الأربعاء، 3 أبريل 2013

الـنـبأ فـظـيـع


اليوم الأثنين ، الموافق 28 / 06 / 2010 ميلادياً ، دخلت إلى مقهى الأنترنيت ، ففتحت على أكثر من موقع إلكتروني ، و استقرّ بيّ نظري على الصفحة الرئيسية لموقع المنارة ، فوجدت في قسم ( خاص بالمنارة ) بعض الموضوعات الجيدة ، للأستاذ " عبد العزيز الروّاف " الذي يحاول في مقالته ، إطفاء جذوة الفتنة بين الشعبين العربيين في مصر و الجزائر ، و حنقه على أحد الصحفيين المصريين ، الذي ما فتئ يؤججها ، و مادة أخرى للكاتب " ناجي أحميدة " تتحدث عن صيد غزلان الودان في الصحراء الليبية ، و الدكتور " علي الصلابي " الذي ما يزال يكتب حلقاته عن الوسطية في الإسلام ، و قرأت موضوعاً آخراً للشيخ " محمد الزروق " في قسم ( قضايا و آراء ) جزاه الله عنّا خيراً .. و بعدما طالعت التعليقات الجميلة للقراء الأفاضل و الفـُضليات ، على النصوص السردية السابقة ليّ ، و وجدت البعض منهم يظنّ بأنني أزعم التأريخ لمدينة " بنغازي" في حين أنني ، لا أدّعي ذلك ، لا من قريب و لا من بعيد ، و لست مؤهلاً حتى عمرياً له ، فكلُّ ما أكتبه ، هو عبارة عن ذكريات و مواقف حدثت معي ، و يبقى لكل قارئ رأيه و تصنيفه لما أدوّن .
غضّضت البصر عن شريط نشرة الأخبار في موقع المنارة ، لأنّ قناعتي تقول بأنه ليس فيه ما يسرّ ، و مع ذلك ، وجدت في بريدي رسالة من " محمد لطيوش " الله يسامحه دنيا و أخره ، فحواها : " شارك برأيك بخصوص دعوته لبيع الخمور للأجانب ، بحُجّة تفعيل السياحة في ليبيا " لن أبدي برأيي بهذا الخصوص ، فالدين الإسلامي ليس عُرضة للتصويت ، و لكن هل نحن بحقّ في حاجة إلى هذه السياحة ، كمورد بديل عن النفط المعفط تحت الأرض ؟ ( و اللهي بلادنا سمحة .. و ما ناقصتنا حاجة و ما خاصنا شي .. امغير العدالة فقط .. و اشوية افلوس ايبلن ريقنا في هالصحرا اللي عايشين فيها ) .. فقد كان و ما يزال رأيي بهذا الخصوص ، هو توزيع القسم المتبقي من عوائد النفط ، بعد استقطاع ما يتبقى من الميزانية العامة ، على أفراد المجتمع ( و كل واحد حر في افليساته ) .. ثم لماذا نفكر في إسعاد الأجانب ، و جعل مفهوم السياحة عندنا ، يقتصر على الاستقبال ، و ليس الإرسال ؟ لماذا لا نفكر في إسعاد ذواتنا ؟ لماذا لا نفكر في المواطن الليبي ، و حقـِّه في السياحة ؟ أ لسنا أولى بهذا الأمر ، و أحقّ به من غيرنا ؟ .. إنّ فتح هذا الباب ، سيفتح أبواباً أخرى على مجتمعنا ، لا نستطيع بحالٍ من الأحوال إغلاقها أبداً ، فالخمر من الكبائر و مجلب للكبائر الأخريات ، كالزنا و القتل و غيرهما من أمراض اجتماعية ، ثم ما الذي يؤكد لنا أنّ هذه الخمور لن يتناولها شبابنا ؟ و ما هو الضابط لهذه المسألة ، و كيف سيدار الأمر ؟ هذه التفاصيل ، يجب أنْ نركـّز عليها ، ليس من باب الخوض في مشروعية هذا الموضوع من عدمها ، و لكن لنقيم بها الحُجّة ، ليس إلا . 
خرجت من مقهى الأنترنيت ، تعتصرني الحيرة و تقبض على خناقي ، قاطعة النفس عليّ من جراء قراءتي لهذه المصيبة ، أين سأذهب يا ترى ؟ استشرت نفسي : ما رأيي أنْ أزور " باسطاً " فأنا منذ مدة لم أره ؟ فهذا الشاب وطني و له فلسفة خاصة ، و موضوعية في كل شأن يهمُّ البلاد و العِباد .. وصلت محل ( أوراس ) سابقاً ، لصاحبه السيد " عمر الكزّة " الذي كان يبيع أفضل الأحذية الإيطالية ، ففي ذلك الوقت من لا يشتري من هذا المحل ، لا يعد من أهل بنغازي ، مثله مثل ، الذي لا يقيم فرحه في قاعة الفردوس أو قصر الجزيرة ، فهو كذلك ، لا يعد من أهلها ، فقد كنا نشتري أحذية العيد من هذا المحل الراقي بأبخس الأثمان ، و نلبسها و نصبح نتفاخر بين أقراننا الصغار ، بأننا اشتريناها من هذا المحل .. بعد قانون ( فوضى الزحف ) صار المحل يتبع لشركة الأسواق العامة ، بعد أنْ صودِر من صاحبه ، الذي أصبح يعمل فيه لقاء راتب زهيد ، كما جرى مع أناس آخرين ، و يُحكى أنّ واحداً من هؤلاء ، الذين صودرت محالهم ، بينما هو جالس متبرماً في محله ، الذي يبيع الأحذية ، دخل عليه زبون ليسأله : ( عندك بنطلونات يا حاج ؟ ) فأجأبه : ( لا و حياتك ) .. ( عندك كونتيرات يا حاج ؟ ) .. ( لا و راسك أنت ) .. ( عندك بيجامات يا حاج ؟ ) .. ( يلعن جد وجهك و خلاص .. و ايجيك النوم أخرى ؟ بعد هكي بععععععععع .. أنت أمغير كيف ايجيك النوم بس في بلاد الحيرة ؟ انا ليا أسبوعين حاير .. و ياما فيا صاير .. و ما خش عيني النوم ) . 
نظرت من ناصية محل ( أوراس ) إلى مقهى ( سي داوود ) الرابض في الناصية المقابلة ، فوجدت جمعاً غفيراً من المواطنين في داخله و خارجه ، يشاهدون مباراة ( البرازيل – شيلي ) حاولت بصعوبة ، أنْ اخترق صفوفهم الملتوية ، لأصل إلى " باسط " القاعد خلف البوفيه ، حائراً في مستقبله ، و متظاهراً بانتفاء اهتمامه بمجريات المباراة ، فهو أرجنتيني الهوى ، فسألني عن حالي ، و إذا كان ينقصني شيء كعادته ، فحمدت الله على كل شيء ، ثم انتقل بأسئلته عن المستجدات و الأخبار السّارة ، فهو يعرف أنني جئت من جهة مقهى الأنترنت ، يا باسط في البلاد هذي ما اتسمعش ما ايسرّك .. خير إنْ شاء الله .. امبدري فتحت على موقع المنارة ، و من عادتي لما أفتح الصفحة الرئيسية ، أنحط في أيدي على جبيني و فوق عيني .. بيش ما انشوفش شريط الأخبار المُزعِج .. اللي ما ينشر إلا في الكواين و الخبّارات الشينة ، لكن " احميدة لطيوش " دزلي رسالة ضايقتني و اللهي ، و أخبرته عن موضوع الخمرة بالتفصيل .. حينذاك قفز " باسط " و شكله لقاها سبلة ، لأن فريق البرازيل ، كان قد سجل هدفه الثالث ثانيئذٍ ، في وسط صراخ محبيه ، و طلب من الزبائن مغادرة المقهى فوراً : ( هيا لو سامحتوا خطونا .. فالنبأ فظيع .. و مش وقت كورة بكل .. يلعن بو البرازيل و رنالدينو بكل يا تافهين .. تو تحلمو بيه كاس العالم .. و اللهي ما ياخذه الا ماردونا ) و بعد أنْ صرفهم ، خرج إلى الواقفين في الخارج ، و كان من بينهم بعض الأطفال و شرطي المرور ، الذي يشاهد بعين المباراة ، من خلال الواجهة الجانبية للمقهى ، و بعين أخرى الطريق : ( هيا يا بو بدلة بيضا حتى أنت زيد فيه .. و هاك قهوة ميسة مني .. قاعد اتفرج من بره يا اطروح و ما تبيش اتخش جوّه .. بيش ما تدفعش افلوس يا رقيق الغرض .. اخلص لعملك يا خويا .. راك راعي و مسؤول عن عملك .. كم واحد أنا حقـّيته من جوه .. و هو يخالف في القانون .. و انت حاك الوذن عليه ) و بعد أنْ فرغ من مهمته هذه ، تلفظ : ( هضا عقابها .. لا حول و لاقوة إلا بالله العلي العظيم ) .. يا زياد ، و عيونه يرقرقن : ( صبرنا على رقادة الريح و كل شي .. لكن إلا هذي عاد .. راهو راسمالنا شرفنا و شرف بناتنا و عيالنا .. الحكاية مش حكاية صميط .. عارف شنو معناها هذي يا خويا .. معناها الأجانب اللي خاطرهم يسكروا في بلادنا .. يبو بناتنا يقعدن زي بنات المغرب و لبنان و تونس و مصر .. و يقعدن اخشومنا في الطين .. و اللهي ما نرضو بهالعار .. و يلعن بو الفلوس اللي ايجنا بهالطريقة ) .. خرجت حائراً من مقهى " باسط " من دون أنْ أجادله - و قلت في نفسي : " يا ليت كتّابنا عندهم هذا النفس الوطني الذي تمتلكه ، خصوصاً الذين يشربون الخمر بمكافآت أمانة الثقافة " - لكون رأيه مثل رأيي ، و رجعت من حيث أتيت ، إلى مقهى الأنترنيت ، و خطـّطت لكم هذا النص ارتجالياً ، بدموع " باسط " المحبوسة ، معاهداً نفسي ، لو يصلني خبر كهذا من " محمد لطيوش " أشتكيه إلى " على القوبو " بتهمة مضايقتي بالأخبار السيئة ، فهو يعرف من يكون الأخير ، و بعد أنْ تذكرت المسافة التي بينهما ، و أنه في بريطانيا و الآخر هنا ، حذفت اسمي من قائمة بريد أخبار المنارة ، ناقراً على عبارة " إذا كانت هذه الأخبار تزعجك .. فانقر هنا ". 
زياد العيساوي
بنغازي - ليبيا
منشور في موقع المنارة بتاريخ:
29 / 6 / 2010 
Ziad_z_73@yahoo.com

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية