رحلة الكلمات على خطّ الأعداد

ما هما الرقمان اللذان إنْ قُمت بجمعهما، فسوف تتحصل على الرقم ستة كناتج لهذه العملية؟.. عزيزي القارئ، خذ هذا السؤال، وقُم بطرحه على أربعة أشخاص ممن يحيطون بك، وبعد ذلك، انظر إلى ما سوف يجيبونك به عنه، ستجدهم وفي طرفة عين، يأتونك بأربع إجابات متباينات تساوي في مجملها عدد هؤلاء الأشخاص، وعلى الرغم من كونها مختلفات، إلا أنها صحيحات، حينما يذكرون لك هذه الإجابات: (0+6)، (1+5)، (2+4)، (3+3).. ثم اسألهم: هل من مزيد؟.. ستراهم يهزون رؤوسهم سلباً، قُم بعد ذلك بتغيير العملية الحسابية من كونها جمعاً إلى طرح، وبادر شخصاً آخراً بهذا السؤال: ما هما الرقمان اللذان إنْ طرحت أصغرهما من الأكبر، فسوف ينتج لديك الرقم ستة باقياً؟.. ستجده وفي لمح البصر، يكيل إليك سيلاً جارفاً من الإجابات التي تفوق الحصر، ما من شأنه أنْ يرغمك على الاكتفاء ببعض منها وعن رضا، ومن بين هذه الإجابات التي سترد على لسـانه ومـن ثم إلى مسامـعك: (7–1)، (8–2)، (9–3)، (10–4)، (11-5)..إلخ.

ماذا بعد؟.. دع الخمسة وشأنهم، وابقَ معي لشأن آخر، فلعلك لاحظت معي، إنَّ الإجابات الناتجة عن العملية الثانية (الطرح) أكثر بكثير منها التي نتجت عن العملية الأولى (الجمع) وبعد أنْ خلصت بنفسك إلى هذا الأمر، أتمنى عليك ألا ينفد صبرك، لأنني ربما قد أثقلت عليك بهذه الأسئلة والإجابات البديهية، فلازلت اطمع في سعة صدرك معي، حتى أتشجع لطرح سؤال ثالث، ولكنه في هذه المرة سيكون موجهاً إليك بشكـل مباشـر، وسـؤالي هـو: ألديك تفسيرٌ لهذا البون الشاسـع بين الإجابات الثانيـة والأولـى؟.. أخالك ستعتمد عند إجابتك على إحدى القواعد الرياضية المُسلم بهـا (المسلمات) فمن نافلة القول رياضياً: (إنَّ أيَّ رقم نقف عنده، فإن عدد ما سيليه من أرقام يفوق عدد ما سبقه منها).. وعلى خلفية هذه الأسئلة التي استهللت مقالي بها، وما لحقها من إجابات أيضاً، يطيب لي تواً، أنْ اقترح عليك رأياً ولك مطلق الحرية في الموافقة عليه من رفضه، ومقترحي هو، أنْ تصطحبني في رحلة على خط الأعداد وأعدك قبل أن تتسرع في إبداء الموافقة أو إعلان الرفض، بأنك سوف لن تندم أبداً حال موافقتك، ذلك أنّ الرحلة سوف لن تطول، وستتخللها عديد المحطات والوقفات، كلما اعتراك شعور بالتعب أو انتابك الملل.

بدايةً، وقبل كل شيء، سامنحك كل الحقِّ في أن تسألني سؤالاً، أجزم بأنه طائف في خلدك في هذه اللحظات، وهوّ: ما الذي سأجنيه من رحلتك هذه؟.. ولأنني لازلت مرتاباً بخصوص موافقتك على مقترحي، سأحجم عن الإجابة، لأتيح لك الفرصة لاستشفافها بذاتك، وحتى أرّغبك وأثير فيك الفضول، لتكون على درجة عالية من الجاهزية والإقبال على هذه الرحلة التي ستخلص في نهاية مطافها وعند خاتمة المقال إلى ما أردته منها، كأنني بك في هذه الآونة تهمس في أذني قائلاً: (إنني على أهبة الاستعداد).. إذاً هيَّا بنا نبتدئ المشوار، ولتكُن انطلاقتنا من نقطة الصفر إلى ما لانهاية في الإتجاه الموجب على خط الأعداد، وتحديداً على الإحداثي الكارتيزي الصادي (الرأسي) وإياك ثم إياك، أنْ تنزعج من لفظ (ما لا نهاية) فكما أخطرتك، أنَّ الرحلة سوف لن تكون طويلة، إلى جانب كونها فكرية وممتعة، ولن تتطلب منك أيَّ مجهود عضلي يُذكر، ذلك أننا لو جعلنا خُطانا طليقة للعنان على خط الأعداد،  فلن نصل إلى أية نهاية حتماً، ومرجعية ذلك عائدة إلى أنَّ للأرقام بداية، ولكن ليست لها نهاية، كما نعلم جميعاً.

إذاً تخيَّل نفسك واقفاً معي على خط الأعداد، بعد أنْ نقوم بتقسيمه إلى فترتين، وعلى النحو الأتي:-

الفترة الأولى: هي المحصورة بين الصفر والرقم ستة، التي تشمل عدداً من الأرقام، يُعد على أصابع اليد الواحدة، مضافاً إليه عدد أصبعين من اليد الأخرى، باحتساب الصفر من ضمنها، في هذه الفترة، إذا أردت الوصول إلى الرقم ستة من أية نقطة تقف عندها، فهذا معناه، أنْ تنتقل إلى أعلى حتى تبلغ غاية الهدف، ما معناه، أنه يجب عليك أنْ تصعد بضع وحدات طولية، هي في أصلها الفارق بينهما، وستخلص بعدئذٍ، إلى أنَّ النقطة التي كنت عندها بالأساس، هي أساس هذا البناء الذي تبني عليه خطواتك، مثلك كمثل من لديه مبنى مؤلف من طابق واحد، وأراد أن يجعله مكوناً من ستة طوابق، فهذا يقتضي منه إضافة خمسة طوابق أخرى، وإذا كان مبـناه مـن طابقين فقط، فـعليه أنْ يُضـيف إليهما أربعة طوابق أخرى (وهكذا دواليك) وبعد هذا كله، سيتضح لك أنَّ الفرص غير متعددة في هذه الفترة لتحقق مناك وتسمو بمبناك.

الفترة الثانية: هي الفترة الممتدة من الرقم ستة إلى ما لانهاية، وقبل أنْ اتناول وإياك ما يخصُّها، دعني أولاً، أُقرُّ بأنني قد ارتكبت خطأً جسيماً حينما أنهيت الإجابات الناتجة عن عملية الطرح لدى سردي لها بعبارة (إلخ) فقد كـان حـرّياً بـيّ، أنْ أنهيهـا بعـبارة (إلى ما لا نهاية) لأنه لا حد لها، ومع ذلك، سنستقطـع منها مقطعاً محدوداً نجري عليه بحثـنـا، ويبـدأ من الرقم ستة إلى النقطة التي تحمل الرقم الحادي عشر مثلاً، مع الأخذ في الاعتبار، أنَّ كل الأرقام التي تعقبه، ينطبق عليها الأمر ذاته، هنا وفي هذا المقطع المختار، سنجدُ أنَّ الرقم ستة هو الأساس الذي تمّ عليه البناء في هذه الفترة، أي أنه يمثل نقطة الصفر، خلافاً لما كان عليه الحال في الفترة السابقة التي كان يمثل فيها غاية المراد، فإنْ كنت تقف عند أية نقطة أعلاه، ومهما كان علوها عنه، فأنك وبكل توكيد قد مررت قبلاً بالرقم ستة ثم تجاوزته بعد حين، فإذا شئت الوصول إليه من جديد فهذا معناه الإياب هبوطاً، وبمثل ما حللنا به في الفترة الأولى، عندما جئنا على ذكر مفهوم البناء، هنا سنجد أنه لا مناص من أنْ نتحدث عن مفهوم الهدم، فلو كان لديك مبنى مكوّن من ثمانية طوابق، وأردت أن تكتفي بستة منها، فالوسيلة الوحيدة لذلك، هي أنْ تهدم طابقين منه.. دعنا الآن نكتفي بهذا القدر ونرجع من حيث بدأنا، أي إلى نقطة الأصل (الصفر) لنصل إلى خاتمة هذا المقال.

الخاتمة: أما وقد عُدنا أدراجنا من هذه الرحلة، وقد امتلأت جِرابنا بعديد المعاني والكلمات، التي أعي بأنك قد توصلت إليها بنفسك، ولكنْ دعني اسردها للسادة القراء الذين كانوا يراقبون تحركاتنا لتعم الفائدة، فالكلمات التي اقصدها هي كثيرة، وربما قد قرأتها حين ذكري لها ضميناً أثناء تناولنا للفترتين على خط الأعداد، وهـي: البناء، الهدم، الصعود، النزول، البداية، النهاية، الإضافة والنقصان.

فـلا تستغرب لكونها متعاكسات، لأنَّ الموضـوع برمـته مبنيٌ علـى التضاد من أوله، فهما عمليتا الجمع والطرح من سيّرتاه وتحكمتا في مجراه، وانبثـق منهما كل هذه المعاني المتضادة، فإنْ كانت صفة البناء الماثل في الفترة الأولـى (الجمع) هي الصعوبة، فلا غضاضة إن قلنا: "إن صفة عكسه، تكون معاكسة لصفته"، أي بقصد: أنَّ صفة الهدم الماثل في الفترة الثانية (الطرح) هي السهولة، وهذا أمرٌ لا جدال حوله، فكلنا نتفق على أننا إذا أردنا أن نهدم أسهل علينا من أن نبني، وما يدلل هذا القول، أنك لما طلبت من أربعة أشخاص أن يجيبوك عن السؤال الأول، جاؤوك بأربع إجابات فقط، ولكنك حينما سألت شخصاً واحداً، أتاك بفائضٍ من الإجابات.. بقيّ أن أنوّه إلى أن ما أجريناه على الرقم ستة يصح مع كل الأرقام، بما فيها الصفر، بل أن الصفر يوضح الفكرة بجلاء أكثر، فإذا أردت الحصول عليـه جمـعاً، لن تجد إلا عملية واحـدة، وهــي: (0+0) لكنك إذا أردت الحصول عليه طرحاً، فهذا يعني أنك ستطـرح من كل رقم مقدار نفسـه، كما يلـي: (1–1)، (2–2)، (3–3) إلى ما لانهاية، ما يعني أنك ستهدم المبنى من أساسه وتنسفه من الوجود.


بنغازي فــي: 2005.8.20


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعادلات الصعبة

نصيحتي للثوّار : لا تتجاوزوا رأس لانوف

جاء ليزرعها فدحرته وحلفاءه