صـديـق الـنّـمـل
"بنغازي مدينة صيفيّة ، صيفـُها حقيقي ، و شتاؤها مُزيَّف ، مهما تلبدت في سمائها الغيوم ، لا تسفر عن موسم مطير ولا حصادٍ وفير ، فهي مُؤذِنة بالكآبة" .. "أنا" . صحوت على قرصة بطعم حمض النمليك أو الفورميك ( HCOOH ) من نملة صغيرة ، هي في حجم سن القلم ، على ورقة ناصعة البياض ، في غير لون بشرتي .. يبدو أنها قد أزدردت ملح جيدي ولم تستصِغه .. أزحت الغطاء عنيّ .. قدماي مُثلجتان ، الغطاء ثقيل ، إلا أنّ البرد بداخلي أثقل ، جفناي مُثخنتان بالأرق الأ ز رق المتحولق حولهما ، جفناي بوزن شعر الرمشين ، لكنهما ثقيلان ، بثقل شبابيك البيوت في الشتاء ، التي لا تفتح للهواء ، وإنما لأشعة الشمس من خلف الزجاج ، وبحمل خفّة شِباك الصيادين الخاوية في صباحات البحار الشتوية .. ما كادا أنْ يرتفعا .. ليس ليّ خلاصٌ إلا في شُربة قهوة ، فتـّـشت أسفل وسادتي ، فلم ألفِ سوى خمسين قرشاً (5 قروش × 10 قطع) أسنانها مشروشة ، مثلما أسنان القِرش ، تسبح تحت مخدتي المُعطـَّرة بالقرنفل .. توجّهت إلى الخارج بقدم مُنتعِلة وأخرى حافية ، وأنا (أُشكـّـشك) النقود في يدي ، فتحت باب البيت ، ندهت على الصغير "زياد...