المشاركات

قراءة نقدية في نص سوائل بنغازية

"سوائل بنغازية": سخرية سائلة في واقع متجمّد قراءة نقدية في نص زياد العيساوي تمهيد ينتمي نص "سوائل بنغازية" (2010) للكاتب الليبي زياد العيساوي إلى أدب النثر الساخر، حيث يشتبك السرد مع التأمل الفلسفي عبر سلسلة من المشاهد اليومية التي تتحوّل إلى مرآة كاشفة لواقع اجتماعي مأزوم. يعتمد النص على ثنائية ذكية: المادي (السوائل) مقابل الرمزي (الإنسان والمدينة) ، ويُصنّف ضمن الكتابات التي تُعيد تشكيل المدينة من خلال مفرداتها اليومية، بل من خلال ما يسيل منها حرفيًا ومجازيًا. هيكل النص: سوائل كمفاتيح تأويلية يقسّم العيساوي نصه إلى تسع وحدات معنونة بأسماء سوائل: (دم، دمع، عرق، غاز، بنزين، زيت، حليب، عطر، ماء)، وهي ليست مجرد محاور موضوعية، بل مفاتيح رمزية تفتح أبوابًا على حكايات الخيبة، الإهمال، العبث، والاغتراب . كل سائل يُستثمر بلاغيًا ودلاليًا لتكثيف صورة من صور الانهيار: من الصحة إلى الاقتصاد، ومن الطفولة إلى الأمومة، ومن المؤسسات إلى الشارع، لتنصهر جميعها في نهاية وجودية تحت عنوان: الخواء . الأسلوب: هجاء حديث بنَفَس صوفي مقلوب ما يلفت الانتباه في "سوائل ب...

القصة كأداة لهدم المركز: دراسة أكاديمية في المشروع السردي لزياد العيساوي

ملخص: تسعى هذه الدراسة إلى تحليل المشروع السردي للكاتب الليبي زياد العيساوي، انطلاقًا من فرضية أن القصة القصيرة في كتاباته ليست مجرد نوع أدبي، بل أداة لهدم المركزيات الثقافية والاجتماعية، وإعادة تشكيل الوعي من موقع الهامش. تعتمد الدراسة على منهج سوسيولوجي-جمالي-تفكيكي، يستند إلى تحليل البنية السردية واللغوية والرمزية، وإلى قراءة نقدية للمدينة، للذات الساردة، وللشخصيات المهمّشة. مقدمة: ظهر أدب زياد العيساوي كصوت سردي مختلف في مشهد السرد الليبي المعاصر، حيث تمثل القصة عنده أداة لكشف هشاشة الواقع، وتعقيد الهوية، وتشظي المكان. لا يكتب عن المدينة من موقع المركز، بل من شوارعها الخلفية، من مقاعد المتفرجين، من ذاكرة مراهق متورّط في الحنين. أولًا: المكان كبنية سردية وهوية مأزومة تمثل مدينة بنغازي المحور المكاني في معظم قصص العيساوي. لكنها لا تحضر كرمز مجيد أو جغرافيا محايدة، بل ككائن سردي متصدّع، يحاور ذاته، ويفضح هشاشته. في نصوص مثل "بنغازي مدينة بلا مرجع"، تُختزل المدينة إلى لا مرجع، لا أرشيف، لا سردية عليا. إن استدعاء الأحياء الشعبية، الأسواق، المدرجات، والمقاهي، يعكس كتابة من د...

من بنغازي إلى طرابلس رحلة في الذاكرة والسخرية والمكان في سرد زياد العيساوي

✳️ المقدمة: تمثل سلسلة "من بنغازي إلى طرابلس" للكاتب الليبي زياد العيساوي (2005) نموذجًا سرديًا فريدًا يوثّق تجربة سفر عبر الصحراء الليبية، لتتحول الرحلة من مجرد انتقال مكاني إلى مغامرة وجودية تُستحضر فيها مفردات الهوية، الذاكرة، والتحولات الاجتماعية في ليبيا ما قبل الثورة. يعتمد الكاتب على السخرية كآلية تعرية للمسكوت عنه، ويرسم بلغة سردية رشيقة ملامح الإنسان الليبي المُنهك بالحواجز والانتظارات، والباحث عن وطن في تفاصيل يومية. --- ✳️ المنهج المتبع: يعتمد هذا البحث على المنهج التحليلي-الوصفي مع استحضار أدوات من الأنثروبولوجيا الثقافية ونقد المكان، وقراءة الموروث الشعبي ضمن نسيج السرد. --- ✳️ المباحث: 1️⃣ سردية الطريق: من الترحال إلى التحلّل تتأسس الرحلة على بنية "الطريق" بما هو سرد موازٍ لانهيار البنى التحتية والاجتماعية. تصوير المحطات: أجدابيا، سرت، تاورغاء، كأنه تفكيك للفضاء الوطني إلى فسيفساء متفرّقة، تربطها فقط الحافلة "الهاياس" وصوت الحاجة فاطمة. 2️⃣ شخصية "الحاجة فاطمة": تجسيد الأم-الوطن تمثّل "الحاجة فاطمة" ذاكرة الأم الحامية، الش...

زهرة النرد

رأيت ذات مرةٍ، أربعة فتية في ريعان الشباب يحملقون إلى أعلى نحو شيءٍ معين، ثُم يتهافتون إليه راكضين، أي، حيثُ المكان الذي سقط فيه على الأرض، ثم يلتفون من حوله، الغريب في الأمر، أنهم كانوا يذكرون أرقاماً عشوائيةً قبل أن يسقط ذلك الشيء، وبعد ذلك، كان كل واحد منهم يندبُ حظه ويقول: "يا لحظي السيئ". شدّني هذا الأمر الغريب وأثار فضولي وجعلني أدنو منهم شيئاً فشيئاً من باب إرضاء الفضول، وعندما اقتربت منهم، ألفيتهم يعدون العُدة لتكرار التجربة، وكانت في راحة يد أحدهم، قطعةٌ صغيرة جداً مصنوعة من مادة اللدائن لها ستة أوجه، وفي كل وجه منها عددٌ من النقاط تبدأ من الرقم واحد حتى الرقم ستة، أي أنَّ عدد هذه النقاط كان بعدد الأوجه، ولعلَّ القارئ قد عرف ماهية هذه القطعة التي أقرب ما تكون في شكلها الهندسي إلى المكعب، وهوَّ شكلٌ فراغي ذو ثلاثة أبعاد- طول وعرض وارتفاع- وتُعرَف هذه القطعة بزهرة النرد، على أية حال، قام من كان يحمل تلك القطعة في راحة يده بإطلاقها إلى أعلى، وأخذ كلٌ منهم يذكر الرقم الذي أختاره كتعويذةٍ لجلب الحظ الجيد أو شيءٍ من هذا القبيل، وبعد بُرهة سقطت سقوطاً حراً على الأرض، ثُم ار...

قراءة العيون

قراءة العيون بقلم: زياد العيساوي بنغازي: 2005.4.20 ...... ثمة صفحات، غير تلُكم الصفحات، الموجودة في أُمهات الكتب والمجلدات، لم تُرقم بأرقام، ولم تُلملم بدواوين، لكن في معانيها الكثير من المضامين، ليست من نظم كاتب واحد، بل اشترك في كتابتها كُلُّ كاتبٍ مخضرم وآخر واعد، نُسِجت بأوضح الخطوط، ببلاغة الأمل والقنوط، خُطت بقلم الفرح، وبلغة الألم والجرح، نظمها شاعرٌ بشاعرية ومعاناة، ومتهكمٌ ساخرٌ من سُخرية الحياة، عددها بعدد سني أعمارنا، ومدادها انعكاس ما يدور في أفكارنا، كانعكاس الوجوه في المرآة. إنّ في عيون كل إمرئٍ صفحات مسجلة، تتناثر حروفها، وتتبعثر قطوفها، في سجلٍ حافلٍ بالذكريات، ليست كغيرها من تلك الحروف المنقوشة على رمال شاطئ البحر بأصابع العشاق، والتي تُمحا بفعل تلاطم الأمواج، ثُم لا تلبث أن تختفي، وتذهب أدراج الرياح، حين حدوث الفراق، أو كتلكم الحروف المحفورة على الأحجار الصَّماء، التي أكل عليها الدهر وشرب، وأصبحت بقايا كلمات على جُدران زمن مدينة قد أصبحت أطلالاً، بفعـل مُضي السنين، وتقادم الزمن، اجتهد الكثيرون لفكّ طلاسمها من دون جدوى، وباءت كل محاولاتهم بالفشل الذريع، هي صفحات كُتِبت...

متى يكون القاص أديباً؟ وهل في القصة أدب؟

في واقع الحال، إنّ هذين السؤالين، ما هما في الأصل إلا سؤال واحد مُركَّب، وقد وردا وتمظهرا في السياق المُعنوَّن به مقالتي هذه، لغاية واحدة، فمتىٰ تمّت الأجابة عن أحدهما بالسلب أو الإيجاب، تحققت الإجابة عن الآخر طوعاً وبالمثل. ماذا لو أننا جعلنا رمية البداية تكون من السؤال الثاني؟ لنرى كيف ستتحقق هذه المعادلة. في أحيان كثيرة، قد يوسم القاص لدى التعريف به بأنه أديب، وفي أحايين أخرىٰ، قد تسبق الصفة الموصوف كما في اللغة الإنجليزية، وعلى غير العادة، فيقولون لك: هذا الأديب القاص (فلان).. فهل هو بحقِّ على هذا الوصف، أم أنه محض وصف متداول عند التعريف بأي قاص؟ أسأل هذا السؤال، لكوني لا أظنّ مجرد الظنّ، بأنّ قيل ليّ يوماً: إنّ هذا الأديب الشاعر (س) أو على الأقل، إنّ هذا الكاتب الأديب (ص) حين التعريف بهما.  إننا إذا بحثنا عن لفظ (أديب) نحوياً سنجده صيغة مبالغة على وزن (فعيل) على غرار (كريم) والأخير من أسماء الله الحسنى لسعة كرمه سبحانه وتعالى، وثمة اشتقاق لغوي لأي فعل يسبق صيغة المبالغة، فهذه الأخيرة، أجدها تُشتَق من الفاعل قبل الفعل نفسه، لأنّ أي فعيل قبل أن يكون كذلك، هو فاعل تمرَّس  عل...

شؤون كتابية

(1) الكتابة عن الكتابة بمسقط هندسي (أمامي) وبنظرة من عينيك إلي أيما نصٍّ أدبي، ستجد أنّ الكتابة كلمات تجري فوق السطور، ولم تكُن البتَّة تحتها، هذا ما أدركه تمام الإدراك، و لكنْ منَّا منْ يُطالع النصوص، ثم يضع (خطوطاً) تحت الكلمات، مُشكِّلاً لنفسه بعد ذلك من هذه الخطوط (سطوراً وهمَّية) تشغل حيزاً من الخواء الذي هو أصلاً موجود بين السطور الأصلية للنصِّ المكتوب، ليكتب عليها فيما بعد، عن موضوع النصِّ الذي قرأه، لأنه وكما يدَّعي قارئ حاذق، وليس كمثله قارئ، لكونه يعرف جيداً كيف يُطالع ما بين السطور، حتى ليجعل فرائسك ترتعد، إثر استماعك إلى عبارته هذه التي لا تخلو من حدس (بوليسي) فتتصور بأنّ ثمة من يكتب بالحبر السّري، ثم يأتي من بعده، من هو على شاكلة الأول بعدسة مجهرية، لينقب ويكتشف بها بواطن النصوص، وما إدعاؤه الذي صاغه في الحقيقة إلا مسوّغ منه، كي يجد لذاته موطأ قلم، وليقحم أنفه في الصُّحف والمجلات، والثانية هي من تُشكّل الأغلبية في نشر مثل هذه الكتابات التي يُسميها بنفسه (قراءات) ولا يجرؤ أبداً على أن يُسميها (نقديات) فهو أعرفُ بقدراته من الآخرين، الأمر الذي يحدُّ من بروز أسماء جديدة لديها ...