السبت، 16 أبريل 2011

إرشادات ثورية للمجلس الوطني الانتقالي

بنغازي: 29/3/2011

تأتي هذه المقالة الإرشادية، من باب الحرص على سلامة مولودتنا الثورة، والتذكير بالشيء وتبيانه، ولست أمارس من خلالها دور الوصاية عليكم، من خلال التشكيك في مصداقيتكم، خصوصاً وأنكم قد حزمتم الأمر منذ البداية، وحزتم على الأهلية والشرعية الشعبية في المدن المحرَّرة، والتي تنتظر التخلص من ربقة هذا النظام التسلطي، الذي تسلَّط على رقاب الشعب الليبي، كما أنني لا أبتغي من وراءها اصطياد زلاتكم، ولا عقد المقارنة والمفاضلة بين حجم المسؤولية والشعور بالوطنية والثورية بيننا، إنْ هو إلا واجب وطني، يُحتــّم عليّ صياغة هذه الإرشادات، لتعزيز وتفعيل دوركم من خلال مجلسكم الشرعي المُوقـَر، والمُؤهَل لتمثيل شعبنا في هذه الظروف التاريخية الحرجة والصعبة، من خلال هذه النقاط:
أولاً : فيما يتعلق بالقرار الأممي رقم 1973
يجب أنْ ندرك بأنّ هذا القرار اكتسب مشروعيته، من خلال مطالب الشعب الليبي لحمايته من وحشية "القذافي" ومباركته لأيِّ عمل عسكري دوليّ، من شأنه أنْ يردع، ويردّ عنه الهجمة الهمجية للقذافي وميليشياته البربرية، وقد لاقى هذا المطلب الموافقة الأساسية من منظمة المؤتمر الإسلامي، وجامعة الدول العربية، التي اعترفت بأحقية شعبنا في تحقيق مطالبه، وسدّدت الكرة بقدم أمينها العام "عمرو موسى" من "القاهرة" إلى ناحية مجلس الأمن، الذي أكسى هذه المطالب، الصفة الدولية، بعد تدويله، ما يعني أنْ توجيه الغارات الجوية على آليات كتائب "القذافي"، هو قرار دوليّ، ولا مندوحة من تجاهله، وليس في أمر تطبيقه، أيّة منـَّة على شعبنا، من أيّة جهة في العالم بأسرة، طالما أنها مُتقيدة حقـَّاً بتشريعات هذه المنظومة الدولية، وما تنصُّ عليه قراراتها، بل إنّ هذا القرار، يُلزم الجميع علانية بتطبيقه، ويعاقب من يتهاون في تحقيقه على أرض وفي سماء الواقع، ويعطي للدول المشاركة جواز تطبيقه فرادى، بإخطار السكرتير العام للأمم المتحدة، كما أنه في الأساس، يقضي بأنْ يقوم (بان كي مون) بتمويله والسهر على إنجاحه، ولو أدّى ذلك إلى فتح باب المساهمات الدولية، لأجل توفير الغطاء المالي له، خصوصاً وأنّ الدولة الليبية، قد قدّمت- فيما سبق- من عمر هذه الهيأة، المساعدات المالية الضخمة والمقدَّرة بملايين الدولارات- من أموال الشعب الليبي- كمساهمة منها بصفتها دولة غنية في المجهود الإنساني، وربما حتى العسكري، لتطبيق القرارات الدولية المنبثقة من هذه المظلَّة بفروعها كافة، المُمثــِّلة للأسرة الدولية وللعالم الحرِّ.
لذا فمن واجب الأسرة الدولية، أنْ تقوم بتنفيذ هذا القرار الخاضع للفصل السابع لميثاق مجلس الأمن بلا هوادة، مادام شعبنا هو من سيدفع تكلفة هذه العمليات من أمواله المُجمّدة في ثلاجات مصارف بعض الدول المشاركة، متخلياً ومتنازلاً بذلك عن حقوقه، وموفراً على خزانة هيأة الأمم المتحدة، عناءَ وتكاليف تطبيقها لهذا القرار، للتعجيل بتسديد هذه الضربات، التي ستضع خاتمة سوداء لنظام الملازم "معمر"، وهناك حالة مطابقة لحالتنا الليبية، حين قيام مجلس الأمن بتطبيق القرار الخاص بتحرير دولة (الكويت) من قوات جيش "صدّام حسين" حيث موّلت حكومتها من منفاها الاضطراري، ومعها بقيّة دول مجلس التعاون الخليجي، المجهود العسكري، وقامت قوات التحالف (الثلاثيني) بالإسراع في تنفيذه، وقد بلغ حجم التمويل مئات البلايين من الدولارات.
عليه، يجب أنْ يكون لكم دورٌ فاعلٌ أعمق الفعل، في تصويب نيران وصواريخ طائرات التحالف نحو وجهتها، والعمل على الحصول على التنسيق اللازم، الذي يضمن نجاعة المجهود العسكري، بحماية المواطنين والثوّار من الأخطاء التكتيكية العمياء، التي قد تطالهم، وذلك من خلال الحرص على فتح قنوات الاتصال والتواصل بين قيادة حلف النيتو، وقوات الجيش الوطني، بقيادة اللواء "عبد الفتاح يونس" والضُّباط الذين تحت إمرته، من دون أي شعور بالنقص ولا الهوان، والمطالبة باستحداث لجنة دولية لمتابعة تحقيقه، أو بالدعوة لجلسات دورية طارئة لمجلس الأمن، للوقوف عن كثب لتقييم هذه الغارات الجوية ومدى جدواها، فالقرارُ قد تحصلنا عليه بإجماع نسبته 75% من أعضائه، والمال هو من كيسنا، والأرض أرضنا، والسماء سماؤنا، والعدو عدونا، ونحن المتضررين من هذا النظام، والمعنيين بأمر هذه الغارات الجوية، حتى يتحقق لنا ما نصبو إليه، وحتى نستثمر هذا القرار الأممّي، فيما يحرز تطلعات شعبنا.
ثانياً : الإعلام الثوري
حريٌّ بشُعبة التثقيف والتعبئة الإعلامية داخل الجناح العسكري وكذلك المدني بالمجلس الوطني الانتقالي- إنْ تمّ إنشاؤها- الانتباه إلى عدة أمور، منها الحذر الواجب من مقاطع (الفيديو) التي يبعثها أفراد كتائب "القذافي" إلى المواقع الإلكترونية عن عمد، وبعلم قادتهم العسكريين، ثم تصطادها القنوات الفضائية لتبثــَّها، فلهذا العمل تأثيران، أحدهما إيجابي، من شأنه أنْ يجعل الرأي العالمي، يتفطن إلى ما يرتكبه "معمر" من جرائم في حقّ الشعب الليبي والأسرى من ثوّاره، وهو لا يبالي بذلك- لسببٍ سنسبر غوره، ونتعرف عليه بعد قليل- مثل ذلك المقطع المرئي، الملتقط بعدسات هواتف عناصر هذه الميلشيات، الذي أظهر قتلهم بوحشية للمواطن الأسير المهندس "أحمد" رحمه الله وأحسن إليه، نعم هو مهندس، وليس كما ورد على شاشات القنوات الفضائية، بأنه طبيب، والآخر سلبي، يهدف إلى ترهيب قوات الثوّار، وزلزلة الأرض من تحت أقدامهم، حتى يفروا من مواقعهم، لتخلو لهؤلاء المجرمين، هذا أولاً، أما التأثير السلبي الثاني والأخطر، فهو يرمي إلى أنّ يحذو الثوّار حذوهم، لتظهر هذه الثورة في شكل ثورة دموية انتقامية، ستصطدم لاحقاً برفض الآخرين لها ولمبادئها.
في المقابل- ولأنهم ليسوا إسوة لنا- على هذه الشعبة، أنْ تشتغل على بثّ مقاطع مصوّرة للأسرى من كتائب الفاضح أبداً، الذين تم ويتم إلقاء القبض عليهم وأسرُهم، وهم يعاملون معاملة طيبة، من شأنها، أنْ تحمل الآخرين على تسليم أنفسهم طواعية، ومن دون الرجوع إلى قادتهم، وكذلك عليها تسيير الصحفيين ووكالات الأنباء العالمية، لزيارة المستشفيات المليئة بالجرحى- كما يفعل إعلام "القذافي" وهو يظهر المصابين من جراء الغارات الجوية على المدنيين، كما يعلن ويدّعي، لينال بعضاً من التعاطف الدولي، لأجل تقويض هذه الحملة العسكرية، التي أصابته وقواته في مقتل- لكسب مناصرة الشعوب لقضيتنا العادلة في التحرُّر.
ثالثاً : التحرُّك السياسي
هذا الإرشاد له شقان، أحدهما يتعلق بالموقف العسكري، والآخر سياسي، إذا لا يمكن الفصل بينهما في إدارة الأزمات، فالوضع العسكري، هو من يجبر الخصم على الجلوس على طاولة التفاوض السياسي، ويعمل على نهاية هذه الأزمة الإنسانية، فعند الاكتفاء بالزحف على الهلال النفطي الخصيب، أكرّر وأؤكد على ضرورة ألا تقوم قوات الجيش الوطني مدعوماً بالثوار، عند ذاك بتجاوزه، وأنْ تحرص كل الحرص على تحصينه عسكرياً، وذلك بعد إصلاح الأعطاب، التي لحقت بالمرافق الحيوية في المنشآت الواقعة في هذا الهلال الإستراتيجي، نتيجة العمليات العسكرية واستهداف كتائب "القذافي" لها، والتعجيل في ضخ النفط الخام إلى الدول التي تحتاجه، وما أكثر من يسيل لعابه له، باستدعاء الشركات النفطية العالمية لإبرام العقود، أو باستئناف التعامل مع الشركات السابقة، عملاً بما تعهد به المجلس الوطني الانتقالي في بيانه الأول، المُتعلِّق بالأفق والسياسة الخارجية له، الذي نصّ فيه على تحمله لمسؤولياته، وضمان احترامه للاتفاقيات الدولية، التي أجراها النظام في فترات سابقة، مع الدول والشركات والمؤسسات، التي ترتبط بعلاقات وثقى وتعاملات اقتصادية معنا، فهو بذلك يكسب ثقة المجتمع الدولي، ويعجّل من الاعتراف به دولياً.
فزحفُ "القذافي" الأخير- الذي أُصيب بشلل- على المنطقة الشرقية، وإصرار فلوله على التمسك والتمترس عند الناحية الغربية لمدينة "البريقة"، ضامناً- من ثم- حيازته وسيطرته على منطقة "رأس نالوف" وميناء "السدرة"، دليلٌ على علم وعمل "القذافي" على هذه الناحية، و إدراكه لهذه الورقة الرابحة- الجول في لعبة الورق- واللعب حتى الحصول على المكتسب التفاوضي من موقع القوة والثقة.
ومهما تكـُن الانتصارات العسكرية لصالح الثوّار كبيرة، فلا يجب أنْ يُلهيّها عن الدور السياسي، المنوط بممثل الشؤون الخارجية في المجلس الوطني الانتقالي، بحيث عليه العمل حثيثاً، لأجل كسب تأييد ومؤازرة قِوى العالم الحرّ لثورتنا، خصوصاً بعد أنْ أعلن العالم قاطبة، فقدان فاقد العقل "القذافي" لمشروعيته المفقودة تلقائياً منذ استيلائه على السلطة، الأمر الذي لا يعطيه مشروعية التعامل مع أية شركة نفطية، وتبقى المشروعية للمجلس الوطني الانتقالي، الذي في يده إجازة العبور والمرور (النفط)- مادةً وحقولاً ومصافي وأرضاً- التي تفتح أمامه الطرق المسدودة إلى بوابات وإدارات صنع القرار في العالم.
كذلك، يجب- أقولها من باب النصح لا الأمر- على هذا الممثل الدبلوماسي، أنْ يتعامل بحزم وحسم مع الأطراف الدولية على حدٍّ سواء، ولا يعطي أية جهة أكبر من حجمها، الذي تحدّده مصداقية تعاملها مع الشعب الليبي، وتقديمها ليد العون اللازم، فلا يُشكر ويثنى على أحد، من دون أنْ يكون فعله ذا قيمه، فمثلاً ما تقوم به "مصر" الآن من أعمال إنسانية بإدخال الاحتياجات الطبية والصحفيين ومندوبي وكالات الأنباء، هو عمل إنساني، تستوجبه اتفاقية (جنيف) للحقوق الإنسان، لدى نشوب الحروب، وفي حالة انتفاء قيامها بذلك، ستساءل أمام اللجنة العليا لهذه الاتفاقية الدولية، على أية حال، فإن ما تقوم به دولة "مصر" بعد الثورة هناك، تجاه الشعب الليبي هو عمل جيد، ويتباين كثيرا مع موقفها الآن، وما قامت به أيام حكم الرئيس السابق "مبارك" الذي صار في حلٍّ من بنود هذه الاتفاقية، عندما قام بتطبيق حصار مُطبق على أسوار "غزّة"، لكنْ هذا لا يكفي، وينبغي الضغط على المجلس العسكري، الذي يمثّل السلطة الحاكمة في "القاهرة" مجسداً في شخص المشير "طنطاوي" لنزع الاعتراف منه بالمجلس الوطني الانتقالي، ولو عن طريق مناشدة شباب ثورة 25 يناير، ليقوموا بهذا العبء الأخوي، بعد أنْ يعوا جيداً أنْ ببقاء "القذافي" في السلطة، تكمن خطورة على سلامة ثورتهم، التي كلفتهم تضحيات جـِسام، لكون "مصر" بالنسبة للمدن المُحرّرة شرقاً، هي الطرف الحدودي الوحيد.







0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية