المشاركات

عرض المشاركات من سبتمبر, 2014

قراءة في نصّ من بنغازي إلى طرابلس للكاتب زياد العيساوي

صورة
قراءة في نصّ (من بنغازي إلى طرابلس للكاتب زياد العيساوي) بقلم الأستاذ: عبد الله أحمد عبد الله  *** من طرابلس إلى بنغازي .. كل من يشرع في قراءة قصة هذه الرحلة يعرف أن العيساوي له موضوع إداري يريد أن ينهيه في عاصمــة الروتيــن والمركزيــة ال مقيتة طرابلس . وإلا فما الهدف من هذه الرحلة . سنرى ..!! (في البدء كان الكلمة) كما جاء في الإنجيل . وكما جاء في فن الإلقاء (براعة الاستهلال) , وكما خلق الإنسان عجولا فقد صرح العيساوي انه يريد أن يعرف آخر هذه الحكاية الدنيوية , مدام لكل شيء بداية ونهاية , فهو لا يحب الانتظار , وكان هو آخر الصاعدين إلى الحافلة وقد طال انتظار الركاب لآخر الصاعدين .  هكذا انطلق زياد العيساوي عبر رحلة برية إلى مدينة طرابلس , ومنذ البداية تعجبك أشياء يستعملها قلم زياد ..فمثلا استعمال لفظة ( واللهي ) بالياء بدلا من الكسرة (والله) حتى لا يضع لفظ الجلالة في غير محله الصحيح , وقد أعجبتني الفكرة وإنا إذا فعلتها بعد الآن فستكون بتدبير من الأديب زياد العيساوي , ولكنه يعود فيستعمل السكون بدل الفتح في لفظة (لله) وهي لفظة عربية كريمة لها أصول أمازيغية مستعملة ...

تحدي الرياح

ذات شتاء أمام شباك المقهى، حيّيت الحاج علي بتحية الصباح فرحّب بيّ: "امريحبا بوجه الخير.. وين ديارك لك فترة مش باين؟.. راني انتونس بيك أنت عرقوبك جلاّب يا باتي". عمق الجيب بطول براجم الإصبعين، شدا الدينار وأخرجاه من الجيب الخلفي للبنطال لأسدّد ثمن قهوة عربية ما عدت لأشربها حتى في البيت بعد رحيل الحاج "علي الشومالي" رحمه المولى عزّ وجلّ، صاحب مقهى بنغازي ذاك المبنى المقام على أعمد الأل ومنيوم والزجاج بكورنيش بنغازي القديم، وكان ليد الرياح قولٌ آخر إذ هبّت رياح شمالية عاتية فذهبت وطوّحت بالدينار على الأرض، انحنيت لأخذه فابتعد قدر دينار غافلته ووطأت بقدمي عليه لكنه انزاح شعرت برغبة في التحدي كالصاري الصارم، خطوت نحوه والحاج علي يناديني: "تعال يا وليدي ياخذ سوك"، أصرّرت متقفياً أثره في الهواء ركضت هرولت، وجدته بين قدمي همّمت بالانقضاض عليه غير أن قدم الرياح راوغتني و(دحتني) انطلق الدينار بين قدمي بالاتجاه المعاكس للريح عبرت الطريق إليه ومنبهات السيارت تشتغل (بييييب بييييب) وكأني بالحاج علي أمام هذا الموقف يصرخ "رد بالك من السيارات يا وليد تعال خلاص يا...

وجه المكان

وجه المكان يغمره رذاذ البحر، ويتظلل بعيداً عن الشمس بنظرات بنية قاتمة، علق بخار الملح بعدستيها اللتين تتخفى خلفهما عينان اكتساهما احمرار اﻷرق المغلف بالتجاعيد، يرى بها الناس مُصفريّ المُحيا، يستنشق نفساً عميقا بقدر عمق رمية لط فل يقفز من أبعد وأعلى حجر يشبه في شكله عظمة يتسوّر بها ميناء بنغازي البحري، ويتزفر بزفرة البحر. اعتاد المكان أنْ يرى أغلب هذه الوجوه، إلا أنّ بعضها غاب عن دائرة المشهد، يرفع المكان عن عينيه النظارة ليتفحص قسمات هذا البعض مليّاً ثم بنقرة على جانبيها يسقطها متزحلقة حتى يكبحها أنفه الذي لم ينكسر لتقلبات العصور، ثم يحكم تعديلها، يتكئ بظهره على مسند من سعف النخيل واضعاً رجله على اﻷخرى، يشعل لفافة من فوهة بخار باخرة صينية حُمِل عليها الطوب تستعد لتمخر عباب البحر عائدة إلى ذويها، ثم يشبك أصابعه ويلصقها ببطنه التي تصنع مع سحابة عالية زاوية مقدارها ثمانون درجة، يغمض عينيه ويتوه في سديم تموجات الظلام ونبضاته التي يراها بعقله تفقع وتقتم اﻷرجاء. المكان حيّز من فراغ وأرض، يحجز ما مضى من وقت ويفرغه في سجلات مهترئة يطّلع عليها بين الفينة والثانية، هنا كان في ذاكرته مبانٍ ونش...

من بنغازي إلى طرابلس

بُعيد العِشاء و العشاء ، بكأس الماء المُنكسِرة و المُذابة فيه بلورات السكر - كعادتها - تودعني الوالدة ، عند باب المنزل ، والقطط الصغيرة ، بعضها في الداخل ، والبعض الآخر ، يتشاكس عند العتبة و يشيعني بعيونه التي تلمع من انعكاس الضوء عليها ، مُستغِلة ًلحظة فتح الباب ، لتطالع – بحذر مشوب - و تتطـّـلع على العالم الخارجي - فرشّت ( سكر في امية ) في عقـِبي - و أنا أشفق عليها ، من أنْ تعوز السكر من بعدي – الذي ارتفع سعره عشر مرات ، بعد أنْ رُفِع عنه الدعم ، كسلعة تموينية أساسية ، و انسخطت أكياسة ، من زنة خمسين كيلوجرام إلى جرام واحد فقط - داعية ليّ : - مربوحة يا اوليدي .. توصل طيّب إن شاء الله .. و رد بالك من ارويحتك . - يا أمي راني مش ماشي انجاهد .. راني امسافر بس . - مش انكان ركبت في طيارة خيرلك .. راك وصلت في اسويعة بس ؟ . - لالالا .. إلا الطيارات يمي .. عارفة و اللهي لو نلقى واحد ايرافقني .. مستعد نمشي لعند غادي .. كعّابي و قبّقابي و شبّشابي .. و لا نركب في رابش طيّاراتنا . فيمَ سوف يضرني ، استغراق زمن الرحلة بالبرّ ؟ فأنا في عداء مع الوقت ، لا أريد أنْ أدّخر منه شيئاً لعمري...