المشاركات

سلك رفيع بين الجيب والقلب

بقلمي، أستطيعُ فعلَ أيَّ شيءٍ. أُجمِّلُ القُبحَ، وأُقبِّحُ الجمالَ، أرسمُ به وطنًا، وأخطُّ به حدوده، أشقُّ به دروبَ الخيالِ الأخضر، وأنحتُ على صخورِ بلادي ذكرياتٍ عن الحبِّ، وقصصًا عن العشق، وحكاياتٍ من التضحيات. أهدمُ به عروشَ القهر، وأبني به مدنًا فاضلةً، ينالُ فيها الإنسانُ حقوقَه. أُلوِّنُ به عيني حبيبتي، بالأخضر؟ بالأزرق؟ لا، بل بالأسود. أُدوِّرُ به وجهَها، وأنقُشُ على خدِّها خالًا أَسمر، لتبدو عربيةَ الملامح. وبه أرسمُ سمكتينِ حولَ عينيها، كأنَّه كحلٌ، قلمي. في يدي، أجعلُه عصا مايسترو، وبإشارةٍ مني تعزفُ الفرقُ أعذبَ الموسيقا. أكتبُ به كلماتِ أُغنيةٍ عن وطني، عن ثورتي، تُنصفهما كما يجب. بقلمي أُحوِّلُ الحمقىٰ إلى بهلوانات، يضحكُ عليهم الأطفالُ الجوعى للابتسام. قلمي لا ينبري، ولم أشترِ له مبراة، ولا تُزامله ممحاة. قلمي ينبري بحبِّ الوطنِ والناس. قلمي لن يضيع، لأنه في جيبي، وموصولٌ بسلكٍ غير مرئيٍّ بقلبي. قلمي في أفواهِ الأطفال، حمّالةٌ حُلواء (مصّاصة)، وفي أيدي الشيوخِ والعجائز، عُكاز، وفي أيدي الحسناوات، مرودُ كُحل، وفي أيدي الحزانىٰ، ريشةُ دندنة.

التراكم بوصفه مجازًا اجتماعيًّا وسرديًّا في نص تراكمات للكاتب زياد العيساوي

الملخص يقدّم نصّ «تراكمات» (2010) للكاتب الليبي زياد العيساوي نموذجًا فريدًا للسرد الاجتماعي الساخر الذي يتخذ من مفردة واحدة – «التراكم» – مفتاحًا دلاليًا لقراءة الواقع الليبي عبر أربعة عقود. يمزج النص بين الإيقاع الشعري التكراري والمشهد السردي الواقعي، متحوّلًا من مجرّد تأمل لغوي في ثقل الحياة إلى وثيقة رمزية عن تآكل الحلم الوطني وتناوب الأجيال على الانتظار. تحاول هذه الدراسة، بمنهجَي التحليل الاجتماعي والسيميائي، الكشف عن بنية النص وإيقاعه، ورموزه الأساسية مثل الطابور و الوزير و الملف المتنحف ، بوصفها علامات على الفساد الإداري والانسداد الوجودي. كما تسعى إلى قراءة التراكم باعتباره مجازًا لتاريخ من الأعطال المؤسسية والنفسية التي مهّدت لانفجار التحولات السياسية في ليبيا بعد 2011. المقدمة كُتب نص «تراكمات» سنة 2010، في لحظة كان فيها الوعي الجمعي الليبي مثقلًا بالإحباط من النظام البيروقراطي المتصلّب، ومن تكرار التجربة المعيشة عبر أجيال متعاقبة دون تغيير جوهري في شروط الحياة. في تلك اللحظة، كانت مفردة التراكم تعبّر عن شيء يتجاوز الاقتصاد أو الإدارة إلى المجال الوجودي والاجتماعي وا...

هزيمة حماس.. بين طوفان الأقصى وظلال المختار

تحت عناوين خاطئة، وفي ظروف غير ملائمة، وفي أزمنة غير مواتية، تحدث حروب نتائجها خاسرة. بكل ما أوتيت من حماس وما أملك من حزن، أعلن بأنه قد خسرت حماس الحرب، ولا أظنها ستقوى على رفع راية المقاومة بعد الآن، وأي آن هو؟ إنه آن قبولها بشروط ترمب، فقد آن الآوان لهزيمة حركة حماس، ولا اقول المقاومة. لقد حان الوقت لأجيب عن سؤال لطالما طالعته على حسابات الأصدقاء، هذا سياقه: (لماذا لم ينتقد البعض مقاومة عمر المختار للإيطاليين، لاسيما أن تلك المقاومة قد جعلت المستعمر الفاشي يُنكّل بالبرقاويين؟). لقد دخل المختار في السلم مع المحتل الإيطالي، تلبية لأمر الأمير إدريس السنوسي ومراعاة لعذابات البرقاويين، التي أخذت شكل الإبادة بشتى صنوفها، واستمر على ذلك، حتى نقض الفاشست بعد وصولهم للحكم، اتفاقية السلم، بينما كانت غزة محررة، وإن كانت محاصرة أشد الحصار، غير أنّ المدبرين لعملية طوفان الاقصى، ارتؤوا بأنّ هذه العملية ستحرّر الأسرى الفلسطينيين، إذا ما دخلوا في حالة تبادل للأسرى في صفقة سيعقدونها مع الصهاينة، ولم يعلنوا بأن من ننائج هذه العملية تحقيق المصلحة الفلسطينية، برفع حالة الحصار المطبق على القطاع، وهي أهم...

مقامرات

في غرفة عالية ومظلمة المدخل، يتوسطها مصباح يتدلىٰ وينبعث منه لون أحمر، يمتزج بسحابة أعقاب التبغ البائتة والمُبتلّة بلعاب المتعطشين، يعلو منضدة متهالكة ومجروشة الحواشي تتوزع عليها أكواب تتلطخ ببصمات أصابعهم على بخار الماء الذي يكسوها، وتنضح منها رغوة لا تكوّرها الرياح الصافعة للستائر السوداء على النوافذ البحرية، يرتفع الصراخ على نغمة صرير باب القبو النافث لرائحة كريهة، مُعلِنًا الشيطان في الخفاء  بعدما حجّل على المنضدة وركل أنخابهم ولفّ طرف عباءته على صدره بأنهم برحوا لتوهم مقاعدهم، بعدما قامروا على الحكم، وبأنّ كل عمليات الاغتيال التي اقترفوها غير مدروسة ولا مضمونة النتائج، وبأنّ طعناتهم المرتجلة لم تصب غير ظلالهم على الجدران.

الطفولة كذاكرة ساخرة في نصوص زياد العيساوي: من الصف إلى الشارع إلى المدينة

المقدمة يُعد الكاتب الليبي زياد العيساوي أحد الأصوات الأدبية المعاصرة التي ركّزت على الطفولة والذاكرة الشعبية، من خلال سرد واقعي نابض بالتفاصيل اليومية، ومشحون بالسخرية والنوستالجيا. تسعى هذه الدراسة إلى تحليل النصوص الثلاثة: (نوستالجيا.. رابعة خامس)، الهتش، وبنغازي مدينة بلا مرجع، لتوضيح كيف تتحول الطفولة من مجرد زمن براءة إلى فضاء سردي متعدد الأبعاد يمزج بين اللعب، مواجهة السلطة، واستحضار الذاكرة الجماعية للمدينة والمجتمع. فرضية الدراسة: الطفولة عند العيساوي ليست زمن براءة فحسب، بل مختبر خيالي-ساخر يُجسّد الصراع مع السلطة، ويمكّن الراوي من إعادة صياغة الذاكرة الشخصية والجماعية. الفصل الأول: الطفولة والنوستالجيا 1.1 المدرسة كفضاء سردي في نص (نوستالجيا.. رابعة خامس)، تتحول المدرسة إلى مسرح للطفولة والمغامرة الصغيرة. تفاصيل الحكاية اليومية مثل البرد، الرياح، دموع نادية، الشعر والممسكة الفراولية، تخلق عالماً يضم اللعب، الشقاوة، والخيال. مثال من النص: "أخذت هيأة الديك، كان يدهشني هدؤها وطمأنينتها، سال لعابي لدفء السعرات الحرارية، فتخيلت الممسكة قطعة حلواء، استلّلت يديّ من جيبي نحوها....

رابعة خامس

ذات صباح بارد، مدّت الرياح ذراعها من خلال ثقب بالنافذة، قارصة بأصبعيها أذني، حتى تخيلتها أدّمت، بلّلت أصبعي بلعابي وحكّكت أذني به، كنت اجلس في ظهرها، هي وجليستها سماح، ذات الشعر المنسدل على الكتفين، طوال الحصة، أراقب شعرها المعقوس المزين ببممسكة فراولية اللون، أخذت هيأة الديك، كان يدهشني هدؤها وطمأنينتها، سال لعابي لدفء السعرات الحرارية، فتخيلت الممسكة قطعة حلواء، استلّلت يديّ من جيبي نحوها وبأظفار قد حشاها رماد الورق الذي حرقناه قبل تحية العلم بأمر من ناظر المدرسة، قبضت عليها، حاولت شدّها زامًا وجهي نحوها، وخدّي قرب خدها، لأراقب شدة توجعها، انهمرت من عينيها دمعتان صامتتان، وسُرعان ما تحوَّل الدمع إلى نهر يخترق ويحفر خديها، كلما أمعنت في الشدّ، مثل فلاح أراد أن يقتلع شجرة تين تتشبث جذورها بالصخر، فأضفر، وظهري يرتطم بالمسند، بضفيرتين تلتفان كأفعى على أصابعي حدّ تيبُس الدم، أُمضي وقتًا طويلًا في فكّ عقدتيهما المحكمتين من على أصابعي، ثم انفضهما إلى أسفل، فتصل جذورهما إلى الأرض حذو حذائي المُعفَّر بوحل الطريق، بينما بصلة الشعر لا تنفك من أصابعي بمادتها الدهنية، ارفع أصبعي يدي الأخرى من على...

عمر المختار

 لا اتخيّل عمر المختار إلا على صهوات الجياد والجهاد، حتى لما أُعدِم، ارتفع جسده، ولم تلامس قدماه الأرض. صورة المشنقة لحظة إعدامه، رأيتها كفرس مهيضة، قد سكنت وسكتت، فلم تصهل في غَمرة الفاجعة. 2011