الخميس، 4 أغسطس 2011

إياكم أن تتأثروا بالكاريزمات السياسية

إياكم أن تتأثروا بالكاريزمات السياسية

"لو انتصرت إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، لصار العالم جميلاً، لكنه سيصبح فاسداً" .. (ونستون تشرشل)
من الناس من يأسره العجب بالكاريزما السياسية، سواء من حيث ضخامة الجسد أوطول القامة أوعرض المنكبين أو الهندام أو حلاوة اللسان، فنجده يحرص على أنْ تكون الشخصية المتمتعة بهذه الميزة على الواجهة السياسية، حتى لو كان أداؤها ضعيفاً، ولا يعرف بأنّ هذه الخصائص غير مكتسبة بل هي من عطاء الله، والعرب بصفة عامة أصيبوا بهذا الداء، وهذا ما جعل العديد من الطغاة يتسلطون على رقابهم لفترات مديدات، والمخابرات الأجنبية اعتمدت على هذا الأمر عند إعداد عملائها منذ فجر السياسية، ولو بقينا في الإطار العربي، لوجدنا أنّ أغلب الدكتاتوريين العرب، أُختيروا من قِبل هذه الدوائر الاستخباراتية على هذا الأساس، فليس من قبيل الصدفة، أنْ جيء بالرئيس المصري الأسبق "عبد الناصر" وهو بهذه التركيبة الجسمانية الفرعونية، ليحكم مصر، وكذلك "القذافي" في ليبيا و"صدام حسين" في العراق، فلقد كان لثلاثتهم أجسادٌ ضخمة- طولاً وعرضاً- لإضفاء الهيبة عليهم، ولعلّ ممّن أسرتهم هذه الشخصيات على نطاق أوسع (النساء) بالدرجة الأولى، لأنهن كنّ يرينهم كنجوم السينما، عند ذاك يطغى الإعجاب بالمظهر والشكل الخارجي على الأداء السياسي، فهؤلاء الثلاثة مثلاً، عُرِفوا بالضخامة في البنية الجسمانية، والعقول الصغيرة التي لا تؤهل الواحد منهم حتى لوظيفة ناظر في مدرسة ابتدائية، فما ظنكم بدول لها وزنها الاستراتيجي، سواءً تاريخياً أو جغرافياً أو حتى من حيث الإمكانات الاقتصادية والمالية؟، ولعلّ في النتائج والمصائر التي أودوا ببلدانهم إليها، لبرهان ساطع على ذلك.
فالانبهار بالكاريزما السياسية له مؤدى خطير على مستقبل البلاد لأنه يعطل مبدأ التفكير ويجعل الأنفس تحكم بعواطفها على السّاسة، لدرجة أنّ المنبهر بمثل هذه الشخصيات الكاريزمية، قد يؤدي به الإغواء إلى أنْ يعمل على الدوام لأجل الدفاع عن زلاتهم وكوارثهم السياسية من دون أنْ يُكلفه أحد بذلك، بل ينبري بنفسه لأداء هذه الوظيفة، نتيجة الغشاوة التي تنعكس من هذه الكاريزمات على بصيرتهم قبل بصرهم، وهناك وقائع تاريخية تؤيد طرحي هذا، وأسوق لكم منها، حادثة إعلان "عبد الناصر" استقالته عن منصبه الرئاسي، عقب هزيمة 1967 النكراء، لعلمه بأنه هو المسؤول الأول عن تلك الكارثة، التي أدت إلى احتلال أراضٍ عربية تتبع لثلاث دول نتيجة لعنترياته واستبداده بالرأي والقرار السياسي العربي بصفة عامة، ففي الخطاب الذي أعلن فيه عن عزمه على الاستقالة، قامت بعض النسوة برمي أنفسهن من أعلى بنايات القاهرة لأجل ثنيه عن ذلك- وهذا ما قمنّ به بعد وفاة المطرب "عبد الحليم حافظ" أيضاً في عام 1977 ميلادية- مع أنه لم يحصل على هذه الثقة إلا نتيجة لمظهرة وخطبه الآسرة للقلوب العربية الرجالية والنسائية، وكذلك القذافي، الذي أُعِد لهذا الغرض في صالات التطويل وتعريض الكتفين والمقدرة على الحديث لساعات وساعات، وتقمصه للشخصية الأصيلة بارتداء الزي الوطني، أما "صدام حسين"، فقد اكتسب الكاريزما السياسية بشواربه المهذبة وابتسامته الجميلة التي تفغر عن أسنان لبنية مصطفة ككردوس عسكري من حرسه الجمهوري، وحرصه على الظهور باللباس العسكري الزيتوني، مع أنه لم يكُن من المؤسسة العسكرية، بل قضى على كل عسكري مقتدر، وقد نجد العذر للنساء إنْ وقعنّ في هذا المطب، لكني لا أجد أيَّ تفسير للمصابين بهذا الداء من الرجال.
أغلب من يشكك في كفاءات رجال المجلس الوطني الانتقالي، واقعٌ تحت هذا التأثير الكاريزمي، لأني أجدهم يركزون على الكاريزما لكل واحد منهم، كما أجد آراءهم تتطابق مع النساء بخصوص أعضاء المجلس بالسلب أو بالإيجاب، سواءً بسواء، وهنا سأحاول أن أؤكد لهم على هذا المبدأ الذي جعلهم يحكمون على أداء المجلس من خلال هذه الرؤية وقد لا يشعر الواحد منهم بها، ويمضي في انتقاده بناء على هذا الحكم الظالم، فالملك "إدريس" رحمه الله، لم يكُن ممّن يتحدثون كثيراً وليس من هواة الخروج على شاشات التلفزيون، إلا أنه كان رجل دولة، وأهم ما ميّزه صدقه وإخلاص نيته لبلاده، وهذا ربما ما يفسّر تعذر حصول القارئ على صورة واحدة له، وهو يؤدي الصلاة، لأنه يعرف أنّ ذلك قد يوقعه في إثم الرياء، بعكس القذافي الذي حرص دوماً على أنْ يُظهـِر نفسه للعالم، بأنه إمام المسلمين من خلال إمامته للمصلين من المسلمين في أفريقيا، وكذلك الشيخ "زايد بن سلطان" الذي خدم بلاده بإخلاص وعمل على أن يجمعها في اتحاد واحد، بدلاً مما كانت عليه من إمارات مشتتة على ساحل الخليج العربي، فلم يسجل عليه أنه من الشخصيات التي كسبت محبة الشعوب نتيجة لطراوة ألسنتها ولم يحسب أبداً على الشخصيات التي تعشق الظهور.
من هنا أصل بكم إلى تأصيل مهم في تقييم الأداء السياسي لأية شخصية سياسية إما الآن أو في مستقبل البلاد السياسي، فالحكم على أي متقلد لأي منصب سياسي في البلاد، لا ينبغي لنا أنْ نخضعه للكاريزما التي تأخذ عدة أوجه منها حسن المنظر، وأكثر ما أحذر منه تلك الكاريزما الصالونية البيروقراطية التي قد يجانبها الصواب كثيراً، ولا يهمها سوى أن تسجل خططها التنموية باسمها- كخطة ماريشال التي نهضت بأوربا بعد الحرب العالمية الثانية- في حين أنها قد تكون غير ذات جدوى، وإنْ كان من بد، فلتكُن الكاريزما الرصينة هي ساحرتنا.
بنغازي: 4/8/2011


2 تعليقات:

في 5 أغسطس 2011 في 7:55 م , Blogger Abir يقول...

رغم قصر قامة المستشار عبدالجليل والدكتور محمود جبريل فكل له كاريزمته الخاصة والرائعه الاول بطيبته وخوفه من الله والثاني بسعة مداركه واخلاصه للوطن... حفظهم الله من كل من يريد بهم شرا ويجعل كيدهم في نحرهم ان شاءالله

 
في 9 أغسطس 2011 في 12:32 م , Anonymous غير معرف يقول...

شكرا على مقالتك ولكن الكاريزما لا تعني القامة او المظهر واقتبس هنا تعريف موسوعة ويكيبيديا :
الكاريزما وصف يطلق على إلى الجاذبية الكبيرة والحضور الطاغي الذي يتمتع به بعض الأشخاص والقدرة على التأثير على الآخرين إيجابيا بالارتباط بهم جسديا وعاطفيا وثقافيا، سلطة فوق العادة، سحر شخصي شخصية تثير الولاء والحماس. الكلمة تاتي من كلمة (بالإنجليزية: Charisma‏) والتي ترجع لأصل يوناني وتعني الهدية أو التفضيل الإلهي. وعلى الرغم من صعوبة إيجاد تعريف دقيق لهذه الكلمة إلا انه يمكن ربطها بشخصية معينة والقول إن الشخصية الكاريزمية هي التي لها قدرات غير طبيعية في القيادة والإقناع واسر الآخرين، كما أنها تمتاز بالقدرة على الهام الآخرين عند الاتصال بهم، وجذب انتباههم بشكل أكثر من المعتاد.

ومن هنا الكاريزما تعني القدرة على التأثير في الاخرين وليس الشكل والمظهر

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية