الأربعاء، 20 يوليو 2011

خذها نصيحة من لاعب شطرنج قديم


ضع في ذهنك جيداً، أنّ من يحكي معك الآن، قد تحصّل على بطولة دوري رمضان، الذي صادف سنة 1985ميلادية، المقام بنادي النصر، وفاز بصحن محلابية مرشوش عليها خليط من الألواز الأربعة وبأصبعين من بلح الشام الغارق في القطر، حتى لكأنني به صار رطب الشام، من يد الحاج "سرور" القائم على كافتيريا النادي، ولم يتجاوز عمره آنذاك الثلاثة عشرة عاماً، وصرع ببيدقه ملك ملوك (زمانو) في لعبة الشطرنج البالغ من العمر ستين عاماً.
اسمع مني ما أقول، فإنّ إطالتك لزمن حرب التحرير، لا يعني بأنك قوي وبأنّ جيشك العرمرم جيشٌ لا يُهزَم، فلقد كان بإمكان قادة الصرب بمن فيهم (ميلوزوفيتش و(كازاديتش) أن يطيلوا من زمن مقاومتهم لضربات الحلف الأطلسي، لو أرادوا وجعلوها معركة استنزاف، لكنهم لم يكابروا ويتعنتوا، إزاء مطالبات المدنيين من شعبهم، فرضخوا للشرعية الدولية، وأوقفوا منهزمين تهديدهم للمسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفو، مع أنّ حربهم ضدهم لها ما يبرّرها ولا يبرّر الجرائم التي اقترفوها في حقّ المسلمين العزل، ولو بحجة الحفاظ على وحدة أو اتحاد الجمهوريات اليوغسلافية، لكون صربيا هي الجمهورية الأكبر بين جمهورياته، إلا أنّ (ميلوزوفيتش) التزم بحكمة لاعب الشطرنج وقام كأي خبير في هذه اللعبة بإنهاء هذه المباراة، وهذا ما يجب عليك فعله.
رأيتك وأنت تلعب مع ذلك الروسي، ولن أصدق أبداً بأنك هزمته، وأني متأكد بأنه صرعك في وقت قصير، بخطة نابليون- المعروفة حتى لدى المبتدئين في هذه اللعبة، التي تعتمد على الذكاء والواقعية- حينما حاصر ملكك بالوزير والحصان أو بالوزير والفيل، من الثغرة التي تركتها مشرعة له بعد مصرع الجندي (البيدق) المتواجد فيها والحارس لها.
لقد فشلت في الخطط التي رسمتها ونفذتها ضد شعبنا، إذ فشلت دسائسك التي رميت بها إلى بذر الشقاق بين صفوفنا، وتعرقلت مسيرتك الجماهيرية المليونية السلمية نحو بنغازي في منتصف الطريق، وأوقف ثوارنا زحف قواتك صوب المدن المحرَّرة، لقد بلغ الآن عمر وليدتنا الثورة ستة أشهر، فألقت بـ(اللهّاية) من فمها، وصار بإمكانها كأية طفلة صغيرة أنْ تحبو وتزحف بعدما علمتها أمها كيفية الجلوس على مقعدها، والحفاظ على توازنها قبل أن تنطلق إلى وجهتها، وجملتها بإسوارة على يدها في شكل أفعى ذهبية تلتف على معصمها، ويتدلى من رقبتها عقدٌ به (اخميسة وحويته وقرين أحمر) درأً للعين، بعدما استحمت ورشّت عليها أمها مسحوق الأطفال الـ(بودرة) الناعم، وصار بإمكان مولودتنا أنْ تزحف الآن، وهذا ما بدأت به أنت فقد بدّلنا المواقع، أخذنا نزحف عليك وأنت من يتظاهر، بعد أنْ كان العكس في بداية الأحداث من هذه الثورة الخالدة، قطعنا الشطرنجية أصبحت أكثر عدداً من قطعك، وكلما أُستشهِد منا ثائر، أصرّرنا على أنْ تصل بيادقنا إلى أخر خط من خطوطك، حتى نقوم بخطوة مهمة في لعبة الشطرنج (التعليق)- أنْ يحل محل البيدق قطعة أهم، لما يصل إلى الخط الأخير- أما أنت فلا بيادق أصبحت معك، وكلما فقدت جندياً من ميشلياتك لا تستطيع أن تعوّضه، فقد غدوت مجرد قطعة واحدة ووحيدة (ملك) على رقعة كبيرة، بعدما تركك مناصروك وانشقوا عنك، وفقدت بيادقك التي لا دور لها، وتعمل معك كإمعات لا تتحرك إلا بأمرك وإمرتك، على الرقعة أنت ملك على رأسه صولجان يزيد من ثقل حركتك، محاصرٌ بالبيادق والقطع الأكبر، لا يستطيع إلا أنْ يتحرك نقلة واحدة، أما جنودنا فهم ما يزالون أمامنا، والبيدق في المربع الأول بمكنته أنْ ينتقل خطوتين إلى الأمام فقط أو وترياً حينما يتشابك مع خصمه، حاولت أن تقوم بإجراء خطة التوريث المعروفة لدى لاعبي الشطرنج بـ(التبيّيت)- أنْ يُبدل الملك والقلعة مكانيهما، قبل أن يتحركا- بينك وبين ابنك "سيف" في أكثر من مرة، غير أنه كان قد تحرك من موقعه في أول خطاب له، بان فيه وجهه القبيح، الذي هدّد به الليبيين بالويل والثبور، إنْ هم استمروا في ثورتهم العارمة والعازمة على إسقاطك، فلم تعُد هناك إمكانية لأن تجري مثل هذه الخطوة التي لا تكون عادة إلا في بدء المباراة، ولم يعد بوسعك سوى إقامة التظاهرات وإلقاء الخطب الخجولة، لا يهمني أنْ تخرج بين الجموع ولن أطلب منك ما يطلبه معارضوك في هذا الصدد، فمسألة خروجك وسط مريديك ومؤيديك من حاشيتك لا تعني ليّ شيئاً، فأنت بعيني جبان وفاشي وفاشل، ولن يسعفك العمر حتى تعود إلى زمن خطبك الرنانة، فأنفاسك تقطعت وصوتك تخشن وعباراتك لا جديد فيها، يا قذافي خذها نصيحة مني، فوقتك صار ضيقاً والحكم يرقب إصبعك على ساعة التوقيت، افعل ما فعله (ميلوزوفيتش) انقل صبعك من على المؤقت وضعه على تاج ملكك وأسقطه منسحباً من هذه اللعبة إمارةً على سقوط إمارة الدكتاتورية والقمع، وحينذاك لن تستطيع إرجاعه لأن القانون يقول: (تتش موف).
بنغازي:19/7/2011


1 تعليقات:

في 21 يوليو 2011 في 8:28 م , Anonymous غير معرف يقول...

It is very nice article, I don't know how did you manage to write it.

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية