السبت، 4 يونيو 2011

مجنون يحكي وتافه يغني وعاقل يقرأ

ارتفع الهتاف والصراخ، بمجرد أنْ نفض عباءته السوداء، وجلس على عرشه الوثير، في لقائهم الأول به، بعد عودته من أفريقيا، وتدرج الهتاف إلى مرحلة الشدو:
يا قائد ثورتنا على دربك طوالي.. يا امخلي رايتنا خفاقة في العالي..
ويا لال لالا لالي..
لم يتمالك نفسه، وشعر بأنّ الأغنية لا ترتقي إلى مستوى المهمة التي كان يؤديها هناك، فشرع ينظر إلى الأوراق- غير حافلٍ بهم- من خلف نظارته السوداء، التي تـُخفي شخصَ الكذب الماثل في حدقتيهما- فيما كان يتقاطر من على سطورها، حبر بنود الصياغة الأخيرة لـ(مؤتمر الشغبي الغام) على كل شيءٍ، وبعد أنْ أتموا هذه الأغنية، انحنوا له جميعاً، لكأنهم مطربٌ واحد، يُحيّي الجمهور، الذي تمثــّل في شخصه الجالس على عرشه فوق الرُّكح، وبدلاً من أنْ يُصفـّق لهم، رفع أنفه بأنفة المتأفـّف من كراهة ما يشتمّ، من عرق (النفاق)، ووجّه إليهم هذا الخطاب التوبيخي، بهذه الكلمات التي لا تصدر إلا عن جمهور لا يُحسن الاستطعام والحسّ الفني:
"أنتم كذابين.. لو أنكم على دربي صحيح.. راكم طلعتو معايا والشعب الليبي كله في مشيتي لأفريقيا.. واللي يكملن عليه افلوسه منكم في الصحرا.. يوقف في مكانه ويرجاني تحت الشمس.. لين انكمل رحلتي في أدغال أفريقيا وانعود".. ربما كان يخطط لأنْ يذر الليبيين وراءه هناك، إنْ خرجوا معه.
بعد ذلك خطب فيهم خطبة عصماء وبلهاء، تخلّلتها وصلات من الفنون الثورية، التي كان أول عهد لليبيين بها، في أول لقاء جماهيري به، عند ضريح "عمر المختار"، فحاولوا أنْ يعوّضوا عن امتعاضه من الأغنية الأولى، بهذه (الشتاوة) الحارة التي يطرب لها كثيراً: "علّم يا قائد علّمنا.. بيش انحقق مستقبلنا" فيما نافستها (شتاوة) أخرى، يأتي شتاتها من المقاعد الخلفية: "اللي دار للمرأة شان.. عليه انموتو في الميدان*" واستعاضوا في أدائهم لها عن دور (الحجّالة) بثوري عتيد، حزم أمره ووسطه بخرقة خضراء، وحجّل لأكثر من نصف ساعة، حتى التوى خصره وتدحرجت من عموده الفقري فقرتان- بين قدمي القائد، فهرسهما بحذائه العسكري- من جراء هيجانه الثيراني، كلما رأى صورته تنعكس على نظّارته.. ويبدو أنّ حتى هذا الفلكلور الثوري لم يرُق له، فختم هلوسته الفكرية بعد ثلاث ساعات متواصلة، لم يخترقها أي قصًّ خلا قصّه لبعض البنود المُصاغة شعبياً بقلمه الأخضر، وخصوصاً التي تتعلق بصرف المرتبات والميزانية العامة، بعبارته المعتادة: "زين.. والكفاح الثوري مستمر" لكنه في نهاية كلمته، أدار مقعده المتحرك إلى وضعه الأول، لينصحهم بأن يستمعوا إلى رأي الوفد الأمريكي الممثل للكونغرس الحاضر لهذه الجلسة الختامية، ثم استدرك قائلاً: "اسمعوا من الميريكان.. بيش ايعلموكم الديموقراطية" فتنصل من كل هلواساته التنظيرية، غير أنّ التافهين عادوا لشتاوتهم الأولى: "علّم يا قائد علّمنا.. بيش انحقق مستقبلنا" فيما الحجّال الأول، يتأوه ويزحف على أربعه باتجاه المنصة، لينتشل ما التصق من مُضغتي فقرتيه بالفرش الأخضر، بعدما علق الجزء الأكبر منهما بحذاء سيده.
بنغازي: 3/6/2011
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): لا يعنين له سوى أداة واحدة ليضغط بها على الرجال، منذ حكمه حتى أصبح أهم إنجاز حققه لحرية المرأة الليبية، هو إقحامها في الكلية العسكرية التي جعل مبناها في وسط مدينة طرابلس إذلالاً لكل ليبي يراهن وهن داخلات وخارجات منها، ولم يجهز لهن سوى أحط شأن (الاغتصاب)، ولاننسى أيضاً أنه رسمهن في مخيلة العالم كأمازونات حارسات له.


1 تعليقات:

في 5 يونيو 2011 في 11:57 م , Anonymous غير معرف يقول...

كان تريح روحك ما هو لايم عليك حد ، جرعة زايدة من النرجسية

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية