المشاركات

التولالة

لما خوف الله عباده من المسيح الدجال جعل في وجهه علامات فارقة بينها الرسول لصحبه عليه الصلاة والتسليم وعليهم رضوانه تعالى. من هذا المنطلق_ ولله المثل الأعلى_ كلما سألني أحدهم عمّن يراهم في التلفاز من كُتّاب ومحللين، أجيبه فورًا عمّن أعرفهم شخصيًّا، أما الذين لا تربطني بهم أية معرفة، خصوصًا من ظهروا بعد الثورة، أحاول أن أتخيّل وجوههم أو يريني صورهم، وسرعان ما أجيبه: "احسبهم من السيئين". والمعيار كنت احتفظ به لنفسي، كي لا أوصف بالمتطيّر، هو التولالة. 2011

تيه

  مازلتُ في رحلةِ بحثٍ عن عقلي. أين علّي أجده؟ عقلي طار بل غاص، جذبته الفكرة بأمتن من حِبال قُبطانٍ لا فكاك لها، أخذته إلى المجهول بعد أن أغرته بالحلول، الحلول شائكة، الخوض فيها يعني الإبحار في محيط لا قرار له، قرارُه ليس بيدي، استرخى بتلابيبه على الأمواج، لتطهره بملحها ولترجّه وتلطمه كيفما يشاء وتشاء الفكرة، سلم عقلي عينه للفكرة، مثلما رجل يبحث عن لذة، وسط البخار يشخص خيالُ امرأةٍ هي عروس البحر، فأدرك بأنّ كل الحلول محض خيال. 17\9\2024

يوم في المصرف

كثعبانٍ ملتوٍ على طريقٍ صحراويٍّ ساخن، رأسه إلى جانب ذيله، كان شكل الطابور أمام مصرف (الوحلة). جئتُ في آخر طرف الذيل المدبَّب عند الساعة السادسة صباحًا. على يمين هذا الطابور، ثمّة طابورٌ آخر مستقيم؛ الزبائن يجلسون على قطعٍ من الطوب، كلٌّ يبحث له عن واحدةٍ سليمة، أو قطعتين مكسورتين يضعهما واحدةً فوق الأخرى، حتى يستقيم ظهره، ممّا تبقّى من أعمال البناء في البيوت الحديثة المجاورة. في الشارع الثاني يوجد بابٌ خاصٌّ بالنساء، المتراكِمات على عتبة المصرف المكوّنة من درجتين، حتى كاد تجمّعُهنّ يلامس الانحناءة التي شكّلها طابورُنا الأفعواني. على تمام الحادية عشرة، بدأ دوام الصرف، فصرنا نتدحرج حاملين الطوب أمامنا كأفارقةٍ في هجرةٍ غير شرعية نحو الشمال، وهم يدحرجون أسطوانات الماء أمامهم، حتى يصلوا إلى الشاطئ الغربي في الساحل الليبي، ومنه إلى شواطئ أوروبا الجنوبية. وكلّما أحرقتنا الشمسُ بلهيبها الحارق، نتقدّم بشكلٍ عرضيٍّ في الطابور كأنّه ثعبانٌ ابتغى أن يبرد جنبه الملفوح وهو يتقلّب. وعند مسافةٍ معيّنة، برز شابٌّ يعمل على تنظيم الصفوف، قام بنهر الهاربين من لَفْح الشمس، وشدّد على ضرورة الإبقاء على الم...

من اللسان المكموم إلى الألسنة المتفلتة: قراءة سياقية في نص "تأملات.. وتأويلات لمآلات" لزياد العيساوي (2010))

يشكّل نص «تأملات.. وتأويلات لمآلات» (23 أكتوبر 2010) وثيقة أدبية تعبّر عن حالة الخنق السياسي والاجتماعي في ليبيا قبيل ثورة فبراير 2011. عبر لغة ساخرة وتهكمية، يعكس زياد العيساوي مأزق التعبير تحت سلطة الاستبداد، مستخدمًا صورة اللسان كرمز مركزي للصوت المعطَّل. بعد اندلاع الثورة وما تلاها من تحولات، يكتسب النص دلالات جديدة تُعيد تأويله بوصفه استشرافًا مُبكرًا لمصائر ما بعد فبراير. أولاً: اللسان كاستعارة للخطاب المكموم يوظف الكاتب صورة "اللسان" ليجسد تناقضات الفرد الليبي قبيل الثورة: طويل وجبان، صاخب بالصراخ والشتائم لكنه عاجز عن قول الحقيقة. يتحول اللسان من أداة للحرية إلى "حصان جموح" يطيح بفارسه، ليكشف عن مأزق التعبير المقيد والخوف المزمن. هذا التصوير يفضح مأساة المثقف والمواطن معًا: رغبة في البوح يقابلها صمت قسري. ثانياً: ثقافة الصِّغَر وضيق العالم يركّز النص على صور متكررة للصِّغَر: الجيوب، البطون، الأنوف، الأعين، الأحلام. هذه الصور ليست مجرد توصيف للحرمان المادي، بل رمز لضمور الخيال الجماعي وتقلّص الطموح. يقابل الكاتب هذا "الصِّغَر" بكونٍ وا...

قراءة في خطاب السخرية السياسية ما قبل فبراير 2011

الليبيون براء من ذلك: قراءة في خطاب السخرية السياسية ما قبل فبراير 2011 المقدمة يمثل مقال "الليبيون براء من ذلك" الذي كتبه زياد العيساوي في أكتوبر 2010، نموذجًا بارزًا للكتابة الساخرة التي انبثقت في ليبيا خلال السنوات الأخيرة من حكم القذافي، في مرحلة ما قبل ثورة فبراير 2011. تندرج هذه الكتابة ضمن ما يمكن تسميته بـ "الأدب المقاوم بالتورية والسخرية"، حيث جرى توظيف اليومي والشخصي كمدخل للسياسي والجماعي، في ظل مناخ يسوده القمع وكبت الحريات. تهدف هذه الورقة إلى تحليل النص من خلال ثلاثة مستويات أساسية: البنية السردية والأسلوب الساخر، البعد الحقوقي والسياسي، والموقع ضمن خطاب المعارضة الثقافية قبيل 2011. أولاً: السياق التاريخي والسياسي كُتب المقال في وقتٍ بدأت فيه قضية مجزرة سجن بوسليم (1996) تتحول إلى ملف عام مفتوح، بعد سنوات من الصمت والتكتم. في 2009 و2010 ظهرت احتجاجات محدودة لأهالي الضحايا في طرابلس وبنغازي، وتنامى الحراك الحقوقي، وهو ما جعل تناول الموضوع محفوفًا بالمخاطر. النص يندرج إذن ضمن الأدب السياسي المعارض غير المعلن، حيث تُستبدل اللغة المباشرة بلغة رمز...

تحليل أكاديمي لمقالة (دور المثقف)

🔹 أوّلًا: النص كوثيقة زمنية المقالة كُتبت في نوفمبر 2010، أي قبل أقل من ثلاثة أشهر من اندلاع ثورة فبراير. هذا يجعلها وثيقة استباقية تكشف انسداد الأفق السياسي في ليبيا، حيث لم يعد الإصلاح ممكنًا، بل التغيير الجذري هو الحل. العيساوي هنا يلتقط إحساسًا عامًا بالغليان، لكنه يقدّمه عبر خطاب مثقف "مسؤول" يحذّر السلطة والشعب معًا. --- 🔹 ثانيًا: السلطة في النص تُصوَّر السلطة كوحش متعدد الأدوات: جيش، قوات خاصة، إعلام، تلفزيون. تُقدَّم أيضًا كـ"راقصة ماجنة" يتطبّل لها مثقفون زائفون. لا يرى الكاتب إمكانية حوار حقيقي مع هذه السلطة، فهي بطبيعتها متعجرفة، محتكرة للثروة ("زيوت وشحوم نفطنا")، وفاقدة للشرعية. --- 🔹 ثالثًا: المثقف في النص المثقف هو الوسيط، أو "صمام الأمان" بين الشعب والسلطة. لكنه يظل في "المنطقة الوسطى"، ويخوض صراعًا دائمًا ضد محاولات جذبه إلى أحد الطرفين. العيساوي يصرّ على أنّ الانحياز الوحيد المشرّف هو انحياز الشعب. المثقف المتخاذل يُشبهه بالـ"زمار" أو "طبّال" في حفلة رخيصة، أي مجرد أداة تسلية للسلطة. --- 🔹 رابعً...

هل في الشعر ثقافة؟

ظاهرة رجع الصوت (صداه) هي ظاهرة فيزيائية ومعروفة لدى عامة الناس، لكن هناك ظاهرة اجتماعية ذكرتني بها تواً، ولا شك أبداً في أنكم تعرفونها، ولا يساورني أدنى ريب في أنها قد حدثت مع كل واحد منكم، مثنى وثلاث ورباع. وهيَّ ظاهرة رجع السؤال، أو بالأحرى (إرجاعه)، لأن تلك الظاهرة الطبيعية تحدث تلقائيًا عند اصطدام ذبذبات الصوت بأي جسم أصم، لا يفقه ولا يعقل شيئًا، كما تعون. أما الثانية، فهي نتاج فعل فاعل من الفعل (أرّجع) على وزن (أفعل) بتشديد الفاء. على أية حال، لا أريد الخوض في غمار هذا الشأن اللغوي بخصوص الفعل ومصدره بتوسع أكثر، وسأكتفي في هذه العُجالة من هذه المقدمة بهذا التلميح المبسط والعابر. --- جرت العادة حينما تسأل أحدهم سؤالًا، أن يرد عليك بإجابة عنه، هذا إن كان يدركها، وإلا فسوف يُفيدك صراحةً بأنه جاهل بها، وبذا يكون قد أضحى في حلٍّ من سؤالك. لكن اللافت للانتباه والغريب في الأمر أن تكون الإجابة الصادرة منه متمثلة في إعادة سؤالك إليك، وكما تفوهت به حرفيًا، مع اختلاف طفيف يُشار إليه ويكمن في نوع الصوت، أي بين صوتك وصوته، وهو اختلاف طبيعي مما لا شك فيه. أفهذا ما كنت تتوقعه وتنتظره منه؟ وما ت...