الـشـعـب اللـيـبـي عـبـيـط
حب ابلادك قويها .. و من عين الغدر احميها
بلادك انت ابتعلى فيك .. و أنت اللي ابتعلى فيها
حب ابلادك ..
( تي باهي خلاص وجعتيلي راسي .. راني انحب ابلادي .. بس ما عنديش حيل على تقوايتها .. راني مواطن على قد حالي ) استطعت أنْ أجابه هذه الأغنية الصباحية - بصوت إحدى ( المطربات الشاميات * ) - المُنبعثة من ( راديو ) الوالدة ، و عدت إلى النوم من جديد ، لكني لم أقدر على مقاومة إيعاز الأغنية التي تلتها :
طل الصباح هلّ و لاح .. و الورد من نوره اتبسم
قوم أنشد أحلى الألحان .. خللي الجناين تترنم
قوم قوم يللا قوم .. قوم قوم يللا قوم .. قوم قوم يللا قوم .. قوم قوم يللا قوم
قوم قوم يللا قوم .. قوم قوم يللا قوم .. قوم قوم يللا قوم .. قوم قوم يللا قوم ..
شعرت بأنني المُستهدًف من دون الشعب الليبي كله ، بهذه الكلمات لهذا ( الكوبليه ) الأخير من هذا النغم الصباحي ، الذي تردّده مجموعة من ( الكورال ) النسائي المصري ، فهذه الأغنية ، ليّ معها ذكرى أليمة ، فهي تذكرني بأيام طوابير الخبزة ( الله لا ايعيدهن ) خصوصاً في اليوم ، الذي يحين فيه دوري ، لما تأتي الوالدة إلى مخدعي في الساعة السادسة صباحاً ، و قبل حتى أنْ تسمعني كلمة ( صباح الخير ) تأمرّني : ( نوض سلم اوليدي .. عدّي جيبلنا خبزة .. راهو تكمل .. و ما عنديش حتى دقيق .. بيش نعجنلكم اخبيزة ) فما يكون مني ، إلا أنْ ( نعمل نيسة و انغم ع الموضوع ) فاستمع إلى المذياع في الـ ( كوجينة ) يردّد أناشيد الصباح الجميلة ( صباح الخير يا عبد الله / خالد سعيد - أقبل الصبح أنيقاً / محمود كريّم - صبحك زين نهارك زين يا زارع أرض الجدين / مجموعة صوتية - صبّح عليك الورد / نوري كمال - نهارك زين يا امصبح / نوشي خليل - ورد الجناين و الزهر و الحنة / عادل عبد المجيد ) و هلم جرا ، فأقاوم هذه الأنغام جميعها ، لكني أصحو على ( زعزاعة ) أو شيءٍ مثل الإيعاز العسكري ، المُتمثل في أغنية ( أوم أوم يللا اوم .. أوم أوم يللا اوم ) التي تذكرني بحصة العسكرية - كل يوم أثنين - في المدرسة في المرحلة الإعدادية و العريف الجغل - ' أسويّح ' الذي كان ( يصحّح علينا ديما ) - بإيعازاته : ( انهض و اجمع و انتشر و تفرّق ) فأصحو من نومي ( نبي و الا ما نبيش من غير ... ما فيش ) و قبل حتى أنْ أفطر ، أتوجه - و بمراءٍ مغمضة إلى ( كوشة بارقو ) في حي ( بوقعيقيص البركاوي ) فأجد هناك أطواراً ، بضعة أشخاص أمامي ، يسجلون في قائمة على ورق مقوى ، هو عبارة عن ( استيكة رياضي ) أسماء الواصلين أول بأول ، و بعد أنْ يبدأ الجدّ ، لا يعترف الخبّاز بها ، فيعلق أحدنا : ( موهو يا جماعة هذي استيكة رياضي امحزم .. بكره انديروها على استيكة رياضي مختوم و معترف بيه ) و في أطوار أخريات ، أجد أمة ' محمد ' عليه الصلاة و السلام ، كلها هناك في طوابير ، قبل حتى أنْ يختمر الخبز ، فيكون ترتيبي الـ ( 120 ) و هناك أرى أشياءً ، كنا نعملها نحن الليبيين ، غريبة جداً ، حيث تجد كبار السنّ ، يدوسون على الصغار بأرجلهم ، و أحد المصطفين في أخر الطابور ، قد يناولني - أنا الصغير وقتذاك ، حينما أصل إلى مُقدِّمة الطابور - ( خمسين قرش ) و يطلب إليّ ، أنْ أشتري له الخبز بمعيتي ، فيبدأ صياح الآخرين ( أووووي أووووي .. فكـّنا من لزروق يا معتوق .. أووووي أووووي ) و إزاء إصرار الأول ، يشتبك الرجال فيما بينهم ، ما يتسبّب في خلـّـل في تنظيم الطابور ، فأجدني - بعد إعادة تشكيله - قد عدت إلى الوراء ، و من طلب مني أن أشتري له الخبز ، في الطليعة ، و قبل حتى أنْ أطلب إليه ، أنْ يعيدني إلى مكاني الطليعي ، يردعني بتحديقة ( تفنيصة ) من عينيه ، و لما أعطيه نقودي ، ليشتري ليّ الخبز ، بطريقته نفسها ، يقول ليّ : (استاذن من الجماعة الأول .. و نا ما عنديش مشكلة ) فأجيء لاستسمحهم عذراً ، بحجة أنّ وراءي الطابور الصباحي في المدرسة ، و قد تأخرت ، فيردّون بنفس واحد : ( لالالالالالالا .. يفتح الله .. حتى نحنا ورانا اعويلة ) .. فأردّ عليهم في خاطري : ( اعيالكم قاعدين في الحوش .. يللي ما عندكم لا جنتلة و لا رحمة و لا نخوة ) و بعد هذا الجهد المُضني ، أتحصّـل على حاجتي ، و أعود بها - و أنا أجري في شوارع بوقعيقيص ، مفرداً يديّ ، كما ( رونالدو ) حينما يسجل هدفاً - فيظنّني البعض فرحاً ، في حين أنني ، أحمّي كفّي لشيءٍ آخر ، ينتظرني و يتوعدني في المدرسة ، لا محالة- فأطرق البيت لأسلمها إلى الوالدة ، و أطلب إليها ، أنْ تحضر ليّ كتبي ، لأذهب إلى المدرسة - من دون أنْ أفطر ، مكتفياً ببعض الكسر من الخبز الساخن الشهي - فأجد طابور الصباح قد فاتني ، و مدير المدرسة الأستاذ ' سعد ' و نائبه ' ناصر ' - في انتظاري أنا و من هو على شاكلتي من التلاميذ - اللذين لا تنفع معهما شفاعة ، و على الفور ، يأمرنا أحدُهما ، بالاستناد إلى الحائط ، و رفع الرجل اليسرى و الوقوف على اليمنى ، حتى علمونا ( التحجيل ) و بعد ساعة من ذلك ، يأتي بـ ( مسعودة ) و يبدأ الجلد على رؤوس الأصابع و الأشهاد من الطلبة الآخرين ، و في أحايين أخر ، يفوتني اليوم ، إذ أعود من الـ ( كوشة ) الساعة الثانية عشرة إلى البيت - بنصف أرغفة الخبز المطلوبة ، فعادة ما يقوم الخبّاز ، في أخر الصباح بالصياح الديكي : ( يا جماعة سامحونا الخبزة راهو قريب تكمل .. كل واحد يا خذ عشر فردات بس ) - لكأنني موظفاً ، كنت في دوامي اليومي ، و في صبيحة اليوم الثاني ، أجد ' الأستاذ ' سعد ' و نائبه ' ناصر ' ليحولاني إلى التذنيب العسكري ، بتهمة الغياب و بجريرة غيري .
***
- هو : خير إن شاء الله ؟ .. شنو امطلعك في هالغباش ؟ .
- أنا : نحساب روحي جايب الدورة و شاطر .. جاي للمصرف بدري .. لقيت هالعالم كلهم قدامي .. ريت هالطوابير اللي طالعة لعند برة ؟ .. شفت يا جمال الخضّار اللي قاعد بره ؟ .
- هو : سأحكي لك عن موقف حدث معي في زيارتي إلى أوربا .
- أنا : و اللهي لنا زمان على قصصك و مغامراتك يا اجميّل .
هذه هي الحكاية على لسان 'جمال ' :
حكى ليّ صديقي ' جمال ' أنه في إحدى سفرياته المُتعدِّدة إلى أوربا ، قد شاهد رجلين ، ينتميان إلى إحدى الجنسيات العربية ، في إحدى مقاهي العاصمة القبرصية ( نيقوسيا ) يُدّعيان ' أبا سمير ' و ' أبا تامر ' كان يتحاوران فيما بينهما ، فالتقطت مجسات أذنيه ، كلمة ( ليبيا ) تتردّد على لسان ' أبي سمير ' غير مرة ، فاقترب منهما و ( خش فيهم اشمال .. على حد تعبيره ) و وجد نفسه مضطراً ، لأنْ يوحي لهما ، بأنه مصريّ الجنسية ، مُبتغياً من خلف ذلك ، أنْ يعرف انطباع و نظرة ' أبي سمير ' و كل من هو مثله ، إلى الشعب الليبي ، لاسيما أنّ ' أبا سمير ' قد أقام في ( ليبيا ) لمدة ناهزت الخمسة و ثلاثين عاماً ، فجلس إليهما ، و حكى معهما بلسان ٍمصريّ فصيخخخ :
- جمال : أنا بفكر اروح اشتغل بليبيا .. و عشان كدة .. عايزك تديني فكرة على البلد دي .
- أبو سمير : هونيك فيك تعمل اي شي بدك اياه .
- جمال : أزاي يا عم ؟ يعني عاوز تقول : الشعب الليبي طيب ؟ .
- أبو سمير : اوليك مو هيك .. أنا بدّي أقول : في البلد هاي .. فيك اتجمع مصاري أد ما بدك .. يعني زي الرز على قولتكم يا مصريين .
- جمال : أه كده يا عم ! .
- أبو سمير : يا زلمي .. هاي البلد غريب و غير شكل .. شنّو هونيك الناس كلياتها .. ما اتعد وراك و ما اتفاصل معك .. و تلقى حالك .. لا تدفع ضرايب و لا شي منو .
- جمال : دلوقتي فهمت قصدك .. أنت عايز تقول : الشعب الليبي طيب أوي .
- أبو سمير : الشيه .. من على بكرة الصبح و أنا احكيلك و ما كنت ابتفهم ؟ .. الله وكيلك .. شعب عبيط .. عم يصفو طوابير ع الخبزات و الحليبات و البنزينات و كل شي .. و بلدهم بلد خيرات .
- جمال مُستغرباً : الله ! .
- أبو سمير : بدي أقولك شغلي أزغيري .. أول ما وصلت ليبيا .. بلشت اشتغل في حلواني و صاحب المحل .. دبّر ليّ في شقة في وسط البلد .. اتفقت مع صاحب العمارة .. على أنو إيجارها 40 اجنيه .. و لما صار في قانون ( البيت لساكنه ) ما ادري ابصر شو اسمو بالزبط ؟ .. صار ما إلوه حق فيهون .. و إيجا مرة عملي كفين .. شنو بدّو ايطلعني .. رحت اشتكيته للأسكان .. فشحطوه ع المخفر و عملولو فلقي .. أوليك في ليبيا كنت أعمل اللي بدّي اياه .. بصحن بقلاوة من ديّات اختك ' أم سمير ' و ابغمزة عين من بنتي الأموري ' عبير ' .. و لما فكرت اترك البلد .. ايجاني ختيار ليبي بدو يشتري الشقة - اخلو رجل - لأبنه .. من ورا جارهم مالك العمارة .. و بعتلهوم اياها بـ ( 50 ) ألف ورقة ليبية أم دينار .. مو هيك و بس .. و بعت كمان محل حلاق في العمارة ما غيرها بـ ( 70 ) ألف ورقي .. و هيك فرجيتهم .. شو معنى قولتهم : ( زلميي و عيال ابلاد .. الغيطي لنا يا شباب ) .
- جمال : و دلوقتي بنتك فين ؟ .. يا ترا جوزتها في ليبيا ؟ .
- أبو سمير : شو عدى ما بدا ! .. اسمعو هالسمعي ! .. شو أنا مجنون .. تا ازوج بنتي ' عبير ' خزيت العين عليها .. و لك تسلملي قامتها .. اللي متل الكنافي المبرومي .. لشي ليبي عبيط ؟ .. اسنانو امسوسي من الرياضي .. متل اسنونك .. انا زوجتها لخليجي .
- جمال : ايوه .. يعني عرفتني ؟! .
- أبو سمير : لكان .. شو أجدب أنا ؟ عرفتك من ريحة الريازي .. اللي علقاني في أواعيك .. و الله الشعب الليبي ما في منو .. ( نزيك ) على قولتكم .. زكاتك إزا بتريد .. ناولني سبسي ريازي .
- جمال : كزّاب كزّاب .. كزّاب و مية كزّاب .
***
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملاحظة : قد يشتمّ القارئ من هذا النصّ ، مناهضتي لتواجد الإخوة العرب على الأرض الليبية ، و هذا غير صحيح ، فأنا هنا أدعو إلى تنظيم وجودهم ، ليس إلا .
( * ) : أجد أنها أجمل الأصوات العربية ، التي أدّت الأغنية الليبية ، فهي بمسامعي ، أفضل من أصوات المطربات التونسيات و المغربيات و المصريات ، و لكم في أصوات الفنانات : ' نازك ' و ' سعاد محمد ' و ' ميادة الحناوي ' و ' سهام إبراهيم ' و ' أمل عرفة ' و غيرهن ، خير دليل .
( ** ) : لماذا لا يتسلح رجال الشرطة لدينا ، بالمسدسات الصغيرة ، بدلاً من هذه البندقية ، التي صُنعت في مصانع الشيوعيين الكريهين ، لقمع الشعوب ، و لتكون وقود النزاعات الأهلية ، فهي في الحروب ، لا تصمد البتة أمام بندقية الـ ( M 60 ) كما أثبتت التجربة الميدانية .
تعليقات
إرسال تعليق