الأحد، 24 يوليو 2011

لتزدهر الحياة بالحريقة والبريقة

 ثمة خطة إستراتيجية ومنهجية مهمة لردع "القذافي" وهزيمته، وهي خطة مُحكمة البنيان، نتائجها مضمونة (امصوقرة) وخسائرها طفيفة، ولها ميزة مختلفة، حيث إنها تضمن للشعب الليبي في المدن المُحرَّرة استمرار الثورة بانتعاش الحياة الاقتصادية فيها، على الرغم من التوتر الظاهر على سطح البلاد، وتجمُّد المفاوضات- مع حكومات الدول المُعترِفة بمجلسنا الوطني الانتقالي، وتلكؤها في سقاية حلوقنا العطشى، ولو بانتهاج وسيلة التقطير للريّ- بخصوص الأموال المُجمَّدة، على الرغم من إعلانها عن تعاطفها معنا.. "حنان الوز بلا بز".
حينما كانت البريقة ورأس لانوف في حوزة الثوّار، طلبت إليهم أنْ يُطفئوا محركات سياراتهم ويتوقفوا هناك، بعدما يقيمون المتاريس والدُّشم، ولم ابتغِ من ذلك تقسيم البلاد، لكن ليقيني بأنّ "معمر" هو مجرد موظف يعمل على إدارة المؤسسات النفطية، وبمجرد فقدانه السيطرة عليها سُرعان ما يفقد قوته وتخور عزيمته، ولن يجد السند والدعم، حتى من أكبر الشركات والحكومات التي تنتعش خزائنها من عوائد هذه الثروة، وخاصة روسيا والصين، اللتين وعدهما هذا الموظف بالنصيب الأوفر من عقود الإنتاج، بل قد فازتا بنصيب الأسد منها قبل حتى اشتعال خامة الثورة في حقل الرجولة الليبية.
فقد ألفيت في هذه الإستراتيجية الحربية الاقتصادية، ضربة قاصمة انتظرناها من أبناء العاصمة، وهتفنا بها في ساحة الاعتصام كثيراً، حتى بُحت حناجرنا، إذ أنّ هذه الإستراتيجية، ستجعل من يحاصرون العاصمة في موقف سيئ للغاية، لما يرون شساعة الفرق بين معيشتهم، وما يحدث في المدن المحررة من ازدهار ونمو اقتصاديين، فبذلك نستطيع أنْ نؤلف قلوبهم معنا، لما يعرفون بأنّ من يلتفون حوله، هو من سبّب لهم في هذه الأزمة الاقتصادية الخانقة، من نقصان في الأموال والوقود وارتفاع في أسعار المواد الغذائية والأولية، هذا إذا كان مردُّ التفافهم من حوله، هو إغراؤه لهم بالأموال.
لقد كان لبعض المثقفين دورٌ سيئ على الانتفاضة في طرابلس، حيث إنه أسهم في إخماد روح الثورة هناك، فقد اشتعلت كالنار في الهشيم في أيامها الأولى، ونتيجة لقمع ميلشيات القذافي لها، فقدت بريقها منذ الأسبوع الأول، وتركزت على بعض الأعمال النوعية، التي لها تأثير يقلُّ عن تأثير الثورة العارمة على معنويات "القذافي" وعصابته، لما حاول هذا البعض ممّن يحسبون ويعدون على المثقفين، أنْ يوفر الحماية للشباب، وبحث لهم عن عذر مفاده، أن المدينة محاصرة وأنّ القبضة الأمنية للكتائب في طرابلس شديدة، وعند الوقوف على هاتين النقطتين، أي حال الدخول في حسابات كهذه، تتغير حركة الشباب هناك من ثورة إلى مسمى آخر، ربما يكون احتجاجاً، فالثورة تبدأ لأجل تغيير واقع سيئ، سبّب في تعطيل دواليب البلاد الأربعة (السياسي والاقتصادي والاجتماعي والإنساني) وكذلك الدولاب الخامس (الاحتياطي/الإسكورطة) الذي أفسره بالمستقبلي، فتصبح عربة البلاد قائمة بل نائمة على أربع معضلات صعبة، لا يمكن السير بها، حتى يعود الهواء إلى عجلاتها، وذلك بنفخها بروح الثورة، فالاستكانة التي نالت من وهج الثورة في العاصمة "طرابلس" أرده على هؤلاء المثقفين، وألقي باللائمة عليهم في ذلك، ولا ريب أبداً، بأنّ الثوّار في طرابلس قد وصلوا إلى استنتاج واحد لا غير، وهو أنه لا رجوع وسيزداد الإيمان بالثورة على الرغم من التضحيات، كلما أمعن "معمر" في طغيانه وتهديده لأهلها، خاصة ما يطلقه من تهديدات تنال من العاصمة، ولعلّ أخرها تهديده بأنه سيحرق العاصمة بمجرد وصول الثوّار منحدرين من جبل نفوسة على تخومها، فأمام كل هذا العته، لا أظن بأن الطرابلسسين سيصمتون طويلاً، وهم ولا شك في مرحلة إعداد القوة ورصّ الصفوف والتقاط الأنفاس العميقة للركض وراء عصابات القذافي في الشوارع والأزقة، وسيساعدهم في الانتفاض، انفضاض مناصري القذافي من حوله، بعد أن يرون البون الشاسع بين الحياة الاقتصادية في المدن المحررة والمحاصرة، وهناك حالة مماثلة نتجت عن الخطة التي عرضت لها في هذه المقالة، فبعد حرب تحرير الكويت من الجيش العراقي، قام مجلس الأمن، بإنشاء منطقتين محميتين في شمال وجنوب العراق، وقام بإعادة صرف أموال العراق المجمدة لتوفير الحاجيات الضرورية للسكان فيهما، فيما شدّد من طوق الحصار على مركز السلطة (بغداد) حتى بدا التململ هو الغالب على سطح الحراك السياسي في العراق، وبمجرد أن دخلت القوات الأمريكية إلى العراق لتحتله، لم يجد "صدّام حسين" جندياً واحداً من ألويته وفيالقه يدافع عليه ويدفع عنه شبح الاعتقال.
وأنا هنا لا أدعو إلى الإفراط في التنمية في المناطق المحررة بإنشاء المشروعات الكبيرة، ولكن ما عنيته هو توفير الحد الأدنى من المواد الأولية ليس إلا، وللعلم فإنّ نظام "القذافي" نفسه هو، يعتمد هذه الخطة، حينما يسرب من خلال صندوق عجائبه الممتلئ بالمهرجين والبهلوانيين (تلفازه) أخباراً تفيد بأنّ الحياة الاقتصادية في المناطق المحررة مزرية، ولا يجد المواطنون هناك حتى الخبز والوقود وتأخر وصول المرتبات.  
بنغازي: 24/7/2011  

0 تعليقات:

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية