الاثنين، 13 يونيو 2011

الذين لا يستحون

الذين لا يستحون، لا تستقيم ظلالهم حتى وشمس الحقيقة راسية ورأسية فوق رؤوسهم في رابعة السماء، وفي شهر يونيو القائظ الجاري من هذه السنة، من كانوا مع "القذافي" وقد آمنوا بأطروحاته وأفكاره في يوم ما، ما الذي جعلهم لا يستحون- من صنيع أعمالهم التقليدية، فهي تتشابه مع أعمال أية عصابة تعمل لصالح دكتاتور- بعدما فاح ظلمه وجوره وزيف مبادئه، التي أعلن عنها كمهام للجانه الثيرانية الهائجة؟، ففي أدبيات كتابهم ذي اللون الأخضر، أنّ فكر العقيد يناهض وبقوة الأنظمة السياسية في العالم جميعها، لأنها لم تحقق الديموقراطية بتصوره، لكونها- والكلام على لسانه وفي فصله الأول من كتابه- أنظمة نيابية، وقد عرف العالم في ظلها، أعتى النظم الدكتاتورية، وأنه سيدهم يُمقت حكم الفرد والتوريث.
قد يكون رفع مثل هذا الشعار، سبباً أو مبرراً لجرِّ الكثير من الشبّان طواعيةً، خلف عربة نظرية "القذافي" غير الفطرية، حتى تشبعوا بها وأصابتهم التخمة التي ظهر إفرازها وقيئها في أساليب تعاملهم الجائر والتعسفي ضد المخالفين لها من أبناء ليبيا في الداخل والخارج؛ لقد غرّر "القذافي" بهؤلاء الشباب وعزّر بهم منظومته الكبحيّة، وجعلهم أدوات للقتل والسحل منذ أنْ أصدر كتابه الأخـ(ط)ـر في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، وأعدهم في معسكرات لهذا الغرض، حتى أنّ أحد هؤلاء أخبرني بأنه بعدما خضع لدورة عقائدية استمرت لمدة أربعة شهور متواصلة وهو محتجز مع زملائه بداخل أسوار أحد هذه المعسكرات، أنه بمجرد أنْ خرج في عطلة أسبوعية إلى إحدى حدائق المدينة، صار يرى الناس أمامه مثل قرود (أعزكم الله)- لا تستحق الحياة في وعلى أرض "الجماهيرية"، وربما هذا ما حمل "القذافي" على محاولة تهجيره للشعب الليبي إلى تلك القارة، فهو يرانا على هذه الصورة التي بثـّها في أذهان صبيانه وعبيده، بل إنه بالغ على طريقة: اكذب واكذب ثم اكذب حتى تصدق كذبتك، في نظرته لنا حتى أنه اعتبرنا محض جرذان لا وسيلة مثلى للتعامل معها إلا بتسميمها بسموم القوارض وهذا ما ارتكبه بالفعل في "مصراتة" حيث إنه رمى بهذه المبيدات في خزانات مياه الشرب- لكثرة ما تعرّض له من تخدير ونزع  لمشاعره الإنسانية، فقرّر الفرار من هذا الجحيم الذي يمسخ البشر إلى حيوانات وكل متحرك إلى جامد بكـُرتِه وفكرتِه السحريتين.
الذين لا يستحون، هم من كذبوا وسرقوا وقتلوا ونفذوا كل تعليمات قائدهم وقاتلهم أولاً (قاتل معنى الإنسانية في قلوبهم) منذ أن تحوّلوا إلى كائنات ممسوخة لها صفات البشر وتعمل بغرائز حيوانية، لأنهم هم من زحفوا على بطونهم في زحفهم الأخضر على دولة ليبيا الأولى القائمة على مؤسسات المجتمع المدني، فـ"القذافي" لم يجمع حوله إلا زمرة من الذين لا يستحون ولا يتورعون ولا يرعوون، ولا يخشون في "معمر" لومة لائم ولا دعوة صائم، ولا يتوانون عند فعل أية آثمة، فهؤلاء الذين لا يستحون هم من نفذوا تشريعاته الهمجية وقوانينه التعسفية وفي مقدمتها قانون رقم (4)- اللي خللا ليبيا امقربعة- لعام 1978 الذي كان مُدوناًً في لائحة قوانينهم المقدسة على جدارية ما كان يُسمى بعمارة الأملاك العامة ببنغازي على هذا الشكل (4/78م) حتى قبيل اندلاع ثورة 17 فبراير المجيدة بقليل، التي مسحت أي أثر وندبة لعار على جسد بلادنا ممثلين في هذه الشعارات وكل ما يمت بصلة لهذا العهد الحاقد، الذي يبرز حقده في إصراره على الإساءة لرموز ليبيا قبل الانـ(ك)ـلاب الأسود حتى أخر خطاب له، ووصفه للعهد الملكي بالبائد، على الرغم من عدم وجود أي تهديد منهم على نظامه الخرِب، غير أنّ المستغرب هو إخراجه منذ عام أو اثنين فقط لتسجيل بائس في أيام انقلابه الأولى عرض فيه تنازل وليّ العهد الملكي لحقه في السلطة للزمرة الانقلابية، ليضفي "القذافي" على حكمه الشرعية المفقودة، فذلك الإقرار أو هو التنازل ما جاء بكل توكيد إلا نتيجة لممارسة الضغوط على صاحب الحق الشرعي.
الذين لا يستحون قلّ حياؤهم- وقلّ وجودهم في بلادنا- وانتفى من عقائدهم إلى درجة أنهم وبعد زحفهم السبعيني الأول، لم يتطوروا مع بداية الألفية، فما أنْ أعطاهم "الأخطبوط" الأمر بالزحف بالملايين، حتى خرجوا علينا من مكامنهم وبدؤوا في مواصلة زحفتهم الأولى، ولم يأمرهم بالتحرك ربما لأنه يعلم بأنهم قد شاخوا وصاروا أصلاً لا يجيدون إلا لعبة الزحف، فانطلقوا من حفرهم وارتموا على بطونهم الكبيرة من جراء ألتهامهم للسحت من غنائم زحفتهم الأولى وعلى رقعة شاسعة وبأكثر عدوانية، إذ استهدف الزحف في هذه المرة الشعب الليبي من دون تمييز، وسلاحهم فيه الاغتصاب للأجساد والأرواح والأعراض، فالزحف صنو الاغتصاب، والاغتصاب ليس بجديد على الذين لا يستحون، فهم يغتصبون الأموال ويغتصبون الأملاك، ولا هو بصنعة جديدة على "الأخطبوط" الذي مد زعانفه على امتداد الأرض الليبية، فاعتصر عنقها واغتصب هذه البلاد أرضاً وحكماً.
الذين لا يستحون هم من ينفذون ما أمرهم به من تيبس الحياء والحياة في وجهه، وتشققت أنابيب نهره الصناعي، فتقشّر وأسفر عنه وجهه الحقيقي، ولم يبقَ له من ماء وجهه سوى قطرتين اثنتين ربما ستسقطان ندماً لا حزناً قريباً من عينيه، اللتين يخفيهما وراء نظارته السوداء التي لا ترى حقيقة الواقع، الذين لا يستحون هم من ظلموا أنفسهم، الذين لا يستحون هم من اكتشفوا زيف ما تعلموه وتلقوه في معسكرات قلة الحياء والدين، وبأنّ القمع والدجل اللذين حاربوهما في الأنظمة الديموقراطية، صارا متجليين في حكم عقيد عقيدتهم ولم يكفروا بها، ولم يرجعوا عن غيّهم وصلفهم، الذين لا يستحون هم الذين لا ينتقمون ممن فعل بهم وبأهلهم هذه الجرائم، ولو بهجره واقتلاعه من قلوبهم وطرده خارجها، فقط.
بنغازي: 13/6/2011

2 تعليقات:

في 13 يونيو 2011 في 8:50 م , Anonymous عين مارة يقول...

علقت على مقال لك من قبل مابيتش تنزل تعليقي،،،، نلقاني واخذ على خاطري منك بصراحة ،،،، وقررت مانقرش المقال بتاعك اليوم،،،،، زعلااااان

لكم من الظاهرة الصوتية أعطر تحية

 
في 14 يونيو 2011 في 10:01 ص , Anonymous غير معرف يقول...

السلام عليكم
بارك الله فيك على مقالاتك الجميله وأتمنى لك ولي ولكل حر بلد ينعم بالحرية بعيد عن طحالب القذافي

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية