المشاركات

ضياق علم

فتحت الحزام بمقدار عين واحدة، كنت قد ثقبتها فيه برأس شوكة الطعام (الفرقيتة).. في الشوكة أربعة أسنان متقاربة، جئت عند المتواجدة في الطرف، وأبعدتها بإنحناءة بإصبعي، ثم وضعتها على اللهب، حتى احمرت، وبرأسها المتوهج حفرت الحزام البني الذي زاد من الضيق على خصري، أخذ الطرف الخارجي له يتدلى فقد قصر عن حلقة البنطال الشبيهة بعروة الكأس، فكرت في أن أخلع هذه العروة من مكانها الأصلي وأدنوها بإتجاه زر البنطال المعدني غير أن في الأمر مشقة بالغة، عند ذاك قدحت في خاطري فكرة، تمثلت في أن أضع هذا الطرف في عمق الجيب لأتخلص منه. القلق الخوف الارتياب الحزن وأشياء أخرى، يتسع لها ضيق العلم على الرغم من ضيقه. مازلت أشعر بضيق في خاطري حتى بعدما فتحت ربطة العنق وأزحت الجوارب، من أين يأتيني هذا الشعور بالكدر يا ترى؟. من القلب واللا العين اصل الغية؟ لا فهذا ليس سؤالي. ضيقة العلم في القلب أم في العقل؟ بل هذا هو سؤالي. القلب جد صغير والعقل أكثر اتساعا من كل شيء، العقل به قسمان، قسم منهما يحسب ويفكر ويصل إلى نتائج رقمية ومنطقية، وفي خلفه يوجد جزء شاسع يتخيل ويبحر في أعماق التصور، الجزء الأخير يبدو...

كلينكس

حذائي الأسود تعفّر بالتراب الأبيض، وأفل بريق لمعته، لم أجد منديلاً في محل قريب، دخلت إلى مقهى صادفني، طلبت إلى النادل طرف (كلير) ناولني إياه بدينار من غير منديل، كنت ابتغيه من وراء دخولي، لأن الكيس نفد من محتواه بحسب قوله، ولم يجد فيه ورقة واحدة. صرت بحاجة إلى قطعتي منديل، فقد تلطخ أنفي بالشيكولاتة و(شنابي) بكريم الكلير، فكرت في أن أمسحهما بطرف كم كنزة القطن التي أستر بها صدري، غير أني تذكرت صديقي بوعجيلة وهو يفعل هذه الحركة المقزّزة، صرفت هذا الخاطر وجلست في مكاني، وضعت رجلاً على أخرى، وكم كان المنظر سيئاً، وأنا أمعن النظر إلى حذائي، الحاجة وليدة الاختراع وكم كنت في مسيسها إلى منديل، ضمّمت يديّ على ركبتي، وجعلت شيئاً فشيئاً أدنو بوجهي من الحذاء، فكرت في أن أمسح أنفي و(شنابي) في عنق الحذاء وأتخلص من هذه اللطخة باللقطة هاته. لا علي،ّ فلست أكترث بأحد في أيِّ تصرف أقدم عليه في حياتي ولا أقيم لغيري وزنا،ً مادمت مقتنعاً بما أفعل، فكل أفعالي مدروسة وتخضع لمراجعة ذاتية، لكن تلاقي الأنف بالقدم أكثر استحالة من تصادم متوازيين. أين ذهبت المناديل؟ قطعة الكلينكس كفضائح ويكليكس، على جنبا...

أعين وأنوف

لا أتذكر وجود باب بمصرعين أسودين من حديد، لا يشف من وراءهما ضوء ولا صورة ولا حتى خيال، بمحاذاة قاعدته مصطبة من عتبة واحدة إسمنتية متعرجة تضغطه ستة طوابق إلى أسفل، في الجهة المماثلة من المبنى يبدو مدخل آخر للخروج الطارئ عند ذروة الازدحام به باب حديدي أسود أيضا، جعلت له سطيحة تحمل خمسة أعمدة بينها مسافة تسمح بالكاد لمرور اليد إلى الداخل، تشخص عدة مقاعد خشبية من لوح فاخر غرست في مساندها وإلى أعلى علامة من وراء قطعة بلاستيك شفافة مكتوب بداخلها (milano) على مساند هذه المقاعد لطالما ارتخت الأجساد ومدت الأقدام على حواشيها في استهتار وعنجهية، لا تنتهي إلا عند تسلل المشرف (صاروخ) القابض على مصباح يدوي (بيلة) يبهر الأبصار في عتمة المشاهدة والمتعة. في وسط الواجهة ثمة باب أتذكره بعرض أربعة أمتار مثبت على سكة ينزاح مصراعاه إلى اليمين واليسار محدثا فارقا في المنتصف، يلج من خلاله القادمين، في لحظة الدخول، يقابلك باب خشبي بمقابض ذهبية يجلس أمامه عامل إلى جانبه صندوق خشبي يرمي في عمقه قصاصات التذاكر، وعلى يمين المدخل ثمة يافطة كهربائية تلصق عليها الأفيشات للأفلام التي ستعرض بعد إسبوعين، وإلى...

ولد شارعنا

يمتلئ الكيس بالعملة السهلة يفرغها (اطوالة) في جيبي جاكته الجينز ذات الأزرار الصدئة، ويسقط المعدنية منها في جيبي مؤخرة سرواله المتمزق الأنسجة نتيجة احتكاكه بالمصطبات الجيرية والإسمنتيه، والمبقع بقطرات الشحم والزيت المحروق في محاولات من ساكبيها غير الراغبين في وجوده عندها لطرده من دون أن يعرفهم، مغبة جبروته.. يثب كغزال مرتفعا على كتفي أحد المزدحمين أمام الشباك ثم يتكئ كسندباد مفترشا بساط ريح الهواء وقدماه على الجدار وجبينه يلتصق بقفا أحدهم.. بالكاد تنفذ يده داخل الفتحة البوخوخية، نتيجة تدافع وتماوج الزبائن وما هي إلا لحظات حتى تخرج مكمضة وبداخلها التذاكر المتكرمشة.. يحتفي به أبناء شارعه وسرعان ما يمضي نحو البائع ليشتري لنفسه قرطاس رياضي وشكولاطة حليب امقزرة وحلواء حارة أح أح أح وزريعة أكثر من ثلثي محتواها ملح مر، ومستكة المجارة وشاهي كيس في كوب لكأنه صنع من منديل ناعم لا يصل به إلى الباب إلا وقد انسكب على قميصه.. يصمت أبناء شارعه ولا يعارضون، فإن هو أرجع لكل واحد ما تبقى من ماله شكروه- وندر حدوث ذلك- وإلا اعتبروه مكافأة يستحقها عن جدارة، فأغلب من اصطفوا في أول الطابور هم الآن في مؤخرته...

ذات عشية في سوق العشية

طيور على أشكالها تقع، حمام على أشكاله يطير، حيوانات على أشكالها تصدم، باعة صحون باعة صابون وأحذية وملابس باعة قطع غيار وغيار أطفال، شامبو صانسيلك وبانتين وشامبو تركي علبته كبيرة ورائحته مثل رائحة بول أردوغان، حبوب للعصافير والديوك البشرية التي ترفع اﻵذان ولا تصلي، قطط مستوردة لا تتمتع بحاسة المواء، أمواس حلاقة أمواس بقر سكاكين مطبخ ملاعق معالق ألبسة، أقفاص ومعدات كهربائية ومستلزمات بناء. (يفتحلك الله) هناك لا تسمعها، ففي سوق اجنيهين الكل يبيع ويبتاع، سيارة نصف نقل تصل لتوها محملة بأكياس القمامة، وما أن تفرغ شحنتها حتى يأتي الحارق ليشب فيها النار، في لهفة من مفتشي الروبابكيا، شعلة نار قدحت في طرف سرير خشبي، أب وأبناه يسحبانه من الجهة اﻷخرى فوق ربوة من النفايات لا كمامات على أفواههم يتنشقون الرداءة، بين السديم يلوح خيال شخص حاملاً في يده دجاجة توقوق بينما طفلته تطلق فرحة رنانة "الدجاجة دحت يا بابا".. ومن هناك يبدو شبح بني أدم غائصاً وغائراً بين بقايا ثلاجات وإلى قربه مسن أسمر يتحسس باباً حديدياً مُقتلع من جدار بدهان أخضر، يفصح عن أنه كان لمؤسسة حكومية لطالما أُغلق في وجوه ...

المجاملات مشاينات على حساب الوطن

ثمة مثقف أخبر صديق مشترك بيننا بأن "زياد العيساوي" متطرف فيدرالي، وهو من أصل للفكر الفيدرالي وحقوق برقة، وهو من يتحمل تبعات هذا السلوك الذي وقع فيه نشطاء كثيرون. بصفتي من منظري الثورة قبل اندلاعها، وهذا ما لا تستطيع أنت ولا غيرك جحوده، فأنا أدرك بأنها عملية إزالة وإزاحة لأجل البناء، ولما كانت منظومة القذافي خربة ومنخورة بالسوس، وجب هدمها، بعد مشاركتك يا أيها القوّال في عمليات اﻹصلاح والترميم، التي سبقت الثورة وفشلت بعد خطاب سيف القذافي، الذي اعتبر فيه والده خطاً أحمر، وهو من يشكّل ما نسبته 99% من الحلّ في ليبيا، مع أنه بنظري أصل المشكلة والانهيار الذي عصف بليبيا منذ اقتلاعه لدستور الاستقلال. وما استبعاده لنسبة 1% إلا لحفظ خزانات أمواه وجوهكم، لأنه يعرف بأنكم ستحمدونه على هذه النسبة الضئيلة التي منحها لكم. ولكوني دارساً للبعد الاجتماعي والتاريخي ولطبيعة الشخصية الليبية، أدركت بأنّ الفيدرالية التي كانت ميثاق تأسيس الدولة الليبية والعقد الشرعي لها وبإلغائها ينفرط عقد تأسيس هذا الكيان المُسمى بليبيا، لذا كنت من أوائل من التفتوا إلى هذا الطرح والتفوا عليه، فنحن لسنا حديثي العهد ب...

حركات

-تسمّر إزاء لوحة تجريدية، فانكسرت الألوان على وجهه، حتى أدّمى. -جاور مُجسَّمها في الميدان، لم تقلع الطائرة، فانبطح ورأسه إلى أعلى. -راقب النفاثة حتى ابتلعت الغيمة عينيه فمطرتا ملحاً. -شرع يفتح مصرع الباب، فانغلق من الجهة المقابلة. -وقف تحت صورة الزعيم وهو يقبض كفّيه، تسلق الماسورة علّه ينتزع منه ذاك الشيء المسلوب. -صهلت الخيول وكسرت السياج فارة من حاستها السادسة، فيما ظلّ صاحب المزرعة يجهز الأسرجة. -سمع انطلاقة الصاروخ ولم يبلغه صداه، خرج يصرخ بتقطع:" بووووووووووووووووم بوووووم بوم "ويداه تضمان أذنه، والأخرى بها سماعة موبايل. -تذكر بأنه (راقد ريح) وضع يديه في جيبي بنطاله (شحّط) وجنّح قماشتيهما وطار تحت الريح. -نعس ولم تغمض عيناه، وضع مرفقه عليهما واختبأ في ماسورة الخيال، وصاح مردداً وهو يعد (1 -2 -3) النوم خلف الجدار ليجرفه السبات. -صبّ الشاي في الكوب الآخر، انحنى مع الخط الذي رسمه الشاي المصبوب في الهواء حريصاً على عدم تساقط قطره منه على الأرض، أعاد النقلة العكسية فأضاع مقدار ما التصق منه بالجدار الداخلي للكوب الثاني. فبردت شاهيته للشاي.