السبت، 16 أبريل 2011

مسيرة الانتصار من بنغازي إلى طرابلس

بنغازي: 28/3/2011

مازال ثوّار 17 فبراير، يتفنـَّون ويحسنون صنعاً، بتلقين "القذافي" وأزلامه، دروساً وعلوماً عملية في تضحيات الشعوب وتكاثفها، والتفنُّن في كيفية إدارة المعركة وقيادتها لنفسها ذاتياً، قصيَّاً عن سياسات التدجين والتدجيل باسم القيادة الثورية، وحملات التعبئة والتبعية لأمر الحاكم الفرد المُطلق، فقد علّم شعبنا هذا العربيد "القذافي"، معنى التلاحم والتراحم والتكافل والتآزر، فيما بين مكوناته، وكيف باستطاعته، تنظيم الجيش الوطني المُؤسَّس على عقيدة الدفاع عن الوطن، والولاء للشعب، ليدافع عن نفسه بنفسه، حينما يجدّ الجّدّ، من دون إخضاعه لتعذيب التدريب العام، الذي ما كان الهدف من وراءه، سوى تكوين جيشٍ لا يتبع لمؤسسة عسكرية مستقلة، وخاضع لأوامر القائد العام، لإذلال أبنائنا داخل صفوفه ومعسكراته- بعد تخوينهم، وتجريمهم بتهمة انتفاء التحاقهم بنداءاته لهم- التي مارست قمعاً غير قمع الأجهزة البوليسية، ولإنزال الرعب في قلوبهم، وقتل روح المقاومة والإباء فيهم، بعد بعث روح الانهزامية في دواخلهم إزاء جبروته وطغيانه، وللزّج بهم في أتون حروب الاستنزاف، هذا الجيش غير الوطني، المُعدّ والمجهز بعقيدة حماية "القذافي" لا الوطن، بعد أنْ قام بتهميش وإخضاع البنية العسكرية بمختلف أركانها، لسلطته، وجعل من (كراديسه) رهن عروضه العضلاتية في احتفاله بمناسبة (1/9) من كل عام، وبإطلالة العام الذي يعقبه، حتى عزف الجيل الجديد من الشباب عن الانضمام إلى فصائله وأرتاله، بعدما شاهدوا وسمعوا بما لحق بالأجيال السابقة من أبناء ليبيا- نتيجة لقانون الخدمة الإلزامية- تحت لوائه المُنكَّس وبيارقه الخضراء الفضّفاضة، ليحوّل الشعب الليبي- فيما بعد، ونتيجة لهذه السياسات التي اتبعها- إلى شعب (مُشلـَّح) قابل للهزيمة والحصار والتجويع بالآلة التابعة لهذا الجيش، الذي سُمي لاحقاً بكتائب"القذافي"، وإلى شعبٍ فاقدٍ للإحساس بالوطنية والشعور بالكرامة فوق أرضه، وهو يتحسّس الغربة في بلاده، بدلاً من مقولته "الشعب المسلح غير ... إلخ".
نظـّر "القذافي" عن مفهومه لمعنى الثورة مديداً، حتى أنه ألف ألاف الكتب الصفراء لذلك، والشعب الليبي ينصت إليه مُضطرّاً ومُكرَّهاً، لكأنه لم يكُن ليعي، بأنّ هذا الشعب مجبولٌ على الثورة، وقد خرج حديثاً، وهو يداوي جراحه- إبان مجيء القذافي- من جرّاء ثورة عارمة، عُرفت بالجهاد الليبي ضدّ المستعمر الاستيطاني الإيطالي البغيض، أخذت أشكال الحرب والعصيان ونبذ الانصياع لأكبر قوة غاشمة آنذاك، وهو الفقير والأعزل، وقد حصدت هذه الثورة أكثر من نصف أرواحه، وهي ضريبة كبيرة، إذا ما قورنت بأية ضريبة لأيِّ شعب آخر في مقابل نيل استقلاله؛ ثم قام "معمر" في مرحلة متأخرة، بالتنظير للقومية العربية، وأنشأ القنوات الإعلامية اللازمة لذلك، في فترة الإعلام الموّجَّه، الذي لم يغِب عن سماء المشهد الثقافي والإعلامي في "ليبيا" طيلة فترة حكمه وإلى الآن، أي في أواخر أيامه، التي ما يزال يطوّع فيها قنواته وقواته الإعلامية، لأجل تعزيز بقائه في السلطة بالزيف والبهتان، وبإطالة نزيف دماء الشعب الليبي الحرّ، ولم يكُن لما قام به أي داعٍ، لأنّ الليبيين معروفٌ عنهم بُعدهم العربي والقومي ومناصرتهم للقضايا العربية والإسلامية، بل قد يتجاوزونهما إلى مناصرة القضايا الإنسانية العادلة، أينما كانت، وما حرب تحرير الجزائر ببعيدة عن المعاصرين لها، وقتما تنادى الليبيون- رجالاً ونساءً- لمؤازرة الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي بالمال والعتاد، ولا يفوتنا دعمهم للقضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 ميلادية، وحتى نهارنا هذا، ببذل النفيس والرخيص من أرواحهم وأموالهم، وهنا تحضرني كلمة صريحة وجهتها منذ عامين، على وجه التقريب، إلى أحد الضُّباط المنضمين إلى حركة الضُّباط الوحدويين (الأشرار) وهو من متابعي كتاباتي، حينما حاولت أنْ أعرف منه، مصير ليبيا إلى أين يتجه، في ظل حالة الفوضى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي تمرّ بها بلادنا، فأخبرني بأنه ينزلق إلى الهاوية، وعن رأيه الشخصي، في إيجاد مخارج ناجعة وناجحة لهذه الأزمة، وقد أبدا حيرته، فردّدت عليه: "لمَ قمتم بالثورة- الانقلاب- طالما أنّ كل شيء، كان يمضي على ما يرام، وما لزوم وأهمية كل التوجهات العبثية، التي قمتم بها تحت قيادة ذلك الشخص؟" فما كان منه إلا أنْ بُهـِت، وشردت أفكاره إلى مسافة زمنية خلفية، تقدر بأربعين عاماً.
وهناك فنٌّ آخرٌ، درج "القذافي" عليه، طيلة عقود حكمه الأربعة، وهو تنظيم المسيرات، التي غالباً ما تكون لمساندته والهتاف باسمه، أو تلك التي تكون تحت إشرافه، ويريد من خلال حناجر وخناجر ولافتات المُسيرين- لا المخيرين- على الأقدام والأوهام بالأصفاد في مسيراته، التي عادة ما توصف في نشرات أخبار قنواته بأنها (منقطعة النظير) إيصال رسالة ما، لخصومه في الداخل والخارج على حدِّ سواء، في الوقت الذي لا يسمح فيه، بخروج أية مسيرة احتجاجية على الأوضاع المعيشية، وهذا ما دجّل به طويلاً، بأنّ هذا الأمر، هو دليل على امتلاك الشعب الليبي لسلطته، فما حاجته لأنْ يتظاهر، طالما أنّ شؤون البلاد الداخلية والخارجية مُوكـَلة إليه، فيا للسخف.
هذا الفنُّ التعبوي، أعاد الشعب الليبي هيكلته وأحسن توظيفه، بعد أنْ استتب له الأمر، بتفجُّر ثورة السابع عشر من فبراير، وصار يُسيّر المظاهرات الضّخمة، الواحدة تلو الأخرى، كلما لزم الأمر، ودعت الحاجة إليها، وبطريقة عفوية، فينظمها طوراً في شكل مسيرة نسائية، وفي طور آخر، ينظمها الرجال، وقد تكون مُختلطة، وكذلك الأطفال كان لهم نصيبهم من هذه المسيرات الحضارية، أما "معمر" فما برح يستغل هذه الوسيلة الديموقراطية والظاهرة التظاهرية، لأجل الحفاظ على إمبراطوريته المتهاوية والمتهالكة، إذ أنه ومنذ أيام، ينادي إلى مسيرة كبرى، تخرج من "طرابلس" تحت شعار "لم الشمل" داعياً- كما يدّعي- أنصاره المُسيرين والمستترين من جيشه إلى حمل أغصان الزيتون، وقد رأيناهم من قواعد انطلاقتهم، وهم يهتفون بـ: "الله ومعمر وليبيا وبس" وهذا ما يجعلنا نبلغهم، بأننا لن نلتم معهم، تحت هذا الشعار، حتى لو قدّمنا أرواحنا فداء لذلك، وانتظر يا "معمر" درساً جديداً من الشعب الليبي في تخصّص آخر، ألا وهو المسيرات، حينما يُنظـّم المسيرة المُضادة لمسيرتك، منطلقة من مدينة بياننا الأول وبيانك الأخير "بنغازي" كقاعدة أمامية، وسترى كيف ستلتحم بها جموع جميع المدن، وقد وصلت إلى حاضرة وخاصرة ليبيا، من كلِّ فجٍّ بعيد، رامية بعلم الاستغلال، وحاملة علم الاستقلال، المُزركش بألوان الجهاد والنماء والحداد، ليزرع فوق كل دار في العاصمة الليبية "طرابلس" بعد الانتصار الكبير.

















0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية