الاثنين، 31 يناير 2011

إني آراها بيضاء

إنّي آراها بيضاء، نهاراً، وفي المساء، مُبرقـَعة بنجمة وهلال في سماء "مصر"، هو رآها سوداء، في حرب الخليج الثانية، إبان غزو العراق للكويت، فأناط بنفسه دور الناصح الأمين لـ "صدام حسين"، بعد أنْ ناشده باسم العروبة والإسلام الانسحاب منها، غير مُدرك بأننا كلنا، كنا على يقين تام بهزيمة "صدام حسين" وقتذاك، وحتى وقت قريب، كان إعلامه يروج ويتباهى بأنه حاكم عقلاني وحكيم وواقعي، ميّالٌ إلى الاعتدال.

لعبة ساعة:

تفاقم الأزمة في "مصر" في هذه الأيام، مرهونٌ بعامل الزمن، فإذا أصرّ الشعب المصري المُتحلق حول دبابات النظام الرابضة في ميدان التحرير، والمنتظرة الإشارة من القائد الأعلى للقوات المسلحة هناك ـ ما يزال "حسني" هو من يشغل هذا المنصب حتى الآن ـ للفتك بالشعب، لا أظنها ستتورع عن ذلك، إذا ما تحصّل على اللون الأخضر من الإدارة الأمريكية، التي نراها في هذه الأيام، تصدر بياناً تلو الآخر، وكأنّ "مصراً" هي الولاية الواحدة والخمسين، لاسيما أنها تساوي في مساحتها ولاية "تكساس" ـ مليون كيلومتر مربع ـ وتشابه خريطتها الجغرافية، خريطة هذه الولاية المشتراة من القيصر الروسي؛ الغريب في الأمر والعُمر، هو أننا لم نستمع إلى أي بيان صادر من الحكومة المصرية المؤقتة أو المنحلة أو التصريفية لمجارير الأزمة، تندّد فيه بالتدخل الأمريكي السافر والخاسر في الشؤون الداخلية المصرية؛ فإذا أصرّ الشعب المصري على موقفه المطالب بالتغيير، بعد أنْ كان حتى وقت قريب، قنوعاً ويطالب بسقف قصير من الإصلاحات، مهما بلغت التضحيات الجسام، فإنّ النظام المصري سيكره على التنحي، لا مراء في ذلك، أما إذا خارت قواه واستسلم لمؤامرات النظام ـ الذي غدا ينشر الفزع بين صفوفه ـ وعاد إلى البيوت، فلن يتغيّر شيءٌ، وهذا ما يراهن عليه النظام الميت سريرياً وكرسياً.

ضبط النفس:

ما فتئت الخارجية الأمريكية تعرب عن قلقها، وتدعو إلى "ضبط النفس" إزاء أي أزمة تندلع في العالم العربي، وكثيراً ما كانت تنصح الجانب الفلسطيني بهذه العبارة، التي لا معنى لها في القاموس الواقعي للأحداث، فهي في حقيقتها، تعني المطالبة بالمزيد من الخنوع، فحتى أثناء عدوان "إسرائيل" على "غزة" و"لبنان" كانت تطالب العرب بضبط النفس، مع أنّ العدوان واقع عليهم، فأي ضبط للنفس هذا، التي استمرأت توجيهه حتى في هذه الأيام بصدد الأزمة المصرية؟.

احتمالات مصرية:

هل سيتوقف الدور الأمريكي عند هذه السياسة المطالبة بضبط النفس، أم أنها ستقوم بفلتان النفس، لأجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بخصوص مصالحها المرتبطة بالنظام المصري المتعجرف والمتهالك؟ ـ إنّي آراها بيضاء ـ ولا أستبعد أنْ توعز الإدارة الأمريكية إلى "إسرائيل" باحتلال أراض مصرية، في هذا الوقت، على الرغم من المعاهدات التي بين الجانبين، فإسرائيل تدرك في واقع الأمر، إنّ اتفاقية "كامب ديفيد" صورية مع نظام مستبد، مع أنها قانونية ولبست رداءً دولياً، رغماً عن أنوف الشعب المصري، الذي صمت طويلاً ـ الصمت هنا، ليس الفعل المعاكس للكلام، ولكنْ التحرك ـ ذلك لإلهاء المصريين كشعب ـ فطبعا سيُعلم النظام بذلك قبل حدوثه، إنْ حدث ـ وبثّ البلبلة السياسية في "مصر" وفرض سياسة الأولويات على الشعب، فقبل التغيير يتوجب التحرير، ومن ثم العودة إلى المربع الأول، مربع ميدان التحرير، الذي ستتقلص أضلاعه، أو أنْ يكون أمراً واقعياً؛ لأي حكومة وطنية منتخبة مستقبلاً.

رفع سقف المطالبة:
المطالبة بالديموقراطية، هذا أمر بات الفروغ منه ـ والقفز على عتبته في سلم الحريات ـ واجبين، فعلى الشعب المصري بعد نيله للحرية والديموقراطية ـ أني أراها بيضاء ،ولست أرجم بالغيب ـ أنْ يلتفت إلى ما هو أهم وأبعد من ذلك، وهو تقوية شوكة بلاده، التي صارت مضحكة الدول، من عهد بعيد.

 

إذا كان الجيش المصري وطنياً، كما يأمل المصريين، فعليه أنْ يتوجه إلى حماية حدوده الشرقية، أي بقصد، إلى مربع التغيير في سيناء، بعد أنْ يترك المتجمهرين في ميدان التحرير، لا لأن يعلن الحرب على "إسرائيل" ويعطي الذريعة لها، كي تقوم بما أخشى منه، بل عليه، أن يقوم بتنمية هذا المربع "شبه جزيرة سناء" وتعميره، خصوصاً وأنه يساوي في مساحته ثلاثة أضعاف المساحة الجغرافية للكيان الإسرائيلي، وأنّ "مصر" تستهلك ثلثي حصتها من النيل فقط، وترمي بالثلث الآخر في مياه البحر المتوسط ؛ على هذا الجيش أنْ يمتشق الفؤوس، ويزرع هذه الصحراء القاحلة، بتحويل رافد من مجرى النهر إلى هناك، ليشكل هذا الفضاء صمام وحزام أمان في وجه التوغل والتغول الصهيوني إلى "القاهرة"، فإلامَ ستظلّ هذه الصحراء ملعباً وساحة تدريب لمرور الدروع الإسرائيلية، فعلى المتذرعين المنهزمين بقوة "إسرائيل والمتدرعين فوق وفي مدرعاتهم،  والمستعرضين بطائراتهم الحربية فوق سماء القاهرة ـ إني أراها بيضاء ـ لقمع الشعب، من الجيش المصري، في ميدان التحرير، أن يدركوا هذه الحقيقة، ويحققوا لشعبهم نصراً ميدانياً،  بعدما فشل هذا الجيش، في تحقيق انتصار واحد لبلاده وللعرب على الصهاينة، فحتى حرب أكتوبر 1973 ميلادياً، كان النصر فيها مجرد دعاية ساداتية سادية، لتلميع وتبريق هذا المنظومة الحاكمة، لتسود الشعب فيما بعد، تحت شعار زعيم الحرب والسلم، وعلى المعتصمين ألا يأمنوا شرّ هذه الدبابات المتخلخلة والمتخللة لحشودهم ، تـُرى لماذا لا يقوم المتجمهرين هناك بإنزالهم من دبابتهم من دون التعرض لهم؟.

حقيقة ما كان يروج له النظام في مصر:

ثمة من كان يدندن: "إن مصر دولة مؤسسات" ورأينا بأمهات وآباء أعيننا، إنها كانت مؤسسات تخضع للنظام الحاكم، فحتى جهاز الشرطة الذي يفترض به أنْ يسهر على راحة المواطنين، صار المُروع الأول لها، بعد أمر من النظام، ناهيك عن المؤسسات الأخرى التشريعية والتنفيذية ـ بما في ذلك المؤسسة العسكرية، التي لم تصطف بعد إلى طابور الشعب ـ وكل ذلك في غياب النظام الديموقراطي.

...

إني أراها بيضاء، لا كما رأيتها أنت في عام 1990 ميلادية، ولن تسمع بعد اليوم، تلك المقولة التي جعلها نخباويوك القمعيون، أبجدية في الدراما والمسرح المصريين: " أنا ما بحبش السياسة" فقد صار الكل يتابع ويحب السياسة.













5 تعليقات:

في 31 يناير 2011 في 6:14 م , Anonymous سعاد يونس يقول...

الكاتب زياد العيساوي مودتي وتقديري .
تغدو كل السبل وصولا مؤقتة أمام نيل الحريات .
تقبل مروري وأحترامي لقلمك النابض .

 
في 31 يناير 2011 في 6:41 م , Anonymous غير معرف يقول...

احبب ان اعقب علي كلامك اخي الكريم.
بالنسبة للخسائر المادية التي تكبدتها المؤسسات الحكومية في مصر, أليست هي اقل بكثير من تلك التي تصرف في فترة الانتخابات, طبعا الدماء لا تقدر بثمن, ولكنه استفتاء حقيقي من الشعب وكذلك لكونه هبة شعبية اعتبر ضرورة تغيير هذا النظام الحاكم, رغم ما يترتب عليه من موجة سياسية قد تضر بالبلدان العربية المجاورة والغير مجاورة لمصر و كذلك الاتحاد الاروبي وامريكيا واسرائيل, الذين يترقبون ولا يعرفون ما هم فاعلين امام ثورة لا تعرف مالا ولا اوراقا وعسكر.

 
في 31 يناير 2011 في 8:18 م , Blogger Unknown يقول...

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بارك الله فيك قراءتك للوضع الحالي واقعية وصادقة وخلاصكم الله من هذا الحاكم العميل للصهاينة والامريكان المجرم القاتل لشعبة فرعون مصر في عصر الاتصالات وفقكم الله ونصركم علي هذا الدكتاتور السفاح

 
في 31 يناير 2011 في 9:44 م , Anonymous غير معرف يقول...

لا..اراء الا معرضا لصورك..وخوصوصا الي فيها لابس نظارة سوداء..وعجيب تراها بيضا...عندك بعد نظر..خلي نظرك قريب..الدكتاتور قريب منك..وياريت تشوف البياض..عندنا

 
في 1 فبراير 2011 في 11:13 ص , Anonymous غير معرف يقول...

تحياتي صديقي زياد العيساوي على كلماتك النيرة
المخلصة أبتسام أبوستة

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية