نتائج حرب غزة

(مظاهر الفرح)

إنّ احتفال الفلسطينيين في قطاع غزة بوقف إطلاق النار، لا تفسير له بتصوري، سوى أنهم قد تأذوا من هذه الحرب، وما يؤكد هذه الفرضية- ولا ازعم بالحقيقة- هو أن هذا الاحتفال لم يسرِ على اليهود.


(ارتداد عكسي النتائج)

بظني، لم يستفِد الشعب الفلسطيني من عملية طوفان الأقصى في شيء، بل كانت الاستفادة لصالح الشعبين في سوريا ولبنان ومن دون حُسبان، فمن تداعيات هذه الحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، هو سقوط النظام المستبد في دمشق، وفقدان حزب الله في لبنان لقوته، واضمحلال النفوذ الإيراني في المنطقة، وهذه الاستفادة ستعم من ثم على الشرق الأوسط بأسره.

وهي نتائج عظيمة، لم يكُ في الوسع تحقيقها ولا حتى تخيلها قبل ذلك.

وقد تكون المصلحة الفلسطينية الوحيدة المترتبة على هذه الحرب للجانب المضاد لحركة حماس ومن لفّ لفّها، إذ أن هذه الحرب قد أضعفت- ولا شك- الحركة عسكرياً وسياسياً، وربما حتى اجتماعياً.


(أسباب الحرب)

لهذه الحرب أسباب مُعلنة، وأخرى يُبرَّرها مؤيدو حركة حماس.

فور انطلاق عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتور من العام المنفرط، أعلنت حركة حماس جهاراً نهاراً، بأنها اضطرت إلى القيام بهذه العملية التي أسفرت عن أسر عدد من اليهود من العسكريين والمدنيين، وقد أرادت بها في تتمة المطاف، استبدالهم بأسرى فلسطينيين يقبعون في سجون الاحتلال، وقد ظنّ المخطط الفلسطيني بأنّ هذه العملية هي من تخطيط فلسطيني من دون مشاركة ولا إيعاز من حكومة الملالي في طهران، التي بدورها صرّحت بأنها لم تُحَط علماً بها من قيادة حركة حماس، وأن القرار كان فلسطينياً خالصاً على الرغم من إعلان تيار المقاومة التنسيق فيما عُرِف بوحدة الساحات التي تشمل لبنان واليمن وسوريا والعراق بزعامة ودعم وأمر إيران، فظنّ صاحب القرار بأن هذه الحرب ستكون كسابقاتها وقد احتمل ووضع وعاءً زمنياً لها أقصى ما يكون شهراً، وأن بمقدور حماس أن تمتص حماس المعتدي الذي سيأتي طوعاً بعد إعلان وقف إطلاق النار لمبادرة عربية أو دولية تقضي بدخول الطرفين لصفقة تبادل الأسرى، لتتمكن الحركة فيما بعد من تحرير عدداً كبيراً من أسراها وآخرين من الفلسطينيين، ووضع فرضية أن عدد المحررين سيكون كبيراً، بالمقارنة مع عدد اليهود المأسورين المصطادين من معسكراتهم وقواعدهم، غير أن هذه الحرب أتت بغير ما توقع راسم هذه الخطة ولا مؤيدوها المحتشمون أو غير المعلنين، حيث جاء رد فعل جيش الاحتلال قاسياً على المدنيين من سكان القطاع فأوغل فيهم القتل وارتكب صنوفاً من الإبادة حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يربو عن خمسين ألفاً، هذا عدا المصابين والمفقودين والبيوت المدمرة.

غير أن المبررين من الناحية العسكرية لعملية طوفان الأقصى يقللون من شأن هذه الخسائر الفادحة ويعتبرونها فاتورة متوقعة- لم تُتوقَع أصلاً-لأي نضال من أجل التحرير، ويقيسونها- الليبيون منهم- بمقاومة عمر المختار للاحتلال الفاشستي مع أن القياس فاسد ولا يستقيم، فالمختار رحمه الله، كان يذعن لشرعية السنوسي التي أوجبت الجهاد حتى أتاه الأمر بالدخول في السلم بعد معاهدة عكرمة التي أوجبت في بنودها منج البرقاويين بعض من حقوقهم، واستمرت المقاومة ولم تنقطع كما استمرت حالة السلم حتى ارتد الإيطاليون عن هذه المعاهدة وشطبوا كل ما وقعوه عليه بموجبها، إذ ذاك تحتم الواجب الديني بمواصلة الجهاد ذات الغازي الصائل، فيما حركة حماس قد انشقت عن السلطة الفلسطينية منذ عام 2006ميلادياً، ولم تشهد مقاومتها الاستمرارية.

وثمة مُبرِّرون آخرون، من الجناح السياسي، يعلّلون عملية طوفان الأقصى، بأنها جاءت لتقطع الطريق على التقارب الأخير بين السعودية وإسرائيل، وليّ نظرٌ في هذا الخصوص، حيث أرى أنّ من تداعيات هذه العملية وما عقبها من حربٍ، هي الأطول في نوعها وزمنها بين الحروب التي شنتها دولة العدوان على العرب، أنها ستٌسرّع من هذا التقارب الذي سيتوّج بتطبيع العلاقة بين المملكة وإسرائيل.

ولمن يستغرب وجهة نظري، اقول بأنني لم آتِ بهذا الرأي من فراغ، فقد اعتدنا بعد كل هزيمة، أن يتنازل العرب عن بعض المبادئ والثوابت نتيجة لأية خسارة، ولمّا كانت المبادرة العربية التي أعلنتها المملكة السعودية في قمة بيروت لعام 2002 م  قد اشترطت قيام الدولتين لقاء إقامة علاقة طبيعية بين العرب والإسرائليين، ونتيجةً لهذه الهزيمة المدويّة، فقد يغيب هذا الثابت المُشترَط.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المعادلات الصعبة

نصيحتي للثوّار : لا تتجاوزوا رأس لانوف

جاء ليزرعها فدحرته وحلفاءه