صاغه في الحقيقة إلا مسوّغ منه، كي يجد لذاته موطأ قلم، وليقحم أنفه في الصُّحف والمجلات، والثانية هي من تُشكّل الأغلبية في نشر مثل هذه الكتابات التي يُسميها بنفسه (قراءات) ولا يجرؤ أبداً على أن يُسميها (نقديات) فهو أعرفُ بقدراته من الآخرين، الأمر الذي يحدُّ من بروز أسماء جديدة لديها ...

صعب جداً

من الصعوبةِ بِمكان، أن نجدَ من نستشيره، و الأصعب من ذلك، أن نجدَ من هو كفؤاً لذلك، و الأكثر صعوبة من هذا وذاك، إيجاد شخص يكترث لأمرنا، ويأخذُ بأيدينا إلى ما نصبو إليه من نجاحٍ ورُقي، أي بمعنى، أنَّ هذهِ الصِعاب مُشتملةً، تكمنُ في عدمِ وجودِ شخصٍ تتوافر فيه تلك الصفات مجتمعة، ما يجعل من كل أمر نَُزمع الإقدام عليه، يبدو لنا وكَأنه صعبٌ جداً. تصعب علينا أحياناً في خضم هذه الحياة و مفارقاتها بعضُ الأمور، ربما لقِلة خبرتنا بها، فلا نجد بُداً من استشارة من هُم من حولنا، مِمَّن دخلوا مُعترك هذه الحياة قبلنا، ليسدوا لنا النصيحة والرأي السديد من واقع خبرتهم بهذه الحياة. لكنْ حينما نطلب من أحد المبدعين، في أيِّ مجالٍ من مجالات الإبداع شيئاً من ذلك، نجده يبخل علينا ولو بالنزرِ اليسير مِمَّا اكتسبه من خبرةٍ، ما ينعكس علينا بشيءٍ من الإحباط وخيبة الأمل والندم الشديد، لكوننا في يومٍ ما، قد تصورنا بأنه سيكون عوناً لنا في سعينا وراء النجاح، ونحن نخطو خُطانا الأولى نحوه، وليت الأمر يتوقف عند ذلك فحسب، بل نجده أحياناً يضع العوائق أمام سعينا، كأنْ يُشكك في مواهبنا أو يضع العثرات أمام خطانا الحثيثة، بأن ي...

أفعل التفضيل

قد يأتيك أحدهم، ويُدّخلك في مماحكات أنت في غنى عنها، عندما يطلب إليك أنْ تُفاضل بين أمرين لا ثالث لهما، وأن تنحاز إلى أحدهما، فلا يُعطيك الحقَّ في أن تلتزم جانب الحياد، ما معناه بلغة الألوان، أن تختار بين اللون الأبيض أو الأسود، فإن أعلمته بأنّ هذين الأمرين على حد سواء من وجهة نظرك، اتهمك بأنك تخلط بين اللونين، عندما تقف في المنطقة الوسطى بينهما، لكأنه يُخيّرك بين الجنة والنار، فليس ثمة منطقة وسطى بينهما، يحدث هذا عندما يُوجّه أحدهم إليك سؤالاً تجد في سياقه لفظ (أفعل التفضيل) وأفعل التفضيل هو كل اسم مشتق من الفعل الماضي الثلاثي، يأتي على وزن (أفعل) مثل (أحسن) و(أفضل) و( أكثر) و(أجمل) وما إلى ذلك من أسماء مشتقه تأتي على هذا الوزن، فمثلاً قد يسألك أحدهم: من تحب أكثر، هل أخوك (س) أم أخوك (ص)؟.. فتجيبه مُبديَاً استغرابك: بأنهما يحوزان على القدر نفسه من المحبة، لكنه يسألك مجدداً ومبدياً إلحاحه: أرجوك قلُ ليّ، من تحب أكثر؟.. ولو أعدت إجابتك الأولى، فسوف يحاول أن يُظهر تفهمه لإجابتك، ثم لا يلبث أنْ يسوق لك سؤالاً آخراً باستحدام لفظٍ ثانٍ لأفعل التفضيل، حينما يسألك وقد نفد صبره: استحلفك بال...

شبه المنحرف

جرىٰ الدأبُ، حينما نجد شيئين مرتبطين ببعضهما بعضاً، أن نقول: "هما وجهان لعملة واحدة" ككناية بلاغية عن مدى ارتباطهما، وكدلالة على صعوبة التفريق بينهما من ناحية أهميتهما في أي أمر يتعلق بهما، فلا يُذكَر أحدهما من دون الآخر، ولايمكننا أن نتجاهل أحدهما، لأن كُلّاً منهما يُكمّل الأخر.  لكن الحال تختلف، فيما لو كان ثمة أمر يعتمد على أربعة أشياء، ترتبط فيما بينها برباط عضوي لا فِصام له، أي مُحكَم البُنيان، فما عسانا أن نقول لتبيين ووصف العلاقة التي تجمعهم في شكل عبارة بلاغية، فيها إشارة إلى عدم إمكانـية استقلال أحدها عن الآخر؟ فهل سنعيد تلك العبارة بتركيب مختلف، لنقول: "إنها أربعة أوجه لعملة واحدة؟ " قطعاً لن تُلاقِي هذه العبارة استحسان أحد من القُرَّاء، لأنه وببساطة من المعروف لدى الجميع، أنّ لكل عملة وجهين وكفى، وعدد ما لدينا من عناصر هو أربعة، لذا اسمحوا لنا في مقدمة هذا المقال، أن نقوم بشيءٍ من هندسة الكلمات، لأننا وجدنا في علم الهندسة ضالتنا لهذا المُراد ولكي نقول: "إنها أربعة أضلاع لمربع واحد" لأنه وكما تعلمون، بأنّ للمربع أربعة أضلاع متساوية في الطول، يقوم...