الاثنين، 29 أغسطس 2011

سلّم سلاحك

سلّم سلاحك
عن حفظ النظام والأمن في ليبيا
تخيّلوا معي هذه المشهدية:
شرطي باكستاني تقف مركبته المدرعة أمام بيت أحد المسلحين في بنغازي مثلاً، يطرق الباب فيفتح له الليبي: تفضل يا أخينا الباكستاني، ماذا هناك؟.
الباكستاني: بلغنا من مصادرنا الخاصة بأنّ بحيازتك أسلحة، فلو تكرمت سلّمها لنا، وسنكون من الشاكرين لك على حسن تعاونك معنا.
الليبي: حاضر لدي ثلاث قطع (كلاشنكوف) و قطعتا (أر بي جي) ومخازن ذخيرة وعلبتان على هيأة علبة (سردين) مليئتان بالرصاص.
الليبي لأصدقائه بعد أنْ يعاتبوه: والله وقف عليا راجل براني- باكستاني- ما قدرتش انرده.. تقعد عيبة علينا بعدين.
الليبي بينما الشرطي الباكستاني مغادراً، بعد أن وضع الأسلحة في صندوق السيارة: شوية يا خويا.. هاك حتى هذي.. كنت نبي انطلع دخان لقيت أخر رصاصة في جيبي.. خذها حتى هي راهي ما تلزمنيش.
سأثقب بسنّ قلمي الرصاص لا برصاصتي هذه الفقاعة المنتفخة بجانب رأسي، لأنها ولا شك، ضربٌ من الخيال الجامح.
*****
قبل أنْ نرى ونسمع على القنوات الفضائية (راسموسن) يعلن من مقر حلف الناتو الذي يرأسه في (بروكسل) العاصمة البلجيكية، عن انتهاء العمليات العسكرية في ليبيا، بعد زوال شبح "القذافي" وتهديد ما تبقى من ميلشياته للمدنيين، وقبل بداية عودة الاستقرار إلى بلادنا، والنازحين داخلياً وخارجياً إلى مدنهم وقراهم، لا يجوز البتة و تحت أي مسمى أو دافع الخوض في مسألة تجميع الأسلحة من الثوّار؛ صحيح أنّ مسألة انتشار السلاح باتت تؤرق المواطن وتشغل باله، كلما فكر في مستقبل البلاد ونهضتها بعد إسدال الستار على حكم العقيد، لخشيته من أنْ تقوم أية جهة سياسية بتجميع ما أمكنها منه لتضغط- من ثم- على المجتمع الليبي لتكون لها السطوة وتفرض أجندتها على أطياف النسيج السياسي تحت قوة هذا العامل الخطير في مستقبل الدولة الحديثة والمرتقبة، غير أنّ حلحلة هذه المعضلة بمكنتنا، ولا تستدعي الاستعانة بأية قوى خارجية سواء أكانت عربية أو إسلامية ناهيك عن قوى أجنبية مُتعدِّدة الجنسيات، لأنّ في ذلك إعطاء الحجة للخلايا النائمة التابعة للقذافي لإعلان الجهاد غير المقدس، مما سيفاقم من الأزمة ويساعد على دخول قوات أخرى على خط النار، ولا يضع نهاية قريبة لهذا النزاع المسلح قطعاً، فيمسي أمر تشبث المسلحين بأسلحتهم مُباحاً بذريعة الدفاع عن النفس، فلا يقومون بتسليم ما في حيازتهم من أسلحة حتى لو كانوا لا يعملون تحت لواء القذافي المنكس، وقد تطرق رئيس المكتب التنفيذي السيد"محمود جبريل" في مناشدته للثوار والشعب الليبي كافة في لقاء أُجري معه في قناة ليبيا الأحرار، قبيل تحرير طرابلس إلى أنّ أنظار العالم مشدوهة ومشدودة إلينا وتراقب الأحداث خشية أنْ تقع بلادنا في منزلق فوضى عارمة ستكسر العمود الفقري لثورتنا، ما يجعلها ستفكر في إنزال ذوي القبعات الزرقاء- القوى التابعة لجمعية الأمم المتحدة- لحفظ الأمن والسلام والفصل بين المتنازعين، وأردف قائلاً إنّ الأسرة الدولية لا ترغب في تكرار المأساة العراقية.. انتهى حديثه.. وفي الحقيقة أرى أنّ الأزمة الليبية تشتجر تماماً مع الأزمة العراقية، لأنّ أزمتنا داخلية وقد نتجت عن ثورة شعب ضد طاغية، أما العراقية فهي نتيجة طبيعية للاحتلال الذي عمل على حلّ الجيش العراقي، بعد أول يوم دخلت فيه قواته إلى العاصمة بغداد في التاسع من أبريل من عام 2003، فالحرب الأهلية العراقية تلت الاحتلال، وهي ذات صبغة طائفية، قامت بتمويلها حكومة الملالي في طهران، لأطماع تاريخية لها في العراق، ولأجل إغراق الأمريكان في الوحل العراقي كي لا تتفرغ الحكومة الأمريكية للتغيير السياسي بها، خصوصاً وأنها قد اعتبرتها أحد أضلاع محور الشر- العراق وكوريا الشمالية وإيران- إذاً فالمقاربة بين ما جرى في العراق وما يجري في ليبيا الآن هي في الواقع مباعدة بينهما وقياس فاسد وغير مبني على أيِّ أساس مقنع، لأنّ ما عقـّد الأوضاع في العراق هو تهور الرئيس (بوش) الابن، وتدخل الاحتلال غير الشرعي من أمريكا وبريطانيا، الذي اكتسب الصفة الشرعية لاحقاً، بعد مباركة (فرنسا/ساركوزاي) الذي جاء على خلفية الانتخابات التي أطاحت بالرئيس الفرنسي الديغولي السابق (جاك شيراك) الذي صوّت ضد احتلال العراق في جلسة مجلس الأمن المشهورة، وما قامت به الحكومة الفرنسية بعد عدولها عن قرار (شيراك) الذي اعتبره (ساركوزاي) خطأً إستراتيجياً، فوّت على بلاده الاستفادة من عقود استخراج النفط وإعادة إعمار العراق، فأوجب على حكومته- نتيجة لذلك- التنصل منه بالاعتذار للحكومة الأمريكية وطلب الصفح منها، وكذلك الدول التابعة لمنظومة الناتو، التي أرسلت بقواتها لتشارك في هذا الاحتلال، ما يعني أن التدخل الأجنبي تحت أي ستار سيزيد من زعزعة الأمن والسلم في ليبيا قياساً بالتجربة العراقية.
هذه الحيثيات تدفعنا إلى الإسراع في القضاء على فلول "القذافي"، وإعطاء الأمر لحلف الناتو لوقف العمليات العسكرية، بناءً على ما صرّح به الناطق العسكري باسمه، إذ ذكر بأنّ العمليات العسكرية في ليبيا ستستمر حتى يأتينا الطلب من أصدقائنا الليبيين بضرورة إيقافها، لما يستشعرون زوال خطر ميلشيات "القذافي" على المدنيين، وحينذاك سيكون من الضروري اجتماع مجلس الأمن للبحث في رفع الحظر عن الأموال الليبية المجمدة في الخارج وإعادة استثمارها لصالح الشعب الليبي، وبهذا القرار المرتقب، سنستطيع بعون الله التخلص من خطر انتشار السلاح بين المدنيين بطريقة تحفظ لنا استقلالنا واستقرارنا وكرامتنا.
غني عن الإفصاح أنّ البلاد ستكون في مسيس الحاجة إلى بناء جهاز أمني وعسكري يحفظ أمن المواطنين من أي تهديد داخلي أو خارجي، ما يلزم إعداد رجال الشرطة وتزويدهم بالسلاح لذلك، والعتاد يتطلب استيراده بأموالنا هذه من الخارج، الأمر الذي سوف يسبب في إخراج أرصدتنا إلى سوق السلاح، وطالما أننا ملزمون بهذا، ما وجه الإشكالية في أن نشتري هذا السلاح المنتشر بين صفوف المدنيين ولو بضعف سعره الأصلي في السوق السوداء؟، ولست أدعو من وراء ذلك إلى الاتجار بالسلاح، بل إلى الإبقاء على هذه الأموال ما سوف يسفر ويثمر عن انتعاشة اقتصادية في بلادنا، خصوصاً وأننا نعاني من ضائقة مالية، فالدعوة إلى انتزاع السلاح عنوة من حوزة المدنيين سواء بالقوة الدولية أو العربية قد تدفعنا إلى عنف آخر يؤدي إلى نزف المزيد من الدماء، فأرواح أبنائنا أغلى لدينا من كل الأموال.
بنغازي: 29/8/2011

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية