الثلاثاء، 19 أبريل 2011

لعبة سيف الإسلام القذافي في مشهد الحكم في ليبيا

بنغازي في : 18/4/2011

بعد مؤتمر (لندن)، الذي اجتمعت فيه أطياف المعارضة الليبية، واتفقت على رأي واحد، جاء في مُقدمة جُملة قراراتها، وقد تمثــّـل في ضرورة تنحي العقيد "معمر القذافي" من تلقائه، عن سُدة الحكم في "ليبيا"، حينما ارتأت أنّ لا مناص من ذلك، ففي مسألة بقائه، وتواجده في منصبه غير الشرعي، تأزمٌ في الحياة السياسية وتدهورٌ للحالة الاقتصادية ، وتأخرٌ في معدلات النمو، لأنه يقف حائلاً دون ذلك، فحتى تمضي البلاد إلى مستقبل جيد، وتخرج من أزمتها وركودها، اللذين تسبّب فيهما بسياساته الحمقاء والرعناء، لا بد من تحقيق هذا المطلب، الذي يُجمع عليه الليبيون كلهم، من دون أخفض ريب، وقد لاقت قرارات هذا المؤتمر، تأييداً كاملاً من الشعب الليبي، لأنها أتت مُحقــِّـقة لطموحاته، لأجل مستقبل زاهر لأولادهم، ممّا دفع نظام الحكم كدأبه الدائم، إلى تسيّير بطانته ومريديه من المنتفعين، في مظاهرات حاشدة- راجلة وراكبة- جابت الشوارع والجادات، مُندِّدة بهذه المعارضة، وهي تنعتها بالعمالة للأمريكيين، فقامت المخابرات الليبية، بمحاولة خرق صفوف هذه المعارضة بمشاربها المختلفة، التي تنادت في ذلك المؤتمر، الذي عقب سقوط "بغداد" في 9/4/2003، مع إنها رفضت بحزمٍ، التغيّير بالمجيء على أظهر دبابات الأجنبي، على خلاف ما جرى في "العراق".
منذ ظهور "سيف الإسلام معمر القذافي"على سطح المشهد السياسي، الذي يحتكره والده، بعد مُقررات مؤتمر (لندن) مباشرة، وهو يرفع شعار الإصلاح، ليخطف روح المبادرة من المعارضة، وينادي بما نادت به هي، إذ أنه دعا- في كل شهر أغسطس من كل عام، الذي احتكره لنفسه، كما احتكر القذافي الأب، أول شهر سبتمبر لأفراحه، بذكرى انكلابه المنكوب عام 1969، ويوم 28 منه، لأحزانه على روح مورثِه القومية العربية، الرئيس المصري "عبد الناصر" طيلة أربعين سنة- إلى كتابة الدستور، الذي محاه أبوه، وإقامة دولة القانون، التي دمرها أبوه، وفصل السلطات، التي جمعها أبوه في قبضة يده، والاستهزاء بكل ما كان كائنا، منذ تعدّي والده على مفاصل الحكم في البلاد، بما في ذلك الإعلام الموّجه والصحف الليبية التابعة لمؤسسة الصحافة، التي نجحت في شيءٍ واحد، وهو أنها الصحف الوحيدة، التي تطبع بكثرة ولا يتصفحها أحدٌ، لكزنها تـُستمد من منهلٍ واحدٍ، ويُغنيك عنها، استماعك إلى نشرة الأخبار المُقدَّمة في (الراديو) الليبي، على تمام الساعة الثانية والنصف، بعد شُربك لشاي الغداء، أو إلى نشرة الساعة التاسعة والنصف، في التلفزيون الليبي الرسمي، فأراد بذلك اللعب على عواطف الليبيين، وخداعهم من ناحية مهمة، لما صار متحدثاً بألسنتهم عن واقع الحالة المُزرية، التي يحيونها في ظلَّ ظلام وظلم أبيه، وحينما قارنوا بينه وبين فعالية المعارضة، ووجدوا أنّ المعارضة، في موقف وموقع أضعف، كي يحقق رموزها ما توصلوا إليه في مؤتمر (لندن)، لكون "سيف الإسلام القذافي" هو في موقع السلطة، والأمكن والأوفر حظاً ومنصباً، من تحقيق هذه المطالب، خصوصاً أنه ابن أبيه، فانضم الكثيرون إلى مشروعه الواهي والوهمي (ليبيا الغد) الذي تكفّل بحسب المعلن عنه، بتحقيق هذه الحزمة من الأهداف السامية.
وبعد مُضي أكثر من أربع أو خمس سنين، على تدشين وبعثرة مطويات هذه الدعاية والمشروع الفاشل في كل مكان، لم تتحرك ساعة واحدة من (ليبيا الأربع وعشرين ساعة/ ليبيا الغد) إلى الأمام، بل صارت الساعة الواحدة منه، تـُقدَّر بأعوام طِوال، فلم يجنِ الليبيون- وبالأخص منهم شريحة الشباب- شيئاً ممّا انتظروا، وجعل الابن تعلـّة فشله المقصود، هي المعارضة الداخلية في النظام (الحرس القديم)، وفي الحقيقة ليس في "ليبيا" مثل هذه الجهة أبداً، لأنّ الأبِّ هو الحاكم المطلق، وهو الآمر والناهي، وهذا يؤدي بيّ وبكم، إلى حقيقة واحدة فقط، تفيد بأنّ هذا المشروع غير المشروع، جاء من باب إفقاد وإفراغ المبادرة، التي طرحها مؤتمر المعارضة من مضمونها، وفضّ التفاف الشعب من حولها، والدليل على ذلك، يكمن في هذا التساؤل: لماذا لم يقـُم بهذا الإصلاح الأب بنفسه، طالما أنه هو الحاكم الفعلي، وهو من يُمثــّـل الحرس القديم داخل كواليس النظام؟ أي بقصدٍ آخر، أنّ الأب، الذي صرَّح وصرخ كثيراً، بعدم وجود مفهوم للمعارضة في "ليبيا" كحالة طبيعية وصحية في أي نظام سياسي في العالم، أدرك بأنه في عالم الاتصالات والديموقراطيات، صار من العبث والسخف الإصرار على هذه التخرصات، وأنه لا مفرّ من الاعتراف بهذه التكوينة السياسية ونشوئها، واستغلالها بما سيخدم ويعزز بقاءه في السلطة، لذلك بحث لنفسه عن مخرج، وليته لم يفعل، لأنه صار في موقف حرج، لما سمع بما وصل إليه المؤتمرون في (لندن)، ولكي يُبطل مفعول هذه المعارضة، قام باحتكارها لنفسه، كما احتكر الحكم والثروة والسلاح قبلاً، في خطوة لم يسبقه إليها أحد من أعتى الديكتاتوريين على مرِّ التاريخ، فهذه هي حقيقة وأسباب والمغزى من وراء ظهور أو إظهار الابن على المشهد السياسي الليبي.
لذلك انقلب كل من جرى كثيراً وراء مشروع الابن، عليه، حينما أدرك أنه أُستغِل في لعبة قذرة، ما كان الهدف من وراءها الإصلاح، وإنما كسب الوقت في اتجاه تأخير التغيّير، فلا ثمة إصلاح في البلاد، وإنما (إصلاع) سيصيب رأس البلاد، إنْ استمر الأب والابن في الحكم أبعد من ذلك، فبتصوري، الإصلاح هو بيد الأب لو أراد ذلك، بمرسوم منه، وتيقن هؤلاء المُستغلون في أخر مرحلة من هذه اللعبة، بأنّ الإصلاح الحقيقي، يكمن في التغيير الجذري، وقلع جذور الفساد، بلهب الثورة، وكانت في السابع عشر من فبراير، التي استغرقت حتى يوم كتابتي لهذه المقالة ستيناً من الأيام.


0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية