الثلاثاء، 17 مايو 2011

ثورة أنغام

الفنان الثائر والمقاتل: مسعود بويصير





ارتمى الجميع في أحضان ثورة 17 فبراير الدافئة، وساندوها بحسب جهودهم وتخصصاتهم واهتماماتهم، فناصرها المثقف والكاتب والشاعر والقاص والرسّام والرياضي والمهندس والطبيب والمعلم والأكاديمي والتاجر والحرفي وغيرهم، حتى ممّن عملوا في يوم ما مع النظام السابق، الذي خلعناه مثل ضرس صدئ، نخره السوس، في عملية غاب فيها المُخدِّر(البنج) الكامل والموضعي، على الرغم من المعاناة، التي تلقيناها، ليقيننا بأنه لا طائل من بقائه، غير الصداع والصديد والألم، وكنا براء من تناول المخدرات، التي اتهمنا بتعاطيها، فارتسمت روح الثورة في الكلمة واللوحة المُعبِّرة والمُحاضَرات والندوات المتواصلة ومداواة المصابين والجرحى، وغاب النغم المُعبر عن الألم، وعن الفرح، وعن التضامن مع هذه الثورة.
قـُبيل يوم 1/9/2009 ميلادية، أي في أخر احتفالية كبيرة لـ(اعميرينة) بعيده الأربعين، التي غاب فيها أي مظهر شعبي، على خلاف ما كان يحرص عليه دوماً، وهو يسوق الجموع إلى مثل هذه الاحتفالية، فقام بحصار مدينة "طرابلس"، وفرض عليها حظر التجوّل للمشاة، والتجوّال لذبذبات وأجهزة الاتصال، كما يفعل في هذه الأيام، حيث إنه منع أهلها من الخروج في ذلك اليوم، واكتفى بالعرض العسكري لكتائبه من جنود وآليات عسكرية، من ضمنها، منصات وراجمات صواريخ (جراد)، هي ذاتها التي نراها في هذه الأيام، وهي تدكُّ مدننا وقرانا الحبيبة، وأشرك إلى جانبهم بضعة (كراديس) عسكرية رمزية، تمثل كل واحدة منها، دول الاتحاد الأفريقي، تحت غطاء من طائرات دول من كانوا أصدقائه إلى وقت قريب من الرؤساء الأوربيين، في حضور بعض الرؤساء الأفريقيين والعرب، ولم أشكّ البتة في الغرض من ذلك العرض العسكري، الذي أقامه منذ سنتين، متواقتاً مع شهر رمضان المبارك، فقد أراد به إخافة الليبيين بحلفائه من الأمم الأخرى، فقبيل ذلك اليوم، بعث إليّ أحد رؤساء التحرير في الصحف الليبية رسالة، مدحني فيها وأطنب بالحديث عن إعجابه بمقالاتي الفنية المتصلة بالأغنية الليبية حاضرها وماضيها، ثم طلب إليّ، كتابة مقالة بهذه العنوان: "الأغاني الوطنية التي عانقت ثورة الفاتح" واعداً إياي بمكافأة مالية مجزية من نثريات هذه الاحتفالية، التي احتكرها "القذافي" لنفسه، لتحتفظ بها الذاكرة الليبية الجمعية، ولتثبت ملامحها للعالم، بأنّ مجيئه للسلطة، لم يكُ على أكتاف الليبيين، كما أيّ ثائر حرّ، بل على متن الدبابة مثل أيِّ انقلابي؛ فاستفزّني طلب ذلك المُحرِّر، وجعلني أردّ عليه مباشرة، إثر ورود تلك الرسالة إلى (إيميلي) من دون أي تحضير: "يبدو أنك لا تستحي"، مع أنني هادئ الطباع، ولست حاد المزاج ولا انفعالياً، لكني لم أتمالك نفسي، لكوني أحسَّست من خلال عرضه، أنه يعاملني معاملة المُرتزقة والمأجورين، أو أنّ أحدهم، هو من أوعز إليه بذلك، ليختبر ولائي للنظام لا للبلاد، بعدما شعرت بأنّ المقدمة الطيبة، التي جاءت في رسالته بخصوص مقالاتي الفنية، ما هي إلا مجرد نفاق واستمالة ليّ، إذ أنه لو قرأها جيداً، لما وجدني قد كتبت أية مقالة، تطرقتْ لأية أغنية من النوع الذي يقصده، فحتى أثناء تناولي لبعض الأسماء من الملحنين والمطربين في ليبيا، حرصت أشد الحرص، على تجاهل ما قدّموه من أعمال من هذا القبيل، على الرغم من محاولة وافتخار بعضهم بها، وإدراجها في قائمة الأعمال الوطنية، فمسكت العصا من منتصفها، لما انصبّ اهتمامي على ملكاتهم الفنية، وبعض أعمالهم الإنسانية فقط، لقناعتي بأنّ الأغنية الوطنية قد غُيَّبت، في عصر جمهرة و(تقذيف) الأغاني، لإفراغ هذا اللون الغنائي الإنساني والعاطفي من مضمونه، واقتلاع أي معنى للانتماء للوطن في الغناء، واختزاله في شخص "القذافي"، حتى اندلعت ثورة 17 فبراير، وفجّرت معها ثورة الأغاني، بعد أنْ أفقنا على أنه لا يوجد نشيد وطني واحد، يعبّر عنا مثلما يوجد في أي قطر عربي آخر، فنفضنا الغبار عن نشيد الاستقلال، ونشيد (سوف نبقى هنا/عادل المشيطي) الذي كان في يوم ما، زميلي في مدرسة أبي عبيدة بن أبي الجرّاح الثانوية ببنغازي، وأغنية (يا بلادي/أحمد فكرون) وقد ذكرت في إحدى مقالاتي، بأنها ستبقى وأغنية (بلد الطيوب/محمود كريّم) أغنيتي الوطن الأوليين، لصفائهما وخلوهما من أي دنس في الكلمة ونجاسة في اللحن، وهذا ما أكد عليه (تلفزيون) وقنوات النظام، إذ أنه ترك كل ما في مكتبته الإذاعية من أغانٍ تمجد رأسه، واستعان في ضائقته، بأغنيتي (يا بلادي) و(سوف نبقى هنا) ولم يكتفِ بذلك، بل إنه لشدة افتقاره حتى للهتافات ذوات المعاني المُحركة للمشاعر، راح يأمر الهتّافين التافهين التابعين له، بأنْ يرددوا ما يزلزل- في الأصل- أركان النظام من شعارات الثوّار، من مثل: "دم الشهداء.. ما يمشيش هباء".
هناك عنوان جميل لملحمة وطنية، اقترحه على فنانينا، خصوصاً من الأوائل، من مؤلفين وملحنين ومطربين، عنوانه (ثورة نغم) يستلهمون كلماتها من مشاعر ساحة الاعتصام، التي أُسميها (ساحة التغيير) وإيقاعاتها من رحلة الثوار من المنطقة الشرقية حتى طرابلس حينما يحين النصر، بالمناسبة أعجبتني أغنية (عاشت بنغازي والبيضاء) لفنان شاب التحم بثورة الشباب منذ تفجرها، وكذلك أغنية لفنان مقاتل، ردّ بها على "القذافي"- حينما ظهر على أسوار السراي الحمراء بطرابلس في مشهد أشبه بـ(هولاكو) وهو على أسوار بغداد-وهو يأمر حرسه: "غنوا وارقصوا وقاتلوا"، وهو يمسك الكلاشنكوف بيد، والقيثارة بيده الأخرى، و يغني:
سوف يبقى وطني قوياً .. سوف يبقى وطني عالياً
سوف يبقى وطني حُرّاً .. سوف يبقى وطني طليقاً..
يسبق كل احتفال بعيد أعياد (اعميرينه) هرجٌ ومرجٌ وتنافس بين المطربين، حول من أول من عانق انقلابه في مدينتي بنغازي وطرابلس، ولم يتم الفصل في ذلك بعد، ولعلّ هذه الحيرة، جاءت من صالح من فعل تلك الفعلة، ولو عن حسن نية، إذ لم تعرف الطويّة الخبيثة لصاحب ذلك الانقلاب بعد، من جرّاء رغبة الناس في الإصلاح آنذاك، حتى اندفعوا وراء موكب الانقلاب في شوارع البلاد، ولم يسأل أحدهم من يسير في جانبه: هل تنتظر إصلاحاً ممّن قام بانقلاب؟".
وإحقاقاً للحقِّ، ثمة مجموعة كبيرة من الأعمال الغنائية الباطلة، التي تغنت بالقذافي ومجدته، امتازت بألحان جميلة جداً، من مثل أغنية (شعوب العالم/محمد رشيد) و(ع الإنجازات/مصطفى حمزة) أراه لا يستحقها، وينبغي علينا ألا نمجدها بل نجمدها في رفوف مكتبته الإذاعية، ونقوم- فيما بعد- بإرجاعها إلى الشعب، فهو الخليق بها، بتغيير كلماتها، والإبقاء على ألحانها، وبخاصة أغنية (لما الشعب اختار الصعب)، غناء: "عادل عبد المجيد" ولحن "يوسف العالم".. لم أضع اسم الشاعر، لأنّ الكلمات لا تهمني، وقد اقترحت عليكم من البداية، إبدالها بكلمات عاطفية أو وطنية أو حتى للأطفال، فهي من ثروة الوطن المسروقة، ولا تقل قيمة عن أرصدتنا المالية المُودَعة والمُودَّعة في أفريقيا وبقية قارات العالم.
زياد العيساوي
بنغازي:17/5/2011






















































0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية