الخميس، 26 مايو 2011

ليس جلداً للذات

عندما ثار الشعب التونسي في ثور الياسمين على حكم رئيسه المستبد، كان يعلم بأنه مُحاصَرٌ ومُحاطٌ بستارين فولاذيين لدكتاتوريتين عربيتين شرستين في ليبيا والجزائر، وتعيش حكومته وأجهزتها القمعية على دعمهما من عائدات النفط والغاز فيهما للرئيس "بن علي"، لدرجة أنّ الكثيرين اعتبروه صنيعتهما في تونس منذ عام 1987ميلادياً، ولا يمكن بأية حال، أن تتركاه لمصيرٍ هو الآن عليه- الإطاحة به ثم هروبه- إلا أنّ ذلك لم يفت في عضد هذا الشعب، وأصرّ على ثورته، ولم يستطع لا "معمر" ولا "بوتفليقة" فعل شيء لحماية رجلهما، وتركاه يتجرع كأس الهوان والذلّ، وبمجرد أن فاحت نسائم عبير الياسمين أرجاء شمال أفريقيا، وضع البعض عندنا مناديل الخوف، بل لا أجدني أبالغ إذا قلت كمّاماته، ساداً بها أنفه كي لا يتلذذ بعبقه، مفضلاً أنْ يستنشق  ما تطلقه مجارير معسكر باب العزيزية من نتانة الطغيان، بقـُمع القمع وسحّاحة السحل، حتى لا تصيبه عدوى هذه الثورة الأم، فتخطانا حتى وصل إلى "القاهرة" فسرى هذا العبير في رئة البلاد وطهرها من تلوث الطغيان الأسود الذي يسبح في سمائها، فأصيبت بمنشط الحرية الذي مدّ في أوصالها معنى الكرامة، فثارت مصر بشعبها، لا تلوي على شيء سوى الانعتاق، غير مبالية بأنها بين شقي رحى حليفين لنظام الطوارئ في مصر (المحروسة) بعدوين مجرمين هما ليبيا وإسرائيل، وهو الذي خُوِف مديداً بعمالة "مبارك" لإسرائيل، وأنها سوف لن تتركه فريسة لأنياب الثورة والجياع في مصر إن وقعت، وقد وقعت فماذا قدّمت إسرائيل وليبيا القذافي له، ها هو الآن في عداد السجناء.
لقد تأخرنا واستصغرنا قدرتنا، وبواهيات الحجّج تحجّجنا ، بأننا كنا نخشى من تأييد "مبارك" و"بن علي" للقذافي، في حين كان هو نفسه العامل المشترك ضد ثورتي "مصر" و"تونس"، ومع ذلك نجحتا رغماً عن أنفه المتغطرس وما يمتلكه من إمكانات، مع العلم بأنه ولا شك يعرف ما يعنيه سقوط رديفيه وذراعيه في هذين البلدين.
في الماضي ومنذ ثلاثين عاماً، ساءت علاقة "القذافي" بالنظامين القائمين في هذين القطرين العربيين، أيام الرئيسين "السادات" و"بورقيبة" الذي لم يستطع "معمر" ليّ رقبته أبداً على الرغم من فقر تونس وحاجتها إلى المال الليبي ولو على حساب شعبنا، وكثيراً ما استهزأ بتهوره في حضوره، ولعلّ تسجيلات الـ(فيديوهات) تحفظ بعضاً من المقاطع للمشادات الكلامية (الهزايب)، التي حدثت بينهما، مثل ديكين في حظيرة مليئة بالدجاج، الغلبة فيها، تحسم دوماً لمصلحة الأكبر سناً والأقدر على المناورة، فيرمى ويعزل الديك المهزوم خارج الحظيرة، فكانت للرئيس"بورقيبة" القصير القامة على الديك الطويل الأهبل، الذي لم يحدث بعد نتوئين في قدميه كعلامتين لنضجه، وقد قدّم الرئيس الراحل هدية للشعب الليبي في إحدى هذه المقاطع القديمة (بلا ألوان) حينما جعل من "القذافي" (قراقوزاً شكوكياً) ومرّغ أنفه في الرغام، وجرّده من أية حنكة سياسية، وأي قدر من المسؤولية في إحدى المرات والممرات الضيقة، التي يصعب عليه الفرار منها، لكننا ما رميناه خارج بلادنا، ومثله فعل الرئيس الراحل "السادات" في مصر، الذي نعته بالمجنون واتقى شر القذافي بحربٍ ردعته عن مصر، وانضمّ إليه الرئيس السوداني "جعفر النوميري"، ولا ننسى كذلك رئيس تشاد "حسين حبري" فكانت الظروف مواتية وتصبُّ في صالح الشعب الليبي، بيد أنّ "القذافي" حوصِر في تلك الفترة وعُزِل عن إقليمه، ما دفع إلى إمكانية الثورة على نظامه المنبوذ وقتئذٍ.
لست ممن يثبطون العزائم، لكني بعرضي لهذه الأحداث والشواهد، أردت أن أفسّر إصرار "القذافي" على قمع الشعب الليبي في هذه الثورة، وتبيان سبب إيغاله في دماء الشهداء والمغتصبات من بناتنا، فقرار الثورة ضد حكمه، كان بأيدينا قبل أن يكون رهينة للظروف الإقليمية، التي صبّت لعديد السنين في بحرنا الهادئ الذي لم يضطرب ويهـِج إلا الآن، فلست أستغرب منه أن يستقدم المرتزقة ليغتصبوا ماجدات ليبيا، وهو المجنون الذي حذرنا منه الرئيس "السادات"، ووضعنا قطن مصر طويل التيلة في آذاننا كي لا نسمع شيئاً، مع علمنا بأنّ المجنون لا يرعوي عن فعل أيّ شيءٍ.
حتى وقت قريب، تجمدت في عقلي قناعة قد تكون متطرفة، مؤداها أن على الشعب الليبي أن يتوقف عن مظاهر الفرح جميعها، فلا يضحك ولا يلهو ولا يلعب ولا .......، حتى يكون جديراً بالحياة فيهنأ بها، لما يتخلص من هذا المجرم.
زياد العيساوي
بنغازي في : 25/5/2011






0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية