الأربعاء، 13 يوليو 2011

شؤون ثورية

(1) لعبة الأغلبية:
في الأيام الأخيرة للثورة المصرية، وقع الثوّار في مصيدة سياسية خطيرة، جرّهم إليها النظام البائد قبل أنْ يهلك، وهي الخوض معه في خضم التحشيد والتظاهرات، حيث صار يُخرج أنصاره من حين إلى آخر في الميادين المجاورة لميدان التحرير، الذي اكتظّ بالمنتفضين بالقاهرة، التي ركزت عليها وسائل الإعلام أكثر من المدن الأخرى، التي اكتسحت فيها الثورة ميادينها وساحاتها ولم يبقَ للنظام فيها أثر واحد، وصار التنافس على أشده على العاصمة المصرية من الطرفين (شباب الثورة والحكومة)، فلم تجد تلكم المدن اهتماماً من القنوات الإخبارية العالمية لإظهار روح الثورة فيها، ما أوقع الثوّار في لعبة الديموقراطية، التي ما كان عليهم أنْ يزاولوها مع هذا النظام القمعي في أساسه، فأكسبوه لبوساً لا يليق به حجماً ولا شكلاً، فأضفى على النظام الشرعية من دون دراية منهم، فالثورة هناك كما هنا، لم تقـُم إلا ضد نظامين مستبدين ودكتاتوريين، لا يعترفان بالأغلبية ولم يُلبيا رغبة الشعبين قبل خروجهما في التظاهرات الأولى ضدهما.
وما يقوم به الآن ما تبقى من بنيان كيان "القذافي" المُنهار، من تحشيد وإظهار للمتجمهرين، هو محاولة مشابهة لما فعله الحزب الوطني في مصر تماماً، فالقذافي قد أصدر أصلاً قراراً يلغي ويمنع بموجبه حقّ التظاهر منذ تقلده لزمام الأمور في ليبيا، لذا قابل الثوّار بالقمع منذ يوم 15 فبراير، حتى أخذت الثورة الليبية طابع حرب التحرير، لأجل القضاء على هذا النظام الفاسد، وعندما راحت قواته تتقهقر نتيجةً لضربات الثوّار والغارات الجوية الأطلسية، التي انتقدها بعضٌ من المراقبين، بل اعتبرها فاشلة، إلا أنها وبحقِّ، قد أضعفت قدرات ميلشيات القذافي، التي حتى وقت قريب وحتى بعد تسلم حلف الناتو المبادرة، كانت تسير في أرتالها بطريقة اعتيادية تجول وتصول في الشرق والغرب والشمال والجنوب وفي البحر أيضاً، لكنْ نتيجة لنجاعة هذه الطلعات الجوية، انكفأت قواته عليه، ولم يعد لها أية قدرة على التهديد، وأصبحت بالكاد تقدر على توفير الحماية له في مخبأه، من وطأة حمم هذه الغارات، وكذلك تقدُّم جيش التحرير نحو معقله ومعتقله الأخير في طرابلس، فانعكست الآية، التي بدأ بها الثوّار متظاهرين وقوات القذافي هي البادئة بالزحف، فاستلم الثوّار مبادرة التهديد، ما جعل "القذافي" يلجأ إلى التحشيد وإخراج المسيرات المُسيّرات، لأنه يعي تماماً، بأنّ دول التحالف في مُجملها هي دول ديموقراطية، تحفل كثيراً، بالمظاهر الجماهيرية وحقّ التعبير، وأن لشعوبها الرأي الفصل في أية مشكلة محلية أو دولية، لذا أراد رأس النظام أنْ يرسل برسائل عاجلة إلى شعوب هذه الدول، مفادها أنه يحظى بقاعدة شعبية وجماهيرية كبيرة، وأنْ ما يجري على الساحة الليبية ليست ثورة عارمة، وإنما هو محض مؤامرة دولية خسيسة، هدفها النيل من شخصه المحبوب الذي يسكن في قلوب الملايين، لتقوم- من ثم- هذه الشعوب الحرّة التي تنعم بما لا ينعم به الشعب الليبي من حرية وعدالة وإنسانية، بالضغط على حكوماتها، كي توقف هذه العملية العسكرية، وهذا ما حرص القذافي عليه في خطابه في مسيرته المليونية المزعومة، لما طلب من (ساركوزاي) و(برلسكوني) و(كاميرون)- وهو يدّعي عند ذكر اسم الأخير، بأنه لا يحفظه ولا يعرف نطقه جيداً، لكأنه أتى على ذكره مصادفةً- بأنْ ينزلوا عند رغبة شعوبهم التي ترى الشعب الليبي وتتضامن مع تطلعاته، وهو يلتحم مع قائده، الذي يتمثل بحسب رأي "القذافي" فيمن يمرّ ويحتشد أمامه من جموع غفيرة، متجاهلاً الثوّار في المدن المُحرَّرة والمقموعين في المدن الأسيرة، إذاً فالقذافي كما هو، ما يزال يعمه في غيّه، ويؤكد على أنه لم يتغيّر ولا يأبه برأي الليبيين، حتى يجرنا إلى هذه اللعبة التي ننافسه فيها على الرقم الصعب والأكبر في عدد المتظاهرين معه أو ضدّه، لأنّ خطاب مليونيته موجّه بالأساس للخارج لا للداخل، والخارج ليس بغبي، حتى يستطيع أنْ يخدعه هذا الأفاق والأفاك.
وفي هذا السياق، أودّ أنْ ألفت الانتباه إلى أنّ استفزاز القذافي من قبل بعض المحللين السياسيين بالداخل، أحياناً لا يصب في مجراه ولا يكون له معنى، بل قد يزيده عناداً وقوة، فبعد أنْ ثارت بعض الشائعات عن هروبه إلى (فنزويلا) في أوائل أيام الثورة، انبرى محللون كثيرون يتحدونه باستفزاز- قد استفزّني- أنْ يظهر على الشاشة ليدحض هذه الشائعات (إذا كان رجلاً)، وقد ظهر بالفعل (ما فيه احويجه)، أيضاً زاد هؤلاء في تحديِّهم له، لما صرحوا بأنّ الجميع انفضوا من حوله، فطلبوا إليه مصرين ومختبرين شجاعته، أنْ يُخرج مؤيديه (إنْ كان صادقاً)، لما عاهدوه عليه من تصرفات كهذه في مآزق دولية سابقة، تعرض لها نظامه، ففوجئ هؤلاء بمن خرجوا، ولو قسّراً يؤيدونه في مليونيته المفبركة- التي حتى إنْ سلمنا جدلاً بصدقيتها، فهي لا تعني أبداً بأنّ هؤلاء سيضحون بحياتهم من أجله، بل إنني أراهن على أنهم بمجرد دخول أول طلائع جيش التحرير إلى طرابلس سيختبئون جميعاً، ويؤثرون سلامتهم على القائد، وسينضمون إلى الثوَّار- وبعد أنْ أذهلهم بدهائه وبراعته في التزيّيف والتزوير، ها هم اليوم يستفزونه مجدداً بأنْ يخرج بين أنصاره في الهواء الطلق وعلى الهواء مباشرة، فماذا لو فعل ذلك؟ هل سيكون شجاعاً برأي متحديه؟! قطعاً لا، لكنّ ذلك قد يقوي من شوكته بين أتباعه، فنمكنه- من ثم- مما لم يخطر على باله أصلاً، ونخلع عنه عباءته ونلبسه زيّه (الكاكي)، ربما حينذاك وحيّزاك، يرتاح هؤلاء المحللون.
(2) تجميد الأموال:
بحسب رأيي كان من الممكن تلافي هذا القرار الذي صدر في مجلس الأمن والسلم الدوليين، تحت رقم 1970، أو استثماره فيما يعود علينا بالفائدة والخير والوفير، فلو كان للسيد "شلقم" الحسّ السياسي المطلوب في هذه المرحلة الحسّاسة والدقيقة- خصوصاً وأنه عمل في منصبه لمدة طويلة كممثل للجماهيرية في هذا المحتفل الدولي- لقدرنا على توظيف هذا البند والأموال بما يخدم قضيتنا، فعلى الأقل اقترح أنْ يتمّ التجميد على السيولة، وأنْ تدفع هذه الأموال في شكل مساعدات إنسانية عاجلة ومستمرة حتى سقوط النظام، كالتي عُرفت في العراق، بعد خروجه من الكويت في عام 1991 ميلادية، تحت مسمى النفط مقابل الغذاء، لكنّ ثمة من يقول: "ليس بالإمكان أبدع مما كان"، فبالكاد استطاع سيادته أنْ يضع أعضاء هذا المجلس الدائمين وغير الدائمين في الصورة الملونة بالدم لما يجري في بلادنا، من قمعٍ وتقتيلٍ من أجهزة القذافي البوليسية، فتجميد الأموال كان أساسه خنق منظومة النظام الكبحية والحدّ من قدرته على التمويل لاستيراد الأسلحة والإتيان بالمرتزقة باستغلال الأرصدة الليبية بالخارج، غير أنْ يتحوّل هذا القرار إلى حصار على الشعب الليبي بدعوى حماية المدنيين، فهذا ما لا يطيقه العقل ولا المنطق، ولا تبيحه أية شرعية دولية ولا دينية، إلا إذا كان الغرض من هذا القرار، وأد ثورتنا في مهدها، لكني استبعد ذلك، وأفسّره على أساس أنه محاولة للسيطرة على الثوّار والتحكم في إستراتيجيتهم القادمة بعد سقوط نظام "القذافي" نهائياً من طرف بعض القوى، والحمد لله أنّ لدينا خبراء قانونيين دوليين يعرفون كيف لا يسمحون لأية قوى أجنبية، أن تتحكم في مصيرنا استناداً إلى الشرعية الدولية في هذا الصدد، فالقراران 1970-1973 أمميان، وغير قابلين لأية مساومة قد تنال من روح المقاومة، ولا يمكن التفريط فيهما تحت أيِّ ضغط سياسي أو تفاوضي، وما ينبغي على الشعب الليبي بالفعل في هذه الآونة، هو أنْ يكثف من التظاهرات المليونية أو حتى الألفية- قياساً بما ورد في إحدى كلمات القذافي، حينما طلب خروج الملايين في تظاهرات مؤيدة له، ولما عرف صعوبة ذلك لقلة تعداد الشعب الليبي بعامة ومؤيديه بالذات، خفّض من سقف مطالبه وعرّف عدد المليون، بأنه قد يساوي المئة ألف، ولكم أنْ تتخيلوا معي حجم المأساة واليأس اللذين يعيشهما بناءً على هذا التقريب غير المنطقي في لغة الحسابات والأرقام- للضغط على المنظومة الدولية، بدلاً من أنْ نصرف طاقات الجموع في المهاترات التي قد ندفع إليها بلا فائدة، فحقُّ التظاهر ما جُعِل إلا لإيصال المطالب قبل التعبير عن التأييد أو الرفض للأشخاص، فيتعين علينا إذاً، أن ندرك دوماً أن خطابنا يجب أن يكون باتجاه هذه الجهة (هيأة الأمم المتحدة) ومجموعة الاتصال، التي لم توفِ بعهودها بعد، ونحن على بعد أيام قليلة من اجتماعها المرتقب في تركيا، من أجل تدفق الأموال على بلادنا، فالصمت يعني الاستكانة وافتقاد روح المبادرة، ولم نجنِ منه في عهد القذافي سوى مزيداً من الإذلال، وإرجاعه لكل نكسة تعرضت إليها البلاد، إلينا، فدهاء القذافي لا كذبه، هو ما حفزه على إلقاء اللوم علينا، وقتما وضع خطيئته في حرب تشاد ومنعه للتجارة ومصادرته للأملاك، علينا، فقد قصد بذلك، أنّ هذا ما كان ليتم لولا قبولنا به، أي سكوتنا عنه.
(3) مصير القذافي:
ستكون مصداقية الدولة الليبية الجديدة بعد الثورة على المحك، إذا تجاهلت رأي الشعب بخصوص مصير "القذافي" الذي قرأت تصريحاً منسوباً لأحد أعضاء المكتب التنفيذي بالمجلس الوطني الانتقالي عبر حسابه الخاص على موقع (الفيسبوك) ورد فيه: "نفيه لوجود أية محادثات مباشرة وغير مباشرة بين المجلس وأيٍّ من أتباع القذافي بخصوص مصيره" ثم مضى شارحاً ومفسّراً قوله: "مصير القذافي يقرره الشعب الليبي" وطالما أنّ الأمر كذلك، ويجب أنْ يكون كذلك، من دون أية منّة على هذا الشعب الذي هو من ثار وأوصل "معمر" إلى هذه الحالة المزرية، لماذا لا يبكر المجلس باستفتاء شعبي حول مصير القذافي وعائلته وأعوانه؟ حتى يكون الشعب الليبي في الصورة منذ الآن، طالما برز جدلٌ لا يصل إلى حالة الخلاف بعد بين الناس، حول هذا الأمر، فثمة من يطالب بالقبض عليه ومحاكمته سواء بالداخل أو الخارج، وهناك قسم آخر، يرى في حقن دماء الليبيين مقابل تنحي "القذافي" عن الحكم وضمان العفو عنه نصراً وألوية كبيرين، وسيستمر الجدال وقد يصل إلى الخلاف، إذا لم تطبق الآلية الديموقراطية (الاستفتاء) التي ستخرس كل صوت نشاز، يصرّ على رأيه بعد استبيان نتيجة الاستفتاء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زياد العيساوي
بنغازي: 13/7/2011
للتواصل مع الكاتب: ziad_z_73@yahoo.com

للإطلاع على صفحة الكاتب على الفيسبوك: http://www.facebook.com/profile.php?id=100002322399992





1 تعليقات:

في 13 يوليو 2011 في 8:19 م , Anonymous غير معرف يقول...

مقال جيد ,

 

إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]

<< الصفحة الرئيسية