السبت، 9 يوليو 2011

تقييم الوضع الراهن وطرح أفكار ذات بعد سياسي

مازال الوضع السياسي في ليبيا على حاله، ولم يخرج من حالة الثورة، واستمرار حرب التحرير في المرحلة الثالثة منها، التي بدأت وخرجت سلمية لنيل حقوق المواطنة والعيش في ظل حياة كريمة يكتنفها المساواة والعدل، إسوة ًبشعوب العالم التي تتمتع بالمناخ الديموقراطي، غير أنّ قمع "القذافي" لها، هو من جرَّها إلى الثورة المسلحة للدفاع عن النفس ودفع الضرّر في مرحلتها الثانية، ولأنّ روح اللحمة الوطنية تجسدت في أجلى صورة لها مع اندلاع هذه الثورة، كان لزاماً على المدن المُحرَّرة، أنْ تنتقل بثورتها إلى مؤازرة المدن المحاصرة، فأرسلت بشبابها الثائر لأجل فكّ الحصار وتطهير هذه المدن من براثن الدكتاتورية، لكي تلتحق بعربة الثورة، ما أدى إلى تدويلها، وجعلها قضية دولية بعد تحولها إلى مجلس الأمن والسلم الدوليين.
لقد كان المشهد السياسي في ليبيا في ظلّ حكم العقيد القذافي استثنائياً، ما جعل من ثورة 17 فبراير ثورة استثنائية هي الأخرى، فاتخذت هذه الأطوار الثلاثة، لتكون ثورة جامعة ومانعة لكل مظاهر الثورات، محركها الدافع الذاتي الذي جمع بين الشعب بعامة، وهو تفاقم الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدلات الاضمحلال لا النمو، وانتشار الأمراض الاجتماعية المزمنة، والتذمر من حالة القمع والتعسف.
وقبل أن تصل الثورة إلى منتهاها بإسقاط نظام "القذافي" عند تحرير المدن المحاصرة كافة، لا يجب على الثوار النزول من على قمة الجبل والانشغال بتقسيم الغنائم والأغنام، لأنّ العدو ما يزال رابضاً في السفح، ويتحين الفرصة وهو يتربص بهم الدوائر والمربعات والمستطيلات والهرم الذي ما يزال على قمته وإن فقد الشرعية (شرعية الحكم والشرعية الثورية)، لذا يصعب خلق أي كيان سياسي بمؤسساته في هذه المرحلة، لأن الأنظار ستكون مشدوهة ومشدودة وموجهة نحو هذه الغاية قبل أي شيء ثانٍ، فلا يجوز أبداً القفز على هذه المرحلة إلى مرحلة تكوين البنية السياسية التحتية من العدم، فتجربة الديموقراطية في ليبيا، تستلزم في البدء صياغة الدستور الوطني الذي ينظم الحياة السياسية، وتقرّه لجنة مؤلفة من فقهاء السياسة، تُرشح بالاستفتاء والإجماع الشعبيين، فالعمل خارج هذا الإطار القانوني سيكون غير قانوني، علاوة على أنه سابق لأوانه، طالما أنّ البلاد لم تتحرر بعد من ربقة الدكتاتورية، التي منعت وجود أي مظهر ديموقراطي شعبي في ليبيا طِوال 42 سنة من الاستبداد والاستعباد.
غير أنّ ذلك، لا يمنع من تصور الحياة السياسية- ووضع الخطوط العريضة لها- التي ستكون عليها بلادنا بعد ذلك، وسوف لن نجترح المستحيلات ولا نجتهد في هذا التصوّر، فهناك قوالب ديموقراطية معمول بها في سائر بلدان العالم الديموقراطية والمتقدمة، سواء في الغرب الأوربي أو أمريكا وبعض الدول المسلمة، التي خاضت هذه التجربة السياسية الديموقراطية منذ فترة بعيدة مثل أندونيسيا وماليزيا وكذلك تركيا، التي استطاعت ممارسة هذا الحراك السياسي، مع أنّ التجربة الديموقراطية في تركيا، لم ترتقِ بتصوري إلى مصاف الدول التي تساوت فيها مكونات شعوبها العرقية والأثنية، من حيث المشاركة في الانتخابات وحق التصويت والتمثيل، فهي لم تساو بين الأتراك والأقلية الكردية بهذا الشأن، فمسألة البحث والتنظيم لأجل إيجاد النظام السياسي البديل لنظام القذافي الفوضوي قبل وبعد سقوطه، هو مضيعة للوقت، وقد يدفعنا إلى منزلق آخر مازلنا لم ننتشل أرجلنا التي غرقت فيه حتى الركب، وهو قيام القذافي بتجاهل الأنظمة الديموقراطية الحديثة التي أثبتت جدواها، واختلاق نظريته الثالثة من جهنم أفكاره، ففوتت علينا الوقت والمال من دون فائدة، ببرهان أنه ما انفك بعد هذه الثورة، يدعو إلى إجراء انتخابات لتحديد مستقبل ليبيا السياسي، وهذه الآلية أقرتها القوالب الديموقراطية المعروفة وقد تنكر لها القذافي ووصفها بالدجل مديداً.
فعندما يتم الاتفاق على الإطار السياسي العام لليبيا، من حيث كونه نظاماً ملكياً دستورياً أو جمهورياً رئاسياً أو برلمانياً تمثيلياً، آنذاك يمكن استجلاب القالب الذي يتماشى مع اختيارنا، فلست أرى في هذا الاستجلاب أية غضاضة، طالما أثبتت هذه القوالب نجاعتها في البلدان التي طبقتها.
هذا الرأي والتصور، احتفظت به طويلاً ولم أتطرق إليه في أية مقالة، لأنني أعي بأن مجرد التلميح إليه هو قفز على مرحلة الثورة التي لم تكتمل بعد، وأنه من الواجب في هذا التوقيت تعبئة الرأي العام من أجل إنجاح الثورة في منجزها الأول وهو إسقاط العقيد، عملاً بالمأثور الشعبي (البقر راس براس)، لكنّ ما ساقني إلى الخوض فيه الآن، هو كثرة ما يُشاع ويطرح بشأن السؤال المُعنّون به مقالي هذا في الندوات التي لم أحضر أية واحدة منها، لكني قرأت عناوينها في الصحف، فالدعوة إلى طرح مثل هذه الأمور في هذا الوضع الراهن، هو محاولة لتشتيت الثوّار وإنزالهم من على قمة الجبل في هذا الوقت الحرج، فالثوّار لا يهمهم شيء سوى أن تتحقق تطلعاتهم في الديموقراطية والعدالة، وأن يروا مجتمعهم مدنياً ومؤسساً بحسب ما توصلت إليه دول العالم الحر صاحبة الريادة في هذا المجال، وإن كان من أمر يقضُّ مضجعي، فإنني أحلم بدستور رائع، جامع ومانع لكل شؤون حياتنا، وليس في الأمر غضاضة إن وصل عدد مواده إلى خمس مليون مادة، بحيث يسطر كل مواطن فيه مادة له، يعبر فيها عن أحلامه وأمانيه وتطلعاته.
آسف لأنني ضحكت عليكم، ولم أجب عن هذا السؤال، فقد بيّنت لكم رأيي به، من دون جلبة، ولا استطالة في السلك الدبلوماسي، الذي قد يضيع إبرة البوصلة، فنهلك دونها، ونصبح على ما فعلنا نادمين وخادمين لكل أفّاق مهين.
بنغازي: 7/7/2011


2 تعليقات:

في 9 يوليو 2011 في 7:18 م , Anonymous غير معرف يقول...

أيها الاستاذ الفيلسوف أليس من العيب وقلة الذوق أن تستهزئ بعقل القارئ وتقول بأنك ضحكت عليه ، أم هل أنك تظن نفسك تكتب في قسم الفكاهة والنكت السخيفة في إحدى المجلات أو الصحف التافهة ، احترم قراءك لكي يحترموك ، ونصيحة أخرى صورة واحدة تكفي للتعرف عليك .

 
في 9 يوليو 2011 في 11:16 م , Anonymous غير معرف يقول...

اسمع. نشهد بالله انك مثقف سياسي وفاجأتني في نهايه المدونة بالبعد الديني.ولك في البلاغة نصيب. تحيه لك ومزيد من الجهد في سفينه تتجه في المسار صحيح......البدوي

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية